(الصفحة 102)
شاملة للصلوات الخمس ، عدى الرواية الأخيرة المروية عن أبي هريرة . ولكن يحتمل أن لاتكون مرتبطة بباب الوقت، بل كان المقصودبهاصلاة الجماعة ، كما لايخفى.
وأمّا ما ورد من طرق الإمامية فثلاث روايات :
منها : ما رواه أصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال : «من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة»(1) .
ومنها : رواية عمّار بن موسى عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال : «فإن صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتمّ وقد جازت صلاته»(2) .
ومنها : ما رواه أيضاً عن أبي عبدالله(عليه السلام) وهي مثلها إلاّ أنّه زاد فيها «وإن طلعت الشمس قبل أن يصلّي ركعة فليقطع الصّلاة، ولايصلّي حتّى تطلع الشمس»(3).
هذا وبقي في المقام خبر آخر ، رواه المحقّق في المعتبر مرسلا ، وهو قوله(عليه السلام) : «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت»(4) .
وبالجملة : فاشتهار هذه الأخبار يغني عن البحث في سندها والخدشة فيها بإرسال أو ضعف أو غيرهما كما هو دأب المتأخرين ، فلا مجال للإشكال في هذه القاعدة من حيث السند .
وأمّا من حيث الدلالة ، فقد يقال : بأنّ الرواية المشتملة على بيان هذه القاعدة غير ناظرة إلى حيثية الأدائية ، وأنّ الصلاة التي وقعت ركعة منها في الوقت هل تكون أداءً أو قضاءً ، بل غايتها الدلالة على صحة الصلاة في هذه الصورة وعدم وجوب إعادتها . ولكن لا يخفى ضعف هذا القول ، فإنّ ظاهر الرواية أنّ من أدرك
- (1) التهذيب 2 : 38 و 262 ح119 ; الاستبصار 1 : 275 ح999 ; الوسائل 4 : 217 . أبواب المواقيت ب30 ح2 .
- (2) التهذيب 2 : 38 ح120 ; الوسائل 4 : 217 . أبواب المواقيت ب30 ح1 .
- (3) التهذيب 2 : 262 ح1044 ; الوسائل 4 : 217 . أبواب المواقيت ب30 ح3 .
- (4) المعتبر 2 : 47 .
(الصفحة 103)
ركعة من الوقت فقد أدرك ما يترقّبه من الوقت ، وهو وقوع صلاته فيه فتكون أداء ، فهو كمن أدرك جميع الوقت ، فالمراد بقوله(عليه السلام) في رواية عمّار : «جازت صلاته» جوازها كجواز الصلاة التي وقعت بتمامها في الوقت ، هذا .
وقد يقال أيضاً: بأنّ الرواية تدلّ على صحّة صلاة خصوص من انكشف له في الأثناء أوبعدهاوقوع ركعة منها في الوقت ، بأن شرع فيها غافلا ، أو معتقداً لإدراك الجميع ; ولا تدلّ على صحّة الدخول في الصلاة مع العلم بعدم إدراكه إلاّ ركعة منها .
ولا يخفى أنّ مفاد الرواية إنّما هو جعل الوظيفة لمن لم يصلّ إلى أن بقي من الوقت مقدار ركعة ، وأنّه يجب الشروع فيها ، ولا يجوز تأخيرها بتوهّم صيرورتها قضاء ، ولا دلالة فيها على الاختصاص بما إذا شرع في الصلاة غافلا ، أو معتقداً لإدراك الجميع، بل ظاهرها الإطلاق والشمول للعامد أيضاً. ويؤيّد ذلك إنّه لم يفهم أحد إلاّ ما ذكرنا من الإطلاق ، ولم يظهر منهم القول باختصاصها بغير العامد كما لا يخفى . وممّا ذكرنا ـ من أنّ المستفاد من الرواية كون المدرك ركعة من الوقت إنّما هو كمن يكون مدركاً لجميع الوقت ، بمعنى أنّ الصلاة التي وقعت ركعة منها في الوقت إنّما تكون أداءً بأجمعها ـ ظهر فساد ما حكي عن السيّد(رحمه الله) من كون هذه الصلاة قضاء بأجمعها(1); وكذا ظهر فساد احتمال كونها ملفّقة من الأدائية والقضائية(2).
