(الصفحة 107)
مستقل يكشف عنه الاجماع ، وهو منصرف عن هذه الصورة ، وعلى تقدير عدم الانصراف لا دليل على اطلاقه بعد كونه دليلا لبّياً يقتصر فيه على المتيقن .
وبالجملة : فلم يثبت الاجماع في المقام لو لم نقل بثبوته على الخلاف ، كما ادّعاه في الخلاف(1) على ما عرفت ، بل هو على تقدير ثبوته منحصر بصلاة الغداة لو أخّرها عمداً إلى أن بقي من الوقت مقدار ركعة ، هذا أوّلا .
وثانياً : سلّمنا أنّ مقتضى الأدلة الأولية الآمرة بإتيان الصلاة في وقتها ، وجوب المبادرة والتعجيل ، وأنه لا يستفاد من قوله(عليه السلام) : «من أدرك» إلاّ التنزيل بحسب الأدائية ووجوب التعجيل من دون أن يكون ناظراً إلى توسعة الوقت مطلقاً ، لكن نقول : مقتضى دليل شرطية الترتيب بالنسبة إلى صلاة العصر ، وكون الإتيان بصلاة الظهر من الشرائط الوجودية بالنسبة إلى العصر ، وجوب الإتيان بالظهر مع الإمكان ليتحقق هذا الشرط ، والمفروض في المقام إمكانه بنحو لا يفوت العصر أيضاً ، كما يدلّ عليه رواية الحلبي المتقدمة الواردة فيمن نسي الظهر والعصر ، ثمّ تذكر عند غروب الشمس حيث قال(عليه السلام) : «إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلِّ الظهر ثمّ ليصلِّ العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ، ولا يؤخّرها فتفوته فتكون قد فاتتاه جميعاً»(2) .
وهذا الشخص في المقام يصدق عليه أنّه لا يخاف فوت إحداهما ، لأنّ المفروض بمقتضى قاعدة من أدرك أنّ إدراك ركعة من الوقت كإدراك جميع الوقت في اتّصاف الصلاة بكونها أداء فلا وجه حينئذ لتوهّم أن يقال إنّ تقديم الظهر يوجب وقوع بعض أجزاء العصر في خارج الوقت .
- (1) الخلاف 1 : 273 مسألة 14 .
- (2) التهذيب 2 : 269 ح1074 ; الاستبصار 1 : 287 ح1052 ; الوسائل 4 : 129 . أبواب المواقيت ب4 ح18 .
(الصفحة 108)
وعن الثالث ، ما عرفت من أنّ الظاهر من الروايات كون إدراك ركعة من الوقت كافياً في وقوع الصلاة أداء بلا فرق بين الصلوات أصلا كما يساعد على ذلك فهم العرف ، مضافاً إلى فهم علماء الفريقين وافتراق الصلوات في جهة المزاحمة وعدمها لا يوجب تخصيص الحكم ببعضها بعدما عرفت في الجواب عن الوجه الثاني من عدم المزاحمة بينهما أصلا ، فتدبّر .
(الصفحة 109)
علامات زوال الشمس
بقي الكلام في هذا المقام حول علامات زوال الشمس وميلها عن دائرة نصف النهار .
فنقول : قد ذكر في الكتب الخاصة لنقل الفتاوى المأثورة عن الأئمة(عليهم السلام) بعين ألفاظها الصادرة عنهم ، لزوال الشمس علامتان والمذكور في النصوص التي وصلت إلينا هي العلامة الاُولى فقط ، ولكن يستكشف من ذكر العلامة الثانية أيضاً في تلك الكتب وجود نصّ عليها ، غاية الأمر أنه لم يصل إلينا كما هو الشأن في جميع المسائل المذكورة في تلك الكتب ، وكيف كان فالعلامة الاُولى هي زيادة الظل بعد نقصانه أو وجوده بعد انعدامه ، والعلامة الثانية ميل الشمس إلى جانب الحاجب الأيمن لمن استقبل القبلة(1) .
ولا يخفى أنّ العلامة الاُولى إنّما هي علامة لجميع البلاد في جميع أيّام السنة ولكن الأغلب فيها هي زيادة الظلّ ، وأما انعدامه فهو يتّفق نادراً في خصوص بعض البلاد في يومين(2) من أيام السنة أو يوم واحد ، باختلاف البلاد ، ولذا لم يقع له ذكر في الأحاديث أصلا ، وأمّا العلامة الثانية فهي تعتبر بالنسبة إلى البلاد التي تكون قبلتها نقطة الجنوب كأطراف العراق الغربية من الموصل ونحوه ،
- (1) المقنعة : 92 ـ 93 ; المبسوط 1 : 73 ; النهاية : 63 ; الجامع للشرائع : 59 ـ 60 ; شرائع الاسلام 1 : 51 ; الدروس 1 : 138 .
- (2) كما في مكّة المكرّمة وما قاربها في العرض ; جواهر الكلام 7 : 99 .
