(صفحه98)
المرتبة الثالثة: الامتثال الظنّي ـ أي الظنّ الذي لم يقم الدليل على حجّيّته مثل: أنيكون الراجح عندالمكلّف في يومالجمعة وجوب صلاةالجمعة، مععدمتمكّنه من تحصيل الحكم الواقعي، وعدم تمكّنه من الجمع بين صلاتي الظهروالجمعة، والإتيان بصلاة الجمعة على هذا يكون امتثالاً ظنيّاً غير معتبر.
المرتبة الرابعة: الامتثال الاحتمالي، كما في الشبهات البدويّة أو الشبهاتالمقرونة بالعلم الإجمالي عند تعذّر الامتثال الإجمالي أو الظنّي أو اختيار طرفمخالف الظنّ، مثل: أن يكون الراجح عنده صلاة الجمعة ولكنّه أتى بصلاةالظهر حين الامتثال.
ثمّ قال: ولا إشكال في أنّه لا تصل النوبة إلى الامتثال الاحتمالي إلاّ بعدتعذّر الامتثال الظنّي، ولا تصل النوبة إلى الامتثال الظنّي إلاّ بعد تعذّر الامتثالالإجمالي.
إنّما الإشكال في المرتبتين الأوليين، فقيل: إنّهما في عرض واحد، وقيلبتقديم رتبة الامتثال التفصيلي مع الإمكان من الامتثال الإجمالي، وعلى ذلكيبتني بطلان عبادة تاركي طريق الاجتهاد والتقليد والعمل بالاحتياط، وهذهو الأقوى.
وقد عرفت جوابه ممّا ذكرناه من أنّ العقل لا يحكم إلاّ بلزوم الإطاعة،وهي لا تكون إلاّ إتيان المأمور به بجميع أجزائه وشرائطه وخصوصيّاته،ومعه يسقط التكليف، فلا صحّة لهذه الطوليّة بحكم العقل.
الأمر السادس: أنّ الاحتياط المستلزم للتكرار يعدّ عند العقلاء لعباً وعبثبأمر المولى، وما كان هذا حاله لا يصدق عليه الامتثال والطاعة.
وفيه: أوّلاً: أنّ التكرار في العمل لا يعدّ لعباً وعبثاً عند تعلّق الغرضالعقلائي به، كما إذا توقّف تحصيل العلم والامتثال التفصيلي على مشقّة كالمشي
(صفحه 99)
إلى مكان بعيد للسؤال عمّن يقلّده، أو ملاحظة كتب متعدّدة للاستنباط، معأنّ استنباط الحكم من الأدلّة لا يوجب القطع به بحسب الواقع، فيمكن أنيتحقّق الاحتياط بعد الاجتهاد.
وثانياً: أنّ اللعب على تقدير تسليمه لا يمنع من الحكم بصحّة الامتثالالإجمالي وكفايته، وذلك لأنّ اللّعب إنّما هو في طريق إحراز الامتثال لا فينفس الامتثال؛ إذ الإتيان بما هو مصداق للمأمور به ليس لعباً، وإنّما اللّعب هوالإتيان بما ليس بمأمور به، أو أنّ اللّعب لا يرتبط بأمر المولى بل يرتبطبالإطاعة، ولا يلزم أن تكون جميع مراحل الإطاعة بدواعي إلهيّة، مثل:اختيار الماء البارد للوضوء، أو المكان البارد للصلاة في فصل الحرارة، ونحوذلك. هذا تمام الكلام في أحكام القطع.
(صفحه100)
مباحث الظنّ
مباحث الظنّ
هل يمكن للشارع جعل المظنّة أو الظنّ الخاصّ حجّة أم لا؟ أو أنّ التعبّدبالظنّ مستلزم للاستحالة وقوعاً أم لا مع عدم استحالته في نفسه؟ والمسألةاختلافيّة، والمشهور قائل بإمكانه، وابن قبة وتابعيه يقولون بامتناعه،واستدلّ المشهور على ذلك بأنّا نقطع بأنّه لا يلزم من التعبّد بالظنّ محال ذاتيأو عرضي.
وأشكل على هذا التقريب الشيخ الأعظم الأنصاري قدسسره (1) بأنّ القطع بعدملزوم المحال في الواقع موقوفٌ على إحاطة العقل بجميع الجهات المحسّنةوالمقبّحة، وعلمه بانتفاء الجهات المقبّحة في التعبّد بالظنّ، وهو غير حاصل فيمنحن فيه، فالأولى أن يقرّر دليل الإمكان هكذا: إنّا لانجد في عقولنا بعد التأمّلمايوجب الاستحالة، وهذا طريق يسلكه العقلاء في الحكم بالإمكان.
