(الصفحة 493)
حكم في المتن تبعاً للجواهر بعدم كونه من المحمول وبثبوت العفو فيه ولكن صرّح السيّد في «العروة» بكونه يعدّ من المحمول.
ويؤيّده انّه لا فرق ظاهراً بينه وبين العظم النجس الذي جبر به مع انّه لا خلاف ظاهراً كما عن المبسوط في عدم العفو عنه بل عن الذكرى والدروس الإجماع عليه. نعم لو اكتسى العظم المزبور اللحم فهو معفوّ عنه كما حكى عن بعض الكتب.
ويمكن الاستشهاد لما في المتن بأنّ الخيط بعد خياطة الجلد به يصير عرفاً تابعاً للبدن فإنّ البدن وإن لم يكن مركّباً من مثل الخيط بل له أجزاء خاصّة إلاّ انّه بعد خياطة جلده بالخيط يصير الخيط جزءً له عرفاً. وإن شئت قلت: إنّه لا يتحقّق عند العرف الصلاة في النجس أو معه في هذه الصورة فتدبّر.
وامّا المحمول ففيه فروض ثلاثة:
الأوّل: المحمول النجس وقد احتاط فيه وجوباً في المتن بالاجتناب خصوصاً إذا كان النجس من أجزاء الميتة أو نفسها وعن جماعة من أعلام الفقهاء(رض) المنع وقد استدلّ له بعدّة أخبار:
منها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يمرّ بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفى عليه من العذرة فيصيب ثوبه ورأسه يصلّي فيه قبل أن يغسله؟ قال: نعم ينفضه ويصلّي فلا بأس. نظراً إلى دلالتها على المنع عن الصلاة مع حمل أجزاء العذرة في الثوب إلاّ أن ينفضه.
وأورد عليه بأنّ الرواية أجنبية عمّا نحن فيه لأنّ الكلام في حمل العين النجسة في الصلاة لا في الصلاة في النجس ومورد الرواية هو الثاني لأنّ العذرة إذا وقعت على الثوب سواء نفذت في سطحه الداخل أم لم تنفذ فيه يعدّ جزء من الثوب ومعه تصدق الصلاة في النجس كما إذا كان متنجساً.
(الصفحة 494)
ويدفعه ـ مضافاً إلى صدق الصلاة في النجس إذا كان المحمول نجساً أيضاً كما يأتي ـ انّ الظاهر كون العذرة في مورد السؤال يابسة غير ملتصقة بالثوب أو اللباس على نحو تعدّ جزء لهما لأنّ كلمة «النفض» ظاهرة في انّه بالتحريك تزول مع انّها لو كانت رطبة لا تزول بجميع أجزائها بالنفض مع انّ هبوب الريح الموجب للإصابة انّما يكون في العذرة اليابسة دون الرطبة فتدبّر. وعليه فالرواية واردة في مورد المحمول.
ومنها: صحيحة عبدالله بن جعفر الحميري قال: كتبت إليه ـ يعني أبا محمّد (عليه السلام) ـ يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة المسك؟ فكتب: لا بأس به إذا كان ذكياً. بدعوى انّ ظاهرها رجوع الضمير إلى الفأرة لا إلى المسك لأنّها مورد السؤال فتدلّ بمفهومها على انّ الفأرة إذا لم تكن ذكية ففي الصلاة معها بأس.
وأورد عليه مضافاً إلى انّ ظاهرها اعتبار ذكاة المسك لا ذكاة الفأرة في مقابل المأخوذة من الضبي الميت بأنّه أخصّ من المدعى لاقتضائها عدم جواز حمل الميتة أو غير المذكى في الصلاة ولا يستفاد منها عدم جواز حمل مطلق العين النجسة.
ومنها: ما رواه الصدوق باسناده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي ومعه دبة من جلد الحمار أو بغل؟ قال: لا يصلح أن يصلّي وهي معه إلاّ أن يتخوّف عليها ذهابها فلا بأس أن يصلّي وهي معه. الحديث. ورواه الحميري في قرب الإسناد عن علي بن جعفر مثله. ولكن رواه الشيخ (قدس سره) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) في حديث قال: وسألته عن الرجل صلّى ومعه دبة من جلد حمار وعليه نعل من جلد حمار هل تجزيه صلاته أو عليه إعادة؟ قال: لا يصلح له أن يصلّي وهي معه إلاّ أن يتخوّف عليها ذهاباً فلا بأس أن يصلّي وهي معه.
(الصفحة 495)
وقد استدلّ بها على عدم جواز الصلاة مع الدبة المتّخذة من الميتة مع انّ الرواية ـ بطرقها الثلاثة ـ خالية عن التقيد بالميتة. نعم وردت في طهارة الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) مشتملة على كلمة «ميت» بعد لفظة «حمار» من دون ذكر الراوي والمروي عنه ولكنّه محمول على الاشتباه.
نعم يمكن دعوى ظهور نفس السؤال في انّ مورده هو جلد الحمار الميّت لأنّ الحمار المذكّى لا شبهة في جواز الصلاة في أجزائه بعد كونه غير محرم الأكل فلا مجال للسؤال عنه فلابدّ من حمل السؤال على الميّت ولكنّها مدفوعة بأنّه يمكن أن يكون الوجه فيه ما اشتهر في تلك الأزمنة من نجاسة أبوال الحمير والبغال وحرمة لحمهما كما التزم بذلك معظم العامّة. ومن المعلوم انّ حرمة اللحم تمنع عن الصلاة في أجزائه مطلقاً.
هذا مضافاً إلى انّ ظهور كلمة «لا يصلح» في البطلان والفساد ممنوع بل هي ظاهرة في الكراهة وعلى تقدير التسليم فغاية مفادها عدم جواز حمل الميتة في الصلاة لا مطلق النجس كما هو المدعى.
