(صفحه 201)
وثانياً: أنّ الإجماع المنقول من أفراد الخبر الواحد، فكيف يمكن الاستدلالبه على حجّية خبر الواحد؟!
وثالثاً: أنّ ناقل الإجماع إنّما يخبر عن رأي المعصوم عليهالسلام عن حدس لحسّ، فلا يكون الإجماع المنقول حجّة.
الوجه الثاني: الإجماع القولي المحصّل من جميع العلماء عدا السيّد المرتضى قدسسره وأتباعه على حجّية خبر الواحد، وخلافهم غير قادح في حجّية الإجماع؛لمعلوميّة نسبهم.
وفيه: بعد عدم تماميّة مبنى الإجماع الدخولي أنّ هذا الإجماع لا يكشف عنرأي المعصوم عليهالسلام للعلم بأنّ مستند المجمعين هو الآيات والروايات، والإجماعالمدركي ليس بحجّة، ولا أقلّ من احتمال ذلك، فإنّه يكفي في سقوطه عنالحجّية كما لا خفى.
الوجه الثالث: الإجماع القولي المحصّل من جميع العلماء على حجّية خبرالواحد حتّى السيّد المرتضى قدسسره وأتباعه، بدعوى: أنّ ذهابهم إلى عدم الحجّيةإنّما كان لأجل اعتقادهم بانفتاح باب العلم في الأحكام الشرعيّة، فلو كانوا فيزماننا المنسدّ فيه باب العلم لحكموا بحجّية الخبر قطعاً.
وفيه: مضافاً إلى كون بعض أتباعه ـ كالمرحوم الطبرسي ـ من المتأخّرينوإمكان انسداد باب العلم في زمان السيّد المرتضى قدسسره أنّه من المحتمل أنّ السيّدالمرتضى قدسسره وأتباعه بعد الاعتقاد بانسداد باب العلم كان يذهب إلى حجّيةالخبر الواحد من باب الظنّ المطلق، لا الظنّ الخاص الذي هو محلّ البحث.
الوجه الرابع: الإجماع العملي من جميع العلماء من الصدر الأوّل إلى يومنهذا من الاخباريّين والاُصوليّين على العمل بخبر الواحد.
وفيه: أنّ عمل جميع العلماء بالخبر ليس مستنداً إلى حجّية خبر الواحد بم
(صفحه202)
هو خبر واحد؛ إذ عمل بعضهم به مبني على كون ما في الكتب الأربعة مقطوعالصدور، وعمل بعض آخر منهم مبني على كون ما بأيدينا من الأخبار فينفسها مطمئنّة الصدور، وعمل جملة اُخرى مبني على احتفاف هذه الأخباربقرائن تفيد الاطمئنان بصدورها، وهكذا.
نعم، عمل بعضهم مبنيّ على حجّية خبر الواحد بما هو خبر الواحد، إلاّ أنّهذا لا يكون إجماعاً ليكشف عن رأي المعصوم عليهالسلام .
الوجه الخامس: الإجماع العملي من جميع المتشرّعة الذي يسمّى بسيرةالمتشرّعة على العمل بخبر الواحد.
وفيه: أنّ جميع المتشرّعة في عصر النبيّ والأئمّة عليهم الصلاة والسلام وإنكان عملهم بالخبر الواحد ممّا لا يقبل الإنكار؛ إذ من المقطوع أنّهم لم يأخذوالأحكام من نفس النبيّ والإمام عليهم الصلاة والسلام بلا واسطة شخصآخر، إلاّ أنّ عملهم بخبر الواحد ليس لأجل كونهم مسلّمين لتحقّق سيرةالمتشرّعة، بل عملهم به من باب كونهم عقلاء بما هم عقلاء والذي يسمّىبالسيرة العقلائيّة، فلابدّ من صرف عنان البحث إلى السيرة العقلائيّة، وهذا مسنبحثه بعد دليل العقل.
الدليل الرابع ـ العقل:
وتقريره من وجوه:
الأوّل: إنّا نعلم إجمالاً بصدور كثير من الأخبار التي بأيدينا عنالمعصوم عليهالسلام ولا نحتمل أن يكون جميعها مجعولة، خصوصاً مع ملاحظة حالالرواة وأرباب الكتب الروائيّة وشدّة اهتمامهم بتنقيح ما أودعوه في تلكالكتب.
ومقتضى هذا العلم الإجمالي هو الاحتياط، والأخذ بجميع هذه الأخبار
(صفحه 203)
الموجودة في الكتب المعتبرة بحكم العقل.
وفيه: أنّ هذا الوجه ـ على تقدير تماميّته ـ لا يثبت إلاّ لزوم الأخذ بالأخبارمن باب الاحتياط، لا من باب الحجّية التي هي محلّ الكلام، بحيث يكونمخصّصاً للعمومات ومقيّداً للمطلقات.
الوجه الثاني: إنّا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة، ولاسيّما الواجباتالضروريّة، مثل: الصلاة والصوم والحجّ والزكاة وغيرها، ومعلوم أنّ أجزاءهذه الواجبات وشرائطها وموانعها لا تثبت إلاّ بالأخبار الموجودة في الكتبالمعتبرة، ولو لم يكن الخبر الواحد حجّة وجاز ترك العمل به لخرجت هذهالواجبات عن حقائقها، وهذا ينافي كون تلك الواجبات ضروريّة وبقاءالتكليف بها إلى يوم القيامة.
وفيه: أنّ مقتضى هذا الوجه أيضاً هو وجوب العمل بكلّ خبر دلّ علىالجزئيّة والشرطيّة من باب حكم العقل بلزوم الاحتياط للعلم الإجمالي، لمن باب أنّه حجّة يخصّص به العمومات ويقيّد به المطلقات كما هو محلّالبحث.
