(الصفحة 25)
الشرعية حتّى يجري فيها الاستصحاب مع إمكان المناقشة فيه بعدم الفرق بين الحلّية الظاهرية والواقعية فكما انّ الاُولى مجعولة بمقتضى قاعدة الحلّية كذلك الثانية مع ظهور الأدلّة في جعلها أيضاً كقوله تعالى: (أُحلَّ لكم صيد البحر وطعامه)(1)، وقوله تعالى: (اليوم أُحلَّ لكم الطيّبات)(2)، وقوله تعالى: (أُحلّت لكم بهيمة الأنعام)(3)، ودعوى اختصاص جريان مثل الاستصحاب بالمجعولات الإلزامية وعدم جريانها في المجعولات الترخيصية قد حقّق في محلّه بطلانها، هذا مضافاً إلى انّ ذلك ـ على فرض التمامية ـ يجري في البول دون الخرء لعدم وجود عموم أو إطلاق فيه أصلاً كما عرفت.
نعم يبقى الكلام في وجه الحكم بعدم جواز أكل اللحم مع طهارة الخرء وكذا البول وقد عرفت انّ الشكّ تارة من جهة الشبهة الحكمية واُخرى من جهة الشبهة الموضوعية وعلى التقديرين قد يعلم كون الحيوان قابلاً للتذكية وقد يشكّ في ذلك فالصور أربعة:
الاُولى: ما إذا كانت الشبهة حكمية مع العلم بكون الحيوان قابلاً للتذكية كالشكّ في حرمة لحم الأرنب ـ مثلاً ـ .
الثانية: ما إذا كانت الشبهة موضوعية مع العلم باتّصاف الحيوان بالقابلية لها كالشكّ في كون الحيوان شاةً أو ذئباً ـ مثلاً ـ لاشتباه حاله، وفي هاتين الصورتين قد ذهب جماعة من المحقّقين إلى حرمة أكل اللحم والظاهر انّ مستندها استصحاب الحرمة الثابتة على الحيوان حال الحياة وقبل ذبحه.
- 1 ـ المائدة : 96 .
-
2 ـ المائدة : 5 .
-
3 ـ المائدة : 1 .
(الصفحة 26)
والحقّ عدم جريان هذا الاستصحاب.
امّا أوّلاً: فلأنّه يتوقّف على ثبوت حرمة لحمه في حال الحياة مع انّه لا دليل عليها، وحرمة القطعة المبانة من الحيّ انّما هي لأجل كونها ميتة والكلام في أكل الحيوان حيّاً كابتلاع السمكة الصغيرة الحيّة.
وامّا ثانياً: فلأنّ الحرمة ـ على تقدير ثبوتها حال الحياة ـ يكون منشأها انّ الحيوان غير مذكّى، وبعد وقوع التذكية عليه ـ كما هو المفروض ـ يتبدّل عنوان غير المذكّى إلى المذكّى فلا وجه لبقاء ذلك الحكم، وبعبارة اُخرى: القضية المتيقّنة يكون موضوعها الحيوان الحيّ بحيث يكون قيد الحياة داخلاً في الموضوع، وامّا القضيّة المشكوكة فموضوعها الحيوان المذكّى وعليه فشرط جريان الاستصحاب ـ وهو اتحاد القضيتين ـ غير متحقّق فلا مجال له أصلاً.
الثالثة: ما إذا كانت الشبهة حكمية مع الشكّ في كون الحيوان قابلاً للتذكية، والحق فيها أيضاً عدم جريان الاستصحاب أي استصحاب عدم التذكية، لأنّ التذكية ـ كما قال به المحقّق الخراساني (قدس سره) ـ عبارة عن فري الأوداج مع سائر الشرائط عن خصوصية في الحيوان، غاية الأمر انّه لا يجوز استصحاب عدم تلك الخصوصية لعدم جريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية ـ خلافاً للمحقّق المذكور ـ لعدم اتّحاد القضيتين واختلافهما بالسلب بانتفاء الموضوع والسلب بانتفاء المحمول ووضوح المغايرة بين السالبتين، وتفصيل الكلام موكول إلى محلّه وعليه فالمرجع أيضاً قاعدة الحلّية.
الرابعة: ما إذا كانت الشبهة موضوعية مع الشكّ في كونه قابلاً للتذكية كما إذا وجدت قطعة لحم في محل ولا يعلم كونها مذكاة أم لا، والحق فيها جريان استصحاب عدم التذكية والحكم بالحرمة وانّه لا إشكال فيه.
(الصفحة 27)
إن قلت: الحرمة قد علقت على كون الحيوان ميتة لا كونه غير مذكّى لقوله تعالى: (حرّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير...)(1) فلا يثبت باستصحاب عدم التذكية حرمة الأكل لعدم ثبوت عنوان «الميتة» به.
