(صفحه438)
الأمر بين وجوب إكرام مطلق الإنسان أو خصوص زيد، يكون إكرام طبيعةالإنسان التي هي عبارة عن الحيوان الناطق مع قطع النظر عن الخصوصيّاتالمقارنة معه في الوجود الخارجي معلوما تفصيلاً، والشكّ إنّما هو فيالخصوصيّة الزائدة.
كما أنّه لو دار الأمر بين عتق مطلق الرقبة أو خصوص الرقبة المؤمنة يكونوجوب عتق مطلق الرقبة معلوما تفصيلاً، والشكّ إنّما هو في وجوبالخصوصيّة الزائدة وهي كونها مؤمنة؛ ضرورة أنّ الرقبة الكافرة تشترك معالرقبة المؤمنة في أصل المصداقيّة لمطلق الرقبة. نعم، بينهما افتراق من جهاتاُخرى لاترتبط بالطبيعي.
وحينئذ فلا فرق بين هذه الموارد وبين الأقلّ والأكثر أصلاً. نعم، بين تلكالموارد فرق من جهة وضوح ذلك وخفائه، فإنّ الدوران بين المطلقوالمشروط مع كون الشرط مغايرا في الوجود الخارجي مع المشروطـ كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة ـ من أوضح تلك الموارد من جهة احتياجه فيعالم الجعل والثبوت إلى لحاظ آخر، كاحتياجه في عالم الإيصال والإثبات إلىمؤنة زائدة، بخلاف غيره من سائر الموارد.
وأمّا من جهة أصل وجود ما هو المناط في جريان البراءة من ثبوت القدرالمتيقّن فلا فرق بينها أصلاً.
وأمّا ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله من وجوب الاحتياط فيما إذا كان الأقلّوالأكثر من قبيل الجنس والنوع؛ لأنّ الترديد بينهما وإن كان يرجع بالتحليلالعقلي إلى الأقلّ والأكثر، إلاّ أنّه خارجا بنظر العرف يكون من الترديد بينالمتباينين؛ لأنّ الإنسان بما له من المعنى المرتكز في الذهن مباين للحيوانعرفا، فلو علم إجمالاً بوجوب إطعام الإنسان أو الحيوان فاللازم هو
(صفحه 439)
الاحتياط بإطعام خصوص الإنسان؛ لأنّ ذلك جمع بين الأمرين، فإنّ إطعامالإنسان يستلزم إطعام الحيوان أيضا(1).
ويرد عليه أوّلاً: أنّ البحث في البراءة العقليّة والمتّبع فيها نظر العقل، فليرتبط بنظر العرف، ولحاظه الإنسان مع الحيوان متباينا، وهذا الكلام يجريفي البراءة الشرعيّة المستفادة من الأدلّة اللفظيّة.
وثانياً: أنّ التنافي بين الحيوان والإنسان بنظر العرف لو سلّم لايوجبتعميم الحكم لمطلق ما إذا دار الأمر بين الجنس والنوع، فمن الممكن أنلايكون بعض الأنواع منافيا لجنسه بنظر العرف أيضا كالبقر والحيوان، والغنموالحيوان.
وثالثاً: لو سلّم التنافي فمقتضى القاعدة الحاكمة بوجوب الاحتياط الجمعبين الجنس والنوع بإطعام الحيوان والإنسان معا في المثال، لا الاقتصار علىإطعام الإنسان فقط.
وما أفاده من أنّ إطعام الإنسان يستلزم إطعام الحيوان أيضا رجوع عمّذكره أوّلاً من المباينة بينهما بنظر العرف، فإنّ استلزامه لذلك إنّما هو بملاحظةالتحليل العقلي لا النظر العرفي، كما لا يخفى.
ثمّ إنّك عرفت ممّا تقدّم أنّ تمام المناط لجريان البراءة هو وجود القدرالمتيقّن في البين، بلا فرق بين أن تكون الخصوصيّة المشكوكة من قبيلالخصوصيّات المنوّعة أو المفرّدة، أو من الخصوصيّات العرضيّة، بل قد عرفتأوضحيّة الجريان في القسم الثاني.