هذا والعمدة في دليل المنع انّ المستفاد من الأخبار الواردة في موارد مختلفة انّ الصلاة في النجس غير جائزة ويؤيّده رواية موسى بن اكيل عن أبي عبدالله (عليه السلام)في الحديد انّه حلية أهل النار إلى أن قال: لا تجوز الصلاة في شيء من الحديد فانّه نجس ممسوخ. فانّ النهي عن ذلك وإن كان محمولاً على الكراهة لجواز الصلاة في الحديد واختصاص المنع بما كان نجساً بالفعل إلاّ انّ تعليلها المنع بانّه نجس يدلّ على انّ عدم جواز الصلاة في النجس كبرى كلّية لا تختص بمورد دون مورد وكذا رواية خيران الخادم قال: كتبت إلى الرجل (عليه السلام) أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلّى فيه أم لا؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه فقال بعضهم صلِّ فيه فإنّ
(الصفحة 496)
الله انّما حرّم شربها وقال بعضهم لا تصلِّ فيه، فكتب (عليه السلام) : لا تصلِّ فيه فانّه رجس. الحديث.
نعم ربّما يقال ـ والقائل بعض الأعلام ـ بأنّ الصلاة في النجس لا معنى له بظاهره لأنّ الصلاة نظير الأكل والشرب فعل من أفعال المكلّفين وللأفعال ظرفان ظرف زمان وظرف مكان وليست النجاسة شيئاً منهما فاسناد الظرفية إلى النجس في أمثال المقام غير صحيح على وجه الحقيقة. نعم لا بأس باسنادها إليه على وجه العناية والمجاز فيما إذا كان الفاعل لابساً للنجس بأن يكون الفاعل مظروفاً والنجس ظرفاً له، وامّا إذا لم يكن النجس ظرفاً للمصلّي وإنّما كان موجوداً عنده ومعه كما إذا كان في جيبه فاسناد الظرفية إلى النجس ليس بحقيقي ولا مجازي. نعم قد ورد في بعض الأخبار جواز الصلاة في السيف ما لم ترَ فيه دم كما انّه قد ورد في موثقة ابن بكير المعروفة: إنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسدة، مع انّ السيف والبول والروث والألبان اُمور مقارنة للصلاة لا انّها ظرف لها ولا للفاعل ولا مناص في مثله من رفع اليد عن ظهور كلمة «في» في الظرفية وحملها على معنى «مع» والمقارنة وهذا لأجل قيام القرينة وهي عدم إمكان إبقائها على ظاهرها، وامّا مع عدم قيامها كما في المقام فلا مقتضى لرفع اليد عن ظهور لفظة «في» في الظرفية ولازمها عدم الانطباق على ما إذا كان المحمول نجساً لعدم تحقّق الظرفية للنجس ـ حينئذ ـ أصلاً.
ويرد عليه ـ مضافاً إلى وضوح تحقّق الظرفية بنظر العرف مع الحمل أيضاً وظهور عدم كون الروايتين محمولتين على خلاف ظاهرهما الذي هي الظرفية ـ التعبير بكلمة «في» في المحمول أيضاً في بعض الروايات وهي مرسلة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال: كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة
(الصفحة 497)
فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه وإن كان فيه قذر مثل القلنسوة والتكة والكمرة والنعل والخفّين وما أشبه ذلك. فانّه مع كون المفروض في الموضوع هو كلّ ما كان على الإنسان أو معه ومن المعلوم شمول كلمة «مع» للمحمول بل اختصاصها به قد حكم بعدم البأس عن الصلاة فيه بصورة الظرفية فهي تدلّ على انّ دائرة الظرفية عامّة شاملة للمحمول وعليه فلا قصور في أدلّة المنع عن الصلاة في النجس للشمول للمحمول كما لا يخفى.
نعم يمكن أن يقال: بأنّ مرسلة ابن سنان يظهر منها جواز حمل النجس لأنّ قوله: وإن كان فيه قذر ظاهر في وجود عين النجاسة فمقتضى الرواية جواز حمل القذر، ولكن التخيص بما لا تتمّ يظهر منه انّ المراد هو المتنجّس لا عين النجاسة فالأحوط لو لم يكن أقوى الاجتناب عن حمل النجس في الصلاة.
الفرض الثاني المحمول المتنجّس الذي تتمّ فيه الصلاة مقتضى ما ذكرنا من صدق الصلاة في النجس على المحمول أيضاً المنع كما نسب إلى ظاهر الأكثر مع انّ مقتضى مفهوم المرسلة المتقدّمة انّه إذا كان ما مع المصلّي ما تتمّ فيه الصلاة ففيه بأس إذا كان فيه قذر كما انّه ربّما يقال ـ والقائل سيّدنا الاستاذ البروجردي (قدس سره)ـ انّه يستفاد من إضافة الطهارة إلى المصلّي كما في قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المعروفة في باب الاستصحاب: لأنّك كنت على يقين من طهارتك انّه يعتبر في صحّة الصلاة كون المصلّي طاهراً. غاية الأمر انّ صدقه يتوقّف على طهارة بدنه وثوبه معاً ولا يتحقّق بمجرّد طهارة بدنه فقط، وإلاّ لم يصحّ الاسناد مع نجاسة الثوب وإذا كانت نجاسة الثوب موجبة لعدم كون المصلّي طاهراً فمن المعلوم انّه لا فرق في ذلك بين ما إذا كان ثوبه نجساً أو كان ما استصحبه كذلك لأنّ الوجه في صحّة هذا الإطلاق هو كون المصلّي ملابساً له بلا خصوصية للثوب أصلاً، فلو كان محموله نجساً لا يصحّ اسناد