(الصفحة 83)
ويظهر من المحقّق الحائري(قدس سره) الإشكال في البناء بوجه آخر ، حيث قال : وفيه إشكال من جهة أن احتمال المضيّ على الشكّ قبل إكمال السجدتين ، وإن كان خلافاً للأصل ، ولكنّه لا يثبت به حدوث الشكّ بعد الإكمال الذي هو موضوع للبناء ، فلا يمكن الرجوع إلى أحكام الشكّ مع الشكّ في المصداق ، فمقتضى الإحتياط العمل بقواعد الشكّ ثمّ إعادة الصلاة(1) . . .
وظاهر هذه العبارة وإن كان يعطي أنّ احتمال المضيّ على الشكّ قبل الإكمال على خلاف الأصل ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ مراده كون احتمال حدوث الشكّ قبل الإكمال مخالفاً للأصل ، لأنّ مقتضى الاستصحاب عدم تحقّق الشكّ إلى زمان الإكمال ، إلاّ أنه لا يثبت التأخّر وكونه حادثاً بعد الإكمال .
الظاهر عدم الاحتياج إلى إثباته ، لأنه لا يعتبر إحراز كون الحدوث بعد الإكمال بعد عدم اختصاص مورد أدلّة البناء على الأكثر بخصوص هذا الفرض ، بل مقتضى إطلاقها البناء على الأكثر ولو بالنسبة إلى الأوليين . غاية الأمر أنه قد ورد النصّ على لزوم حفظ الأوليين وكون عدمه موجباً للإعادة ، وحينئذ فيمكن إجراء الإستصحاب بالنسبة إلى الحفظ ، وجرّه إلى زمان تحقّق الركعتين بإكمال السجدتين من ثانية الركعتين .
ويمكن أن يناقش في جريان هذا الأصل ـ وهو استصحاب عدم تحقّق الشكّ إلى زمان إكمال الركعة الثانية المتحقّق بإكمال السجدتين منها ـ بأنّه معارض باستصحاب عدم تحقّق إكمال الركعة الثانية إلى زمان حدوث الشكّ ، فلا مجال لجريانه ، إمّا لأجل المعارضة وكونها هي المانعة من جريان الأصل في مجهولي التاريخ من الحادثين ، وإمّا لما أفاده المحقّق الخراساني(قدس سره) في وجه عدم جريان الأصل في مجهولي التاريخ ، من إختلال أركان الاستصحاب ، لعدم إحراز اتّصال زمان
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 421 .
(الصفحة 84)
الشكّ باليقين فلا يجري ، ولو لم تكن هنا معارضة لأجل عدم ترتّب أثر شرعيّ على المستصحب في واحد منهما(1) .
والتحقيق في المقام أن يقال : إنّ الشكّ في كون الشكّ السابق بين الإثنتين والثلاث هل حدث قبل إكمال الركعتين أو بعده ، ليس مرجعه إلى الشكّ في زمان حدوث شكّ واحد وهو الشكّ بين الإثنتين والثلاث ، وأنه هل هو قبل الإكمال أو بعده كي تقع المعارضة بين الأصلين ، أو يختلّ أركان الإستصحاب فيسقط كلّ منهما ولو لم تكن المعارضة في البين؟ .
بل مرجعه إلى الشكّ في أنّ شكّه السابق هل هو الشكّ بين الإثنتين والثلاث أو الشكّ بين الواحدة والإثنتين؟ لأنّ المراد بالركعات هي الركعات التامّة ، وحينئذ فالشكّ بين الإثنتين والثلاث من هذه الجهة لا يكون بمبطل ، بل المبطل هو الشكّ بين الإثنتين كما ورد هذا العنوان في خمس أو ستّ من الروايات الواردة في هذا الباب .
نعم ورد في رواية سماعة السهو في الركعتين الأوليين ، ولكنّه فرّع عليه قوله(عليه السلام) : «فلم يدر واحدة صلّى أم ثنتين(2) . . .» وفي بعض الروايات الاُخر اعتبار الحفظ أو ا لسلامة أو نفي السهو(3) .
