(الصفحة 60)
أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يداً أو رجلاً فذروه فانّه ميت، وكلوا ممّا أدركتم حيّاً وذكرتم اسم الله عليه. فانّه يستفاد من قوله: «فذروه» عدم جواز الانتفاع به مطلقاً وهو لا يتمّ إلاّ مع كونه نجساً كما لا يخفى، مع انّ ظاهر التعليل بأنّه ميّت ـ مع عدم إطلاق عنوان الميّت عليه عرفاً ـ هو التنزيل منزلة الميّت وظاهره انّه كالميّت امّا في جميع الآثار والأحكام وامّا في خصوص الأحكام الظاهرة والآثار البارزة التي منها النجاسة بلا إشكال.
ومنها: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئاً فهو ميّت، وما أدركت من سائر جسده حيّاً فذكه ثمّ كُل منه.
ومنها: رواية عبدالله بن سليمان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ما أخذت الحبالة فانقطع منه شيء فهو ميتة. فإنّ إطلاق التنزيل فيهما أيضاً يقتضي النجاسة ودعوى انّ المتبادر من التنزيل هو التنزيل من حيث حرمة الأكل ويؤيّده تجويز أكل ما أدرك حيّاً مع التذكية في الروايتين الاُولتين مدفوعة بأنّ التنزيل قد وقع في مرتبة العلّة والحكم بوجوب الرفض متفرّع عليه فكيف يمكن أن تكون العلّة للحكم المذكور هو التنزيل في نفس ذلك الحكم كما هو ظاهر.
ومنها: صحيحة عبدالله بن يحيى الكاهلي ـ بطريق الصدوق بل الكليني أيضاً بناءً على وثاقة سهل بن زياد الواقع في طريقه ـ قال: سأل رجل أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا عنده عن قطع اليات الغنم، فقال: لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح به مالك ثمّ قال: إنّ في كتاب علي (عليه السلام) انّ ما قطع منها ميّت لا ينتفع به. واستشهاد الإمام (عليه السلام) بكتاب عليّ (عليه السلام) دليل على كون إطلاق عنوان الميتة انّما هو بنحو التنزيل لا حقيقة وعرفاً وإطلاق التنزيل مقتض للنجاسة كما عرفت.
ومنها: رواية الحسن بن علي قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك انّ
(الصفحة 61)
أهل الجبل تثقل عندهم اليات الغنم فيقطعونها؟ قال: هي حرام، قلت: فيستصبح بها؟ قال: أما تعلم انّه يصيب اليد والثوب وهو حرام. وقد اختلف في معنى الحرمة في قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية «وهو حرام» فقال بعض: إنّ معناها النجاسة أي وهو نجس. وفيه انّ إرادة النجس من الحرام بعيدة لا دليل عليها.
وقال سيّدنا الاستاذ ـ دام ظلّه ـ : «الظاهر عدم إرادة النجس من الحرام بل الظاهر منها معروفية الملازمة بين حرمة الأكل في العضو المقطوع وبين النجاسة في عصر الصدور».
وفيه انّ التلازم بينهما انّما هو بحسب الخارج لا بحسب الاستعمال ولا دليل على جواز استعمال أحد المتلازمين في معناه وإرادة الآخر منه كما هو ظاهر. والذي يسهّل الخطب انّه لو كان الحرام فيها بمعنى النجس لا يرتفع الإشكال عن الرواية أيضاً لأنّ ظاهرها عدم جواز الاستصباح ولا يلائمه التعليل بنجاسة اليد والثوب لعدم الدليل على حرمة تنجيسهما بإصابة النجس إلاّ أن يقال: إنّه بناءً على ذلك يكون النهي عن الاستصباح المستفاد من الجواب نهياً إرشادياً لا مولويّاً موجباً لاستحقاق العقوبة عل يالمخالفة.