وبالجملة : فالظاهر أنّه لا إشكال في كونها أداء بأجمعها . قال السيد العلاّمة الطباطبائي(قدس سره) في منظومته :
-
وهي أداء لا أداء وقضا
وهي أداء لا أداء وقضا
-
ولا قضا كما ارتضاه المرتضى(3)
ولا قضا كما ارتضاه المرتضى(3)
- (1) الخلاف 1 : 268 مسألة 11 ; جواهر الكلام 7 : 258 ; الحدائق 6 : 277 ، ولم نعثر على المحكيّ عنه لا في الانتصار ولا في المسائل الناصريّات ولا في جمل العلم والعمل .
- (2) كما أشار إليه في المبسوط 1 : 72 .
- (3) الدرّة النجفيّة : 91 .
(الصفحة 104)
ثمّ إنّ الظاهر مساعدة العرف لإلغاء الخصوصية من مورد الروايات ، وهي صلاة العصر والغداة ، وحينئذ فالحكم عام لجميع الصلوات ، ويؤيّده إطلاق الفتاوى .
إذا عرفت ذلك فنقول : إذا بقي إلى الغروب مقدار خمس ركعات للحاضر ، أو ثلاث ركعات للمسافر ، فلا إشكال في أنه يجب عليه الإتيان بالصلاتين ، وكذا إذا بقي إلى انتصاف الليل مقدار خمس ركعات للحاضر ، أو أربع ركعات للمسافر ، فإنّه يجب عليه أيضاً الجمع بين الصلاتين والإتيان بهما معاً بلا إشكال ، ولا خلاف بين الأصحاب كما ادّعاه الشيخ(رحمه الله) في كتاب الخلاف(1) .
ولكن يظهر من بعض الأعاظم من المعاصرين(2) الاستشكال في المسألة ويمكن تقرير الإشكال بوجوه ثلاثة :
الأوّل : أن يقال : إنّ معنى اختصاص آخر الوقت بالعصر مثلا هو عدم صحّة وقوع شريكتها فيه أصلا ، لا أداء ولا قضاء لا كلاًّ ولا بعضاً ، وحينئذ فلا مجال للإتيان بصلاة الظهر إلاّ إذا بقي إلى الغروب مقدار ثمان ركعات ، وحيث أنّ في مفروض المقام تقع ثلاث ركعات من الظهر في الوقت المختص بالعصر فلا تصحّ .
الثاني : إنّ مفاد قوله(عليه السلام) : من أدرك ـ ليس توسعة الوقت بحيث كان تأخير الصلاة عمداً ، إلى أن بقي من وقت أدائها مقدار ركعة جائزاً ، لوضوح عدم جواز التأخير عمداً ، ووقوعه عصياناً ، بل مفاده ليس إلاّ مجرّد التنزيل الحكمي بالنسبة إلى الأدائية ووجوب التعجيل ، وحينئذ فإطلاق من أدرك بالنسبة إلى الظهر يعارض دليل وجوب التعجيل الثابت بالنسبة إلى العصر ، فإن أدراك الظهر بأجمعها يوجب وقوع ثلاث ركعات من العصر خارج الوقت ، وبعبارة اُخرى
- (1) الخلاف 1 : 273 مسألة 14 .
- (2) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري (رحمه الله) : 16 ـ 18 .
(الصفحة 105)
الأمر دائر بين إدراك كلتي الصلاتين ، لكن بحيث يقع مقدار من العصر خارج الوقت ، وبين إدراك صلاة العصر تامّة واقعة بأجمعها في الوقت المختص بها ، وحينئذ يقع التزاحم بينهما ، ولا مرجّح للأوّل على الثاني أصلا كما لا يخفى .
