(الصفحة 35)
محل تربية الحيوانات واستنتاجها واستفحالها وغير خفي على من رأى كيفية استفحال البهائم شدّة الابتلاء بمنيّها وكثرته وان اصابة منيّها خصوصاً البهائم الثلاثة بالثوب وغيره ممّا يحتاج إليه الإنسان ويبتلى به كثيرة لا يمكن معها دعوى الانصراف، ودعوى الانصراف والتبادر انّما صدرت ممّن لا يبتلى به ونشأ في بيت أو محيط كان الابتلاء به نادراً أو مفقوداً رأساً فقاس به سائر الأمكنة والأشخاص وإلاّ فلا قصور في الإطلاقات أصلاً.
وكلامه ـ دام ظلّه ـ في غاية الجودة والمتانة لأنّ دعوى الإطلاق في هذه المسألة لا تقصر عن دعواه في كثير من الموارد التي قد التزموا به كما أفاده في آخر كلامه ولكن الأظهر في الإطلاق صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام)المتقدّمة أيضاً قال: ذكر المني وشدّده وجعله أشدّ من البول، ثمّ قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة لبعد أن يكون اللام في كل من المني والبول للعهد الخارجي وظهور كونها في كليهما للجنس فتدلّ حينئذ على انّ طبيعة المني أشدّ من طبيعة البول وقد ذكر في وجه أشدّية المني من البول احتمالات:
1 ـ كون المني أشدّ لاحتياج إزالته إلى الدلك والفرك دون البول. ويرده ـ مضافاً إلى وضوحه وعدم احتياجه إلى الذكر فانّه شيء يعرفه كل من غسل ثوباً متنجّساً بالمني ـ انّ إفادة ذلك ممّا لا يلائم شأن الإمام (عليه السلام) من جهة بيانه للأحكام كما هو ظاهر.
2 ـ كون الأشدّ بمعنى الأنجس. وفيه انّ الأمر بالعكس على حسب تصريح بعض الروايات الواردة في البول الدالّة على أنجسيته للزوم غسله مرّتين دون المني.
3 ـ كون الأشدّية باعتبار وجوب غسل الجنابة للمني دون البول. وفيه انّ وجوب غسل الجنابة انّما هو لأجل خروج المني من المجرى وحصول الجنابة
(الصفحة 36)
للإنسان وليس حكماً لطبيعة المني ومرتبطاً به.
4 ـ كون الأشدّية بمعنى سعة دائرة نجاسة المني حيث إنّه نجس من كل حيوان ذي نفس سائلة ـ محرّماً كان أم محلّلاً ـ بخلاف البول. وهذا الاحتمال خال عن المناقشة ويقرب دعوى الإطلاق في الصحيحة.
وما أفاده بعض الأعلام من انّ الأشدّية لو كان بلحاظ نجاسة المني من الحيوانات المحلّلة مع طهارة أبوالها لوجب أن يقول نجاسة المني أوسع من نجاسة البول ولا يناسبه التعبير بالأشدّية الظاهرة في اشتراك المني مع البول في النجاسة وكون الأوّل أشدّ من الثاني.
مدفوع بأنّه بعد فرض كون اللام في كلا الأمرين للجنس لابدّ من ملاحظة الطبيعة في كل واحد منهما ولا وجه للحاظ مني كل حيوان مع البول منه وعليه فلابدّ من استكشاف وجه كون طبيعة المني أشدّ من طبيعة البول ولا يعلم وجه لذلك إلاّ سعة دائرة نجاسته بخلاف البول.
وكيف كان دلالة الصحيحة على نجاسة المني في الحيوانات المحرّمة ممّا لا ينبغي الإشكال فيها أصلاً كما لا يخفى.
المسألة الثالثة: في مني الحيوانات المحلّلة التي لها نفس سائلة ونجاسته أيضاً من المسائل المجمع عليها ويدلّ عليها الإطلاقات بالتقريب المتقدّم بل يمكن دعوى كون التمسّك بالإطلاق في هذه المسألة أسهل لأنّ الابتلاء بالحيوانات المحلّلة أكثر من الابتلاء بالحيوانات المحرّمة ويدلّ عليها أيضاً صحيحة محمد بن مسلم ـ المتقدّمة ـ الدالّة على أشدّية المني من البول ـ بناءً على ما اخترناه من معنى الأشدّية ـ فإنّ مرجعها إلى سعة دائرة نجاسة المني وشمولها للحيوانات المحلّلة أيضاً دون البول لاختصاص نجاسته بالحيوانات المحرّمة ـ كما مرّ في بحثه ـ .
