(الصفحة 6)
بين الفقهاء ، واحتمال كون المراد به الأعم . وعلى جميع التقادير يمكن أن يكون المراد بالسهو نفسه ، ويمكن أن يكون المراد به موجبه ـ بالكسر ـ أو موجبه ـ بالفتح ـ من صلاة الإحتياط وسجود السهو .
والتحقيق أن يقال: إنّا قد حقّقنا في أوّل مبحث الخلل أنّ معنى السهو وما وضعت بإزائه هذه الكلمة عبارة عن مجرّد الذهول عن الواقع وعزوبه عن ذهن المكلّف . غاية الأمر أنّ الساهي قد يكون في حال الذهول والغفلة ملتفتاً إلى ذهوله وعزوب الواقع عن ذهنه ، ولا محالة يكون حينئذ متردّداً وشاكّاً ، وهو الذي يعبّر عنه بالجاهل بالجهل البسيط; وقد يكون غافلا عن غفلته أيضاً وغير متوجّه إلى خفاء الواقع وعزوبه ، ولا محالة يكون حينئذ معتقداً لخلاف الواقع .
وفي هذه الحالة قد يترك بعض ما له دخل في المأمور به شطراً أو شرطاً ، وقد يفعل بعض ما يكون مانعاً عن انطباق عنوان المأمور به على المأتيّ به . والفرق بين فردي الساهي أنّ الساهي الذي كان متردّداً وشاكّاً ، يحتاج في حال الشكّ إلى جعل الحكم عليه ، إمّا بالمضيّ وعدم الاعتناء ، وإمّا بالبطلان والاستئناف ، وإمّا بالعود والرجوع; وأمّا الساهي الذي كان معتقداً لخلاف الواقع فلا يمكن جعل الحكم عليه في حال سهوه ، لعدم التفاته إلى كونه ساهياً ، بل بعد زوال الغفلة وعروض الانكشاف يحكم عليه بالأحكام المقرّرة لهذا النحو من السهو .
إذا عرفت ذلك يظهر لك أنّه لابدّ من أن يكون المراد بالسهو المنفي في قولهم: لا سهو في سهو ، هو السهو المقرون مع الترديد والشكّ ، لأنّ ظاهره أنّ نفي السهو إنّما هو في حال السهو وعدم زواله وارتفاعه ، وقد مرّ أنّ الساهي بالسهو المقارن مع اعتقاد الخلاف لا يمكن جعل الحكم عليه في حال السهو ، فلا محيص من أن يكون المراد بالسهو المنفيّ هو الشكّ .
ومعنى نفي الشكّ ليس نفي حقيقته ، لأنّه لا يستقيم كما هو ظاهر ، بل المراد به
(الصفحة 7)
نفي حكم الشكّ بلسان نفي الموضوع; فمحصّل المراد من العبارة أنّه لا يترتّب الأحكام المقرّرة للشكّ ، إذا وقع الشكّ في الشكّ الذي هو عبارة عن صلاة الإحتياط ، فإذا شكّ في عدد ركعات صلاة الإحتياط ، كما إذا شكّ في أنّه صلّى ركعة واحدة أو إثنتين ، فلا يترتّب عليه حكم الشكّ في الصلاة الثنائية الذي هو البطلان ، بل يجب المضيّ والبناء على الأكثر .
ودعوى أنـه لا يستفاد من نفي حكم الشكّ البناء على الأكثر ، فيحتمل أن يكون الواجب البناء على الأقلّ أو الحكم بالبطلان ، مدفوعة بأنّ الظاهر عدم لزوم عمل من ناحية هذا الشكّ أصلا ، لا الإعادة من رأس ، ولا البناء على الأقلّ المستلزم للإتيان بالأكثر .
وقد أفاد بعض الأعاظم من المعاصرين في كتاب صلاته ـ بعد استظهار أنّ المراد بالسهو بقرينة الفقرات الاُخر الواردة في سياق واحد في مرسلة ابن هاشم(1) ، هو الشكّ ـ من أنّ المراد من المنفي هو البناء على الأكثر والإتيان بما احتمل نقصه مستقلاًّ ، إذ هو القدر المشترك بين الموارد المذكورة ، وهذا يجامع مع الصحّة والفساد فلا يصح التمسّك بهذه الرواية إلاّ على عدم وجوب ما ذكر(2) .