الثالث : إنّ مورد الروايات هي صلاة الغداة والعصر كما في روايات العامّة(1) أو خصوص الغداة كما في الروايات الواردة من طرق الإمامية(2) . نعم مرسلة المعتبر(3)عامّة شاملة لجميع الصلوات ، ولكنّها لم تثبت ، ويحتمل قويّاً أن تكون مأخوذة من الروايات ، غاية الأمر إلغاء الخصوصية فيها . وكيف كان فالتعدي عن مورد الروايات يتوقف على الغاء الخصوصية ، وذلك إنّما يجوز فيما إذا علم عدم مدخلية الخصوصية في الحكم المذكور في القضية وإلاّ فلا يجوز التعدي أصلا ، فإنّ المراد بإلغاء الخصوصية المتداول في الألسن إنّما هو مفهوم الموافقة المذكور في علم الأصول ، لأن الخصوصيات المذكورة في الكلام ربما يحرز عدم دخالتها في الحكم ، فيتعدى عن المورد إلى غيره ويسمى الحكم المستفاد بالنسبة إلى غير المذكور مفهوم الموافقة ، وربّما لا يحرز ذلك فتحمل القضية على ظاهرها من مدخلية القيد في ثبوت الحكم ، وحينئذ فلا يتعدى عن مورده ، بل يثبت لغير المذكور خلاف الحكم الثابت بالنسبة إلى المذكور ، ويسمى ذلك الحكم الثابت لغير المذكور مفهوم المخالفة .
وبالجملة : فتسرية الحكم عن خصوص المورد يتوقف على إحراز عدم مدخلية خصوصية في المورد ، وفي المقام يمكن هذه الدعوى بالنسبة إلى صلاة العشاء ، ولكن لا يمكن بالنسبة إلى الظهر والمغرب ، لأنّ الصبح والعصر وكذا
- (1) صحيح البخاري 1 : 163 ح579 و 580 ; سنن ابن ماجة 1 : 229 ح699 و700 .
- (2) الوسائل 4 : 217 . أبواب المواقيت ب30 ح1 و 2 و 3 .
- (3) المعتبر 2 : 47 ، وكذا مرسلة الذكرى المتقدّمة .
(الصفحة 106)
العشاء لا تزاحم ـ بوقوع بعضها خارج الوقت ـ شيئاً من الواجبات ، لعدم ثبوت واجب بعدها ، وهذا بخلاف الظهر والمغرب ، لمزاحمتهما للعصر والعشاء ، فلا يجوز إلغاء الخصوصية بالنسبة إليهما بعد افتراقهما عمّا ورد في الروايات كما عرفت ، فلا يكون الحكم المستفاد من قوله(عليه السلام) : «من أدرك» ثابتاً بالنسبة إليهما ، حتى تصل النوبة إلى ملاحظة مرجحات باب المزاحمة كما لا يخفى .
والجواب عن الأوّل : إنّه قد مرّ مراراً أنه لم يرد في آية ولا رواية لفظ الاختصاص حتى نتمسك باطلاقه ، ويكون مقتضاه حينئذ عدم صحة الشريكة مطلقاً ، لا أداء ولا قضاء ، بل غاية ما تدل عليه رواية ابن فرقد المتقدمة(1) ، أنّ مقدار أربع ركعات من أول الزوال مختص بالظهر ، ويكون نسبته إلى العصر كنسبة قبل الزوال إلى الظهر ، ومقدار أربع ركعات من آخر الوقت مختص بالعصر ، ويكون نسبته إلى الظهر كنسبة ما بعد الغروب إلى العصر ، ولا دلالة فيها على عدم صحة وقوع الشريكة فيه ولو بعضاً كما لا يخفى .
وعن الثاني : إنّ غاية ما تدل عليه الأدلة الأولية ، وجوب الإتيان بالصلاة أداء ، غاية الأمر أنه لو لم يكن في البين قاعدة من أدرك ، لكان المستفاد من تلك الأدلة وجوب الإتيان بجميع أجزاء الصلاة في الوقت ، إلاّ أنه بعد ثبوت هذه القاعدة يستكشف أن تحقق عنوان الأدائية لا يتقوم بوقوعها بأجمعها في الوقت ، بل يكفي في اتصاف الصلاة بهذه الصفة مجرّد وقوع ركعة منها في الوقت ; فقوله(عليه السلام) : «من أدرك . . .» الحديث ، يكون حاكماً على تلك الأدلة ومفسّراً لها ، وحينئذ فمع وقوع ركعة من الصلاة في الوقت يتحقق امتثال الأمر المتعلق بإيجاد الصلاة أداء ، وليس هنا ما يدل على وجوب التعجيل والمبادرة أصلا ، ولو سلّم لكان ذلك بأمر
- (1) الوسائل 4 : 125 . أبواب المواقيت ب4 ح7 .