العامّ، وهو لاينافي المعنى الشايع، والأظهر في كلمة «من» التبعيض كما ذكرهاُستاذنا السيّد الإمام رحمهالله (1).
وأمّا كلمة «ما» فاستعمالها موصولة وإن كان شايعا بل أكثر، إلاّ أنّ الظاهركونها في المقام زمانيّة، ولكن ذلك بملاحظة الصدر، كما أنّ بملاحظته يكونالظاهر من كلمة «الشيء» هو الأفراد لا الأجزاء؛ لأنّ الظاهر أنّ إعراضه عنعكاشة أو سراقة إنّما هو لأجل أنّ مقتضى حكم العقل في باب الأوامر لزومالإتيان بالطبيعة المأمور بها مرّة واحدة؛ لحصولها بفرد واحد ـ بخلاف بابالنواهي؛ إذ اللازم فيها الانزجار من جميع أفراد الطبيعة في مقام الامتثال وحينئذٍ فلا مجال معه للسؤال أصلاً.
وممّا ذكرنا ظهر اختصاص هذا القول بالطبيعة ذات الأفراد والمصاديق، فلمجال للاستدلال به للمقام واستفادة لزوم الإتيان ببقية الأجزاء عند تعذّر
واحد منها.
وظهر أيضا اندفاع توهّم أن المورد وإن كان هي الطبيعة ذات الأفراد، إلأنّه لا مانع من كون مفاد القاعدة أعمّ منها ومن الطبيعة المركّبة؛ لأنّ ذلك يتمّفيما لم يكن المورد قرينة لما يستفاد من القاعدة كما في المقام، حيث عرفت أنّالظاهر منها بيان لما هو مقتضى حكم العقل ـ أي البراءة ـ ولا تكون بصددإفادة تحميل زائد وإيجاب بقية الأجزاء، فلا يمكن، إلغاء الخصوصيّة عن الموردوتعميم الحكم بالنسبة إلى المركّب ذات الأجزاء.
مضافا إلى أنّ التعميم يحتاج إلى كون كلمة «ما» موصولة بالنسبة إلىالمركّب ذات الأجزاء، وزمانيّة بالنسبة إلى الطبيعة ذات الأفراد، فكيف يمكنالالتزام به في استعمال واحد؟
الكلام في العلوي الأوّل
وأمّا قوله عليهالسلام في العلوي: «الميسور لايسقط بالمعسور» فيجري في مفادهاحتمالات، منها: أن يكون المراد أنّ نفس الميسور لايسقط عن عهدة المكلّفبسبب المعسور، والظاهر أنّ كلمة «الميسور» عامّ تشمل الميسور من أفرادالطبيعة والميسور من أجزاء الطبيعة المركّبة.
ومنها: أن الميسور لايسقط حكمه والطلب المتعلّق به بالمعسور.
ومنها: أنّ الميسور لايسقط عن موضوعيّته للحكم بالمعسور.
ومنها: أنّ الميسور لايسقط حكمه عن موضوعه بالمعسور.
ولا يخفى أنّه يعتبر في معنى السقوط بعد ملاحظة موارد استعماله أمران:
أحدهما: أن يكون الساقط ثابتا ومتحقّقا قبل عروض السقوط.
ثانيهما: أن يكون السقوط من مكان مرتفع ومحلّ عالٍ.
(صفحه 511)
وحينئذٍ فنقول: إنّ حمل الحديث على الاحتمال الأوّل لايوجب الإخلالبشيء من هذين الأمرين المعتبرين في مفهوم السقوط؛ لأنّ الميسور منالطبيعة يكون ثابتا على عهدة المكلّف بواسطة تعلّق الأمر به.
ويدل عليه ـ مضافا إلى مساعدة العرف ـ التعبير في بعض الروايات عنالصلاة بأنّها دين اللّه(1)، وعن الحجّ بأنّه حقّ للّه على المستطيع(2)، وهذا المعنىيستفاد من آية الحجّ(3) أيضا.
على أنّ عهدة المكلّف وذمّته كأنّها مكان مرتفع يكون المكلّف به ثابتا فيهومحمولاً عليه، فالظاهر من الحديث أنّ الميسور من أفراد الطبيعة أو منأجزائها لايسقط نفس ذلك الميسور بالمعسور، ومن المعلوم أنّه لايلزم تقديرأصلاً.
نعم، بقي هنا شيء وهو: أنّ الثابت في العهدة كان هو الأمر المعسور،والمفروض سقوطه عن العهدة يقينا، وأمّا الميسور فلميكن بنفسه ثابتا فيالعهدة، بل كان ثبوته بتبع ثبوت المعسور، فإذا سقط يسقط الميسور بتبعه،فلميكن الميسور ثابتا حتّى ينسب إليه عدم السقوط.
