(صفحه206)
بخبر الثقة بمثل عموم الآيات الناهية.
فيكفي في استكشاف رضا الشارع وإمضاءه للسيرة العقلائيّة عدم الردع معالتمكّن منه، ولا يلزم التصريح بالإمضاء والرضا مع تحقّق الشواهد والقرائنلإمضاء المعصومين عليهمالسلام .
منها: اهتمام الأئمّة عليهمالسلام بنقل الرواة وأمرهم بالسؤال عمّا لا يكون موردابتلائهم كثيراً مّا بداعي نقل ما يسمعون عنهم للغائبين وضبطه في الجوامعالروائيّة، فلو لم يكن خبر الواحد حجّة لكان هذا الاهتمام لغواً، بل هذا يكونإمضاء عملي للسيرة العقلائيّة عنهم عليهمالسلام .
ومنها: الروايات الواردة في مباحثة بعض أئمّتنا عليهمالسلام مع بعض علماء العامّة،كما قال الصادق عليهالسلام لأبي حنيفة: «أنت فقيه العراق؟» قال: نعم، قال: «فبِمَتفتيهم؟» قال: بكتاب اللّه وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآله (1).
وقال بعضهم في جواب الإمام عليهالسلام : بما بلغني عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله . ولا نرى فيأيّ مورد مخالفة الأئمّة عليهمالسلام مع السيرة العقلائيّة وردعهم عنها بأنّ ما بلغنا عنرسول اللّه صلىاللهعليهوآله بخبر الواحد ليس بحجّة، بل سكت الإمام عليهالسلام عن هذه الناحية،وقال لأبي حنيفة: «تعرف كتاب اللّه حقّ معرفته؟» وهذا أقوى شاهد على تأييدبناء العقلاء على العمل بخبر الواحد.
ومنها: ما ورد من الأخبار في جواز العمل بخبر الواحد من الطوائفالأربعة، فإنّها إمضاء لما عليه العقلاء من العمل بخبر الثقة، وظاهرها أنّ حجّيةخبر الثقة كان أمراً مركوزاً ومفروغاً عنه في الأذهان، كما يرشدنا قوله عليهالسلام :«نعم»، بعد قول السائل: أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني؟
- (2) الوسائل 27: 47، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 27.
(صفحه 207)
فيكون الدليل لحجّية خبر الواحد بناء العقلاء المؤيّد من المعصومين عليهمالسلام فيمحيط الشرع والتكاليف الإلهيّة.
ولايخفى أنّ المقصود من الثقة كون الراوي ثقة عند أهل الخبرة والمطّلعينلا كونه ثقة عند مخبر له، ولا يلزم أن يكون مخبر له عالماً بوثاقته. نعم، فيصورة العلم بعدم وثاقته لا أثر لخبر من يكون ثقة عند أهل الخبرة.
ومعلوم أنّ توثيق أهل الخبرة قد يكون توثيقاً شخصيّاً كقولهم بأنّالسكوني ثقة ـ مثلاً ـ وقد يكون توثيقاً عامّاً كقول محمّد بن قولويه في مقدّمةكتاب كامل الزيارات: «إنّ كلّ من وقع في أسناد الروايات التي ذكرناها فيهذا الكتاب يكون من ثقات أصحابنا»، وهكذا قول عليّ بن إبراهيم القمّي فيتفسيره.
ولكنّ اعتبار توثيق العامّ محدود بصورة عدم قدح الخاصّ في مقابله، ومنالمعلوم أنّ خبر الثقة في الموضوعات لا يكون حجّة عند الشارع؛ لردعه عنالعمل به فيها بجعل البيّنة حجّة فيها، ومعناه عدم اعتبار خبر الثقة فيها، وإليكون اعتبار التعدّد والعدالة لغواً، فخبر الواحد ليس بحجّة في الموضوعاتالخارجيّة، بل المرجع فيها هو البيّنة أو الاستصحاب أو قول صاحب البيت أوذي اليد.
ثمّ استدلّ في المقام على حجيّته مطلق الظنّ بأدلّة، منها: دليل الانسدادوكانت له مقدّمات، والأهمّ منها انسداد باب العلم والعلمي بالنسبة إلىالتكاليف الإلهيّة، وتماميّة هذه المقدّمة متوقّف على القول بعدم حجّية خبرالواحد، فيكون دليل الانسداد بعد إثبات حجّيته مسألة فرضيّة، فلا داعي إلىبحثه.
(صفحه208)
المقصد السابع
في مباحث
الاُصول العمليّة
(صفحه 209)
(صفحه210)
الاُصول العمليّة
هي المرجع عند الشكّ بعد الفحص واليأس عن الدليل. قال صاحبالكفاية قدسسره (1): «إنّ المهمّ من الاُصول العمليّة هي البراءة والاحتياط والتخييروالاستصحاب»، ولم يتعرّض لأصالة الطهارة، وقال: إنّ الوجه لعدم تعرّضهأوّلاً: أنّها من الاُصول المسلّمة، وثانياً: اختصاصها بباب الطهارة.
وقد يتوهّم أنّ الوجه في عدم ذكر أصالة الطهارة في علم الاُصول: أنّالطهارة والنجاسة من الاُمور الواقعيّة التي قد أخبر بهما الشارع، لا منالأحكام الشرعيّة، وكان الشكّ فيهما شكّاً في الانطباق، ومن المعلوم أنّ البحثعن الشبهات الموضوعيّة لا يكون من المسائل الاُصوليّة.
وفيه: أوّلاً: أنّه لا يلزم من كون الشيء أصلاً عمليّاً خلوّه بتمام المعنى عنالواقعيّة، بل عدم إدراك عقولنا يكفي لكونه أصلاً عمليّاً.
وثانياً: لا نسلّم كون الشكّ فيهما من الشبهة المصداقيّة؛ لأنّ الميزان في كونالشبهة مصداقيّة أن يكون المرجع فيها العرف لا الشارع، كما أنّ الأمر فيالشبهة الحكميّة بعكس ذلك، ولا إشكال في أنّ المرجع عند الشكّ في نجاسةشيء وطهارته ـ كالعصير العنبي بعد الغليان، وكعرق الجنب من الحرام، وعرقالإبل الجلاّل ونحوهما ـ هو الشارع، وبيانها من وظائفه، ولا يعلمها إلاّ هو.
- (1) كفاية الاُصول 2: 165.