(الصفحة 50)
(الصفحة 51)
سجود السهو
قد استمرّ العمل من المسلمين من زمان النبيّ(صلى الله عليه وآله) وزمان الأئمّة(عليهم السلام) إلى يومنا هذا على وجوب سجدتي السهو في بعض الموارد ، وأخبار الفريقين تدلّ على أنّه(صلى الله عليه وآله)اتّفق له السهو في صلاة وسجد بعدها السجدتين(1) ولكن مقتضى أصول المذهب خلافها ، مضافاً إلى معارضتها مع رواية زرارة قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام)هل سجد رسول الله(صلى الله عليه وآله) سجدة السهو قط؟ قال : «لا ولا يسجدهما فقيه»(2) . والمراد بالفقيه ، الأئمّة المعصومون(عليهم السلام) ، ومع وجود هذه الرواية ، يغلب على الظنّ كون تلك الروايات المثبتة لسهو النبيّ(صلى الله عليه وآله) صدرت تقيّة .
وكيف كان ، فلا إشكال في أصل ثبوت سجود السهو وكذا في كونه سجدتين ، وإن وقع الاختلاف بين فقهاء المسلمين في موارد ثبوته ، حيث إنّ العامّة اتّفقوا على
- (1) سنن البيهقي 2: 335; صحيح البخاري 2: 82 و 83 ح1227 ـ 1229 ، ب1 ـ 4; الكافي 3: 355 ح1 وص357 ح6; الوسائل 8: 201 و 203 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب3 ح11 و 16 .
- (2) التهذيب 2: 350 ح1454; الوسائل 8: 202 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب3 ح13 .
(الصفحة 52)
ثبوته في موارد الشكّ في عدد الركعات مطلقاً من دون فرق بين الأوليين والأخيرتين ، وإن اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال :
1 ـ
البناء على الأقلّ والإتيان بالركعة المشكوكة وسجدتي السهو ، وذهب إليه مالك والشافعي وبعض آخر .
2 ـ
ما اختاره أبو حنيفة من أنّه إن كان أوّل أمره فسدت صلاته ، وإن تكرّر ذلك منه تحرّى وعمل على غلبة الظنّ ثمّ يسجد سجدتين بعد السلام .
3 ـ
إنّه ليس عليه إذا شكّ لا رجوع إلى اليقين ولا تحر ، وإنّما عليه السجود فقط إذا شكّ ، وظاهره البناء على الأكثر ، واختار هذا القول جماعة منهم(1) وهو قريب من فتاوى الإمامية من حيث إيجابهم البناء على الأكثر في غير الأوليين من الرباعية(2) .
ولكن يرد عليه منع ما قالوا: من أنّ السجدتين جابرتان للنقيصة المحتملة من عدد الركعات ، فإنه كيف يمكن أن تجبر السجدتان لركعة أو أزيد كما هو واضح ، هذا بالنسبة إلى الركعات .
وأمّا بالنسبة إلى الأفعال ، فقد اتّفقوا على ايجاب سجود السهو لمطلق الزيادة ، وإن لم تكن من أجزاء الصلاة ، وأمّا النقيصة فظاهرهم التفصيل بين الفريضة والسنة والرغيبة ، بأنّ الاخلال بالاولى موجب للاستئناف إن لم تكن قابلة للتدارك ، وبالثانية موجب لسجدتي السهو وبالثالثة لا يترتّب عليه أثر(3) .
- (1) المجموع 4: 107 و 111; بداية المجتهد 1: 273; الخلاف 1: 445 مسألة 192; تذكرة الفقهاء3: 314 مسألة 341 .
- (2) الإنتصار: 155 مسألة 54; الخلاف 1: 445 مسألة 192; السرائر 1: 254; تذكرة الفقهاء 3: 314; مستند الشيعة 7: 140 .
- (3) المجموع 4: 125 ـ 128; فتح العزيز 4: 138 ـ 139; المدوّنة الكبرى 1: 14; تذكرة الفقهاء 3: 349 مسألة 360 .
(الصفحة 53)
وأمّا موضعه عندهم فذهب الشافعي إلى أنّ سجود السهو موضعه أبداً قبل السلام ، وذهب أبو حنيفة إلى أنّ موضعه أبداً بعد السلام ، وفصّل مالك فقال : إن كان السجود لنقصان كان قبل السلام ، وإن كان لزيادة كان بعد السلام . وقال أحمد: يسجد قبل السلام في المواضع التي سجد فيها رسول الله(صلى الله عليه وآله) قبل السلام ، ويسجد بعد السلام في المواضع التي سجد فيها بعده(1) .