(الصفحة 110)
وحينئذ فتكون الناصية مقابلة للقبلة ، فميل الشمس إلى جانب الحاجب الأيمن يكشف عن تحقّق الزوال ، وأمّا البلاد التي تكون قبلتها منحرفة عن نقطة الجنوب إلى جهة المغرب ، فميل الشمس إلى جانب الأيمن فيها يكشف عن تحقّق الزوال من قبل بمقدار معتد به . وليعلم أنّ العلامتين اللّتين ذكرناهما ليس لهما موضوعية ، بل المعتبر هو العلم بالزوال من أيّ طريق حصل ، وإن لم تصر زيادة الظلّ محسوسة ، وحينئذ فلا وجه لما حكاه في الجواهر عن بعض من احتمال وجوب التأخير حتى تصير زيادة الظلّ محسوسة كما لا يخفى .
المسألة الثالثة : ابتداء وقت المغرب
فنقول : اتّفقت الاُمّة الإسلامية على أنّ أول وقت صلاة المغرب غروب الشمس(1) ، ولا إشكال ولا خلاف بينهم في ذلك وانّما الخلاف والإشكال في أنّ الغروب هل يتحقق باستتار القرص عن النظر أو أنّه يعرف بذهاب الحمرة المشرقية؟ فيه قولان ، اتفق غير الإمامية من أهل السنة ، والزيدية ، وغيرهم على القول الأوّل(2) ووافقهم على ذلك بعض أصحابنا الإمامية(3) ، والمشهور بينهم هو
- (1) الخلاف 1 : 261 مسألة 6 ; المعتبر 2 : 40 ; تذكرة الفقهاء 2 : 310 مسألة 30 ; المجموع 3 : 34 ; بداية المجتهد 1 : 142 ـ 143; أحكام القرآن للجصاص 2 : 274 ; المغني لابن قدامة 1 : 381 .
- (2) فتح العزيز 3 : 20 و 21 ; المغني لابن قدامة 1 : 424 ; الشرح الكبير 1 : 472 ; المجموع 3 : 29 ; تذكرة الفقهاء 2 : 310 مسألة 30 .
- (3) المقنع : 106 ; علل الشرائع : 350 ; الهداية : 129 ; المبسوط 1 : 74 ; المسائل الناصريّات : 193 مسألة73 ; الغنية ; 69 ; المراسم : 62 ; المهذّب 1 : 69 ; مجمع الفائدة والبرهان 2 : 22 ; مدارك الاحكام 3 : 53 ; نهاية الاحكام 1 : 311 ; بحار الأنوار 80 ; 51 ; مفاتيح الشرائع 1 : 94 ; مستند الشيعة 4 : 25 ; المسألة الثانية ; كشف اللثام 3 : 33 .
(الصفحة 111)
القول الثاني(1) ويظهر من المحقق شهرة القولين ، غاية الأمر أنّ الثاني أشهر(2) ، ومنشأ الخلاف بينهم إختلاف الأخبار الواردة في هذا الباب .
أمّا الطائفة الاُولى من الأخبار التي ظاهرة في الاعتبار بالاستتار ، فكثيرة :
منها : رواية زرارة قال : قال أبو جعفر(عليه السلام) : «وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة . . .»(3) الحديث .
ومنها : رواية جابر عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «إذا غاب القرص أفطر الصائم ودخل وقت الصلاة»(4) .
ومنها : مرسلة عليّ بن الحكم عمّن حدّثه ، عن أحدهما(عليهما السلام) إنّه سئل عن وقت المغرب؟ فقال : «إذا غاب كرسيّها ، قلت : وما كرسيّها؟ قال : قرصها ، فقلت : متى يغيب قرصها؟ قال : إذا نظرت إليه فلم تره»(5) .
ومنها : رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «وقت المغرب حين تغيب الشمس إلى أن تشتبك النجوم»(6) .
ومنها : رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يصلّي المغرب حين تغيب الشمس حيث تغيب حاجبها»(7) .
ومنها : رواية عمرو بن أبي نصر قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول في المغرب :
- (1) المنتهى 1 : 203 ; تذكرة الفقهاء 2 : 310 ; جامع المقاصد 2 : 17 ; المعتبر 2 : 51 ; النهاية : 59 ; الدروس 1 : 139 ; مسالك الأفهام 1 : 139 ; مفتاح الكرامة 2 : 35 ; جواهر الكلام 7 : 109 .
- (2) المعتبر 2 : 51 .
- (3) الكافي 3 : 279 ح5 ; التهذيب 4 : 271 ح818 و ج2 : 261 ح1039 ; الاستبصار 2 : 115 ح376 ; الوسائل 4 : 178 . أبواب المواقيت ب16 ح17 .
- (4) الفقيه 2 : 81 ح358 ; الوسائل 4 : 179 . أبواب المواقيت ب16 ح20 .
- (5) التهذيب 2 : 27 ح79 ; الإستبصار 1 : 262 ح942 ; الوسائل 4 : 181 . أبواب المواقيت ب16 ح25 .
- (6) التهذيب 2 : 257 ح1023 ; الإستبصار 1 : 263 ح948 ; الوسائل 4 : 182 . أبواب المواقيت ب16 ح26 .
- (7) التهذيب 2 : 258 ح1025 ; الإستبصار 1 : 263 ح946 ; الوسائل 4 : 182 . أبواب المواقيت ب16 ح27 .