(الصفحة 241)
عند الله تعالى وما يراعونه من احترام قبورهم المقدّسة وزيارتهم وتقبيل الضرائح الموضوعة عليها وطلب الحاجة منهم لعلّه يشبه الشرك كما هو معتقد فرقة ضالّة من العامّة العمياء وبعض من ينتحل التشيّع ممّن لا تحصيل له ولأجله يتحرّك بحركة تلك الفرقة وتقلّبه الأيادي السياسية التي هدفها المحض تفرقة الشيعة وإيجاد الاختلاف بينهم لئلاّ ينتشر مرامهم الذي هو المرام الوحيد الذي يقبله العقل السليم ويؤيّده العلم العصري مع بلوغه إلى المرتبة التي لا يتوقّع مثلها.
لأنّا نقول: وإن كان البحث الفقهي لا يناسب هذه المباحث إلاّ انّ الإشارة الإجمالية الموجزة لعلّها لم تكن خالية عن المناسبة خصوصاً بعد ملاحظة إمكان التأثير في بعض القلوب الصافية غير المظلمة على حقيقة الأمر فنقول:
امّا احترام قبورهم وزيارتها وتقبيل الضرائح المقدّسة فهو ـ مضافاً إلى انّه ليس بشرك ـ دليل على كمال التوحيد لأنّه ـ مضافاً إلى عدم كونه عبادة فانّ احترام القبر وزيارته والتقبيل أمر والعبادة أمر آخر فهل ترى انّ احترام العالم الحي عبادة له أو انّ زيارة المؤمن كذلك التي هي من المستحبّات الشرعية تعدّ عبادة له، أو انّ تقبيل الطفل محبّة أو الرجل المحترم احتراماً وتعظيماً عبادة له فكيف يتفوّه بذلك فيما يتعلّق بالقبور المقدّسة وهل فرق بين تقبيل الحجر الأسود الذي هو من المستحبّات وتقبيل الضرائح المقدّسة؟! وهل يمكن أن يتوهّم أحد انّ الأوّل مع كونه شركاً صار مستثنى ؟! وهل الشرك يمكن أن يقع الاستثناء من حكمه مع انّه لا يغفر أن يشرك به؟! ـ يكون كاشفاً عن التعظيم وتكريم جماعة أكرمهم الله بتاج الكرامة واصطفاهم للخلافة والولاية بما انّهم كذلك ففي الحقيقة يكون تكريمهم لإضافتهم الخاصّة إلى الله تعالى وقربهم في نظره وهذا دليل على كمال التوحيد.
وامّا التوسّل إليهم وجعلهم شفعاء وطلب الحاجة منهم فلأجل انّ الله تعالى قد
(الصفحة 242)
أعطاهم هذه المزايا وفضّلهم بهذه الفضائل ومع ذلك يصدر الجميع بإذن الله فهل ترى من نفسك انّ مولى من الموالي العرفية إذا أعطى عبده دراهم وجعلها باختياره في أن يصرفه في أي فقير شاء فإذا اطلع فقير على ذلك وطلب من العبد درهماً مثلاً يكون هذا الطلب منافياً لمقام المولى ومضادّاً لمولويته وشركاً له؟! فالله تعالى أقدر الأئمّة (عليهم السلام) على التصرّف في العالم وجعلهم شفعاء فالتوسّل إليهم وطلب الحاجة منهم في الحقيقة إمضاء لفعل الله وتسليم لعنايته لا انّه شرك ومضاد للألوهية والخالقية.
نعم لا مجال لإنكار انّ السجود لغير الله محرّم شرعاً لقوله تعالى: (لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهنّ)(1) فمن سجد لغير الله ارتكب محرماً لكن نقول:
أوّلاً: انّه لم نر أحداً من الشيعة مع اختلاف طبقاتهم في العلم والمعرفة وثبوت الخواص والعوام بينهم أن يسجد للأئمّة (عليهم السلام) أو لقبورهم المطهّرة والشاهد الوجدان.
وثانياً: انّ الكلام في الشرك وهو أمر لا يلائم الاستثناء بوجه، والسجود لغير الله غايته انّه محرم وليس كل حرام موجباً للشرك والدليل على عدم كونه شركاً انّ السجود لآدم كان مأموراً به للملائكة بأجمعهم والشيطان الذي كان من الجنّ ولو كان السجود لغير الله شركاً كيف يمكن أن يكون مأموراً به وهل يجتمع الأمر بالشرك ولو في مورد مع عدم صلاحية الشرك للمغفرة أصلاً، فلو فرض انّ الشيعة تسجد للأئمّة (عليهم السلام) فغايته تحقّق الفعل الحرام لا الشرك غير القابل للغفران نعوذ بالله من الجهل وعدم العرفان.