وأمّا صفة سجود السهو فقد اختلفوا فيها ، فرأى مالك أنّ حكمها إذا كانت بعد السلام أن يتشهّد فيها ويسلّم منها ، وبه قال أبو حنيفة ، لأنّ سجدتي السهو عنده بعد السلام ، وإذا كانت قبل السلام أن يتشهّد لها فقط ، وأنّ السلام من الصلاة هو سلام منها ، وبه قال الشافعي ، إذ كان السجود كلّه عنده قبل السلام .
وحكي عن مالك أنه لا يتشهّد للتي قبل السلام ، وبه قال جماعة ، وقال أبو بكر ابن المنذر : اختلف العلماء في هذه المسألة على ستّة أقوال ، فقالت طائفة : لا تشهّد فيها ولاتسليم ، وبه قال أنس بن مالك والحسن وعطاء ، وقال قوم مقابل هذا وهو: أنّ فيها تشهّداً وتسليماً ، وقال قوم: فيها تشهّد فقط دون تسليم ، وبه قال الحكم وحمّاد والنخعي ، وقال قوم مقابل هذا وهو: إنّ فيها تسليماً وليس فيها تشهّد ، وهو قول ابن سيرين .
والقول الخامس : إن شاء تشهّد وسلّم وإن شاء لم يفعل ، روي ذلك عن عطا; والسادس : قول أحمد بن حنبل : إنّه إن سجد بعد السلام تشهّد وإن سجد قبل السلام لم يتشهّد . وهو الذي حكيناه نحن عن مالك ، قال أبو بكر : قد ثبت إنّه(صلى الله عليه وآله)كبّر فيها أربع تكبيرات وأنه سلّم ، وفي ثبوت تشهّده فيها نظر(2) ، انتهى . هذا كلّه
- (1) المجموع 4: 154 ـ 155; بداية المجتهد 1: 265; المغني لابن قدامة 1: 709; الشرح الكبير 1: 733 ـ 734; تذكرة الفقهاء 3: 355 مسألة 363 .
- (2) بداية المجتهد 1: 271 .
(الصفحة 54)
ما يتعلّق بسجود السهو في نظر العامّة .
وأمّا نحن معاشر الإمامية فلا إشكال عندنا في عدم وجوبه فى موارد الشكّ في عدد الركعات إلاّ في الشكّ بين الأربع والخمس على ماعرفت(1) . نعم أوجبه والد الصدوق في الشكّ بين الاثنتين والثلاث في بعض فروضه ولكنّه نادر(2) .
وأمّا في الأفعال ، فما يوجب منهاالسجدتين أمور :
أحدها :
ترك التشهّد نسياناً ، فإنه يجب قضاؤه بعد السلام والإتيان بسجدتي السهو نصّاً وفتوى على ماتقدّم في باب التشهّد(3) .
ثانيها :
نسيان سجدة واحدة إلى أن يركع في اللاحقة ، فإنّه يجب قضاؤها نصّاً وفتوى ، والإتيان بسجدتي السهو على ماهو المشهور من حيث الفتوى(4) ، وإن كان النصّ خالياً من ذلك إلاّ أنه يستكشف وجوده من فتوى المشهور .
ثالثها :
التكلّم سهواً ، فإنّه أيضاً يوجب سجود السهو بمقتضى الروايات الواردة فيه ، مضافاً إلى الشهرة بل الاجماع ، على ما ادّعي .
رابعها :
السلام في غير المحلّ كما هو المشهور(5) ولعلّه لكونه من كلام الآدميّين على ما عرفت تحقيقه في باب التسليم ، فوقوعه في غير محلّه إنّما هو كالتكلّم سهواً بل هو عينه .
- (1) راجع2 : 496 ـ 497 .
- (2) نقله عنه في مختلف الشيعة 2: 383 .
- (3) راجع مختلف الشيعة 2: 407; مدارك الأحكام 4: 242; جواهر الكلام 12: 303 .
- (4) المقنعة: 138; جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 36 ـ 37; المراسم: 89; الكافي في الفقه: 119; السرائر 1: 257; مختلف الشيعة 2: 367; مدارك الأحكام 4: 240; جواهر الكلام 12: 300 .
- (5) المقنعة: 147 ـ 148; المبسوط 1: 123; الجمل والعقود: 80 ; جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 37; الفقيه 1: 341 و353; مختلف الشيعة 2: 423 .