وأورد عليه صاحب الكفاية قدسسره (2) باُمور:
الأوّل: عدم ثبوت سيرة العقلاء على ترتيب آثار الإمكان عند الشكّ فيإمكان شيء وامتناعه، والإمكان في كلام الشيخ الرئيس قدسسره «كلّ ما قرع سمعكمن الغرائب فذره في بقعة الإمكان» يكون بمعنى الاحتمال، لا في مقابلالامتناع، ولايرتبط بما نحن فيه.
(صفحه 101)
الأمر الثاني: أنّ على تقدير ثبوت السيرة لا حجّيّة لها؛ لعدم قيام دليلقطعي على اعتبارها، والظنّ باعتبارها لو كان لا يفيد، فإنّ الكلام في اعتباره،ولا يمكن إثبات حجّيّة الظنّ بالظنّ بالحجّيّة.
الأمر الثالث: أنّه لا يترتّب على هذا النزاع ثمرة عمليّة، فإنّ على فرضإثبات إمكان التعبّد بالظنّ وقوعاً لا يكون ملازماً لوقوعه في الخارج،فيحتاج وقوعه في الخارج إلى دليل مستقلّ. نعم، مع قيام الدليل على وقوعهلا حاجة إلى إثبات إمكانه؛ لأنّ الدليل القائم على وقوعه دليل على إمكانه،حيث يستكشف منه عدم ترتّب تالٍ فاسد عليه.
وأضاف المحقّق النائيني قدسسره (1) إشكالاً آخر على صاحب الكفاية قدسسره حاصله:أنّ الإمكان المبحوث عنه في المقام إنّما هو الإمكان التشريعي، حيث يبحثعن أنّ التعبّد بالأمارات هل يستلزم محذوراً في عالم التشريع من اجتماعالحكمين أو تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة أو غير ذلك من التواليالفاسدة، أو لا يستلزم شيئاً من ذلك؟ ومورد ثبوت بناء العقلاء على إمكانالشيء عند عدم وجدان مايوجب استحالته على فرض تسليمه إنّما هوالإمكان التكويني دون التشريعي.
ولكنّه ليس بتام، فإنّ الإمكان التشريعي لا يكون في مقابل الإمكان الذاتيوالإمكان الوقوعي وقسيماً لهما، بل يكون مصداقاً للإمكان الوقوعي، كما أنّالإمكان التكويني يكون مصداقاً له، إلاّ أنّ دائرة الاستحالة في الشرع تكونأوسع من التكوين؛ لدوران الاستحالة في التكوينيّات مدار اجتماع النقيضينوالضدّين والمثلين، بخلاف الشرع فإنّ تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدةونحو ذلك من الأعمال القبيحة يمتنع أن يصدر عن الحكيم على الإطلاق
(صفحه102)
شرعاً، مع أنّها ممكنة تكويناً.
والتحقيق: أنّه لا يترتّب على البحث عن الإمكان وعدمه ثمرة عمليّة، كمذكر صاحب الكفاية قدسسره فلانحتاج إليه، والمهمّ هنا إبطال ما استدلّ به القائلبالامتناع، فإن لم يكن صالحاً لإثبات الاستحالة صارت الاستحالة موردالشكّ والترديد، فتصل النوبة إلى البحث في أنّه هل قام دليل قطعي على التعبّدبالأمارات الظنّية كلّها أو بعضها، أو لا؟ وعلى فرض قيامه يدلّ بالمطابقة علىحجّيّة الخبر الواحد ـ مثلاً ـ وبالالتزام على إمكان التعبّد بالظنّ وقوعاً.
فلابدّ لنا من ملاحظة أدلّة القائلين بالاستحالة، واستدلّ لها ابن قبةبوجهين:
الأوّل: أنّه لو جاز التعبّد بخبر الواحد في الإخبار عن النبيّ صلىاللهعليهوآله لجاز التعبّدبه في الإخبار عن اللّه تعالى، والتالي باطلٌ إجماعاً فالمقدّم مثله.
وعدم تعرّضه لأخبار الأئمّة عليهمالسلام واكتفائه بأخبار النبيّ صلىاللهعليهوآله فقط لعلّه كانلكونه من علماء أهل السنّة، والمراد من الخبر الواحد فيالدليل هو ما كانمتضمّناً لبيان الحكم الفرعي، لا ما هو متضمّن لبيان المسائل الاعتقاديّة؛ إذ لأثر للظنّ فيها كما أشار إليه في قوله تعالى: «إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّشَيْـءًا»(1)، وهذا يرتبط بالاعتقادات وسياقه آبٍ عن التخصيص.
ولكنّ التحقيق أنّ هذا الدليل ليس بتام، فإنّ الإخبار عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ـ سواءكان مع الواسطة أو بلا واسطة ـ يكون عن حسٍّ ويقول المخبر في مقامالإخبار: رأيت أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله فعل كذا، أو سمعت أنّه قال كذا، أو يقول:رأى فلان أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله فعل كذا، أو سمع فلان أنّه قال كذا.
وأمّا الإخبار عن اللّه تعالى فإمّا أن يكون بوساطة جبرئيل عليهالسلام والمفروض