(الصفحة 40)
والأربع ، أو إلى الثلاث والأربع ، فاللازم بيان حكم هذه الصور فنقول :
لو كان شاكّاً في الأثناء بين الإثنتين والثلاث والأربع ، فانقلب شكّه بعد الصلاة إلى الإثنتين والأربع ، أو إلى الثلاث والأربع ، فمرجع هذا الانقلاب والتبدّل إلى ذهاب واحد من الاحتمالات الثلاثة التي يحتملها في الأثناء ، لأنه كان يحتمل التمامية; ويحتمل نقصان ركعتين ، ويحتمل نقصان ركعة واحدة ، وبعد التسليم زال أحد احتمالي النقصان .
إما احتمال نقصان ركعتين كما فيما لو انقلب إلى الثلاث والأربع وإمّا احتمال نقصان ركعة واحدة فقط ، كما فيما لو تبدّل إلى الإثنتين والأربع ، ويتبع زوال أحد الاحتمالين سقوط وجوب ما جعل جبراً له من صلاة الإحتياط . ولاينافي ذلك وجوب ما جعل جبراً للاحتمال الآخر الذي لم يزل بعد كونه حادثاً في الأثناء ، وباقياً بعد التسليم كما هو المفروض .
فيجب في الصورة الاُولى من هاتين الصورتين الإتيان بركعتين قائماً بعنوان صلاة الإحتياط ، وفي الصورة الثانية الإتيان بركعة قائماً ، أو ركعتين جالساً كذلك .
ولا مجال فيهما لدعوى زوال الشكّ المنقلب عنه الحادث في الأثناء . وحدوث الشكّ المنقلب إليه بعد الفراغ ، فلا أثر لشيء منهما .
فإنّه يرد عليها أنّ الشكّ الحادث في الأثناء المركّب من الاحتمالات الثلاثة ـ على ما هو المفروض في الصورتين ـ لم يزل بجميع أجزائه واحتمالاته ، بل الزائل واحد من احتمالي النقص من تلك الاحتمالات . فلكلّ من الزائل والباقي حكمه ، فلا تجب عليه صلاتان للاحتياط ، بل تجب عليه صلوة واحدة للاحتياط ، جبراً للنقص الذي كان احتماله باقياً بعد التسليم .
كما أنه لامجال فيهما لما أفاده المحقّق المتقدّم من وجوب ضمّ ما يحتمل تقصه بعد التسليم موصولا ، لعدم كون الاحتمال الحادث بعد التسليم مشمولا لدليل الشكّ
(الصفحة 41)
بعد الفراغ ، حتّى لا يترتّب عليه أثر ، وعدم كونه مشمولا أيضاً لأدلّة الشكّ قبل الفراغ ، حتّى يترتّب عليه حكمه من وجوب صلاة الإحتياط ، فاللازم الإتيان بالنقيصة المحتملة موصولة .
فإنّه يرد عليه أيضاً أنه لا ينبغي الإشكال في كون الإحتمالين الباقيين بعد التسليم في الصورتين ، حادثين في الأثناء وقبل الفراغ ، فاللازم ترتيب أثره عليه وهو الإتيان بصلاة الإحتياط ، وزوال أحد احتمالي النقيصة لايضرّ بتأثير الاحتمال الموجود في ما يترتّب عليه من وجوب الإحتياط ، بعد وضوح كون تشريع صلوة الإحتياط لأجل جبر النقص المحتمل ، بحيث كانت متمّمة على تقدير النقص ، وغير مضرّة على تقدير التمامية .
وبالجملة :
فالإشكال في هاتين الصورتين ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه لوضوح الحكم فيهما كما عرفت .
ودون ذلك في الوضوح حكم عكس الصورتين ، بأن كان شاكّاً بين الثلاث والأربع ، أو بين الإثنتين والأربع فانقلب شكّه بعد التسليم إلى الإثنتين والثلاث والأربع ، فإنّ انقلاب الشكّ المركّب من الإحتمالين إلى الشكّ المركّب من الاحتمالات الثلاثة ، لا يوجب زوال الاحتمالين اللذين يشترك فيهما الشكّان ، وحدوث مثلهما مع احتمال آخر حتّى يقال : إنّ الشكّ الحادث في الأثناء قد زال ، والموجود حادث بعد الفراغ فلا أثر لشي منهما .