وهذا الكلام لا يخلو عن النظر بل المنع ، لأنّه لا إشكال ـ بقرينة الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة فرض الله(3) ، ولا يحتملان للسهو بل يوجب الشكّ فيهما الإعادة ـ في أنّ المراد من النفي في قوله(عليه السلام) في المرسلة: «وليس في المغرب سهو ولا في الفجر سهو ، ولا في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة سهو» ، هو البطلان الموجب للإعادة ، كما أنّه لا إشكال في أنّ المراد من النفي في
- (1) الفقيه 1: 231 ح1028; الوسائل 8: 241 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب24 ح8 .
- (2) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري : 386 .
- (3) راجع الوسائل 8 : 187 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 .
(الصفحة 8)
قوله(عليه السلام): «ليس على الإمام سهو . . .» ، هي الصحّة بقرينة التقييد بحفظ الآخر ، فإنّه يشعر بل يدلّ على أنّ صلاة كلّ من الإمام والمأموم باعتبار كونها جماعة بمنزلة صلاة واحدة ، فحفظ كلّ منهما بمنزلة حفظ الآخر .
والظاهر أنّ الساهي يتبع الحافظ ويعمل عمله ، لا أنّ صلاته باطلة من رأس . وكذلك لا إشكال في أنّه ليس المراد من النفي في قوله(عليه السلام) «ولا سهو في نافلة» هو البطلان ، فإنّ النافلة لا تكون أجلّ شأناً من الفريضة ، فإذا لم يكن السهو في الفريضة موجباً لبطلانها ، فالسهو في النافلة لا يبطلها بطريق أولى .
مضافاً إلى أنّ ذلك محلّ اتّفاق بين المسلمين ، وإن اختلفوا بين من يقول باتحاد حكمها مع الفريضة من حيث لزوم البناء على الأقل ، كما عليه جمهور العامّة ، وبين من يذهب إلى جواز البناء فيها على الأكثر كما اتّفق عليه الإمامية وذهب إليه نادر من العامّة ، إلاّ أنّه لا خلاف بينهم في عدم بطلانها بمجرّد السهو(1) .
وبالجملة:
فالإشكال إنّما هو في المراد من النفي في قوله(عليه السلام) في المرسلة: «ولا سهو في سهو» وفي رواية حفص: «ليس على السهو سهو»(2) ، والظاهر باعتبار عدم تحمّل خصوص الركعتين الأوّلتين للسهو باعتبار كونهما فرض الله; وتحمل الأخيرتين له ، وكون صلاة الإحتياط جابرة للنقص المحتمل بالنسبة إلى الأخيرتين ، أنّ المراد بالنفي ليس البطلان ، لأنّ صلاة الإحتياط جابرة لما يحتمل في نفسه السهو ، ولم يكن يوجب السهو بطلانه .
فالمناسب أن لا يكون السهو موجباً لبطلانها ، بل عدم ترتّب أثر عليه أصلا
- (1) الخلاف 1 : 465 مسألة 210; المعتبر 2 : 395; تذكرة الفقهاء 3: 333 مسألة 352; المنتهى 1: 417; مدارك الأحكام 4: 274; رياض المسائل 4: 259; ذخيرة المعاد: 379; الحدائق 9: 345; المجموع 4: 161; المغني 1: 734; بداية المجتهد 1 : 269 ـ 270 .
- (2) الوسائل 8 : 243 ، 241 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب25 و24 ح1 و 8 .
(الصفحة 9)
خصوصاً مع التعبير عنها في الروايتين بالسهو ، وهو يشعر بعد الدلالة على أنّها هي الركعة أو الركعتان التي وقع السهو فيهما إحتمالا ، بأنّ السهو لا يلائم أن يجري فيه حكم السهو حتّى يحتاج إلى الإعادة أو الجبران أيضاً ، ويؤيّد ذلك نفي الإعادة على الإعادة في رواية حفص بعد نفي السهو على السهو ، فتدبّر .
