(الصفحة 373)
هذا ، ولكنّه على تقدير أن يكون من كلام الإمام(عليه السلام) لا دلالة للرواية على كون المراد بالتكبير هي تكبيرة الافتتاح ، وعلى تقدير كون المراد به ذلك ، لا دلالة فيها على إجزائها عن تكبيرة الصلاة ، بحيث لم يجب الاستئناف لو لم نقل بظهور قوله : «ولم يعتدّ بها» ، في عدم الاعتداد بشيء ممّا أتى به من التكبير والسجود لا عدم الاعتداد بخصوص السجود .
وأمّا فتاوى الأصحاب فقال الشيخ(قدس سره) في النهاية : ومن أدرك الإمام وقد رفع رأسه من الركوع فليسجد معه ، غير أنّه لا يعتدّ بتلك السجدة ، فإن وقف حتّى يقوم الإمام إلى الثانية كان له ذلك ، وإن أدركه وهو في حال التشهّد جلس معه حتّى يسلّم ، فإذا سلّم الإمام قام فاستقبل صلاته(1) .
وقال في المسبوط : ومن أدرك الإمام وقد رفع رأسه من الركوع استفتح الصلاة وسجد معه السجدتين ولا يعتدّ بهما ، وإن وقف حتّى يقوم الإمام إلى الثانية كان له ذلك ، فإن أدركه في حال التشهّد استفتح وجلس معه ، فإذا سلّم الإمام قام واستقبل القبلة ، ولا يجب عليه إعادة تكبيرة الإحرام(2) .
وقال في التهذيب : ومن أدرك الإمام وقد رفع رأسه من الركوع فليسجد معه ، ولا يعتدّ بذلك السجود(3) .
وقال الصدوق في الفقيه : ومن أدرك الإمام وهو ساجد إلى آخر ذيل الرواية المتقدّمة ، بناءً على أن يكون من كلام الصدوق لا تتمّة للرواية(4) .
وقال الحلّي في السرائر : ومن أدركه ساجداً جاز أن يكبّر تكبيرة الافتتاح
- (1) النهاية : 116 .
- (2) المبسوط 1 : 159 .
- (3) التهذيب 3 : 48 .
- (4) الفقيه 1 : 265 ذيل ح1214 .
(الصفحة 374)
ويسجد معه ، غير أنّه لا يعتدّ بتلك الركعة والسجدة(1) .
وقد انقدح بذلك أنّه لا دلالة لما عدى عبارة الشيخ في المبسوط والحلّي في السرائر على لزوم كون إدراك الإمام في السجدة مسبوقاً باستفتاح الصلاة بتكبيرة الإحرام فضلاً عن إجزائها عن تكبيرة الصلاة ، وعلى هذا يمكن دعوى الشهرة على خلاف الشيخ والحلّي ، مضافاً إلى أنّ فتواهما ما يوافق مع العامّة في هذا الباب .
وكيف كان ، فما يحتمل في المسألة أمور :
أحدها :
ما حكي عن العلاّمة في جملة من كتبه كالتذكرة ونهاية الأحكام من أنّه ينوي الصلاة ويكبّر تكبيرة الإحرام ويتابع الإمام في السجود وما بعده ، ثمّ يستأنف الصلاة ويفتتحها بتكبيرة ثانية ، مستدلاًّ لذلك ببطلان الصلاة بمتابعة الإمام في السجود ، لكونه ركناً وزيادة الركن مبطلة ، ولا دليل على اغتفارها هنا من نصّ أو إجماع(2) .
هذا ، ويرد عليه عدم معقوليّة ذلك ، فإنّ من يعلم بأنّه يبطل صلاته بزيادة الركن ، بل بكونه مكلّفاً بالابطال للمتابعة ، كيف يتمشّى منه نيّة الصلاة المشتملة على الركعات المعيّنة؟! ، فإنّ الإرادة وإن كانت من الاُمور الاختياريّة ، إلاّ أنّها ليست بحيث يمكن تعلّقها بكلّ شيء جزافاً ، بل لابدّ لها من مقدّمات ومبادئ ، ولايمكن تحقّقها بدونها ، ومن المعلوم عدم إمكان تعلّقها بالصلاة في المقام ، مع العلم بأنّه لا يتمّها ولا تصدر منه ، فهذا الاحتمال مردود لأجل عدم المعقوليّة .
