(صفحه492)
فانقدح أنّ مقتضى القواعد تقديم حديث «لاتعاد» في مورد الاجتماع،ولكن يبقى في البين إشكال، وهو: أنّه يلزم من تقديم حديث «لاتعاد»اختصاص مورد دليل الزيادة بالزيادة العمديّة، ومن المعلوم ندرتها، بل قدعرفت أنّه يمكن أن يقال بعدم تعقّلها، وحينئذ فيصير الدليل لغوا، فاللازمإدخال مورد الاجتماع تحته، والحكم بأنّ الزيادة مطلقا توجب الإعادة،خصوصا مع أنّ شمول حديث «لاتعاد» لصورة الزيادة لايخلو عن خفاء، ولذأنكره بعض من المحقّقين.
ويمكن أن يقال باختصاص دليل الزيادة بزيادة الركعة بالتقريب الذيأفاده المحقّق المعاصر، وقد مرّ سابقا، وحينئذ فلا معارضة بينه وبين الحديث،كما هو واضح.
ويمكن أيضا منع ندرة الزيادة العمديّة كما نراه بالوجدان من المتشرّعينالغير المبالين بالأحكام الشرعيّة المتسامحين بالنسبة إليها.
هذا كلّه فيمايتعلّق بملاحظة الحديث مع رواية أبي بصير.
وكان للمحقّق النائيني رحمهالله هنا كلام جيّد ظاهرا لابدّ من ملاحظته بعنوانتكملة البحث في المقام، وحاصل كلامه: أنّ الزيادة في الصلاة قد تكون منغير سنخ أقوال الصلاة وأعمالها، وقد تكون من سنخ أقوالها، وقدتكون منسنخ أفعالها، فإن كانت من قبيل الأوّل كحركة اليد ـ مثلاً ـ في حال الصلاةيكون شرط انطباق عنوان الزيادة في الصلاة عليه أن يكون المصلّي قاصدلجزئيّته، وإلاّ لايصدق عليه عنوان الزيادة ولا يكون مبطلاً للصلاة، وهكذفيماكانت من سنخ الأقوال من القرآن أو الدعاء أو الذكر، فلابدّ من قصدجزئيّتها، وإلاّ فلا مانع من تكرارها؛ لأنّه من الاُمور المطلوبة والمستحبّةشرعا، وأمّا إن كانت من سنخ الأعمال فلا يحتاج إلى قصد الجزئيّة كالركوع
(صفحه 493)
والسجود، فنفس الإتيان بها يوجب تحقّق عنوان الزيادة بشرط عدم قصدعنوان آخر كسجدة الشكر أو العزيمة.
ثمّ قال: يمكن أن يقال: ذكر تعليلاً في بعض الروايات الناهية عن قراءةسور العزائم في الصلاة بقوله: «لأنّ السجود زيادة في المكتوبة»(1)، وهذا مخالفلما ذكرنا من أنّ قصد عنوان آخر مانع عن تحقّق عنوان الزيادة في الصلاة.
ثمّ أجاب عنه: بأنّ الزيادة المتحقّقة في الصلاة من سنخ الأعمال قد تكونمجموعة ذا عنوان مستقلّ واسم خاصّ، يتحقّق لها حافظ وحدة، وقدلاتكون كذلك، وإن كانت من قبيل الأوّل كإضافة صلاة مستقلّة في حالالاشتغال بصلاة اُخرى فلا تكون مبطلة، وإن كانت من قبيل الثاني كسجدةالعزيمة فهي مبطلة، ثمّ استشهد بما ورد في المصلّي بالصلاة اليوميّة إذا التفت إلىضيق وقت صلاة الآيات يجوز له الإتيان بصلاة الآيات، ثمّ إتمام ما بقي منالصلاة اليوميّة بعد الفراغ عن صلاة الآيات(2).
ثمّ قال: يجوز التعدّي من مورد الرواية إلى عكس المسألة بأنّ المصلّيبصلاة الآيات إذا التفت إلى ضيق وقت الصلاة اليوميّة يجوز له أيضا هذا الأمروتصحّ الصلاة، ولا وجه لبطلانها، فإنّ منشأ البطلان أحد أمرين: إمّا عنوانالزيادة في الصلاة، واستفدنا من الرواية أنّه لايكون قادحا ولا مانعا،وإمّافوت الموالاة بين أجزاء الصلاة، وهو أيضا لايكون مانعا بعد إحرازأهميّة إيقاع الصلاة اليوميّة في الوقت، فلا مانع في البين لا من جهة الزيادة ولمن جهة فوت الموالاة.
واستشهد أيضا بما ذكره القائلون بفوريّة وجوب سجدتي السهو بإتيانها في
- (1) وسائل الشيعة 6: 107، الباب 41 من أبواب القراءة في الصلاة.
- (2) وسائل الشيعة 7: 490، الباب 5 من أبواب صلاة الكسوف والآيات.
(صفحه494)
أثناء صلاة العصر ـ مثلاً ـ إذا نسيها بعد الفراغ من صلاة الظهر؛ لكونها ذعنوان مستقلّ(1). وهذا ملخّص ما ذكره المحقّق النائيني في المقام بعنوانالضابطة.
ويرد عليه: أوّلاً: أنّ ما ذكره من توقّف صدق عنوان الزيادة على أنلايكون الزائد بنفسه من العناوين المستقلّة مجرّد ادّعاء بلابيّنة وبرهان؛ لأنّهلا فرق في نظر العرف في صدق هذا العنوان بين الإتيان في أثناء صلاة بسجدةثالثة أو بصلاة اُخرى مستقلّة مشتملة على أربع سجدات لامحالة لو لمنقلبأوضحيّة الصدق في الثاني، كما لا يخفى.