(الصفحة 243)
ثمّ إنّ السجود على التربة خارجة عن هذا البحث كلاّ لأنّ المحرّم انّما هو السجود لغير الله والسجود على التربة انّما هو سجود لله على التربة وفرق واضح بين السجود للشيء وعلى الشيء والدليل عليه إمكان اجتماعهما فإنّ المصلّي في سجوده لا يسجد إلاّ لله وفي هذه الحالة يضع جبينه على التربة فتوهّم الشرك في ذلك لا يكاد ينشأ إلاّ عن الجهل الأكيد والبُعد الشديد عن الحقّ السديد واختيار تربة قبر الحسين (عليه السلام) انّما هو للتبرّك بها لأجل انّه بذل نفسه وأبنائه وأصحابه في الله تبارك وتعالى ودينه وقانونه ففي الحقيقة يرجع ذلك إلى تكريم الدين الإلهي وتعظيم القانون السماوي وتوحيد الله تعالى.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى ما كنّا فيه من بيان أصناف المشركين وأحكامهم فنقول: قد عرفت انّ الشرك امّا أن يكون في الذات أو في الفعل أو في العبادة وقد أطلق الشرك في كتاب الله على جميع الأصناف الثلاثة.
امّا الأوّل: فقد أطلق عليه في مثل قوله تعالى: (لا إله إلاّ هو سبحانه عمّا يشركون)(1) وقوله تعالى: (قل انّما هو إله واحد وانني بريءٌ ممّا تشركون)(2).
وامّا الثاني: فقد أطلق عليه في مثل قوله تعالى: (خلق السماوات والأرض بالحقّ تعالى عمّا يشركون)(3) وقوله تعالى: (وقل الحمد لله ا لذي لم يتّخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك)(4) أي في الأعمال والسلطنة.
وامّا الثالث: ففي مثل قوله تعالى: (قل انّما اُمرت أن أعبد الله ولا أشرك به
- 1 ـ التوبة : 9 .
2 ـ الأنعام : 6 .
3 ـ النحل: 3 .
4 ـ الإسراء: 111 .
(الصفحة 244)
شيئاً)(1) وقوله تعالى: (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء)(2).
وهل يستفاد نجاسة المشرك بجميع أصنافه الثلاثة من الآية الكريمة: (انّما المشركون نجس) أم لا؟ وجهان مبنيان على انّ الألف واللام في الآية هل لإفادة العموم نظراً إلى انّ الجمع المحلّى باللام يفيد العموم فتدلّ الآية على نجاسة جميع الأصناف من المشركين، أو للعهد فيختصّ بالمشركين المعهود في ذلك العصر وهم المشركون في خصوص العبادة لما عرفت من شيوعهم في عصر نزول الوحي وبعثة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الظاهر هو الثاني ولكن مع ذلك تدلّ الآية على نجاسة جميع الأصناف غاية الأمر انّ دلالتها على نجاسة المشرك في خصوص العبادة انّما تكون بالمنطوق وعلى نجاسة القسمين الآخرين بمفهوم الموافقة الذي يتوقّف على الأولوية كما هو غير خفي. هذا كلّه في المشرك.
وامّا الكافر الذي هو محطّ النظر في المقام فقد عرفت انّ التقابل بين الكفر والإسلام تقابل العدم والملكة وانّ الكافر من لا يكون مسلماً وشأنه أن يكون ذلك فلابدّ في تحصيل مفهوم الكفر من تحصيل مفهوم الإسلام حتّى يتّضح ما يقابله من الكفر.
فنقول: هل الإسلام عبارة عن مجرّد الاعتقاد القلبي بالتوحيد والرسالة ولو لم يقترن بالإقرار باللسان، أو انّه عبارة عن مجرّد الإقرار باللسان ولو لم يكن ناشئاً عن الإذعان بالجنان، أو انّه عبارة عن اجتماع كلا الأمرين: الاعتقاد بالجنان
- 1 ـ الرعد: 36 .
2 ـ النمل: 35 .
(الصفحة 245)
والإقرار باللسان، أو انّه لابدّ من التفصيل بين الكافر الذي أسلم وبين من ولد في دار الإسلام واشتدّ في حجر المسلمين وكان أبواه كلاهما ـ أو أحدهما ـ مسلماً؟ وجوه واحتمالات أقواها هو الوجه الثاني الذي يرجع إلى انّ الإسلام لا يتجاوز عن اللسان وانّه عبارة عن مجرّد الإقرار به ولو لم يكن هناك اعتقاد أصلاً.
ويمكن أن يستدلّ عليه من الكتاب بقوله تعالى: (قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم)(1)، فإنّ ظاهره الذي لا ينبغي الخدشة فيه ان ما يفتقر إلى الاعتقاد القلبي هو الايمان دون الإسلام فانّه يتحقّق بمجرّد القول.
وقوله تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انّك لرسول الله إلى قوله تعالى: والله يشهد انّ المنافقين لكاذبون)(2) أي كاذبون في شهادتهم بأنّك رسول الله فانّه لا خفاء في انّ النبي كان يعامل مع المنافقين معاملة المسلمين ولم يكن يجري عليهم حكم الكافرين مع وضوح عدم اعتقادهم بصدق النبي في نبوّته وقد شهد الله بكذبهم في دعوى اعتقاد ذلك، وعليه فكون المنافقين غير الكافرين دليل على انّ الإسلام مجرّد الإقرار باللسان وإن لم يكن مقروناً بالاعتقاد القلبي أصلاً، ويؤيّده قوله تعالى في أوائل سورة البقرة: (ومن الناس من يقول آمنّا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين)(3) ومن السنّة بروايات: منها ما عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قوله عزّوجلّ: (قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) قال (عليه السلام) : ألا ترى انّ الإسلام غير الايمان.
- 1 ـ الحجرات : 14 .
2 ـ المنافقون : 1 .
3 ـ البقرة : 8 .