(صفحه 505)
الأجزاء، فلا تتّحدان.
الثاني: استصحاب الوجوب النفسي الاستقلالي المتعلّق بالمركّب، وتعذّربعض أجزائه أو شرائطه لايضرّ بعد ثبوت المسامحة العرفيّة في موضوعالاستصحاب، كما لو فرض أنّ زيدا كان واجب الإكرام، ثمّ شكّ في وجوبإكرامه بعد تغيّره بمثل قطع اليد أو الرجل، فإنّه لا إشكال في جريان هذالاستصحاب لبقاء الشخصيّة وعدم ارتفاعها بمثل ذلك التغيّر، وكما فياستصحاب الكرّيّة، أيضا.
ويرد عليه: أوّلاً: أنّ قياس العناوين الكلّيّة بالموجودات الخارجيّة قياسمع الفارق؛ لأنّ تغيّر الحالات وتبدّل الخصوصيّات في الخارجيّات لايوجباختلاف الشخصيّة وارتفاع الهذيّة. وهذا بخلاف العناوين الكلّيّة، فانّالاختلاف بينها يتحقّق بمجرّد اختلافها ولو في بعض القيود؛ فإنّ عنوانالإنسان الأبيض ـ مثلاً ـ مغاير لعنوان الإنسان الغير الأبيض، فالإنسان المقيّدبالأبيض لايعقل أن ينطبق على الإنسان الأسود، وكذا العكس، وكذا الإنسانالعالم بالنسبة إلى الإنسان الغير العالم، فإذا كان من يجب إكرامه هو الإنسانالعالم ـ مثلاً ـ فاستصحاب وجوب إكرامه لايفيد وجوب إكرام الإنسان الغيرالعالم أيضا، كما لا يخفى.
وحينئذ نقول: إنّ الواجب في المقام هي الصلاة المتقيّدة بالسورة ـ مثلاً والمفروض سقوط هذا الوجوب بمجرّد عروض التعذّر بالنسبة إلى السورة،والصلاة الخالية عنها عنوان آخر مغاير للصلاة مع السورة، فالقضيّة المتيقّنةوالمشكوكة متغايرتان.
وثانياً: أنّ تبدّل الحالات إنّما لايضرّ بجريان الاستصحاب إذا كان الحكممتعلّقا بعنوان شكّ في مدخليّة ذلك العنوان بقاءً، كما أنّه دخيل فيه حدوثا.
(صفحه506)
وبعبارة اُخرى شكّ في كونه واسطة في العروض أو واسطة في الثبوت،نظير الحكم على الماء المتغيّر بالنجاسة، فإنّ منشأ الشكّ في بقاء النجاسة بعدزوال التغيّر إنّما هو الشكّ في كون عنوان التغيّر هل له دخل فيه حدوثا وبقاءًأو حدوثا فقط؟ وأمّا إذا علم مدخليّة العنوان في الحكم مطلقا، كما إذا قال:يجب عليك إكرام الإنسان الأسود، فلا معنى لجريان الاستصحاب بعد زوالالعنوان، والمقام من هذا القبيل؛ ضرورة أنّا نعلم بمدخليّة السورة المتعذّرةـ مثلاً ـ في الأمر المتعلّق بالمركّب، وإلاّ لاتكون جزءً له، ففرض الجزئيّةالراجعة إلى كونه مقوّما للمركّب بحيث لايتحقّق بدونه لايجتمع مع الشكّ فيمدخليّته، فيه وأنّ شخص ذلك الأمر المتعلّق بالمركّب هل هو باق أو مرتفع؟ضرورة ارتفاع ذلك الشخص بمجرد نقصان الجزء الراجع إلى عدم تحقّقالمركّب، كما هو واضح.
الثالث: استصحاب الوجوب النفسي الشخصي، بتقريب: أنّ البقية كانتواجبة بالوجوب النفسي لانبساط الوجوب المتعلّق بالمركّب على جميعأجزائه، فإذا زال الانبساط عن الجزء المتعذّر بسب التعذّر يشكّ في ارتفاعالوجوب عن باقي الأجزاء، فيستصحب ويحكم ببقائه كما كان من انبساطالوجوب عليه.
ويرد عليه: أوّلاً: أنّ دعوى الانبساط في الأمر المتعلّق بالمركّب ممّا لا وجهلها بعد كون الإرادة أمرا بسيطا غير قابل للتجزئة، وكون المركّب أيضملحوظا شيئا واحدا وأمرا فاردا؛ لما عرفت سابقا من أنّه عبارة عن ملاحظةالأشياء المتعدّدة والحقائق المتكثّرة شيئا واحدا، بحيث كانت الأجزاء فانيةفيه غيرملحوظة، فتعلّق الإرادة به إنّما هو كتعلّقها بأمر بسيط، ولا معنىلانبساطها عليه، وهكذا الكلام في الوجوب والبعث الناشئ من الإرادة، فإنّه
(صفحه 507)
أيضاً أمر بسيط لايقبل التكثّر والتعدّد.
وثانياً: أنّه على فرض تسليم الانبساط نقول: إنّ ذلك متفرّع على تعلّقالوجوب بالمجموع المركّب؛ ضرورة أنّه نشأ من الأمر المتعلّق بالمجموع، وبعدزواله يقينا ـ كما هو المفرض ـ لا معنى لبقائه منبسطا على الباقي، فالقضيّةالمتيقّنة قد زالت في الزمان اللاحق قطعا، فلا مجال حينئذٍ للاستصحاب.
فاتّضح من جميع ما ذكرنا: أنّ التمسّك بالاستصحاب لايتمّ على شيء منتقريراته المتقدّمة.