ثانيها :
ما حكي عن الشهيد الثاني في أكثر كتبه من أنّه ينوي الصلاة ويكبّر تكبيرة الافتتاح ، ويقوم على حاله حتّى يرفع الإمام رأسه من السجود ، ثمّ يأتي المأموم بباقي صلاته من غير إعادة التكبير; والأفضل له متابعة الإمام في
- (1) السرائر 1 : 285 .
- (2) تذكرة الفقهاء 4 : 326 مسألة 595 فرع ـ ج ـ ; نهاية الأحكام 2 : 132 .
(الصفحة 375)
السجود(1) ، وهذا الاحتمال في نفسه معقول متصوّر ، ولكن لابدّ من ملاحظة الأخبار الواردة في المقام ، وأنّها هل تنطبق عليه أم لا؟
ثالثها :
ما احتملناه في رواية محمّد بن مسلم من متابعة الإمام في السجود من غير افتتاح بالتكبير ثمّ الاستئناف من رأس(2) .
هذا ، ولكنّ الظاهر أنّه لا مانع من نيّة الصلاة والإتيان بتكبيرة الافتتاح برجاء إدراك فضل الجماعة . ثمّ القيام على حاله حتّى يرفع الإمام رأسه من السجود ، ثمّ يتمّ المأموم صلاته من غير إعادة التكبير ، ولاتجب المتابعة في السجود كما أفتى به الشهيد الثاني ، نظراً إلى رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله البصري عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال : «إذا وجدت الإمام ساجداً فاثبت مكانك حتّى يرفع رأسه ، وإن كان قاعداً قعدت ، وإن كان قائماً قمت»(3) ، لظهورها في عدم لزوم المتابعة فتصير قرينة على حمل الروايات المتقدّمة على الاستحباب ، كما أنّ الاحتياط يحصل بنيّة الصلاة والإتيان بتكبيرة برجاء ذلك ، ومتابعة الإمام في السجود ، وإتمام الصلاة ثمّ إعادتها كما لايخفى .
هذا كلّه فيما لو أدرك الإمام في حال السجود ، وأمّا لو أدركه في حال التشهّد فمقتضى رواية عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يدرك الإمام وهو قاعد يتشهّد وليس خلفه إلاّ رجل واحد عن يمينه؟ قال : «لا يتقدّم الإمام ولايتأخّر الرجل ، ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام ، فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتمّ صلاته»(4) إنّه يستفتح الصلاة ويتابع الإمام في حال التشهّد ، ثمّ يقوم
- (1) منها : المسالك 1 : 323 ; الروضة 1 : 383 ـ 384 ; روض الجنان : 292 .
- (2) راجع 3 : 370 .
- (3) التهذيب 3 : 271 ح780; الكافي 3 : 381 ح4; الوسائل 8 : 392 . أبواب صلاة الجماعة ب49 ح5 .
- (4) الكافي 3 : 386 ح7; التهذيب 3 : 272 ح788 ; الوسائل 8 : 392 . أبواب صلاة الجماعة ب49 ح3 .
(الصفحة 376)
فيتمّ صلاته من غير إعادة التكبير .
ولا استبعاد في الفرق بين إدراك الإمام في السجود وإدراكه في التشهّد من هذه الجهة ، وهي لزوم استفتاح الصلاة فيما بعد في الأوّل وعدم لزومه في الثاني ، بل تكفي التكبيرة السابقة على التشهد ، فإنّ التشهّد ليس من أركان الصلاة ولا تكون زيادته مبطلة ، وهذا بخلاف السجدتين .
