(صفحه 415)
امتثاله إنّما يكون بانضمام الزائد إليه إذا كان التكليف به ملحوظا بشرط شيء،بخلاف ما إذا كان ملحوظا لا بشرط، فإنّه لايتوقّف امتثاله على انضمام الزائدإليه، فيرجع الشكّ في الأقلّ والأكثر الارتباطي إلى الشكّ بين المتباينين تكليفوامتثالاً(1). إنتهى.
ويرد عليه: أوّلاً: ما ذكرناه في ذيل الجواب عن الإشكال الأوّل: بأنّ لازمكونهما متباينين الجمع بين الإتيان بالمركّب من الأقلّ والمركّب من الأكثر، لالاكتفاء بالأكثر فقط.
وثانياً: أنّ الموصوف باللا بشرطيّة وبشرط الشيئيّة ليس إلاّ متعلّقالتكليف وهو الأقلّ، فإنّه على تقدير تعلّق التكليف به فقط يكون ملحوظلا بشرط، وعلى تقدير تعلّقه بالأكثر يكون ملحوظا بشرط شيء، وأمّالتكليف الذي هو عبارة عن البعث إلى المكلّف به أو الزجر عن المتعلّق فليكون موصوفا لهذين الوصفين.
ثمّ إنّ اتّصاف المتعلّق بهما أيضا محلّ نظر؛ لأنّ مركز البحث هو ما إذا كانالأقلّ والأكثر من قبيل الجزء والكلّ لا الشرط والمشروط، فالأكثر علىتقدير كونه متعلّقا للتكليف يكون بجميع أجزائه كذلك، لا أنّ المتعلّق هوالأقلّ بشرط الزيادة على أن يكون الزائد شرطا.
وثالثاً: أنّ مباينة ماهيّة بشرط شيء للماهيّة اللابشرط ممنوعة، فإنّ ميباين ماهيّة بشرط شيء هو الماهيّة اللابشرط القسمي ـ أي الماهيّة التيلوحظت مع عدم ملاحظة شيء معها، واعتبر معها عدم اللاشتراط بوجودشيء أو نفيه ـ وأمّا الماهيّة اللابشرط المقسمي ـ وهي الماهيّة بذاتها من دونلحاظ شيء معها حتّى لحاظ عدم لحاظ شيء الذي يحتاج إلى لحاظ آخر غير
- (1) هداية المسترشدين: 441.
(صفحه416)
لحاظ الماهيّة ـ فلا تباين الماهيّة بشرط شيء، كيف؟ وهي قسم لها، ولا يعقلالتنافي بين المقسم والقسم، والمقام من هذا القبيل فإنّ الأقلّ على تقدير تعلّقالتكليف به كان الملحوظ هو نفسه من دون لحاظ شيء آخر حتّى لحاظ عدملحاظ شيء آخر، وقد عرفت أنّه لا تنافي بينه وبين الماهيّة بشرط شيء.
ثمّ إنّه أجاب المحقّق النائيني رحمهالله عن هذه الشبهة بما حاصله: إنّ ماهيّةلابشرط والماهيّة بشرط شيء ليسا من المتباينين الذين لا جامع بينهما؛ لأنّالتقابل بينهما تقابل العدم والملكة لاالتّضاد، فإنّ ماهيّة لابشرط ليس معناهلحاظ عدم انضمام شيء معها بحيث يؤخذ العدم قيدا في الماهيّة، وإلاّ ترجع إلىالماهيّة بشرط لا، ويلزم تداخل أقسام الماهيّة، بل الماهيّة لابشرط معناهعدم لحاظ شيء معها، ومن هنا قلنا: إنّ الإطلاق ليس أمرا وجوديا، بل هوعبارة عن عدم القيد، خلافا لما ينسب إلى المشهور، فالماهيّة لابشرط ليستمباينة للماهيّة بشرط شيء بحيث لايوجد بينهما جامع، بل يجمعها نفسالماهيّة، والتقابل بينهما إنّما يكون بمجرّد الاعتبار واللحاظ، وفي المقام يكونالأقلّ متيقّن الاعتبار على كلّ حال، سواء لوحظ الواجب لابشرط أو بشرطشيء، والتغاير الاعتباري لايوجب خروج الأقلّ عن كونه متيقّن الاعتبار(1).إنتهى.