نعم، قد عرفت أنّه يعتبر في صدق الزيادة أن يكون الإتيان بالزائد بقصدالجزئيّة، وأنّ التعليل الوارد في بعض الأخبار الناهية عن قراءة العزيمة فيالصلاة الدالّ على أن السجود زيادة مع أنّه لميقصد به الجزئيّة، لابدّ من تأويله.
وثانياً: سلّمنا اعتبار كون الزائد من العناوين المستقلّة ولكن نقول بأنّسجدة العزيمة أيضا لها عنوان مستقلّ غيرمرتبط بالصلاة التي هي فيها، ولفرق بينها وبين الإتيان بصلاة اُخرى مستقلّة أصلاً.
نعم، لاننكر أنّها وجبت بسبب قراءة آية السجدة التي هي جزء منالسورة التي هي جزء للصلاة.
ولكن نقول: إنّ قراءة آية السجدة سبب لوجوبها والمسبّب مغاير للسبب،فالسبب جزء للصلاة والمسبّب له عنوان مستقلّ.
وثالثاً: أنّه لو سلّمنا الفرق بين سجدة العزيمة وبين صلاة اُخرى مستقلّة فلنسلّم الفرق بينها وبين سجدتي السهو، حيث يجوز الإتيان بهما في أثناء صلاةاُخرى دونها، مستندا إلى عدم كونهما من الزيادة بخلاف السجدة.
- (1) فوائد الاُصول 4: 240 ـ 243.
(صفحه 495)
ورابعاً: أنّ ما أفاده من أنّه «في بعض الأخبار...» إلى آخره، اشتباه محض؛لأنّ بعض الأخبار إنّما ورد في عكس المسألة الذي احتمل إمكان التعدّي عنمورد النصّ إليه، وهو ما إذا تضيّق وقت صلاة اليوميّة في أثناء صلاة الآيات،فإنّه قد ورد أنّه يجوز رفع اليد عن صلاة الآيات والإتيان باليوميّة في أثنائها،ثمّ البناء على ما مضى من صلاة الآيات، ولكن لا يخفى أنّه لا يجوز التعديّ عنمورد النصّ بعد احتمال أن يكون لصلاة الآيات خصوصيّة موجبة لجوازالإتيان بالفريضة اليوميّة في أثنائها.
وكيف كان، فهذه الاشتباهات التي تترتّب عليها اُمور عظيمة إنّما منشؤهالاعتماد على الحافظة الموجب لعدم مراجعة كتب الأخبار وأمثالها.
ومن هناترى أن حديثا واحدا نقل في الكتب الفقهيّة بوجوه مختلفةوعبارات متشتّتة، وليس منشؤها إلاّ مجرد الاعتماد على الحفظ، مع أنّه منشؤلفهم حكم اللّه، فتختلف الفتاوى بسببه، ويقع جمع كثير في الخطأ والاشتباه،فاللازم على المجتهد الطالب للوصول إلى الحقّ أن لايعتمد في استنباط الحكمالشرعي على مَن تقدّم عليه ولا على حفظه، بل يراجع مظانّه كرّة بعد كرّةحتّى لايقع في الخطأ والنسيان الذي لايخلو منه إنسان. ويلزم أيضا التدقيق فيالكلمات حتّى لايقع في الاشتباه، كما حصل لبعض أفاضل وعّاظ (طهران) فإنّهكان يذكر في المنابر بالنسبة إلى شهادة الصديقة الطاهرة عليهاالسلام أنّه: «أخذهالسلّ، وبعد مطالبته بالدليل ومستند كلامه ذكر الدليل، ولكن بعد الرجوع إليهالتفتنا إلى اشتباهه وعدم دقّته في العبارة، وأنّها «أخذها السَبَل»، ومعناهتورّم العين ظاهرا؛ لكثرة البكاء.
(صفحه496)
الأمر الثاني: في تعذّر الجزء والشرط
لو علم بجزئيّة شيء أو شرطيّته أو مانعيّته أو قاطعيّته في الجملة، وشكّ فيأنّ اعتباره في المأمور به وجودا أو عدما هل يختصّ بصورة التمكّن من فعلهأو تركه، أو أنّه يعتبر فيه مطلقا؟ ويترتّب على ذلك وجوب الإتيان بالباقيعلى الأوّل، وسقوط الأمر بالمركّب على الثاني في صورة الاضطرار، فهلفالقاعدة تقتضي أيّا منهما؟
تحرير محلّ النزاع
وليعلم أنّ محلّ الكلام ما إذا لميكن لدليل اعتبار ذلك الشيء جزءً أوشرطا إطلاقٌ، وإلاّ فلا إشكال في أنّ مقتضاه سقوط الأمر بالمركّب معالاضطرار إلى ترك ذلك الشيء، وكذا ما إذا لميكن لدليل المركّب إطلاق، وإلفلا إشكال في أنّه يقتضي الإتيان به ولو مع الاضطرار إلى ترك بعض أجزائهأو شرائطه بناءً على ما هو التحقيق من كون الماهيّات المأمور بها موضوعةللأعمّ من الصحيح، كما تقدّم في مبحث الصحيح والأعمّ.
وأمّا لو كان لكلا الدليلين إطلاق، فتارةً يكون لأحدهما تحكيم على الآخر،واُخرى يكونان متعارضين، فعلى الأوّل إن كان التقدّم لإطلاق دليل المركّبفحكمه حكم ما إذا كان له إطلاق، دون دليل الجزء والشرط، وإن كان التقدّم