التمسّك بقاعدة الميسور لإثبات وجوب باقي الأجزاء
ثمّ إنّه قد يتمسّك لإثبات وجوب الباقي أيضا بقاعدة الميسور التي يدلّعليها النبويّ المعروف: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»، والعلويّانالمعروفان: «ما لا يدرك كلّه لايترك كلّه»(1)، و«الميسور لايترك بالمعسور»(2).
وقد اشتهر التمسّك بها على ألسنة المتأخّرين، ولم يعلم ذكرها في كلماتالمتقدّمين، فما ادّعي من أنّ شهرتها تغني عن التكلّم في سندها غفلة عن أنّالشهرة الجابرة لضعف الرواية هي الشهرة بين القدماء من الأصحاب، وهيمفقودة في المقام.
الكلام في مفاد النبويّ
وكيف كان، فقد روى النبويّ مرسلاً في الكفاية(3)، مصدّرا بهذا الصدر،وهو: أنّه خطب رسول اللّه صلىاللهعليهوآله فقال: «إنّ اللّه كتب عليكم الحجّ»، فقام عكاشة
- (1) عوالى اللئالي 4: 58، 207.
- (2) عوالى اللئالي 4: 58، 205.
- (3) كفاية الاُصول 2: 249 ـ 252.
(صفحه508)
ـ ويروى سراقة بن مالك ـ فقال: في كلّ عامّ يا رسول اللّه؟ فأعرض عنه حتّىأعاد مرّتين أو ثلاثا، فقال: «ويحك وما يؤمنك أن أقول: نعم، واللّه، لو قلت: نعملوجب، ولو وجب مااستطعتم، ولو تركتكم لكفرتم، فاتركونى ما تركتكم وإنّمهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم إلى أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيءفأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه»(1).
وقد رواه في محكي العوالي من دون هذا الصدر(2)، كما أنّه قد روى الصدرمن دون هذا القول مع اختلاف يسير.
وكيف كان، فالكلام قد يقع فيها مع قطع النظر عن هذا الصدر، وقد يقع معملاحظته.
أمّا الأوّل فالظاهر أنّ المراد بكلمة «الشيء» ما هو معناها الظاهر الذي هوأعمّ من الطبيعة التي لها أفراد ومصاديق ومن الطبيعة المركّبة من الأجزاء، لخصوص إحداهما.
كما أنّ الأظهر أن تكون كلمة «من» بمعنى التبعيض، لا بمعنى التبيين ولبمعنى «باء»، وهذا لاينافي أعمّيّة معنى «الشيء» بدعوى أنّ التبعيض ظاهر فيالطبيعة المركّبة، فإنّا نمنع أن تكون كلمة «من» مرادفة للتبعيض بحيثتستعمل مكانه، بل الظاهر أن معناها هو الذي يعبّر عنه بالفارسيّة بـ (از)ويلاحظ فيه نوع من الاقتطاع، حيث يقال: فلان من الحوزة العلميّة ـ أيقطعة منها وجزء منها وعضو منها ـ وهذا المعنى يمكن تحقّقه في أفراد الطبيعةأيضا، كما يقال: زيد من طبيعة الإنسان، أو من أفراد الإنسان، أو من نوعالإنسان، فلا نحتاج إلى التصرف في كلمة «الشيء»، بل هي باقية في معناه
- (1) مجمع البيان 3: 386، بحار الأنوار 22: 31، صحيح مسلم 3: 149، 1337، سنن النسائي 5: 110.
- (2) عوالى اللئالي 4: 58، 206.
(صفحه 509)
العامّ، وهو لاينافي المعنى الشايع، والأظهر في كلمة «من» التبعيض كما ذكرهاُستاذنا السيّد الإمام رحمهالله (1).
وأمّا كلمة «ما» فاستعمالها موصولة وإن كان شايعا بل أكثر، إلاّ أنّ الظاهركونها في المقام زمانيّة، ولكن ذلك بملاحظة الصدر، كما أنّ بملاحظته يكونالظاهر من كلمة «الشيء» هو الأفراد لا الأجزاء؛ لأنّ الظاهر أنّ إعراضه عنعكاشة أو سراقة إنّما هو لأجل أنّ مقتضى حكم العقل في باب الأوامر لزومالإتيان بالطبيعة المأمور بها مرّة واحدة؛ لحصولها بفرد واحد ـ بخلاف بابالنواهي؛ إذ اللازم فيها الانزجار من جميع أفراد الطبيعة في مقام الامتثال وحينئذٍ فلا مجال معه للسؤال أصلاً.
والحاصل: أنّ قوله: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» بيان لهذهالقاعدة العقليّة، ومرجعه إلى أنّه إذا أمرتكم بطبيعة ذات أفراد فأتوا منها زماناستطاعتكم، ولا تكون كلمة «ما» موصولة حتّى يكون الحديث بصدد،إيجاب جميع المصاديق التي هي مورد للاستطاعة والقدرة، فسياق الحديثيشهد بأنّ قوله: «إذا أمرتكم...» إلى آخره، لايدل على أزيد ممّا يستفاد مننفس الأمر بطبيعة ذات أفراد، وهو لزوم إيجادها في الخارج المتحقّق بإيجادفرد واحد منها؛ لأنّ الفرد تمام الطبيعة، والمصداق تمام الماهيّة، ولا يستفاد منهلزوم الإتيان بالمقدار المستطاع من أفراد الطبيعة حتّى يكون لأجل السؤالعن وجوبه في كلّ عامّ، فأثّر السؤال في هذا الإيجاب الذي هو خلاف متقتضيه القاعدة العقليّة.
وممّا ذكرنا ظهر اختصاص هذا القول بالطبيعة ذات الأفراد والمصاديق، فلمجال للاستدلال به للمقام واستفادة لزوم الإتيان ببقية الأجزاء عند تعذّر
- (1) معتمد الاُصول 2: 285.