ويرد عليه: أوّلاً: أنّ الماهيّة اللابشرط ـ كما اعترف بها ـ هي نفس الماهيّةمن دون أن يلاحظ معها شيء آخر بنحو السالبة المحصّلة، مثل: «زيد ليسبقائم»، لا بنحو الموجبة المعدولة، مثل: «زيد لا قائم»، وحينئذ فلا وجه لمذكره من أنّ الجامع بينها وبين الماهيّة بشرط شيء هو نفس الماهيّة؛ لأنّ نفسالماهيّة عبارة اُخرى عن الماهيّة اللابشرط؛ إذ المراد بها هي الماهيّة اللابشرط
- (1) فوائد الاُصول 4: 154.
(صفحه 417)
المقسمي، ولا يعقل الجامع بين القسم والمقسم هنا كما هو واضح.
نعم، نفس الماهيّة جامعة للماهيّة بشرط شيء والماهيّة اللابشرط القسمي،وهي التي لوحظت متقيّدة باللابشرطيّة.
وثانياً: أنّه قال في الابتداء بكون التقابل بين الماهيّة اللابشرط والماهيّةبشرط شيء تقابل العدم والملكة، وهو التقابل الواقعي، وقال في الذيل: «إنّالتقابل بينهما إنّما يكون بمجرّد الاعتبار واللحاظ»، ونقول: إنّ البحث في الأقلّوالأكثر وإن كان في الاُمور الاعتباريّة، إلاّ أنّ التقابل بين اعتبار الأقلّواعتبار الأكثر تقابل واقعي، وعلى أيّ تقدير يجب الاحتياط هنا، كما إذا دارالأمر بين إكرام بصير أو أعمى أو بين إكرام (كوسج) أو ذات لحية، فيجبالاحتياط بإكرامهما معا.
وثالثاً: أنّ نفي الجامع في المتضادّين ممنوع، فإنّ المتقابلين بالتّضاد أيضبينهما جامع جنسي كاللون ـ مثلاً ـ جامع جنسي للسواد والبياض، والحيوانجامع جنسي للإنسان والبقر، وعلى فرض كون التقابل بينهما تقابل العدموالملكة لايوجب نفي الاحتياط وجريان البراءة العقليّة، ألا ترى أنّ العبد إذعلم بوجوب إكرام الإنسان وشكّ في أنّ الواجب إكرام الإنسان البصير أوالأعمى، فلا إشكال في حكم العقل بلزوم الاحتياط، كما إذا تردّدت الصلاةالواجبة ظهر يوم الجمعة بين صلاة الظهر وصلاة الجمعة، فما ذكره المحقّقالنائيني رحمهالله في مقام الجواب عن الإشكال ليس بتامّ، كما لا يخفى.
الإشكال الثالث: أنّ وجوب الأقلّ دائر بين كونه نفسيّا يترتّب على مخالفةالأمر المتعلّق به العقاب وبين كونه غيريّا؛ إذ الواجب إن كان الأكثر يكونالوجوب المتعلّق بالأقلّ غيريّا، فلا يترتّب على مخالفته شيء؛ لأنّ العقاب إنّمهو على ترك الواجب النفسي لا الغيري، وحينئذ فلا يعلم بلزوم الإتيان
(صفحه418)
بالأقلّ على أيّ تقدير وبعنوان القدر المشترك حتّى ينحلّ به العلم الإجماليبالعلم التفصيلي بالنسبة إليه والشكّ البدوي بالنسبة إلى الأكثر، فالعلمالإجمالي باقٍ على حاله، ومقتضاه وجوب الاحتياط بإتيان الأكثر.
ويرد عليه: أوّلاً: أنّ المركّب كما أنّه ليس له إلاّ وجود واحد هو عين وجودالأجزاء، كذلك لايكون له إلاّ عدم واحد؛ لأنّ نقيض الواحد لايكون إلواحدا، وإلاّ يلزم ارتفاع النقيضين، وحينئذ فنقيض، المركّب إنّما هو عدم ذلكالوجود الواحد، غاية الأمر أنّ عدمه تارة بعدم جميع أجزائها، واُخرى بعدمبعضها؛ لوضوح اشتراك تارك الصلاة رأسا مع تارك ركوعها ـ مثلاً ـ في عدمإتيان واحد منهما بالمركّب الذي هو الصلاة.