كما أنّه لا فرق فيه ـ أي في القسم الثاني ـ بين أن يكون القيد المشكوك فيهبحيث يمكن اتّصاف كلّ فرد من أفراد الطبيعي به ـ كالقيام والقعود والإيمان
- (1) فوائد الاُصول 4: 208.
(صفحه440)
والعدالة ـ وبين ما لم يكن كذلك كالهاشميّة ونحوها.
كما أنّه لا فرق أيضا بين أن يكون النوع المأخوذ متعلّقا للتكليف بنحو كانالجنس مأخوذا في ضمنه أيضا ـ كالحيوان الناطق ـ أو لم يكن كذلككالإنسان.
والسرّ في الجريان في الجميع اشتراكه فيما هو المناط.
ويستفاد من بعض الكلمات تفصيلات في المقام لاتحتاج إلى التعرّض،فالحقّ جريان البراءة العقليّة والشرعيّة في جميع موارد الدوران بين الأقلّوالأكثر بناءً على مبنى الانحلال.
وأمّا على القول بعدم الانحلال في باب الأجزاء فقال صاحب الكفاية بعدمجريان البراءة العقليّة وجريان البراءة الشرعيّة، وإذا دار الأمر بين الأقلّوالأكثر في باب الشرائط فقال بجريان البراءة الشرعيّة في باب المطلقوالمشروط بخلاف باب الجنس والنوع، ويعبّر بالعامّ والخاصّ، فيحكم بينهمبحكم المتباينين.
وقلنا: إنّ القول بعدم الانحلال مستلزم لعدم جريان حديث الرفع أصلاً،فإنّ جريانه في طرف واحد معارض لجريانه في الطرف الآخر، وجريانه فيكليهما يستلزم المخالفة القطعيّة العمليّة للمعلوم بالإجمال.
ولو سلّمنا جريانه فلا فرق بين الشرائط والنوع والجنس، كما أنّ الشكّ فيشرطيّة الوضوء ـ مثلاً ـ شكّ في أمر زائد على المأمور به، كذلك الشكّ فيخصوصيّة الإنسانيّة شكّ في أمر زائد على المأمور به وإن كانت الخصوصيّةمتّحدة مع الحيوان من حيث الوجود، ولكنّ الشكّ في أمر زائد ليس قابلللإنكار، فلا فرق بينهما من هذه الجهة.
(صفحه 441)
(صفحه442)
المطلب الثالث: في دوران الأمر
بين الأقلّ والأكثر في الأسباب والمحصّلات
وليعلم أنّ مركز البحث ومورد النزاع بينهم هو ما إذا كان المسبّب الذي هومورد تعلّق الأمر معلوما بجميع خصوصيّاته، بحيث لم يكن فيه ترديد أصلاً،بل كان الترديد في السبب المحقّق له من حيث مدخليّة جزء أو شرط فيسببيّته وترتّب المسبّب عليه. وأمّا لو كان المسبّب أيضا مشكوكا بحيث دارأمره بين السعة والضيق فهو خارج عن البحث في هذا المقام وداخل فيالمباحث المتقدّمة.
ثمّ إنّ السبب قد يكون شرعيّا، وقد يكون عقليّا، وقد يكون عاديّا، أمّالسبب الشرعي ففي مثل الشكّ في أنّ التمليك المأمور به هل يتحقّق بالبيعبالفارسيّة أم لا؟ أو أنّ الطهارة المأمور بها المتحصّلة من الغسل والوضوء، هلالترتيب شرط في تحقّقها أم لا؟
أمّا السبب العقلي ففي مثل الشكّ في أنّ القتل المأمور به، هل يتحقّق بضربواحد أم لا؟ أمّا السبب العادي ففي مثل الشكّ في تنظيف المسجد المأمور بههل يتحقّق بكنسه فقط أو يحتاج إلى رشّ الماء أيضا؟ فالشكّ في الأسبابوالمحصّلات للمأمور به لا في نفسه.