(صفحه 517)
بشيء منها الغير المنافي لعدم تنجّسه ببعض النجاسات؟
والحقّ مع صاحب الحاشية؛ لأنّ المفهوم عبارة عن انتفاء الحكم فيالمنطوق عند انتفاء الشرط، لا ثبوت حكم نقيض للحكم في المنطوق، وقدحقّقنا ذلك في باب المفاهيم من مباحث الألفاظ.
وحينئذ فالمراد بـ «ما لا يدرك كلّه» في المقام بناءً على هذا الاحتمال:ما لايدرك ولو بعض أجزائه، لا ما لا يدرك شيء منها، ولكنّ الظاهر أنّالمراد به هو الكلّ المجموعي في الموضع الأوّل، وأمّا الموضع الثاني فقد عرفتأنّه لابدّ من حمله على الكلّ الأفرادي، فلا مناقشة في الاستدلال بالحديث منهذه الجهة، وأنّ المناقشة فيه من حيث شموله للمستحبّات.
تتمة: في اعتبار صدق الميسور في جريان القاعدة
قد اشتهر بينهم أنّه لابدّ في جريان قاعدة الميسور من صدق الميسور علىالباقي عرفا ـ كصدق عنوان الصلاة على الباقي ـ ولا بدّ من ملاحظة أدلّتهليظهر حال هذا الشرط.
فنقول: أمّا قوله صلىاللهعليهوآله : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا ما استطعتم» فدلالته على ذلكتتوقّف على أن يكون المراد منه: إذا أمرتكم بطبيعة لها أفراد ومصاديق، فأتومن تلك الطبيعة ـ أي أفرادها ـ ما يكون مستطاعا لكم، وحينئذ فالفردالمستطاع أيضا فرد للطبيعة صادق عليه عنوانها كالصلاة والوضوء ونحوهما.وحينئذ فلو لم يكن عنوانها صادقا على الفاقد للأجزاء المعسورة لايمكنإثبات وجوبه بهذا الحديث؛ لأنّه لابدّ وأن يكون مصداقا لها، غاية الأمر أنّهمصداق ناقص، والمعسور فرد كامل.
وأمّا بناء على ما استظهرنا من الحديث من كون المراد منه الإتيان بالطبيعة
(صفحه518)
المأمور بها زمان الاستطاعة والقدرة، فلا يستفاد منه هذا الشرط، كما لا يخفى.
وأما قوله عليهالسلام : «الميسور لايسقط بالمعسور» ففيه احتمالان: الأوّل: أن يكونالمرادالميسور منأفراد الطبيعة المأمور بها لايسقط بالمعسور من أفراد الطبيعة.
الثاني: أن يكون المراد الميسور من أجزاء الطبيعة المركّبة لايسقطبالمعسور من أجزاء الطبيعة المركّبة.
ودلالة هذا الحديث على الشرط المذكور مبنيّة على الاحتمال الأوّل؛ إذلازم ذلك فرديّة الميسور والمعسور للطبيعة، ولازم الفرديّة انطباق عنوانالطبيعة وصدقه عليهما، فإن لم يصدق العنوان لاتجري القاعدة.
وأمّا على الاحتمال الثاني فلا دلالة له على ذلك، فتجرى القاعدة وإن كانالميسور جزءً واحدا ولم ينطبق عنوان الطبيعة عليه.
وهكذا قوله عليهالسلام : «ما لا يدرك كلّه لايترك كلّه» يحتمل أن يكون المراد به أنّالمركّب الذي لايدرك كلّه لا يترك ذلك المركّب بكلّيّته، ومعناه حينئذ لزومالإتيان بالمركّب الناقص بعد تعذّر درك التامّ، فلابدّ من صدق العنوان علىالباقي وكونه مصداقا للطبيعة المأمور بها.
ويحتمل أن يكون المراد به أنّ المركّب الذي لايدرك كلّه لايترك كلّ ذلكالمركّب، أي لايترك كلّ جزء من أجزائه، كما استظهرنا هذا المعنى منه، وعليهلا دلالة له على ذلك، فلا يستفاد من الروايات اعتبار الشرط المذكور وإن كاناعتباره مفروغا عنه ومسلّما في كلمات الأعاظم.
ثمّ إنّ المرجع في تعيين الميسور على فرض اعتبار هذا الشرط هو العرف،فكلّ مورد حكم العرف فيه بأنّ الباقي مصداق للطبيعة يحكم فيه بلزومالإتيان به، فالخطابات متوجّهة إلى العرف، وتشخيص أنّ الميسور من الطبيعةأم لا بعهدة العرف. نعم، لا منافاة بينه وبين دخالة الشارع في بعض الموارد
(صفحه 519)
توسعة أو تضييقا، كما لا يخفى.
