(صفحه420)
الإجمالي موجبا لانحلال نفسه.
ثانيهما: ما ذكره في ذيل كلامه، وحاصله: أنّ الشكّ في تعلّق التكليفبالخصوصيّة الزائدة المشكوكة من الجزء أو الشرط وإن كان عقلاً لايقتضيالتنجّز واستحقاق العقاب على مخالفته من حيث هو؛ للجهل بتعلّق التكليفبه، إلاّ أنّ هناك جهة اُخرى تقتضي التنجيز والاستحقاق على تقدير تعلّقالتكليف بها، وهي احتمال الارتباطيّة وقيديّة الزائد للأقلّ، فإنّ هذا الاحتمالبضميمة العلم الإجمالي يقتضي التنجيز واستحقاق العقاب عقلاً، فإنّه لا رافعلهذا الاحتمال، وليس من وظيفة العقل وضع القيديّة أو رفعها، بل ذلك منوظيفة الشارع، ولا حكم للعقل من هذه الجهة، فيبقى حكمه بلزوم الخروجعن عهدة التكليف المعلوم على حاله، فلابدّ من ضمّ الخصوصيّة الزائدة(1).
ويرد على التقريب الأوّل: أنّ الاشتغال اليقيني وإن كان مستدعيا للبراءةاليقينيّة إلاّ أنّ ذلك بمقدار ثَبَتَ الاشتغال به وقامت الحجّة عليه، وأمّا ما لم تقمالحجّة عليه فلم يثبت الاشتغال به حتّى يستدعي البراءة اليقينيّة عنه.
وما ذكره من أنّ العلم التفصيلي بوجوب الأقلّ المردّد بين كونه لابشرط أوبشرط شيء هو عين العلم الإجمالي محلّ منع؛ لما عرفت من أنّ المرادباللابشرط في المقام هو اللابشرط المقسمي الذي هو عبارة عن نفس الماهيّة،من دون أن يلاحظ معها شيء على نحو السالبة المحصّلة لا الموجبة المعدولة،ومن المعلوم أنّ اللابشرط المقسمي لايغاير مع بشرط شيء أصلاً؛ لأنّاللابشرط يجتمع مع ألف شرط.
وحينئذ فالأقلّ المردّد بين كونه لا بشرط أو بشرط شيء يعلم تفصيلبوجوبه بحيث لا إجمال في ذلك عند العقل، ولا يكون متردّدا فيه أصلاً،
- (1) فوائد الاُصول 4: 159 ـ 161.
(صفحه 421)
والخصوصيّة الزائدة مشكوكة بالشكّ البدوي.
وبالجملة، فالعلم الإجمالي إذا لوحظ طرفاه أو أطرافه يكون كلّ واحدمنهما أو منها مشكوكا من حيث هو، وفي المقام لايكون كذلك؛ لأنّ العقللايرى إجمالاً بالنسبة إلى وجوب الأقلّ أصلاً، والأمر الزائد لايكون إلمشكوكا بالشكّ البدوي.
ويرد على التقريب الثاني: أنّه كما أنّ تعلّق التكليف بالخصوصيّة الزائدةمشكوك، وهو لايقتضي التنجيز واستحقاق العقاب على مخالفته من حيث هو،كذلك احتمال الارتباطيّة وقيديّة الزائد مورد لجريان البراءة بعد عدم قيامالحجّة عليها؛ لعدم الفرق بين نفس الجزء الزائد وحيثيّته الارتباطيّة أصلاً؛لوجود ملاك جريان البراءة العقليّة، وهو الجهل وعدم ثبوت البيان فيهما، وليكون مقتضى جريانها هو رفع القيديّة حتّى يقال بأنّه ليس من وظيفة العقلوضع القيديّة ولا رفعها، بل معنى جريانها هو قبح العقاب على ترك المأمور بهمن جهة الإخلال بالخصوصيّة الزائدة المشكوكة بعد عدم ورود بيان علىثبوتها، وكونها دخيلاً في المأمور به.
