(الصفحة 94)
الحدّ فتكون طاهرة كما انّه مع الشكّ في كونها ممّا تحلّه الحياة تكون طاهرة امّا مع العلم به والشكّ في البلوغ إلى ذلك الحدّ تكون نجسة.
والوجه في الحكم بالنجاسة في الفرض الأوّل ما عرفت سابقاً من شمول أدلّة نجاسة الميتة لأجزائها ودلالتها على حكمها بالدلالة اللفظية على ما هو المتفاهم منها عند العرف فالفأرة في هذا الفرض بما انّها من أجزاء الميتة تكون مشمولة لأدلّة نجاستها كما لا يخفى.
وامّا الحكم بالطهارة في الفرض الثاني فمنشأه انّ العرف وإن كان يستفيد من الأدلّة نجاسة أجزاء الميتة إلاّ انّ الجزء الذي بلغ وقت انصاله بحيث ينفصل بالطبع لا يكون عندهم مشمولاً لتلك الأدلّة أو يكون مشكوك الشمول فلابدّ من الرجوع إلى قاعدة الطهارة.
نعم وردت هنا رواية استدلّ بها في كشف اللثام ـ على ما حكى ـ على نجاسة مطلق الفأرة غير المأخوذة من المذكّى وهي صحيحة عبدالله بن جعفر قال: كتبت إليه ـ يعني أبا محمّد (عليه السلام) ـ : يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة المسك فكتب: لا بأس به إذا كان ذكياً. فانّ ظاهرها يدلّ على انّ الظبي إذا لم يكن ذكياً ـ سواء كان حيّاً أو ميّتاً ففي الصلاة في فأرة مسكه بأس ولا يكون ذلك إلاّ لأجل نجاسة الفأرة.
ولا يخفى انّ الاستدلال بها يبتنى على إثبات أمرين: الأوّل أن يكون اسم «كان» الذي هو الضمير المستتر فيه هو الظبي يعني إذا كان الظبي المأخوذ منه الفأرة ذكياً. الثاني أن يكون المذكّى هنا مقابل الميتة، وكلا الأمرين ممنوعان:
لاحتمال رجوع الضمير إلى الفأرة باعتبار انّها ممّا استصحبه المصلّي ويكون معه خصوصاً مع ملاحظة عدم ذكر الظبي في السؤال أصلاً وعلى هذا التقدير يكون المراد بالمذكّى هي الفأرة التي بلغ وقت انفصالها في مقابل غير المذكّى الذي لم يبلغ
(الصفحة 95)
وقته بل قطع بالسكين ونحوه فتدلّ الرواية على التفصيل المذكور في المتن.
وفي مقابل هذه الرواية روايتان استدلّ بهما على طهارة مطلق الفأرة:
إحداهما: رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن فأرة المسك تكون مع من يصلّي وهو في جيبه أو ثيابه؟ فقال: لا بأس بذلك. وقد استدلّ بها صاحب المدارك على طهارة مطلق الفأرة سواء انفصلت من الظبي حال حياته أم اُخذ منه بعد موته من دون فرق بين كونه مذكّى أو ميتة لإطلاق قوله (عليه السلام): «لا بأس بذلك».
وفيه انّ نفي البأس به في الصلاة لا يستلزم الطهارة لاحتمال جواز حمل النجس فيها بل وحمل الميتة، مضافاً إلى انصراف الفأرة إلى ما هو المتداول منها خارجاً وهي الفأرة التي قد انفصلت من الظبي حال حياته.
ثانيتهما: صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كانت لرسول الله ممسكة إذا هو توضّأ أخذها بيده وهي رطبة فكان إذا خرج عرفوا انّه رسول الله (صلى الله عليه وآله)برائحته.
وقد انقدح من ذلك انّ الحق طهارة الفأرة المأخوذة من الميتة إذا بلغ وقت انفصالها امّا لدلالة الرواية عليها وامّا لقاعدة الطهارة والظاهر انّها هي المستندة للمتن حيث تردّد بين أن تكون ممّا تحلّه الحياة وان لا تكون منها ضرورة انّه مع الاستناد إلى الرواية لا مجال لهذا الترديد كما انّه ظهر انّ الوجه في الحكم بالنجاسة مع العلم بكونها ممّا تحلّه الحياة والشكّ في البلوغ إلى وقت الانفصال والزوال ليس إلاّ استصحاب عدم البلوغ إلى ذلك الوقت وفي جريان هذا النحو من الاستصحاب التعليقي الذي لا يكون التعليق مذكوراً في دليل شرعي إشكال. نعم لو كان المستند هي الرواية المتقدّمة لا مانع من جريانه فتدبّر.
(الصفحة 96)
وامّا القسم الثالث: وهي الفأرة المأخوذة من الحيوان حال حياته فقد وقع الخلاف بين الأصحاب في طهارتها ونجاستها وقد فصّل فيها في المتن بما تقدّم في القسم الثاني، والظاهر انّ مستند القائل بالنجاسة انّ الفأرة من الأجزاء المبانة من الحي وكونها ممّا تحلّه الحياة وهي كالميتة نجسة على ما مرّ.