أو يقال بعدم كون الشكّ الموجود من قبيل الشكّ بعد الفراغ ، ولا من موارد الشكّ قبل الفراغ ، فاللازم الإتيان بالنقيصة المحتملة موصولة . بل الظاهر بقاء الاحتمالين الحادثين في الأثناء وحدوث احتمال آخر ، ومقتضى بقاء ما حدث في الأثناء من احتمال النقص الإتيان بالنقيصة المحتملة مفصولة ، فيجب عليه الإتيان بركعة في الصورة الاُولى ، وبركعتين في الصورة الثانية ، وهذا ممّا لا إشكال فيه .
(الصفحة 42)
إنّما الإشكال في ما يقتضيه الاحتمال الحادث بعد التسليم البنائي ، لأنّ فيه وجوهاً ثلاثة :
أحدها:
عدم كونه مؤثّراً في إيجاب شيء لا موصولة ولا مفصولة ، لكونه حادثاً بعد الفراغ ومشمولا لقاعدة الشكّ بعده ، بناءً على عدم كون المراد بالفراغ هو الفراغ بعنوان آخر الركعات ، بل المراد أعمّ منه ومن مثل المقام ، ممّا إذا فرغ بعد البناء على الأكثر وسلّم حتّى يأتي بالنقيصة المحتملة مفصولة .
ثانيها :
وجوب ضمّ النقيصة المحتملة بهذا الاحتمال موصولة .
ثالثها :
وجوب ضمّها مفصولة .
ويرد على الوجه الأول عدم جريان قاعدة الفراغ في مثل المقام ، لانصرافها إلى ما إذا كان الفراغ بعنوان آخر الركعات واقعاً . وعلى الوجه الثاني أنّ الإتيان بالنقيصة المحتملة بالاحتمال الحادث موصولة إن كان بعد الإتيان بصلاة الإحتياط التي هي مقتضى الاحتمال الحادث في الأثناء الباقي بعد الفراغ ، فلا يبقى معنى لكونها موصولة أصلا كما لا يخفى; وإن كان الإتيان بها قبلها فهو أيضاً بعيد بعد تخلّل التسليم والإتيان به ، فالأقوى هو الاحتمال الثالث .
وانقدح من ذلك أنّ الإشكال في هاتين الصورتين أيضاً ممّا لا وجه له .
وأمّا الصورتان الباقيتان من الصور الستة ـ وهما انقلاب الشكّ بين الثلاث والأربع إلى الشكّ بين الإثنتين والأربع والعكس ـ فهما العمدة فيما هو محلّ الكلام من الصور الستّة ، فقد تعرّض لحكمهما الأصحاب والفقهاء المتأخّرون(1) :
1 ـ عدم ترتّب أثر على شيء من الشكّين ، أمّا الشكّ المنقلب عنه فلزواله بالانقلاب ، وأمّا الشكّ المنقلب إليه فلحدوثه بعد الفراغ ، فيشمله دليل قاعدة الشكّ بعد الفراغ .
- (1) منهم: صاحب جامع المقاصد 2 : 491 وكشف اللثام 4: 434 ـ 435 .
(الصفحة 43)
2 ـ عدم شمول قاعدة الشكّ بعد الفراغ للشكّ الحادث بعد التسليم هنا . وفي تقريب عدم جريانها وجهان :
أحدهما :
ما قرّره الشارح المحقّق الهمداني(قدس سره) في المصباح ، حيث قال : إنّ ما دلّ على عدم الإعتناء بالشكّ في الشي بعد الخروج عنه ، لا يتناول مثل هذا الخروج الذي اختاره ، لا لزعم الفراغ بل تعبّداً صوناً للصلاة ، من أن تلحقها زيادة بفعل ما يحتمل كونه تتمّة لها ، فما لم يتحقّق الفراغ من الإحتياط لا يعلم بحصول الفراغ من الصلاة ، فضلا عن أن ينصرف إليه ما دلّ على عدم الاعتناء بشكّه(1) . انتهى .