(الصفحة 37)
وعلى ما ذكرنا فلا يبقى مجال لما أفاده بعض الأعلام من انّه لا دلالة في شيء من الأخبار على نجاسة المني في هذه المسألة لانصراف المطلقات إلى مني الإنسان واختصاص الصحيحة بما إذا كان البول نجساً لاقتضاء الأشدّية ذلك.
نعم في مقابل أدلّة النجاسة موثقتان توهم دلالتهما على طهارة المني من الحيوانات المحلّلة:
إحداهما: موثّقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه. فانّ الموصول عام للمني لأنّه أيضاً خارج منه.
ثانيتهما: موثقة ابن بكير المعروفة حيث ورد في ذيلها: «فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز. فإنّ قوله «كلّ شيء» يشمل المني أيضاً.
والإنصاف عدم ثبوت الإطلاق لهما بحيث يشمل المني لأنّ الاُولى منصرفة إلى البول والروث اللذين كثر التعرّض لهما في الروايات ولهذا أوردها صاحب الوسائل (قدس سره) مع تبحّره في تبويب الروايات ـ في باب حكم البول والروث ويؤيّده انّه هل يمكن استفادة حكم الدم أيضاً منها مع ثبوت وصف الخروج له أيضاً وليس ذلك إلاّ لأجل اختصاصها بالاخبثين.
وامّا الثانية فلا تكون في مقام بيان الطهارة والنجاسة بل تكون ناظرة إلى جهة بيان صحّة الصلاة في تجزاء ما يؤكل لحمه من ناحية عدم كونها ممّا لا يؤكل لا من جهة الطهارة والنجاسة ويدلّ على ذلك ذكر الوبر والشعر والألبان فيها أيضاً فلا دلالة للموثقة على طهارة مني الحيوان المأكول بوجه.
والذي يستهل الخطب ما عرفت من قيام الإجماع القطعي على النجاسة في هذه المسألة أيضاً.
(الصفحة 38)
المسألة الرابعة: في مني الحيوانات المحلّلة التي ليست لها نفس سائلة ولا يبعد ـ بعد عدم قيام الإجماع فيها وعدم وجود دليل خاص على النجاسة ـ دعوى انصراف الأدلّة عنها فيصير مقتضى الأصل الطهارة وأشدّية المني من البول بالتقريب الذي ذكرنا لا تقتضي ثبوت النجاسة في هذه المسألة أيضاً بعد الشكّ في أصل ثبوت المني لها أوّلاً وقوّة احتمال الانصراف ثانياً.
(الصفحة 39)
الرابع: ميتة ذي النفس من الحيوان ممّا تحلّه الحياة وما يقطع من جسده حيّاً ممّا تحلّه الحياة عدا ما ينفصل من بدنه من الأجزاء الصغار كالبثور والثالول وما يعلو الشفة والقروح وغيرها عند البرء وقشور الجرب ونحوه، وما لا تحلّه الحياة كالعظم والقرن والسن والمنقار والظفر والحافر والشعر والصوف والوبر والريش طاهر، وكذا البيض من الميتة الذي اكتسى القشر الأعلى من مأكول اللحم بل وغيره، ويلحق بما ذكر الأنفحة وهي الشيء الأصفر الذي يجبن به ويكون منجمداً في جوف كرش الحمل والجدي قبل الأكل، وكذا اللبن في الضرع، ولا ينجسان بمحلهما، والأحوط الذي لا يترك اختصاص الحكم بلبن مأكول اللحم 1.
1 ـ وفيها ثلاث مسائل:
المسألة الاُولى: في ميتة ذي النفس غير الآدمي.
المسألة الثانية: في ميتة الآدمي.
المسألة الثالثة: في ميتة غير ذي النفس.
وقد استفيض نقل الإجماع على النجاسة في الأوّلتين، وعن المعالم انّه قد تكرّر في كلام الأصحاب ادّعاء الإجماع على هذا الحكم وهو الحجّة إذ النصوص لا تنهص بإثباته. وعن المدارك المناقشة في أصل الحكم لفقدان النص على نجاستها وعدم دلالة ما أمر فيها بالغسل ونهى عن الأكل على النجاسة ثمّ ذكر مرسلة الصدوق (قدس سره)في «الفقيه» النافية للبأس عن جعل الماء ونحوه في جلود الميتة مع تصريحه في ديباجته بأنّ ما أورده فيه هو ما أفتى به وحكم بصحّته واعتقد كونه حجّة بينه وبين ربّه، ثمّ قال صاحب المدارك: والمسألة قوية الإشكال.
وكيف كان فقد استدلّ على نجاسة الميتة من ذي النفس غير الآدمي ـ بعد