وبالجملة:
فمقتضى الروايات أنّ ما يوجب البطلان هو الشكّ في الأوليين وأنه صلّى واحدة أم اثنتين ، وأمّا الشكّ في الإثنتين والثلاث فهو ليس بمبطل ، لظهور الأخبار الواردة فيه في كون مورده هو الشكّ في الركعات التامّة ، كما هو كذلك
- (1) كفاية الاصول 2: 336 .
- (2) الكافي 3: 350 ح2; التهذيب 2: 176 ح704; الاستبصار 1: 364 ح1381; الوسائل 8: 191 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح17 .
- (3) الوسائل 8 : 188 ـ 190 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح1 ، 3 ، 4 ، 8 ، 13 .
(الصفحة 85)
بالنسبة إلى الروايات الواردة في سائر الشكوك ، كالشكّ بين الإثنتين والأربع ، أو بين الثلاث والأربع ، أو غيرهما من الشكوك .
وحينئذ فمرجع شكّه في المقام إلى أنّ شكّه السابق هل كان هو الشكّ بين الواحدة والإثنتين حتّى يوجب بطلان الصلاة ، أو الشكّ بين الإثنتين والثلاث حتّى تصحّ الصلاة ، ويجب عليه البناء على الأكثر والإتيان بالنقص المحتمل بعد الصلاة ، ، والتمسّك بقاعدة التجاوز لاثبات الصحّة قد عرفت ما فيه ، من أنّ تحقّق المبطل في الأثناء يوجب عدم تحقّق عنوان الصلاة ، ولا يخرج الأجزاء السابقة عن الصحّة التأهلية التي مرجعها إلى قابلية وقوعها جزءً فعلياً ، مع انضمام سائر الأجزاء إليها بشرائطها ، وعدم شيء من موانعها ، فالشكّ في عروض المبطل لا يرجع إلى الشكّ في صحة ما وقع قبله من الأجزاء حتّى تجري فيه قاعدة التجاوز ، بناءً على عدم اختصاص مجراها بخصوص ما إذا شكّ في وجود الجزء ، بل يعمّ ما إذا شكّ في صحة الجزء الموجود أيضاً .
هذا ، ولكن الظاهر أنه لا مانع من جريان القاعدة ، بتقريب أنّ مفاد الأدلّة الدالّة على اعتبار حفظ الركعتين الأوليين شرطاً لكونهما فرض الله ، أو على مانعية السهو فيهما ليس أنّ إحراز تحقّقهما والإتيان بهما شرط في صحة الصلاة ، بحيث كان اللازم فيها مجرّد إحراز الإتيان بهما ، كيف ، ولازم ذلك عدم بطلان الصلاة مع الشكّ قبل إكمال الركعة الثانية ، لأنه بعد الإتيان بباقي الأجزاء منها يتحقّق إحراز الإتيان بالركعتين الأوليين ، فلا مجال لبطلان الصلاة بعد حصول شرط صحّتها .
وبالجملة:
فلا يكاد يتّفق عدم إحرازهما إلاّ نادراً ، وذلك لأنّ النقص المحتمل بالآخرة هو نقص الركعة الأخيرة أو أزيد ، نعم لو شكّ بين الواحدة والأربع مثلا ثمّ أتمّ الصلاة لا يكون بذلك محرزاً للأوليين ، وأمّا في غير هذا المورد ممّا لم يكن شيء من طرفي الشكّ أو أطرافه احتمال الركعة الواحدة ، فلا يكاد يتحقّق عدم الاحراز
(الصفحة 86)
كما هو واضح .
فليس المراد من الروايات الواردة بهذا المضمون اعتبار حفظ الاُوليين شرطاً في صحة الصلاة أو السهو عنهما مانعاً عنها ، بل الذي يقتضيه النظر أنّ مفاد تلك الروايات هو اعتبار حفظ الاُوليين شرطاً لصحتهما أو السهو مانعاً عنها ، بحيث كان الاخلال به مضرّاً بوقوعهما على ما يجب أن تقعا عليه ، فيترتّب عليه بطلان الصلاة لا لفقدها لشرط صحتها ، أو وجود المانع عنها ، بل لفقدانها للركعتين اللتين هما فرض الله ، وهو لا يحتمل السهو ولا يقبل لأن يقع ظرفاً للشكّ والذهول عن الواقع .