وجوابه: أنّه ليست للمركّبات الاعتباريّة واقعيّة وراء الأجزاء، فحقيقةالصلاة هي الأجزاء، فحينئذٍ يصحّ القول بأنّ الركوع قبل تعذّر فاتحة الكتابكان ثابتا في عهدتنا، وهكذا السجود وأشباه ذلك ـ وإن كان ثبوتها بعنوانبعض المأمور به، ولكنّه لايكون مانعا عن التعبير بأنّها كانت ثابتة فيعهدتنا ـ فلا يسقط بالمعسور، فيكون الآن ثابتا بعنوان تمام المأمور به ويكفيفي نسبة عدم السقوط مجرّد بقاء الميسور في العهدة ولو بأمر آخر وطلب ثان
- (1) وسائل الشيعة 8 : 282، الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 26.
- (2) وسائل الشيعة 11: 67، الباب 25 من كتاب الحجّ، أبواب وجوب الحجّ وشرائطه، الحديث 4 و 5.
(صفحه512)
متحقّق بمجرد السقوط عن المعسور، فالاختلاف إنّما هو في جهة ثبوت الأمر،وأمّا أصله فهو باقٍ.
غاية الأمر أنّه كان في الابتداء بتبع المعسور، وبعد تحقّق العسر تعلّق به أمرآخر مستقلّ، فأصل الثبوت في العهدة الذي هو الملاك للتعبير بعدم السقوطكان متحقّقا من الأوّل ولميعرض له سقوط أصلاً.
وهذا نظير اختلاف الدعامة التي بها كان السقف محفوظا على حاله، فإنّتبديلها وتغييرها لايوجب سقوط السقف وإن كانت الجهة لعدم السقوطمستندة في السابق إلى الدعامة الاُولى، وفي اللاحق إلى الدعامة الثانية.
فيكون الحديث من حيث الدلالة في ما نحن فيه قويّا على هذا الاحتمال،ولا يكون فيه مخالفة للظاهر وأمثال ذلك.
ومن الاحتمالات التي تستفاد من كلام صاحب الكفاية رحمهالله (1) وعدّة منالأعاظم(2): أنّ مرجع الضمير في قوله: «لايسقط» هو الميسور بماله منالحكم، كما في مثل «لاضرر ولا ضرار» حيث إنّ ظاهره نفي ما له من تكليفأو وضع.
ويرد عليه: أوّلاً: أنّه خلاف الظاهر؛ إذ الظاهر كون الأمر الغير الساقط هونفس الميسور، وليس من الحكم في العبارة أثر ولا خبر.
وثانياً: أنّ الثابت في عهدة الإنسان عبارة عمّا يعبّر عنه بالدين أو الحقّ،وهو المأمور به ـ أي الصلاة والحجّ ـ لا الحكم والوجوب، إلاّ أنّ الوجوبسبب وعلّة لتحقّق هذا الدين، فما لا يكون ثابتا في الذمّة، كيف يمكن القولبسقوطه أو عدم سقوطه عنها؟
- (1) كفاية الاُصول 2: 252.
- (2) فوائد الأصول 4: 255، نهاية الافكار 3: 457.
(صفحه 513)
وثالثاً: أنّ الحكم الأوّل الثابت قبل التعذّر قد ارتفع بسبب التعذّر، وليعقل بقاء شخص ذلك الحكم، والحكم المتعلّق بالمأمور به بعد تعذّر بعضالأجزاء حكم آخر، فإن كان مرجع الضمير عبارة عن الحكم لايمكن القولبأن الحكم الأوّل باق؛ لسقوطه قطعا، فالفرق واضح بين إرجاع ضمير قوله:«لايسقط» إلى نفس الميسور، وأنّه بمنزلة السقف كما أنّ السقف باق، ولم يسقطبتبديل الدعامة، كذلك الميسور باق ولم يسقط بتبديل سببه ـ أي الوجوب وإرجاعه إلى الحكم والدعامة؛ إذ لا شكّ في سقوطهما.
فالإنصاف: أنّه لا مجال للإشكال في ظهور الحديث فيما ذكرنا، وعليه فيتمّالاستدلال به للمقام؛ لعدم اختصاصه بالميسور من أفراد العام، بل الظاهركونه أعمّ منه ومن الميسور من أجزاء الطبيعة المأمور بها.
نعم، يبقى الكلام في اختصاصه بالواجبات أو شموله للمستحبّات أيضا،والظاهر هو الأوّل؛ لأنّ اعتبار الثبوت في العهدة واشتغال الذمّة ـ كما يستفادمن كلمة «لا يسقط» ـ يتنافي مع كونه مستحبّا، كما هو واضح.
نعم، لو قلنا بشمول الحديث للمستحبّات لايبقى مجال للاستدلال بهحينئذٍ؛ لأنّه يصير عدم السقوط أعمّ من الثبوت بنحو اللزوم، فيحتمل أنيكون الثابت في الواجبات أيضا هو الثبوت ولو بنحو الاستحباب.
نعم، لو كان المراد من الحديث هو عدم سقوط الميسور بما له من الحكم تمّالاستدلال به حينئذ ولو قلنا بشموله للمستحبّات، ولكن قد عرفت فسادهذا الاحتمال.
الكلام في مفاد العلوي الثاني
وأمّا العلوي الثاني وهو قوله: «ما لايدرك كلّه لايترك كلّه» فلا يخفى أنّ