(الصفحة 63)
أمّا رواية الحلبي فهي ما رواه عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت فتشهّد وسلّم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً» . وقوله : «أم نقصت» يحتمل أن يكون عطفاً على قوله أربعاً . ويحتمل أن يكون عطفاً على قوله لم تدر .
وعلى الأول يحتمل أن تكون لفظة «أم» متّصلة . ويحتمل أن تكون منقطعة . أمّا احتمال أن يكون عطفاً على قوله: «لم تدر» بأن يكون المراد من الرواية : إذا لم تدر أربعاً صلّيت أو خمساً أو إذا نقصت أو زدت ، فتدلّ الرواية حينئذ على ثبوت سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة ، كما هو مفاد مرسلة سفيان المتقدّمة ، فيبعّده أنّ كون كلمة «أم» متّصلة مشروطة بوقوعها ، إمّا بعد همزة التسوية كقوله تعالى :
{سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم}(1) أو وقعت بعد همزة تكون مغنية عن لفظة أيّ ، كقوله : أزيد جاءك أم عمرو؟
ومن المعلوم عدم ثبوت هذا الشرط بناءً على هذا الاحتمال ، مضافاً إلى أنّ الظاهر من السياق كون المراد بالنقص والزيادة ، النقص عن الركعة بركعة أو أزيد ، والزيادة عليها كذلك ، وعليه تكون الرواية معرضاً عنها بالنسبة إلى الزيادة ، لانّ العلم بثبوتها يوجب الاستئناف لا السجدتين . نعم لا بأس به في طرف النقيصة لا من حيث كون النقص من حيث هو هو موجباً لهما ، بل من حيث استلزامه لوقوع التسليم في غير محلّه ، وهو الموجب للسجدتين كما هو ظاهر .
وأمّا بناءً على أن يكون معطوفاً على قوله : «أربعاً» كما لعلّه الظاهر ، فيحتمل حينئذ أن تكون «أم» متّصلة ويحتمل أن تكون منقطعة ، وعلى الأول يصير مدلول الرواية أنّه إذا لم تدر أربعاً صلّيت أو خمساً أو نقصت من الأربع أو زدت على الخمس ، بأن كان شكّك ذا أطراف كثيرة مشتملا على احتمال النقيصة إمّا بركعة أو
(الصفحة 64)
ركعتين أو أزيد ، وعلى احتمال التمامية واحتمال الزيادة بركعة أو ركعتين أو أزيد فيجب عليك سجدتا السهو ، ومن المعلوم أنّ هذا المدلول لا يكون مفتى به لاحد من الأصحاب رضوان الله عليهم .
وعلى الثاني الذي مبناه على كون «أم» منقطعة ، ومعناها كونها للإضراب عن المطلب السابق ، تدلّ الرواية على ثبوت سجدتي السهو في الشكّ بين الأربع والخمس ، وكذا في الشكّ بين مطلق الزيادة والنقيصة ، سواء كانت الزيادة خمساً أو غيرها ، والنقيصة أربعاً أو غيرها ، وعليه لا يكون المراد بالزيادة ، الزيادة على الخمس . ولا بالنقيصة ، النقيصة من الأربع ، كما في الاحتمال الأول ، بل مطلق الزيادة والنقصان .
ومن المعلوم أنّ هذا باطلاقه غير معمول به ، ضرورة أنّ العلم الإجمالي بكون الصلاة إمّا ناقصة بركعة مثلا أو مزيدة عليها كذلك يوجب الاستئناف كما عرفت لا السجدتين ، فالانصاف أنّه لا يمكن الالتزام بمدلول الرواية على شيءمن التقادير المتقدّمة .
وأمّا رواية زرارة ، فهي التي رواها عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سمعته يقول : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس» وسمّاها رسول الله(صلى الله عليه وآله) المرغمتين . والظاهر عدم جواز العمل بها ، لظهورها في كون المراد بالزيادة هي زيادة ركعة أو أزيد ، وبالنقيصة هي نقيصة ركعة أو أزيد .
وحينئذ فان كان المراد ، الزيادة على الأربع والنقص عنها بحيث كان مرجعه إلى العلم الإجمالي بوقوع الخلل في الصلاة إما من ناحية الزيادة وإمّا من جهة النقيصة ، فالحكم كما عرفت هو وجوب الاستئناف ، لبطلانها بذلك .
وإن كان المراد بهما مطلق الزيادة والنقيصة ، بحيث كانت الزيادة زيادة بالنسبة
(الصفحة 65)
إلى النقيصة; والنقيصة نقيصة بالاضافة إلى الزيادة ، فاطلاق الرواية لا يكون حينئذ معمولا به عند أصحابنا الإمامية ، بل يقرب من مذهب العامّة ، على ماعرفت من أنه يجب سجود السهو عندهم عند عرض الشكّ في عدد الركعات في أثناء الصلاة ، بلا فرق بين الأوليين والأخيرتين(1) .
وأما رواية الفضيل بن يسار أنه سأل أباعبدالله (عليه السلام) عن السهو؟ فقال : «من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو ، وإنّما السهو على من لم يدر أزادفي صلواته أم نقص منها» ، والكلام في هذه الرواية كالكلام في رواية زرارة ، إلاّ أنه لا يجري هنا احتمال كون المراد بالزيادة والنقيصة مطلقها ، بل ظاهرها باعتبار كلمة «منها» هي الزيادة على الأربع والنقيصة عنها ، وقد عرفت أنّ ـ في صورة العلم الإجمالي بنقصان الصلاة وزيادتها ـ الحكم هو البطلان ، ووجوب الاستئناف ، لا وجوب السجدتين .