تكملة
بقي هنا اُمور لابدّ من تعرّضها لتكميل البحث في قاعدة الميسور.
الأمر الأوّل: هل القاعدة تجرّي في صورة تعذّر الشرط أيضا أم لا؟ لا يخفىأن جريانها في باب الشرائط متوقّف على الالتزام بأمرين: الأوّل: أن يكونالحديث بمعنى أنّ: «الميسور من الأفراد لايسقط بالمعسور من الأفراد» وإلتنحصر القاعدة بالأجزاء، ولا يمكن استفادة حكم الشرائط من قوله: «ما ليدرك كلّه لايترك كلّه» بلحاظ استعمال كلمة الكلّ في الأجزاء عرفا لا فيالشرائط، وإرجاع التقيّد بالشرائط إلى الأجزاء مسألة عقليّة لاترتبطبالعرف.
الثاني: أن يكون المرجع في تشخيص المعنى واستفادة المراد من كلمةالميسور والمعسور هو العرف لا العقل؛ إذ الواجد للشرط والفاقد له يكونانمتباينين بنظر العقل، فالصلاة الفاقدة للوضوء لايكون مصداقا للطبيعةالمأمور بها عقلاً، بخلاف العرف؛ إذ الاختلاف بين الواجد والفاقد عنده يكونبالنقص والكمال لا بالمباينة، فالصلاة الفاقدة للشرط صلاة ومصداق ناقصمن الطبيعة المأمور بها.
الأمر الثاني: أن العرف كيف يكون مرجعا لتشخيص المراد من الميسوروالمعسور في باب العبادات مع أنّ بيان أصل تركيبها واختراعهوخصوصيّاتها بيد الشارع، وليست من الموضوعات والواقعيّات الخارجيّةحتّى يكون تشخيصها بيد العرف؟ فلابدّ للشارع من بيانه أيضا.
ولكن لا يخفى أنّ الرجوع إلى العرف لايكون في أصل معنى الصلاة
(صفحه520)
وحقيقتها وأجزائها ـ مثلاً ـ بل بعد بيانها مع جميع الخصوصيّات والشرائطمن ناحية الشارع للعرف لا مانع من أن يكون العرف مرجعا لتشخيصالميسور من الأجزاء عن المعسور منها والمقدور منها عن المتعذّر.
ويمكن للعرف تشخيص فرديّة الصلاة الفاقدة للجزء لعنوان الصلاةوعدمها، وأنّ العنوان المأمور به ينطبق عليها أم لا، فالمرجع في تشخيصالميسور والمعسور هو العرف بلا فرق بين كونه بمعنى الميسور من أجزاءالطبيعة المركّبة أو بمعنى المعسور من أفرادها.
نعم، لو كان اللازم تشخيص المصلحة أيضا وأنّه هل يتحقّق في الصلاةالفاقدة ما يتحقّق في الصلاة الواجدة من المصلحة أم لا؟ لا سبيل لمرجعيّةالعرف، إلاّ أنّه لايكون من عنوان المصلحة وعدمه في القاعدة وروايتها أثروخبر، بل الحكم يدور مدار عنوان «الميسور» و«ما يدرك»، فمرجعيّة العرففي تشخيص هذا العنوان لا يكون قابلاً للإنكار.
الأمر الثالث: أنّ ورود التخصيص إلى القاعدة كثير، بل الخارج منها أكثرمن الباقي كالقادر على الصيام بمقدار لايبلغ مجموع النهار، والقادر على تركجميع المضطرّات إلاّ شرب الماء أو الدخان ـ بناء على كونه مضطرّا ـ وأمثالذلك مع أنّه لم يقل أحد بجريان القاعده فيها.
وجوابه: أنّه لايلزم من اعتبار القاعدة تخصيص الأكثر بعد جريانها في مثلالصلاة والوضوء والحجّ ونظائرها، وكثير من الموارد التي لم يجروا فيها القاعدةإنّما هو لخروجها عنها موضوعا وتخصّصا كالصوم مثلاً، فإنّ عدم حكمهمبوجوب الصوم على القادر عليه بمقدار لايبلغ مجموع النهار إنّما هو لكونالصوم أمرا بسيطا لايكون له أجزاء، ولا جزئيّة لترك المضطرّات، بل وجودواحد منها مضادّ لهذا الأمر البسيط، ومورد القاعدة إنّما هو المركّبات،
(صفحه 521)
كما لا يخفى.
ولكن بعد ضعف أسناد الروايات الثلاث التي هي مدرك للقاعدة وعدمجبر ضعفها بالشهرة بين القدماء لايترتّب عليها ثمرة عمليّة، إلاّ أنّها منالناحية العلميّة قابلة للدقّة والتوجّه.
هذا تمام الكلام في هذه القاعدة.