عليها وإن لم تقبل الرفع التشريعي إلاّ أنّها باعتبار ما لها من الأثر ـ وهوالغسل ـ قابلة للرفع، فإنّ الغسل والتطهير أمران وجوديّان قد أمر الشارع بهمعقيب الجنابة والنجاسة مطلقاً، من غير فرق بين الجنابة والنجاسة الاختياريّةوغير الاختياريّة.
ولا يضرّ إرسالها بعد نسبة الشيخ الصدوق قدسسره إلى الإمام عليهالسلام بلفظ قال.
لابدّ من بحثها:
الاُولى: في لفظة «مطلق» فإنّ فيها احتمالات ثلاثة:
الأوّل: أن يكون المراد منه الإباحة الشرعيّة الواقعيّة المجعولة للأشياءبعناوينها الأوّلية.
الثاني: الإباحة الشرعيّة الظاهريّة المجعولة للأشياء بعناوينها الثانويّة.
الثالث: الإباحة العقليّة الأصليّة في الأشياء قبل ورود الشرع في مقابلالحظر العقلي.
ومن الواضح أنّ الاستدلال بالحديث على البراءة إنّما يتمّ بناءً على الاحتمالالثاني؛ إذ البراءة هي الإباحة الظاهريّة لا الواقعيّة، وأمّا الإباحة العقليّةفيشكل إثباتها بالحديث؛ لعدم صحّة التعبّد في الأحكام العقليّة.
النقطة الثانية: في لفظة «يرد»، وفيها احتمالان:
الأوّل: أن يكون المراد منها صدور الحكم من المولى وجعله له، فيكونمفاد الرواية: كلّ شيء لم يصدر فيه نهي ولم تجعل فيه الحرمة فهو مطلق.
الثاني: أن يكون المراد منها وصول الحكم إلى المكلّف وعلمه به لا مجرّدصدوره من الشارع وإن لم يصل إلى المكلّف، فيكون مفاد الرواية: كلّ شيء لميصل إلى المكلّف فيه نهي من الشارع فهو مطلق وإن صدر فيه نهي منالشارع.
ومن المعلوم أنّ الاستدلال بالرواية إنّما يتمّ بناءً على الاحتمال الثاني دونالأوّل؛ إذ ما لا نهي فيه رأساً لا كلام في أنّه لا عقوبة على ارتكابه، ولا يقولالأخباري بالاحتياط فيه.
النقطة الثالثة: في لفظة «نهي»، وفيها احتمالان:
الأوّل: أن يكون المراد منها النهي الواقعي المتعلّق بالشيء بعنوانه الأوّلي.
(صفحه 251)
الثاني: أن يكون المراد منها مطلق النهي المتعلّق بالشيء ولو من حيث كونهمجهول الحكم.
ومن الواضح أنّه على الاحتمال الأوّل تكون البراءة المستفادة من الروايةمعارضة لأدلّة وجوب الاحتياط على تقدير تماميّتها، وعلى الثاني تكون أدلّةالاحتياط واردة عليها.
الجهة الثانية: في حكم هذه الاحتمالات من حيث الإمكان والامتناع، وقدذهب المحقّق الإصفهاني قدسسره (1) إلى امتناع صورتين من هذه الاحتمالات: الاُولى:أن يكون المراد من المطلق الإباحة الشرعيّة الواقعيّة مع إرادة الصدور منالورود. الثانية: أن يكون المراد من المطلق الإباحة الشرعيّة الظاهريّة مع إرادةالصدور من الورود.
أمّا الصورة الاُولى فلأنّ المفروض لا اقتضائيّة للموضوع في مورد الإباحةالواقعيّة بالنسبة للمصلحة والمفسدة، وذلك ينافي فرض اقتضائيّته للمفسدةالداعية إلى تشريع الحرمة.
لا يقال: عدم اقتضائيّته إنّما هي من حيث ذاته، وذلك لا ينافي اقتضائيّتهللمفسدة بعنوان ثانوي يستدعي الحرمة.
فإنّه يقال: ظاهر الرواية هو وحدة متعلّقي الإباحة والنهي عنواناً، فالماءالذي بعنوانه صار مباحاً هو بهذا العنوان يتعلّق به النهي، لا بعنوان آخرينطبق عليه بحيث يكون موضوع النهي ذلك العنوان كالغصب مثلاً.
وأمّا إذا اُريد بورود النهي تحديد الموضوع وتقييده فلا يصحّ أيضاً، سواءكان بنحو المعرّفيّة والمشيريّة، بأن يكون المقصود أنّ الموضوع الذي لم يرد فيهنهي مباح، والموضوع الذي ورد فيه نهي ليس مباحاً، أم كان بنحو تقيّد أحد
- (1) نهاية الدراية 2: 187.