وأمّا رواية سماعة فهي من حيث المتن متّحدة مع رواية الفضيل ، فالكلام فيها هو الكلام فيها .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنه لا ينهض شيء من هذه الروايات الأربع لإثبات وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة كما عرفت من الصدوق ، نعم يدلّ على ذلك مرسلة سفيان بن السمط عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» .
والمناقشة في سندها من جهة الارسال ، مدفوعة ، بأنّ المرسل هو ابن أبي عمير الذي كان له جامع معمول بين الأصحاب مؤلّف في زمن الرضا(عليه السلام) ، ولم يفرّق الأصحاب بين مسانيده ومراسيله ، كما أنّ دلالتها على أنّ المراد بالزيادة وكذا
(الصفحة 66)
النقيصة هي الزيادة والنقيصة السهويتان ، واضحة من حيث التعبير بكون السجدتين هما سجدتي السهو ، ومن جهة توصيف الزيادة بالدخول عليك كما لا يخفى .
نعم ، الذي يقتضيه التتبّع والتفحّص في شتات الأخبار الواردة في الأبواب المختلفة ، أنّ للمرسلة معارضات كثيرة ، ولابأس بايراد جملة منها فنقول :
منها :
صحيحة زرارة الواردة فيمن جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، الدالّة على أنه إن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمّت صلاته(1) ، وجه المعارضة أنّ الظاهر من قوله(عليه السلام) : «فلا شيء عليه» هو نفي ثبوت تكليف عليه من وجوب الإعادة أو غيرها كالسجدتين للسهو ، فدلّ على ثبوت سجدتي السهو مع نقصان الجهر أو الاخفات في موضعهما .
ويمكن المناقشة في المعارضة: تارة بأنّ الظاهر من قوله: «فلا شيء عليه» هو نفي خصوص وجوب الإعادة عليه ، لأنّ الظاهر أنّ هذه الجملة بيان لمفهوم الجملة الاُولى الدالّة على وجوب الإعادة على من فعل ذلك متعمّداً ، فيختصّ بذلك ولا دلالة لها على نفي سجود السهو .
واُخرى بأنّه على تقدير دلالتها على نفي وجوب سجود السهو أيضاً لا تكون صالحة للمعارضة ، لانّ الإخلال بالجهر أو الإخفات في مواضعهما خارج عن مورد المرسلة ، لانّ المتبادر من النقيصة هو نقص الأجزاء الواجبة كما لا يخفى .
ومنها :
صحيحتا زرارة ومحمد بن مسلم الواردتان في نسيان القراءة الدالّتان على أنّ من نسيها فلا شيء عليه ـ كما في الأولى ـ أو فقد تمّت صلاته ولا شيء
- (1) الفقيه 1: 227 ح1003; التهذيب 2: 162 ح635; الإستبصار 1: 313 ح1163; الوسائل 6: 86 . أبواب القراءة في الصلاة ب26 ح1 .
(الصفحة 67)
عليه ـ كما في الثانية(1) ـ .
ومنها :
حديثا ابن حازم(2) وحسين بن حمّاد(3) الواردان في السهو عن القراءة في الصلاة كلّها ، الدالاّن على تمامية الصلاة مع إتمام الركوع والسجود ـ كما في الأول ـ أو مع حفظهما ـ كما في الثاني ـ والانصاف أنه لا دلالة لهما على نفي وجوب سجود السهو ، لانّ غاية مدلولهما تمامية الصلاة مع إتمام الركوع والسجود ، وهي لا تنافي وجوب السجود للسهو بناءً على ما هو الحقّ عندنا من عدم كون الاخلال بسجود السهو في مورد وجوبه مضرّاً بتماميّة الصلاة خلافاً للعامة(4) .
ومنها :
الأخبار الواردة في جواز العدول عن سورة إلى اُخرى في بعض الموارد(5) من غير تعرّض لسجود السهو ، ويمكن المناقشة في معارضتها للمرسلة بعدم كون مورد تلك الأخبار زيادة مشمولة للمرسلة حتّى يقع بينهما التعارض .
ومنها :
خبر عبدالله بن ميمون القداح الوارد في نسيان تسبيح الركوع الدالّ على تمامية الصلاة ، وخبر عليّ بن يقطين الوارد في نسيان تسبيح الركوع والسجود الدالّ على نفي البأس بذلك(6) .
ومنها :
رواية إسمعيل بن جابر عن أبي عبدالله(عليه السلام) الدالّة على وجوب الرجوع للسجود ما لم يركع فيما إذا نسي السجدة الثانية فذكر وهو قائم ، مع انّ الرجوع مستلزم لوقوع القيام أو هو مع القراءة كلاًّ أو بعضاً زيادة في الصلاة ، وظاهر
- (1) الفقيه 1: 227 ح1005; التهذيب 2: 146 ح569; الكافي 3: 347 ح1; الوسائل 6: 87 أبواب القراءة في الصلاة ب27 ح1 و2 .
- (2) الكافي 3: 348 ح3; التهذيب 2: 146 ح570; الوسائل 6: 90 . أبواب القراءة في الصلاة ب29 ح2 .
- (3) الفقيه 1: 227 ح1004; التهذيب 2: 148 ح579; الوسائل 6: 93 . أبواب القراءة في الصلاة ب30 ح3 .
- (4) المجموع 4: 152; بداية المجتهد 1: 264; الخلاف 1: 462; تذكرة الفقهاء 3: 359 مسألة 365 .
- (5) راجع الوسائل 6: 100 ، أبواب القراءة في الصلاة ب36 .
- (6) التهذيب 2: 157 ح612 و614; الوسائل 6: 320 . أبواب الركوع ب15 ح1 و2 .