بالتقوى، وقد عرفت عدم تنجّز التكليف في الشبهة البدويّة.
ولايخفى ضعف الاستدلال بهذه الطائفة جدّاً، فإنّ الاُصولي لا يقول بالحلّيةفي الشبهات الحكميّة إلاّ عن دليل، فيكون قولاً عن علم؛ إذ لا شكّ في حرمةالتشريع عند أحد، فكما أنّ الأخباري لا يقول بوجوب الاحتياط إلاّ عندليل، فكذلك الاُصولي في حكمه بالإباحة، فلو كان قوله بالإباحة عن دليلقولاً بغير علم، فقول الأخباري بوجوب الاحتياط عن دليل أيضاً كذلك.
حيث إنّه يرتكب الشبهة عملاً، ولا مجال للسؤال عن ترك المباح فضلاً عنترك الشبهة، ويصحّ السؤال عن الارتكاب، مكابرة ظاهرة، فإنّ الأخبارييحكم بوجوب الاحتياط والحرمة في مورد ارتكاب الشبهة التحريميّة.
ومنه: الآيات الناهية عن إلقاء النفس في التهلكة، كقوله تعالى: «وَلاَ تُلْقُواْبِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»(1) بتقريب: أنّ ارتكاب مشتبه الحرمة إلقاء للنفس فيالتهلكة.
وفيه: أوّلاً: أنّه ليس في ارتكاب الشبهة تهلكة بعدما ورد الترخيص فيهمن الشرع والعقل، بل التهلكة في مخالفة التكليف المعلوم بالتفصيل أوبالإجمال.
وثانياً: أنّ النهي في الآية إرشادي كما ذكرنا في الآيات الآمرة بالتقوى.
وثالثاً: أنّ الآية الشريفة أجنبيّة عمّا نحن فيه؛ لوقوعها في سياق آياتالجهاد، ويكون المعنى حينئذٍ: أنفقوا في سبيل اللّه بجهادكم وبذل الأموالوالأنفس، ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة بترك الجهاد بما يستلزمه منبذلالنفس والنفيس؛ لكي لايتسلّط عليكمالعدو فتذهب سيادتكموسطوتكم.
الدليل الثاني: السنّة
وهي على طوائف:
الاُولى: ما دلّ على حرمة الإفتاء بغير علم.
وجوابها بأنّ الحكم بالإباحة الظاهريّة استناداً ما ذكرناه من الدليلالشرعي والعقلي لا يكون إفتاء بغير علم كما هو واضح.
(صفحه 271)
الطائفة الثانية: ما دلّ على وجوب الردّ إلى اللّه ورسوله صلىاللهعليهوآله عند عدم العلم.
وجوابها: أنّ هذا الطائفة تمنع من الإفتاء بالآراء والأهواء والتقوّل بلرجوع إلى مصادر التشريع، وهذا أجنبيّ عمّا نحن فيه، فإنّ الاُصولي إنّما حكمبالإباحة الظاهريّة في الشبهات البدويّة بعد الرجوع إلى الكتاب والسنّةواليأس من الدليل.
الطائفة الثالثة: ما دلّ على التوقّف عند الشبهة بلا تعليل:
منها: قوله عليهالسلام : «أورع الناس من وقف عند الشبهة»(1).
ومنها: قوله عليهالسلام : «لا ورع كالوقوف عند الشبهة»(2).
ولايخفى ظهورهما في الاستحباب، والاُصولي أيضاً لا ينكر رجحانالاحتياط.
ومنها: قوله عليهالسلام : «اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك» ـ إلى أنقال عليهالسلام ـ : «أوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج...»(3).
ولايخفى أنّ هذا الحديث راجع إلى آداب القاضي، وهو مستحبّ إجماعاً.
ومنها: قوله عليهالسلام : «لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا»(4).
ومعلوم أنّ هذا الحديث ناظرٌ إلى إنكار الحقّ بلا دليل، ومن الواضح أنّالاُصولي إنّما ينكر وجوب الاحتياط لقيام الدليل على خلافه، مع أنّه لايرتبطبما نحن فيه، فإنّه راجع إلى الكفر والإنكار القلبي.
الطائفة الرابعة: ما دلّ على التوقّف عند الشبهة مع التعليل:
منها: قوله عليهالسلام : «الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة»(5).
- (1) الوسائل 27: 162، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 29.
- (2) المصدر السابق: 161، الحديث 23.
- (3) المصدر السابق: 159، الحديث 18.
- (4) المصدر السابق: 158، الحديث 11.