(الصفحة 377)
1 ـ
ما ذكر وهو الإتيان بالصلاة الأدائيّة منفرداً ، ثمّ وجدان جماعة يصلّون تلك الصلاة كذلك جماعة ، وهذه الصورة هي القدر المتيقّن من الفتاوى والنصوص الواردة في هذا الباب(1) .
2 ـ
الإتيان بها منفرداً ثمّ وجدان جماعة يصلّون صلاة اُخرى ، كما إذا صلّي صلاة الظهر ، ثمّ وجد جماعة يصلّون العصر جماعة أو يصلّون صلاة الظهر القضائيّة لا الأدائيّة .
3 ـ
ما إذا أتى بصلاته جماعة ، ثمّ أراد الإتيان بها ثانياً كذلك . وهو تارة يكون إماماً في كلتيهما ، واُخرى مأموماً كذلك ، وثالثةً إماماً في الاُولى ومأموماً في الثانية ، ورابعةً عكس ذلك .
وعلى التقادير تارة تكون الجماعة الثانية هي الجماعة الاُولى ، واُخرى جماعة اُخرى . وما عدا الصورة الاُولى من هذه الصور يشكل استفادة استحباب الإعادة فيه من الروايات الواردة في المسألة التي جمعها في ا لوسائل في باب ـ 54 ـ من أبواب الجماعة ، فاللاّزم ملاحظة كلّ واحدة منها فنقول :
منها :
رواية هشام المتّحدة تقريباً مع رواية حفص بن البختري(2) من حيث المتن عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال في الرجل يصلّي الصلاة وحده ثمّ يجد جماعة قال : «يصلّي معهم ويجعلها الفريضة إن شاء»(3) ، والظاهر أنّ موردها هو الرجل الذي صلّى وحده ، ثمّ وجد جماعة يصلّون تلك الصلاة التي صلاّها منفرداً ، فلا تشمل ما عدى الصورة الاُولى .
- (1) المعتبر 2 : 428 ; تذكرة الفقهاء 4 : 275 مسألة 559; المنتهى 1 : 379; مدارك الأحكام 4 : 341; رياض المسائل 4 : 325; مستند الشيعة 8 : 168 ; الوسائل 8 : 401 . أبواب صلاة الجماعة ب54 .
- (2) الكافي 3 : 379 ح1; التهذيب 3 : 50 ح176; الوسائل 8 : 403 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح11 .
- (3) الفقيه 1 : 251 و262 ح1132 ; الوسائل 8 : 401 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح1 .
(الصفحة 378)
ثمّ إنّ التعبير بأنّه(عليه السلام) «قال في الرجل يصلّي . . .» ، يحتمل لأن يكون الموضوع ـ وهو الرجل الموصوف بالوصف المذكور ـ مورداً لسؤال الراوي ، والصادر من الإمام(عليه السلام) إنّما هو الحكم المترتّب عليه ، ويحتمل لأن يكون الموضوع مذكوراً في كلام الإمام(عليه السلام) .
ونظير هذه الرواية في عدم الشمول ما رواه زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث قال : «لاينبغي للرجل أن يدخل معهم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة ، بل ينبغي له أن ينويها وإن كان قد صلّى ، فإنّ له صلاة اُخرى»(1) .
فإنّ الظاهر أنّ الصلاة التي يدخل الرجل معهم فيها وينبغي له أن ينويها صلاة ويحسب له صلاة اُخرى ، هي نفس تلك الصلاة التي صلاّها منفرداً ، والمراد بأنّ له صلاة اُخرى أنّه يثاب عليها أيضاً ، كما يثاب على ما صلاّها وحده ، فله ضعف ثواب صلاة الظهر مثلاً إذا أتى بها كذلك ، فلا دلالة لهذه الرواية أيضاً على حكم ما عدى الصورة الاُولى ، وهكذا الروايات الاُخر المذكورة في هذا الباب ، فإنّها أيضاً لا تشمل غيرها ، بل بعضها صريح في الورود في خصوص صورة الاُولى ، وهي رواية إسماعيل بن بزيع قال :
كتبت إلى أبي الحسن(عليه السلام) : إنّي أحضر المساجد مع جيرتي وغيرهم فيأمروني بالصلاة بهم وقد صلّيت قبل أن آتيهم ، وربّما صلّى خلفي من يقتدي بصلاتي والمستضعف والجاهل ، فأكره أن أتقدّم وقد صلّيت لحال من يصلّي بصلاتي ممّن سمّيت لك ، فمرني في ذلك بأمرك أنتهي إليه وأعمل به إن شاء الله فكتب(عليه السلام) : «صلّ بهم»(2) .