مضافاً إلى أنّه لا دلالة للرواية على أزيد من وجوب القعود خلف الإمام في حال التشهّد ، ولا دلالة فيها على لزوم المتابعة في التشهّد أيضاً . هذا ، مضافاً إلى أنّه لم ينقل الخلاف هنا في عدم الاحتياج إلى استئناف تكبيرة الإحرام ، وقال بذلك من قال بلزوم تكبير مستأنف فيما لو أدركه في السجود كالمحقّق في الشرائع(1) .
ثمّ إنّ هنا رواية اُخرى لعمّار قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل أدرك الإمام وهو جالس بعد الركعتين؟ قال : يفتتح الصلاة ولا يقعد مع الإمام حتّى يقوم»(2)وظاهرها النهي عن القعود مع الإمام ، كما أنّ ظاهر روايته المتقدّمة الأمر بالقعود خلفه ، والجمع بينهما أنّ روايته الاُولى ظاهرة في التشهد الأخير ، وهذه في التشهد الأوّل الذي يمكن معه إدراك الإمام فيما بعد من الركعة الثالثة ، أو هي مع الركعة الرابعة ، وبذلك يرتفع التدافع بين الروايتين .
إعادة المنفرد صلاته جماعةً
تستحبّ إعادة المنفرد صلاته إذا وجد جماعة يصلّون تلك الصلاة جماعة ، إماماً كان أو مأموماً ، وللمسألة صور :
- (1) شرائع الإسلام 1 : 116 .
- (2) التهذيب 3 : 274 ح793 ; الوسائل 8 : 393 . أبواب صلاة الجماعة ب49 ح4 .
(الصفحة 377)
1 ـ
ما ذكر وهو الإتيان بالصلاة الأدائيّة منفرداً ، ثمّ وجدان جماعة يصلّون تلك الصلاة كذلك جماعة ، وهذه الصورة هي القدر المتيقّن من الفتاوى والنصوص الواردة في هذا الباب(1) .
2 ـ
الإتيان بها منفرداً ثمّ وجدان جماعة يصلّون صلاة اُخرى ، كما إذا صلّي صلاة الظهر ، ثمّ وجد جماعة يصلّون العصر جماعة أو يصلّون صلاة الظهر القضائيّة لا الأدائيّة .
3 ـ
ما إذا أتى بصلاته جماعة ، ثمّ أراد الإتيان بها ثانياً كذلك . وهو تارة يكون إماماً في كلتيهما ، واُخرى مأموماً كذلك ، وثالثةً إماماً في الاُولى ومأموماً في الثانية ، ورابعةً عكس ذلك .
وعلى التقادير تارة تكون الجماعة الثانية هي الجماعة الاُولى ، واُخرى جماعة اُخرى . وما عدا الصورة الاُولى من هذه الصور يشكل استفادة استحباب الإعادة فيه من الروايات الواردة في المسألة التي جمعها في ا لوسائل في باب ـ 54 ـ من أبواب الجماعة ، فاللاّزم ملاحظة كلّ واحدة منها فنقول :
منها :
رواية هشام المتّحدة تقريباً مع رواية حفص بن البختري(2) من حيث المتن عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال في الرجل يصلّي الصلاة وحده ثمّ يجد جماعة قال : «يصلّي معهم ويجعلها الفريضة إن شاء»(3) ، والظاهر أنّ موردها هو الرجل الذي صلّى وحده ، ثمّ وجد جماعة يصلّون تلك الصلاة التي صلاّها منفرداً ، فلا تشمل ما عدى الصورة الاُولى .
- (1) المعتبر 2 : 428 ; تذكرة الفقهاء 4 : 275 مسألة 559; المنتهى 1 : 379; مدارك الأحكام 4 : 341; رياض المسائل 4 : 325; مستند الشيعة 8 : 168 ; الوسائل 8 : 401 . أبواب صلاة الجماعة ب54 .
- (2) الكافي 3 : 379 ح1; التهذيب 3 : 50 ح176; الوسائل 8 : 403 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح11 .
- (3) الفقيه 1 : 251 و262 ح1132 ; الوسائل 8 : 401 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح1 .