قلت: الدليل لا يكون منحصراً بالآية الشريفة فانّ الإجماع قائم على حرمة أكل الحيوان غير المذكّى كما هو ظاهر فلا مانع من جريان الاستصحاب والحكم بالحرمة. هذا تمام الكلام في الفرع الأوّل.
الفرع الثاني: لو شكّ في خرء حيوان انّه من مأكول اللحم أو محرمه من جهة الشكّ في انّ هذا الخرء من الحيوان الفلاني الذي يكون خرؤه نجساً أو من الذي يكون طاهراً كما إذا رأى شيئاً لا يدري انّه بعرة فأر أو خنفساء، والحكم فيه الطهارة لقاعدة الطهارة الجارية في الشبهات الموضوعية بلا إشكال.
الفرع الثالث: لو شكّ في خرء حيوان انّه ممّا له نفس سائلة أو من غيره ممّا ليس له لحم كالمثال المتقدّم والحكم فيه أيضاً الطهارة لما ذكر وقد عرفت انّه لا حاجة في إجراء قاعدة الطهارة في الشبهات الموضوعية إلى الفحص كما هو المشهور ولكن يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) نوع ترديد في ذلك قال: «بقي شيء بناء على اعتبار هذا القيد ـ أي كونه من ذي النفس ـ وهو انّ مجهول الحال من الحيوان الذي لم يدر أنّه من ذي النفس أم لا يحكم بطهارة فضلته حتّى يعلم انّه من ذي النفس للأصل واستصحاب طهارة الملاقى ونحوه، أو يتوقّف الحكم بالطهارة على اختباره بالذبح ونحوه لتوقّف امتثال الأمر بالاجتناب عليه ولأنّه كسائر الموضوعات التي علّق الشارع عليها أحكاماً كالصلاة للوقت والقبلة ونحوهما، أو يفرق بين الحكم
(الصفحة 28)
بطهارته وبين عدم تنجيسه للغير فلا يحكم بالأوّل إلاّ بعد الاختبار بخلاف الثاني للاستصحاب فيه من غير معارض ولأنّه ـ حينئذ ـ كما لو أصابه رطوبة متردّدة بين البول والماء؟ وجوه لم أعثر على تنقيح منها في كلمات الأصحاب».
وفيه انّه لا فرق بين هذه الشبهة وسائر الشبهات الموضوعية في عدم لزوم الفحص لإطلاق الدليل أعني قوله (عليه السلام) : «كل شيء نظيف...» وقياس المقام بالقبلة والوقت قياس مع الفارق لأنّهما من قيود المأمور به ومع الإتيان بالصلاة بهذه الكيفية التي يشكّ في تحقّق بعض قيودها لم يحرز إتيان المأمور به مع كون التكليف معلوماً أوّلاً وواحداً ثانياً وهذا بخلاف المقام فانّ نجاسة فضلة كلّ ما لا يؤكل لحمه فلها حكم مستقلّ ومانعية كذلك فإذا وجد في الخارج شيء وصدق عليه انّه بول ما لا يؤكل لحمه ـ مثلاً ـ يترتّب عليه حكمه وإذا شككنا في ذلك فلا محالة نشكّ في نجاسته في توجه أصل التكليف بالاجتناب إلينا والأصل الجاري في المقام الطهارة بلحاظ حكمه الوضعي والبراءة بالإضافة إلى الحكم التكليفي. نعم لو قلنا بشرطية الطهارة أو عدم النجاسة يصير من جهة الأصل العقلي كالقبلة والوقت وامّا من جهة الأصل الشرعي فيتفرّق عنهما أيضاً لحكومة اصالة الطهارة على دليل اشتراطها كما لايخفى.
نعم ربّما يستشكل في جريانها في الموارد التي يزول الشكّ بأدنى شيء كمجرّد النظر بدعوى انصراف أدلّة الاُصول عن مثلها واختصاصها بما إذا كان ارتفاع الشكّ متوقّفاً على الاختبار والفحص والدقّة لكن الأقوى تبعاً لما أفاده الماتن ـ دام ظلّه ـ خلاف ذلك سيّما في باب النجاسات لصحيحة زرارة المعروفة في باب الاستصحاب وفيها: «قلت: فهل عليَّ إن شككت في انّه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ قال: لا، ولكنّك انّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك»، بل لا يبعد دعوى
(الصفحة 29)
ظهورها في انّ عدم لزوم الفحص انّما هو للاتّكال على الاستصحاب من دون خصوصية للنجاسة، ولمنع الانصراف.
الفرع الرابع: لو شكّ في خرء حيوان انّه ممّا له نفس أو من غيره ممّا له لحم محرم وقد استشكل فيه في المتن كما تقدّم في المسألة الاُولى ولكنّك عرفت انّ طهارة الخرء في الحيوان الذي له لحم محرم وليس له نفس سائلة لا يحتاج إلى الدليل ولا تبعد دعوى الانصراف في بوله أيضاً وعليه فالحكم في مورد الشكّ أيضاً الطهارة لما عرفت في الفرعين السابقين.