والمراد بالمستضعف من ليس له تمييز حتّى يميّز بين الشيعي وغيره ، وبالجاهل
- (1) الفقيه 1 : 262 ح1195; الوسائل 8 : 401 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح2 .
- (2) التهذيب 3 : 50 ح174 ; الكافي 3 : 380 ح5; الوسائل 8 : 401 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح5 .
(الصفحة 379)
من كان جاهلاً بأمر الولاية; غير عارف به .
وهكذا رواية يعقوب بن يقطين قال : قلت لأبي الحسن(عليه السلام) : جعلت فداك تحضر صلاة الظهر فلا نقدر أن ننزل في الوقت حتّى ينزلوا فننزل معهم فنصلّي ، ثم يقومون فيسرعون فنقوم ونصلّي العصر ونريهم كأنّا نركع ثمّ ينزلون للعصر فيقدّمونا ، فنصلّي بهم؟ فقال : «صلّ بهم لا صلّى الله عليهم»(1) ، وكذا غيرها من الروايات الاُخر المذكورة في ذلك الباب ، فإنّه لا يستفاد من شيء منها مشروعيّة الإعادة في غير الصورة الاُولى .
نعم ، يستفاد من بعضها جواز الإعادة ولو منفرداً مع العامة والاقتصار على صورة الجماعة .
ثمّ إنّ الصلاة الثانية المعادة جماعة التي اُستفيد استحبابها من الأخبار ، قد اختلف في شأنها الروايات الواردة في المقام ، حيث إنّ مقتضى بعضها أنّه يحسب له الأفضل منها ومن الصلاة الاُولى وأتمّهما ، أو أنّه يختار الله أحبّهما إليه ، وبعضها يدلّ على أنّه يجعلها الفريضة كما في رواية حفص أو يجعلها الفريضة إن شاء كما في رواية هشام بن سالم .
ومن المعلوم اختلاف مفاد هذه التعبيرات ، فإنّ مقتضى قوله : «يحسب له أفضلهما وأتمّهما»(2) أو أنّه يختار الله أحبّهما إليه(3) ، أنّ الاختيار في ذلك إلى الله تعالى ، وأنّه لايختار إلاّ ما هو أحبّ إليه ، ومعنى كونه أحبّ إليه ليس إلاّ ما هو أكمل وأتمّ من حيث الاشتمال على الاُمور المعتبرة في العبادة فرضاً ونفلاً ، ومن جهة الاشتمال على ما هو حقيقة العبادة وروحها .
- (1) الكافي 3 : 379 ح4 ; التهذيب 3 : 270 ح777 ; الوسائل 8 : 402 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح6 .
- (2) الفقيه 1 : 251 ح1133 ; الوسائل 8 : 401 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح4 .
- (3) التهذيب 3 : 270 ح776; الكافي 3 : 379 ح2; الوسائل 8 : 403 . أبواب صلاة الجماعة ب54 ح10 .
(الصفحة 380)
ومعنى اختياره تعالى أنّه يأمر بضبطه في طومار العمل وبالثواب عليه في الآخرة ، وإلاّ فهو تعالى غنيّ لا يفتقر إلى أعمالنا ولا عائدة فيها إليه ، وليس المراد باختيار الأحبّ ومحبوبيّة الأفضل والأتمّ أنّ غيره من التام والمفضول لا يترتّب عليه ثواب أصلاً ، ويصير بعد اختيار الأحبّ كأنّه لم يصدر ، بل الظاهر ترتّب الثواب عليه أيضاً ، غاية الأمر أنّ ما يتحقّق به الامتثال ويسقط به الأمر يجعل ما هو الأكمل والأتمّ .