وفيه انّ مدرك الحكم بنجاسة الجزء المبان من الحي منحصر في روايات اليات الغنم وما أخذته الحبالة من الصيد وشمولها لمثل الفأرة التي تنفصل من الحيوان بالطبع ولو لم يبلغ وقت انفصالها بعيد غايته فالظاهر فيه الطهارة كما قوّاه في «العروة» وإن كان الأحوط الاجتناب فيما إذا لم يبلغ ذلك الوقت.
المقام الثاني: في حكم المسك الذي في الفأرة وهو الدم فتشمله أدلّة نجاسته وامّا سراية النجاسة اخليه فيما إذا كانت الفأرة نجسة ولكنّه يدفع كلا الأمرين ـ مضافاً إلى انّه لم يعلم بقاء اجزاء المسك بصورة الدم بل الظاهر مغايرتها معه عنواناً وإلى انّ السراية خصوصاً بنحو يؤثر في جميع أجزاء المسك غير متحقّقة نوعاً مع انّك عرفت طهارة الفأرة إلاّ في بعض الفروض النادرة فأين تتحقّق النجاسة بالسراية ـ وجود الصحيحة ودلالتها على الطهارة مطلقاً ـ طهارة الفأرة وطهارة المسك ولكنّه يظهر من المتن انّه لابدّ من استفادة حكم المسك من القواعد مشعراً بعدم وجود الدليل الخاص فيه ولم يظهر وجه عدم الاعتناء بالرواية مع انّها من حيث السند صحيحة ومن حيث الدلالة ظاهرة ودعوى انّه لم يعلم كون المسك الموجود في الممسكة من أيّ نوع حتى نقول فيه بالطهارة تبعاً للرواية ولا مجال للتمسّك بإطلاقها بعد كونها في مقام حكاية فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) والفعل لا إطلاق له، مدفوعة بأنّ الفعل وإن كان لا إطلاق له إلاّ انّه إذا كان الحاكي له هو الإمام (عليه السلام)وكان غرضه من الحكاية بيان حكم من الأحكام فلم لا يجوز التمسّك بإطلاق
(الصفحة 97)
كلامه لنفي احتمال بعض القيود فالرواية صالحة لأن يتمسّك بإطلاقها لطهارة المسك الذي هو محلّ الكلام خصوصاً مع كونه هو النوع المعروف منه ولذا وقع التعرّض لبيان حكمه في الروايات وكلمات الفقهاء ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فثبوت الأنواع الاُخر كما حكي عن شيخنا الأنصاري (قدس سره) نقله عن «التحفة» لا يضرّ باستفادة حكم المقام من الرواية لو لم نقل بصلاحية إطلاقها لإثبات الطهارة في جميع الأنواع فتدبّر.
(الصفحة 98)
مسألة 4 ـ ما يؤخذ من يد المسلم وسوق المسلمين من اللحم أو الشحم أو الجلد إذا لم يعلم كونه مسبوقاً بيد الكافر محكوم بالطهارة وإن لم يعلم تذكيته وكذا ما يوجد مطروحاً في أرض المسلمين، وامّا إذا علم بكونه مسبوقاً بيد الكافر فإن احتمل انّ المسلم الذي أخذه من الكافر قد تفحّص من حاله وأحرز تذكيته بل وعمل المسلم معه معاملة المذكّى على الأحوط فهو أيضاً محكوم بالطهارة، وامّا لو علم انّ المسلم أخذه من الكافر من غير فحص فالأحوط بل الأقوى وجوب الاجتناب عنه 1.
1 ـ في هذه المسألة فروع:
الفرع الأوّل: ما يؤخذ من يد المسلم أو سوق المسلمين من مثل اللحم مع عدم العلم بكونه مسبوقاً بيد الكافر وقد حكم فيه المتن بالطهارة وإن لم يعلم تذكيته نظراً إلى وجود أمارة حاكمة على اصالة عدم التذكية المقتضية للنجاسة ـ على خلاف ما ذكرناه ـ وتلك الامارة هي يد المسلم والدليل على اعتبارها الروايات الواردة في اعتبار سوق المسلمين والمراد من السوق هو مركز التجمّع للكسب والتجارة لا المكان المسقف الذي يطلق عليه السوق اصطلاحاً بل مقتضى بعض الروايات الآتية انّه لا مدخلية للكسب والتجارة أيضاً بل المراد أكثرية المسلمين عدداً وغلبتهم بالإضافة إلى غيرهم من سائر الملل ومنه يظهر انّ السوق بنفسه لا تكون امارة حقيقة بل هو كاشف عن الامارة الحقيقية وهي يد المسلم فالسوق امارة على الامارة لأنّ الغالب في أسواق المسلمين إنّما هم المسلمون وقد جعل الشارع هذه الغلبة معتبرة والحق من يشكّ في إسلامه في أسواقهم بالمسلمين فالامارة انّما هي يد المسلم ومنه يظهر انّ مورد هذه المسألة ليس ما يؤخذ من يد المسلم وسوق المسلمين معاً وإن كانت العبارة مشعرة به بل ما يؤخذ من أحدهما ولعلّها كانت