الوجه الثالث: ما حكي عن المحقّق صاحب الحاشية على المعالم قدسسره (1) من أنّنعلم بلزوم الرجوع إلى السنّة والعمل بها؛ لحديث الثقلين الثابت تواتره عندالعامّة والخاصّة، وحينئذٍ فإن أمكن إحراز السنّة بالعلم فهو، وإلاّ فلابدّ منالتنزّل إلى الظنّ والعمل بما يظنّ صدوره منهم عليهمالسلام .
وفيه: إن كان المقصود من السنّة نفس قول المعصوم أو فعله أو تقريرهفالوجوب الرجوع إليها وإن كان ثابتاً بالأدلّة القطعيّة بلا ريب، إلاّ أنّ هذالمعنى لا يرتبط بما هو محلّ الكلام من حجّية خبر الواحد الحاكي عن السنّة.
- (1) هداية المسترشدين 3: 373 ـ 374.
(صفحه204)
وإن كان المقصود منها الأخبار الحاكية عن السنّة ففيه: أنّ وجوب الرجوعإليها والعمل بها هو أوّل الكلام، إلاّ أن يدّعى العلم الإجمالي بصدور كثيرمنها، أو يدّعى العلم الإجمالي بوجود أحكام كثيرة فعليّة في مضامينها بحيثيلزم من إهمالها الخروج عن الدين، فعلى الأوّل يرجع هذا الوجه إلى أوّلالوجوه كما هو واضح، وعلى الثاني يرجع إلى دليل الانسداد، فهذا الوجه ليسدليلاً مستقلاًّ على ما عرفت.
وقال المحقّق الخراساني قدسسره (1) في مقام الدفاع عن صاحب الحاشية قدسسره : إنّملاك هذا الوجه هو وجوب الرجوع إلى أخبار الآحاد الحاكية عن السنّة،وليس ملاكه العلم الإجمالي بصدور جملة منها ليرجع إلى الوجه الأوّل، ولالعلم الإجمالي بثبوت التكاليف في موردها ليرجع إلى دليل الانسداد، فيكونهذا الوجه دليلاً مستقلاًّ بحدّ ذاته.
وفيه: أنّ وجوب الرجوع إلى الأخبار الحاكية لا يعقل أن يكون بلا سبب،وحينئذٍ إمّا أن يرجع إلى الوجه الأوّل أو إلى دليل الانسداد.
وما يمكن أن يقال في مقام توجيه كلام صاحب الحاشية قدسسره : إنّ المراد منالسنّة هي السنّة المحكيّة ـ أي قول المعصوم وفعله وتقريره ـ كما يثبت بحديثالثقلين التمسّك بالكتاب ولزوم الأخذ به، كذلك يثبت به التمسّك بالسنّة ولزومالأخذ بها.
هذا في صورة العلم بالسنّة المحكيّة، وأمّا في صورة عدم العلم بها، فتصلالنوبة إلى المظنّة، فالعمل بالسنّة الحاكية يكون بلحاظ الظنّ بكونها قولالمعصوم.
ولكنّه أيضاً قابل للمناقشة؛ إذ لا دليل لإثبات السنّة بالظنّ، ومن الممكن
- (1) كفاية الاُصول 2: 107.
(صفحه 205)
أن يقال بعدم إثباتها إلاّ بالتواتر نظير الكتاب، مع أنّ المدّعى هو حجّية خبرالواحد مطلقاً، سواء أفاد الظنّ أم لا، ولازم هذا الاستدلال هو حجّية خبرالواحد في صورة حصول الظنّ الشخصي بأنّ هذا فعل المعصوم أو قوله أوتقريره، فلا يكون هذا الدليل قابلاً للقبول.
الدليل الخامس ـ السيرة العقلائية:
فنقول: لاشكّ ولا شبهة في قيام السيرة العقلائيّة على العمل بخبر الثقةوالاتّكال عليه في مقام الاحتجاج، بل على ذلك يدور رحى نظامهمومعاشهم، ولكنّ الاستفادة من هذه السيرة في الاُمور الشرعيّة والتكاليفالإلهيّة تحتاج إلى تحقّق أمرين:
الأوّل: كونها مستمرّة إلى زمان رسول اللّه صلىاللهعليهوآله والأئمّة المعصومين عليهمالسلام ، ومنالمعلوم أنّ نوع المسائل العقلائيّة ليس من الاُمور الحادثة، ومنها العمل بخبرالثقة، فهذه السيرة كانت مستمرّة إلى زمان المعصومين عليهمالسلام .
الأمر الثاني: عدم وقوعها أحياناً أو في الخفاء، بل كانت من الاُمورالمتداولة بين العقلاء وكانت بمنظر ومسمع من الشارع، وكان متمكّناً من الردععنها على فرض مخالفته لها، وهذا أيضاً ممّا لاشكّ فيه، ومع ذلك لم ينقل عنهالردع، وهذا يكشف كشفاً قطعيّاً عن رضا الشارع وموافقته له.
ولايصحّ القول بكون الآيات الناهية عن اتّباع غير العلم رادعاً منالشارع عن السيرة؛ إذ لابدّ من كون الردع عن مثل هذه المسألة المتداولة بينالعقلاء دليلاً خاصّاً وصريحاً، ولايصحّ الاكتفاء بدليل عامّ، كما أنّه لا يصحّردع القياس والربا ـ مثلاً ـ بمثل ذلك، بل يحتاج إلى قوله عليهالسلام : «السنّة لو قيستمحق الدين»،(1) وقوله تعالى: «وَحَرَّمَ الرِّبَواْ»(2)، كذلك لا يصحّ ردع العمل
- (1) الوسائل 27: 41، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 10.