ومن جميع ما ذكرنا يظهر الجواب عن تقريب آخر للاحتياط، وهو أنّتعلّق التكليف بالأقلّ معلوم ضرورة، والاشتغال اليقيني بذلك يقتضي البراءةاليقينيّة، وهي لاتحصل إلاّ بضمّ الجزء الدائر المشكوك؛ ضرورة أنّه مع دخالتهفي المأمور به لا يكون الإتيان بالأقلّ بمجد أصلاً.
والجواب: أنّ الشكّ في حصول البراءة إنّما هو من جهة مدخليّةالخصوصيّة الزائدة، وحيث إنّ دخالتها مشكوكة ولم يرد من المولى بيانبالنسبة إليها، فالعقاب على ترك المأمور به من جهة الإخلال بتلك الخصوصيّةلايكون إلاّ عقابا من دون بيان ومؤاخذة بلابرهان.
(صفحه422)
وبالجملة، ما علم الاشتغال به يقينا تحصل البراءة بالإتيان به كذلك، وما لميعلم الاشتغال به تجري البراءة العقليّة بالنسبة إليه، كما عرفت.
الإشكال الخامس: ما أفاده الشيخ المحقّق صاحب الحاشية الكبيرة علىالمعالم، وملخّصه: أنّ الأمر دائر بين تعلّق الوجوب بالأقلّ أو بالأكثر، وعلىتقدير تعلّقه بالأكثر لايكون الأقلّ بواجب؛ لأنّ ما هو في ضمن الأكثر إنّما هوالأجزاء التي ينحلّ إليها الأقلّ لا نفس الأقل، فإنّه لايكون في ضمن الأكثرأصلاً؛ لأنّ له صورة مغايرة لصورة الأكثر، ومع هذا التغاير لو كان الأقلّوالأكثر غير ارتباطيّين لكنّا نحكم بالبراءة بالنسبة إلى الزائد المشكوك؛ لعدمتوقّف حصول الغرض على ضمّ الزائد، بل الأقلّ يترتّب عليه الغرض فيالجملة ولو لم يكن متعلّقا للتكليف، وهذا بخلاف المقام، فإنّه لو كان الأمرمتعلّقا في نفس الأمر بالأكثر لكان وجود الأقلّ كعدمه في عدم ترتّب شيءعليه وعدم تأثيره في حصول الغرض أصلاً، وحينئذ فمقتضى العلم الإجماليبوجود التكليف في البين هو لزوم الإتيان بالأكثر؛ تحصيلاً للبراءة اليقينيّة(1).إنتهى.
ويرد عليه ما أجبنا به عن الإشكال الأوّل من أنّ المركّب من الأقلّلايكون له صورة مغايرة للمركّب من الأكثر؛ لأنّ التركيب الاعتباري ليسإلاّ ملاحظة أشياء متعدّدة شيئا واحدا، بحيث تكون الأجزاء فانية غيرملحوظة بنفسها، ولا يكون هنا صورة اُخرى ما عدا الأجزاء حتّى يقال بأنّهمغايرة للصورة الحاصلة من المركّب من الأكثر.
وبالجملة، فليس هنا إلاّ نفس الأجزاء التي دار أمرها بين القلّة والكثرة،وحينئذ فيظهر أنّ تعلّق الوجوب بالأقلّ معلوم تفصيلاً؛ لما عرفت من أنّ
- (1) هداية المسترشدين: 441.
(صفحه 423)
الأمر المتعلّق بالمركّب يدعو إلى أجزائه بعين دعوته إلى المركّب، وحينئذ فلوكان الأكثر متعلّقا للتكليف يكون الأقلّ أيضا واجبا، بمعنى أنّ الأمر يدعوإليه، كما أنّه لو كان الأقلّ كذلك يكون واجبا حينئذ، فوجوب الأقلّ معلومتفصيلاً، والشكّ بالنسبة إلى الزائد شكّ بدوي تجري فيه البراءة، كما عرفت.
الإشكال السادس: ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية من أنّ الانحلالمستلزم للخلف أو المحال الذي هو عبارة عن استلزام وجود الشيء لعدمه(1).