والذي يظهر من الرواية بحسب ما هو المتفاهم منها عند العرف هو عدم ترتّب أثر على السهو في السهو أصلا ، لا البطلان ولا لزوم البناء على الأكثر ثمّ الإتيان بالنقص المحتمل مستقلاًّ ، بل مفاده جواز البناء على الأكثر والاتمام من دون جبران لنقص المحتمل كما في النافلة .
ويؤيّد ذلك فهم الأصحاب وفتواهم ، فإنّ الظاهر اتفاقهم على عدم الاعتناء بالشكّ في صلاة الإحتياط وجواز البناء على الصحة ، فيبني على الأكثر ما لم يستلزم الزيادة ، وإلاّ فيبني على الأقل ، كما أنّ الظاهر أنّ مستندهم في ذلك ليس إلاّ النصوص الدالّة بظاهرها على نفي السهو في السهو ، فيدلّ ذلك على عدم كون هذه العبارة مجملة عندهم ، بل هي ظاهرة الدلالة على ما أفتوا به .
وكيف كان ، فالذي يستفاد من هذه العبارة هو نفي ترتّب الأثر على الشكّ فيما يقتضيه الشكّ من صلاة الإحتياط ، وأمّا سائر الفروع المتصوِّرة هنا فلابدّ من إرجاعها إلى القواعد واستنباط حكمه منها ، فنقول:
فروعٌ:
الفرع الأول: الشك في الشك
لو شكّ في شكّ بأن تردّد في أنّه هل شكّ أم لم يشكّ ، والوجه في عدم إمكان استفادة حكم هذا الفرع من النصوص النافية للسهو في السهو ، ووجوب استفادة
(الصفحة 10)
حكمه من القواعد ، مع أنّه استظهرنا أنّ المراد بالسهو المنفي وكذا السهو الذي يكون ظرفاً; هو الشكّ ، والظاهر من العبارة الواردة في النصوص أنّ كلمة «في سهو» ظرف للنسبة المنفيّة لا للسهو المنفي ، بحيث يكون قيداً لإسم «لا» والمفروض في المقام كون السهو الثاني ظرفاً للسهو الأول فتدبّر .
وكيف كان ، فالشكّ في الشكّ بالمعنى المذكور على قسمين ، فإنّه قد يكون الأمر الذي شكّ في تعلّق الشكّ به من الأفعال ، وقد يكون عدد الركعات الذي يكون تعلّق الشكّ به موجباً للاحتياط ، وعلى الأول قد يكون عروضه بعد التجاوز عن محلّ ذلك الشيء ، وقد يكون قبل التجاوز عنه ، ففي الأول لا يلتفت إلى شكّه أصلا بل يبني على صحة ما مضى ، وفي الثاني يجب التدارك لو وجد نفسه بالفعل شاكّاً في الإتيان بذلك الشيء ، وإلاّ فلا أثر لشكّه أصلا .
وهكذا الكلام فيما لو شكّ في أنّ الحالة الحادثة له في السابق هل هي حالة الشكّ أو الظنّ؟ ، فإنّه يبني على صحة ما مضى مع التجاوز ، ومع عدمه يراعي الحالة الفعلية وأنّه هل يكون شاكّاً أو ظانّاً ، ففي الأول يجب التدارك وفي الثاني لا يجب ، بناءً على ما هو الحقّ من اعتبار الظنّ في الأفعال أيضاً مطلقاً; هذا كلّه لو كان الأمر الذي شكّ في تعلّق الشكّ به من الأفعال .
وأمّا لو كان ذلك الأمر عدد الركعات ، فتارة يكون عروض الشكّ بعد الفراغ واُخرى قبله، وعلى الأول فتارة يحتمل أن يكون شكّه المحتمل المتعلّق بعدد الركعات باقياً إلى عروض هذا الشكّ ومتّصلا به ، وأُخرى يقطع بزواله على تقدير ثبوته وبتخلّل القطع بينهما ، أمّا فيما لو كان عروض الشكّ قبل الفراغ فاللاّزم مراعاة الحالة الفعلية ، وأنّه هل يكون شاكّاً فيعمل عمله أو ظانّاً أو متيقناً فيعمل عملهما .
وأمّا فيما لو كان بعد الفراغ ففيه وجوه ثلاثة:
الأول:
القول بجريان قاعدة الشكّ بعد الفراغ نظراً إلى أنّ موردها هو ما إذا كان