وكيف كان ، فمقتضى هذا التعبير أنّ الاختيار في ذلك إلى الله وهو لا يختار إلاّ الأتم . وأمّا قوله(عليه السلام) : «يجعلها الفريضة» ، فإن لم يكن معلّقاً على مشيئة المصلّي كما في رواية حفص ، فظاهره أنّه يكون المكلّف مخيّراً في الصلاة المعادة بين أن ينويها نفس الفريضة التي صلاّها منفرداً ، وبين أن ينويها صلاة اُخرى من قضاء أو غيرها .
وأمّا مع التعليق على المشيئة كما في رواية ابن سالم ، فظاهره أنّ المكلّف مخيّر بين أن يجعل فريضته التي أمر بإتيانها هذه التي أتى بها ثانياً ، وبين أن يجعلها تلك التي أتى بها منفرداً ، ومرجع ذلك إلى أنّ الاختيار بيد المصلّي من حيث تعيين ما به يتحقّق الامتثال .
اللّهم إلاّ أن يكون المراد من جعل الثانية فريضة ، ما ذكرنا في معنى رواية حفص ، نظراً إلى أنّه لا فرق في ذلك بين التعليق على المشيئة وعدمه ، ولو لم يكن ظاهراً في ذلك لوجب الحمل عليه ، لئلاّ يعارض مع ما يدلّ على أنّ الاختيار بيد الله وأنّه يختار أحبّهما وأفضلهما .
نعم ، يبقى في المقام; الكلام في الامتثال عقيب الامتثال ، ولقد أجاب عن هذا الإشكال بعض الأعاظم من المعاصرين في كتابه في الصلاة بما حاصله : إنّ الطبيعة المتعلّقة للأوامر بملاحظة صرف الوجود تنقسم باعتبار الغرض الداعي إليها على
(الصفحة 381)
قسمين :
1 ـ
ما يكون وجود الطبيعة محصّلاً لغرضه الأصلي ، كما إذا أمر المولى بإحضار الماء وكان غرضه حضور الماء عنده آناً مّا ، فإذا أحضر الماء عنده سقط الغرض الأصلي .
2 ـ
ما يكون وجود الطبيعة توطئة لتحصيل الغرض الآخر وإن كان العبد غير مأمور إلاّ بإيجاد الطبيعة المفروضة ، كما إذا أمر باحضار الماء لغرض الشرب ، فإنّ إحضار الماء حينئذ وإن كان موجباً لسقوط الأمر ، ولكنّه لو أتى ثانياً بفرد آخر من الماء بملاحظة أنّه أحلى من الأوّل يكون مقرّباً عقلاً كما هو واضح .
وهذا المثال الذي ذكروا إن كان في الموالي العرفيّة بالنسبة إلى عبيدهم ، وهي تفارق مع الأمر الشرعي من حيث أنّه ليس الأوامر الشرعيّة منبعثة عن أغراض الآمر وحصول المنافع لنفسه تعالى ، إلاّ أنّه يمكن تصوير كلا القسمين في الأغراض الراجعة إلى العبيد التي صارت موجبة لأمر الشارع(1) ، انتهى .
والحكم بالنسبة إلى الأوامر العرفيّة صحيح كما أفاده(قدس سره) ، إلاّ أنّ تطبيقها على الأوامر الشرعيّة مع عدم كون الغرض المترتّب على المأمور بها راجعاً إلى المولى أصلاً ، بل الغرض يرجع إلى كمال العبد وارتقائه في غاية الإشكال ، فتأمّل .
الاقتداء بمن يصلّي عن الغير
هل يجوز الاقتداء بمن يصلّي عن الغير ـ إمّا لكونه وليّاً بالنسبة إليه ، وإمّا لكونه أجيراً لأن يصلّي عنه ـ أم لا؟
قد يقال بالجواز نظراً إلى أنّ العمل الصادر عن الولي أو النائب إنّما هو صادر
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري : 533 .