وحينئذ نقول: ترك الأقلّ يعلم بترتّب العقاب عليه، إمّا من جهة كونه هوتمام المأمور به، وإمّا من جهة أنّ تركه هو عين ترك المأمور به الذي يترتّبعليه العقاب، فيترتّب العقاب على تركه قطعا، وبه ينحلّ العلم الإجمالي.
نعم، لو كان الواجب في الواقع هو الأكثر، ولميأت المكلّف إلاّ بالأقلّ اعتمادعلى حكم العقل بالبراءة فهو وإن كان تاركا للمأمور به؛ لأنّ تركه عين تركالجزء الزائد أيضا؛ إلاّ أنّ ترك المأمور به هنا إنّما هو لعذر، بخلاف تركه بعدمالإتيان بالأقلّ، فإنّه لايكون لعذر، فهما مشتركان في عدم إتيانهما بالمأمور به،لكن بينهما فرق من حيث العذر وعدمه، نظير ما لو علم المكلّف بوجوب إنقاذأحد الغريقين على سبيل التخيير مع كون الواجب في الواقع واحداً معيّناً منهما؛فإنّه تارة يعصي المولى بعدم إنقاذ واحد منهما، واُخرى ينقذ غير من يجبإنقاذه بحسب الواقع، ففي الصورتين وإن كان المأمور به قد ترك ولم يأتِالمكلّف به، إلاّ أنّه في الصورة الثانية معذور في المخالفة دون الصورة الاُولى.
وثانياً: لو سلّم دوران الأمر الأقلّ بين كونه نفسيّا يترتّب على مخالفته
(صفحه 419)
العقاب أو غيريّا لايترتّب عليه، كدوران شيء بين الواجب والمستحبّ، إلاّ أنّنقول: إنّ الملاك في جريان حكم العقل بالبراءة المستند إلى قبح العقاببلابيان، هل هو عدم بيان التكليف أو عدم بيان العقوبة؟ لا سبيل إلى الثاني،ألاترى أنّه لو ارتكب المكلّف واحدا من المحرّمات بتخيّل ضعف العقابالمترتّب على ارتكابه فلا إشكال في صحّة عقوبته المترتّبة عليه في الواقع وإنكان من الشدّة بمكان.
وبالجملة، فمستند حكم العقل بالبراءة ليس هو عدم البيان على العقاب، بلعدم البيان على التكليف، والبيان عليه موجود بالنسبة إلى الأقلّ قطعا، ولذلايجوز تركه. وحينئذ فدوران أمر الأقلّ بين ترتّب العقاب عليه لو كان نفسيّوعدم ترتّبه لو كان غيريّا لايوجب أن لايكون وجوبه معلوما، ومع العلمبالوجوب لايحكم العقل بالبراءة قطعا، فلزوم الإتيان به معلوم على أيّتقدير، وبه ينحلّ العلم الإجمالي.
الإشكال الرابع: ما ذكره المحقّق النائيني رحمهالله وهو ينحلّ إلى وجهين:
أحدهما: ما ذكره في صدر كلامه، وملخّصه: أنّ العقل يستقلّ بعدم كفايةالامتثال الاحتمالي للتكليف القطعي؛ ضرورة أنّ الامتثال الاحتمالي إنّما يقتضيهالتكليف الاحتمالي، وأمّا التكليف القطعي فمقتضاه الامتثال القطعي؛ لأنّ العلمباشتغال الذمّة يستدعي العلم بالفراغ عقلاً ولا يكفي احتمال الفراغ، ففي المقاملايجوز الاقتصار على الأقلّ عقلاً؛ لأنّه يشكّ في الامتثال والخروج عن عهدةالتكليف المعلوم في البين، ولا يحصل العلم بالامتثال إلاّ بعد ضمّ الخصوصيّةالزائدة المشكوكة، والعلم التفصيلي بوجوب الأقلّ المردّد بين كونه لابشرط أوبشرط شيء هو عين العلم الإجمالي بالتكليف المردّد بين الأقلّ والأكثر، ومثلهذا العلم التفصيلي لايعقل أن يوجب الانحلال؛ لأنّه يلزم أن يكون العلم