وتوضيحه ، إنّ لسان الأدلّة الدالّة على عدم الاعتناء بالشكّ في الشي بعد الخروج منه ظاهر في كون المراد من الخروج هو الخروج بزعم الفراغ من الصلاة ، بحيث يشتغل بعده بما هو مقصود له من الأعمال والحركات ، فإنّ قوله(عليه السلام): «كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّراً فامضه ، ولا إعادة عليك فيه»(2) ظاهر في كون الشكّ العارض بعد مضيّ الصلاة والطهور ، وتخيّل حصول فراغ الذمّة عنهما ، ولذا حكم بمعاملة المضيّ معهما كما هما ماضيان .
ومرجعه إلى عدم كون الإعتقاد بالإتيان بجميع ما له دخل في المأمور به المتحقّق في حال الاشتغال ، بالإتيان به منخرماً حكماً بسبب الشكّ العارض ، بعد مضيّ العمل وتخيّل حصول الفراغ منه .
ومن الواضح اختصاص ذلك بما إذا خرج من العمل بزعم الفراغ ، وأمّا لو خرج منه تعبّداً صوناً للصلاة من لحوق الزيادة بسبب الإتيان بما يحتمل كونه متمّما ، فلا يكون هذا الخروج موجباً لمضيّ العمل حتّى يلزم معه معاملة الأمر
- (1) مصباح الفقيه كتاب الصلاة: 575 .
- (2) التهذيب 1: 364 ح1104; الوسائل 1: 471 . أبواب الوضوء ب42 ح6 .
(الصفحة 44)
الماضي ، فالانصاف تمامية هذا الوجه وعدم شمول دليل القاعدة لمثل المقام .
ثانيهما :
ما أفاده المحقّق الحائري(قدس سره) ممّا تقدّم(1) وحاصله: إنّ دليل الشكّ بعد الفراغ ينصرف إلى الفراغ بعنوان آخر الركعات واقعاً ، بمعنى أن يأتي المصلّي بالجزء الأخير بتخيل أنه الجزء الأخير ، لابناءً بواسطة تخيّل بقاء الشكّ السابق ، فبنى على الأكثر وسلّم زاعماً أنه محكوم بذلك .
وبالجملة:
التسليم المحقّق لموضوع الفراغ الذي تجري فيه القاعدة ، إنّما هو التسليم الذي كان مأموراً به من الشارع ، وأما فيما لو سلّم بناءً بواسطة تخيّل الأمر من حيث تخيّل بقاء الشكّ السابق ، فلا يكون هذا النحو من التسليم موجباً لتحقّق الفراغ أصلا . والفرق بين هذا الوجه والوجه السابق واضح ، فإنّ مقتضى الوجه السابق عدم جريان القاعدة في مثل المقام ، ولو لم ينقلب الشكّ الحادث في الأثناء إلى شكّ آخر أصلا لعدم الفراغ المتعقّب لوجوب الإتيان بالنقيصة المحتملة مشمولا لدليل القاعدة ، ومقتضى هذا الوجه التفصيل بين صورتي الانقلاب وعدمه ، بجريان القاعدة فيما لو لم ينقلب لكون التسليم مأموراً به شرعاً . وعدم جريانها في صورة الانقلاب لعدم كونه مأموراً به ،بل الإتيان به إنّما هو لتخيّل الأمر من حيث بقاء الشكّ السابق .
ويرد على هذا الوجه:
أوّلا :
عدم جريان القاعدة ، ولو كان التسليم مأموراً به ، لاختصاصها بالخروج الذي اختاره لزعم الفراغ لا تعبّداً ، صوناً للصلاة من لحوق الزيادة بفعل ما يحتمل كونه متمّماً ، كما عرفت .
وثانياً :
إنّ مرجع القول بانتفاء الأمر في صورة الانقلاب إلى كون الشكّ
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 372 ـ 373 .