وحينئذ فالشكّ في الصلاة وأنه هل صلّى واحدة أو ثنتين ، يبطلها لأجل خلّوها عن الركعتين الاُوليين ، فمرجع الشكّ في أنّ شكّه السابق هل كان شكاً بين الواحدة والإثنتين أو بين الإثنتين والثلاث إلى أنّ الركعتين الاُوليين هل وقعتا صحيحتين جامعتين للشرط المعتبر فيهما ، أو خاليتين عن المانع المخل بهما ، فلا مانع حينئذ من اجراء القاعدة بناءً على عموم موردها للشكّ في الصحّة أيضاً كما هو الظاهر ، فالتحقيق يوافق ما ذهب إليه السيّد(قدس سره) صاحب العروة ، ولا موقع للاشكال فيه .
الثانية:
إذا شكّ في أنّ ما بيده ظهر أو عصر ، فإن كان قد صلّى الظهر بطل ما بيده ، وإن كان لم يصلّها أو شكّ في أنه صلاّها أو لا ، عدل به إليها(1) . لأنه إن كان الشروع بنيّة الظهر فجعلها بعد الشك بالنية كذلك لا يكون عدولا ، بل هذه النية استدامة للنية التي كانت عند الشروع ، وان كان الشروع بنيّة العصر فالحكم بمقتضى النصّ والفتوى العدول منها إلى الظهر لو تذكّر في الأثناء أنه لم يأت بالظهر بعد ، أو شكّ في
- (1) العروة الوثقى 1 : 687 المسألة الاُولى والثانية .
(الصفحة 87)
أنه صلاّها .
ومثله في الحكم ما لو شكّ في أنّ ما بيده مغرب أو عشاء ، ولم يكن صلّى المغرب أو شكّ في أنه صلاّها ، فإنه يعدل بالنية إلى المغرب ما دام لم يأخذ في القيام إلى الركعة الرابعة(1) ، بناءً على مااختاره العلاّمة وتبعه صاحب الجواهر(قدس سرهما) ، أو مادام لم يدخل في ركوع الركعة الرابعة بناءً على ما هو المشهور(2) .
الثالثة:
إذا شكّ في العشاء بين الثلاث والأربع وتذكّر أنه سهى عن المغرب ، قال في العروة : بطلت صلاته وإن كان الأحوط إتمامها عشاءً والإتيان بالاحتياط ثمّ إعادتها بعد الإتيان بالمغرب(3) .
أقول :
هذه المسألة مبتنية على مسألة اُخرى معنونة في باب العدول ، وهو أنه قد وقع الخلاف في أنه لو تجاوز محلّ العدول فيما إذا كان في العشاء وقد سهى عن المغرب وتذكّر أنه لم يأت بها بعد ، بأن دخل في ركوع الركعة الرابعة ، فهل اللازم عليه الاتمام عشاءً ثمّ الإتيان بالمغرب ، كما لو تذكّر بعد الفراغ عن العشاء أنه لم يكن صلّى المغرب ، أو أنه تبطل الصلاة لعدم إمكان العدول إلى المغرب بعد التجاوز عن محلّه ، كما هو المفروض ؟ .
ولا دليل على سقوط شرطية الترتيب المستفاد من قوله(عليه السلام) : «إلاّ أنّ هذه قبل هذه»(4) ومن أدلّة العدول كما مرّ مراراً ، لأنّ القدر المتيقّن من السقوط ما إذا تذكّر بعد الفراغ من اللاحقة أنه فاتت منه السابقة ولم يكن صلاّها ، وأمّا إذا تذكّر قبل
- (1) العروة الوثقى 1 : 687 المسألة الاُولى والثانية .
- (2) المنتهى 1: 422; جواهر الكلام 7: 316 .
- (3) العروة الوثقى 1: 689; المسألة السادسة .
- (4) الوسائل 4: 1256 و 130 . أبواب المواقيت ب4 ح5 و20 و 21 .