أمّا الخلف فلأنّه يتوقّف لزوم الأقلّ فعلاً إمّا لنفسه أو لغيره على تنجّزالتكليف مطلقا ولوكان متعلّقا بالأكثر؛ ضرورة أنّه لو لم يتنجّز على تقديرتعلّقه به لم يكن الأقلّ واجبا بالوجوب الغيرى؛ لأنّه تابع لوجوب ذيالمقدّمة، ومع عدمه لا مجال له، كما أنّه لو لم يتنجّز على تقدير تعلّقه بالأقلّلم يكن واجبا بالوجوب النفسي، فوجوبه الأعمّ من النفسي والغيري يتوقّفعلى تنجّز التكليف على أيّ تقدير، فلو كان لزومه كذلك موجبا لعدم تنجّزالتكليف إلاّ على تقدير تعلّقه بالأقلّ يلزم الخلف.
وأمّا استلزام وجوده للعدم فلأنّ لزوم الأقلّ على الفرض يستلزم عدمتنجّز التكليف على كلّ حال، وهو يستلزم لعدم لزوم الأقلّ مطلقا، وهويستلزم عدم الانحلال، فلزم من وجود الانحلال عدمه، وما يلزم من وجودهعدمه فهو محال.
هذا، ويمكن هنا تقريب ثالث يضاف إلى التقريبين المذكورين في كلامالمحقّق الخراساني رحمهالله وهو: أنّ العلم التفصيلي لو تولّد من العلم الإجمالي بحيثكان معلولاً له ومسبّبا عنه لايعقل أن يوجب انحلال ذاك العلم الإجمالي، وهليمكن أن يؤثّر المعلول في عدم علّته؟
- (1) كفاية الاُصول 2: 228.
(صفحه424)
والمقام من هذا القبيل؛ فإنّ العلم التفصيلي بوجوب الأقلّ إمّا لنفسه أولغيره إنّما نشأ من العلم الإجمالي بوجوب الأقلّ أو الأكثر، كما هو واضح، نظيرما إذا تردّد أمر الوضوء ـ مثلاً ـ بين كون وجوبه نفسيّا أو غيريّا ناشئا منالوجوب المتعلّق بما يكون الوضوء مقدّمة له، ولكن كان وجوب ذي المقدّمةمشكوكا، فإنّه لا يعقل أن يصير العلم التفصيلي بوجوب الوضوء على أيّتقدير موجبا لانحلال العلم الإجمالي بوجوب الوضوء نفسيا أو بوجوب ميكون هو مقدّمة له؛ لأنّ مع الانحلال وإجراء البراءة بالنسبة إلى وجوب ذيالمقدّمة لايكون العلم التفصيلي باقيا على حاله، فالعلم التفصيلي المسبّب عنالعلم الإجمالي يستحيل أن يؤثّر في انحلاله.
هذا، ولكنّ هذه التقريبات الثلاثة إنّما تتمّ بناءً على مبنى فاسد، وهو القولبكون الأجزاء في المركّبات واجبة بالوجوب الغيري كالمقدّمات الخارجيّة،ونحن وإن أنكرنا وجوب المقدّمة والملازمة بينها وبين وجوب ذيها رأسا ـ كممرّ تحقيقه في مبحث مقدّمة الواجب من مباحث الألفاظ ـ إلاّ أنّه لو سلّمنذلك في المقدّمات الخارجيّة فلا نسلّمه في المقدّمات الداخليّة أصلاً، بل قدعرفت أنّ الأجزاء واجبة بعين وجوب الكلّ، والأمر المتعلّق به يدعو إليهبعين دعوته إليه؛ إذ لا مغايرة بينها وبينه أصلاً؛ لأنّ المركّب ليس أمرا وراءها،بل هو نفسها، وحينئذ فالأقلّ واجب بالوجوب النفسي تفصيلاً، ولا يكونهذا العلم التفصيلي مسبّبا عن العلم الإجمالي، فلا مانع من التأثير في الانحلال،بل قد عرفت أنّه ليس هنا إلاّ علم تفصيلى وشكّ بدوي، كما لا يخفى.
الإشكال السابع: ما أورده نفس الشيخ المحقّق الأنصاري في الرسائل(1)بقوله: «إن قلت»، وتقريره: أنّ الأوامر والنواهي الشرعيّة تابعة للمصالح
- (1) فرائد الاُصول 2: 461.