ومنها: موثقة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال في اليات الضأن تقطع وهي أحياء: انّها ميتة. وإطلاق التنزيل فيها أيضاً يقتضي النجاسة كما مرّ. هذا في الجزء المبان من الحيوان الحيّ غير الإنسان.
وامّا الجزء المبان من الإنسان فقد عمّم الفقهاء البحث بحيث يشمله أيضاً مع انّه من الظاهر عدم إمكان إلغاء الخصوصية من الروايات الواردة في الأجزاء المبانة من الحيوان وتعميمها للجزء المبان من الإنسان أيضاً إذ كيف تمكن استفادة حكم اليد المبانة من الإنسان من الرواية الواردة في الالية المبانة من الضأن ـ مثلاًـ وقد
(الصفحة 62)
عرفت انّ الأدلّة الواردة في أصل نجاسة الميتة قاصرة عن إثبات الحكم للجزء المبان من الحي بعد عدم صدق عنوان الميتة عليه عند العرف.
نعم وردت في المقام رواية نقلها المشايخ الثلاثة في كتبهم وهي ما رواه أيّوب بن نوح عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة فإذا مسّه إنسان فكل ما ك ان فيه عظم فقد وجب على من يمسّه الغسل فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه. فانّه يستفاد من تنزيل القطعة المبانة من الإنسان منزلة الميت كونها كذلك في جميع الآثار والأحكام أو في خصوص الآثار البارزة التي منها النجاسة بل لا وجه لتنزيل ما لا عظم له أيضاً منزلة الميت إلاّ في النجاسة لعدم وجوب غسل المسّ فيه على ما هو صريح ذيل الرواية.
وبالجملة: لا ينبغي الإشكال في انّ الرواية في مقام بيان حكمين: أحدهما التنزيل منزلة الميتة مطلقاً، وثانيهما التفصيل في وجوب غسل المسّ بين ما كان فيه عظم وما لم يكن فيه عظم وليس الحكم الثاني قرينة على كون التنزيل في خصوص ما فيه عظم ضرورة انّه إن كان المراد هو التنزيل في خصوصه بالإضافة إلى وجوب غسل المسّ فمن الواضح إيجاب ذلك للاستهجان فانّه من المستهجن إفادة حكم واحد بهذه الكيفية كما هو ظاهر، وإن كان المراد هو التنزيل في خصوصه في ترتّب النجاسة عليه فيردّ عليه مضافاً إلى منع كون الذيل قرينة على الاختصاص انّه لا يضرّ فيما نحن بصدده لأنّه بعد ثبوت النجاسة لما فيه عظم تثبت لما ليس فيه بعدم القول بالفصل من هذه الجهة فتدبّر. نعم الرواية مرسلة والظاهر انجبارها باستناد المشهور إليها والفتوى على طبقها فلا يبقى خلل فيها لا من حيث السند ولا من حيث الدلالة.
بقي الكلام في هذا الفرع فيما استثنى من الأجزاء المبانة من الإنسان بل مطلق
(الصفحة 63)
الحيوان وهي عبارة عن الأجزاء الصغار كالبثور والثالول وما يعلو الشفة والقروح عند البرء وقشور الجرب التي تنفصل من بدن الأجرب عند الحكّ ونحو ذلك فقد حكم في المتن بطهارتها، وقد عرفت انّ الروايات الواردة في الاجزاء المبانة من الحي لا يمكن إلغاء الخصوصية عنها وتعميمها بحيث تشمل الأجزاء المبانة من الإنسان إلاّ انّ الكلام هنا في انّه على فرض شمولها لها فهل تشمل الأجزاء الصغار أيضاً أم لا؟ قد يقال بأنّه يستفاد من كلمات العلاّمة (قدس سره) في المنتهى انّ الأدلّة شاملة لها لتمسّكه لطهارتها بدليل الحرج الظاهر في انّه لولا دليله لكان مقتضى الأدلّة النجاسة.
وقال سيّدنا الاستاذ ـ دام ظلّه ـ في مقام بيان محتملات الروايات المتقدّمة خصوصاً صحيحة محمد بن قيس ، ما حاصله:
«انّ في قوله (عليه السلام) : ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يداً أو رجلاً فذروه فانّه ميت، احتمالات:
أحدها: أن يكون المراد من قوله (عليه السلام) : فإنّه ميت، انّه ميّت حكماً على معنى ان مصحح الادعاء ـ بعد عدم الصدق على نحو الحقيقة ـ هو محكومية الجزء بأحكام الميت كقوله: الطواف بالبيت صلاة فيكون مفاده انّ وجوب الرفض انّما هو لأجل كونه ميتة حكماً، إلى أن قال: لكن لا يكون هذا التعليل معمّماً كسائر التعليلات.
الثاني: انّ المصحّح لدعوى انّه ميّت هو مشابهة الجزء للكلّ في زهاق الروح فكأنه قال فذروه لأنّه زهق روحه، وعليه فيكون العلّة للحكم برفضه هي زهاق روحه والعلّة تعمّم فتشمل الأجزاء المتّصلة إذا زهق روحها وذهبت إلى الفساد والنتن.
الثالث: أن يقال: إنّ المراد بقوله: فإنّه ميّت انّه غير مذكّى لإفادة انّ الحيوان
(الصفحة 64)
بأجزائه إذا لم يكن مذكّى بما جعله الشارع سبباً للتذكية فهو ميّت، فالميتة مقابلة المذكّى في الشرع كما يظهر بالرجوع إلى الروايات وموارد الاستعمالات، وليست التذكية في لسان الشارع وعرف المتشرّعة عبارة عمّا في عرف اللغة فانّ الذكوة ـ لغة ـ عبارة عن الذبح، ولا كذلك في الشرع إذ التذكية ذبح بخصوصيات معتبرة في الشرع إلى أن قال: فدعوى انّ التذكية حقيقة شرعية قريبة جدّاً، وكذا للميتة التي هي في مقابلها، فالمذبوح بغير ما قرّر شرعاً ميتة وإن قلنا بعدم صدقها عرفاً إلاّ على ما مات حتف أنفه أو بغير الذبح وكذا الاجزاء المبانة من الحيوان ميتة وإن لم تصدق عليها في العرف واللغة، ثمّ قال ـ دام ظلّه ـ : انّ الاحتمالات المتقدّمة انّما تأتي في صحيحة محمد بن قيس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ما أخذت... لو خليت ونفسها، وامّا مع لحاظ سائر الروايات فيسقط الاحتمال الثاني جزماً لعدم تأتيه في غيرها وبعد عدم صحّة الاحتمال الثاني في غير الصحيحة يسقط فيها أيضاً للجزم بوحدة مفاد الجميع فبقي الاحتمالان، والأقرب الأخير منهما لما عرفت من كثرة استعمال الميتة قبال المذكى بحيث صارت كحقيقة شرعية أو متشرعية أو نفسهما بل لو ادّعاها أحد ليس بمجازف فاتّضح ممّا مرّ قوّة التفصيل بين الأجزاء الصغار التي زالت حياتها بالقطع وغيرها كالثولؤل والبثور» انتهى ملخّص كلامه دام بقاه.
وغير خفي انّ ما أفاده من القول بالحقيقة الشرعية ونحوها في الميتة والمذكّى صحيح جدّاً وسيأتي البحث عن معنى الميتة إن شاء الله تعالى إلاّ انّه بالإضافة إلى الحيوانات غير الإنسان فانّه لا يتصوّر للإنسان عنوان الميتة مقابل المذكى وكذا العكس وعليه فلا يمكن أن يستفاد حكم الأجزاء الصغار للإنسان عن مثل صحيحة محمد بن قيس التي تجري فيها الاحتمالات المتقدّمة، وقد استفدنا حكم الاجزاء الكبار له من مرسلة أيّوب بن نوح المتقدّمة. ومن الظاهر انّ التنزيل فيها