(الصفحة 108)
وعن الثالث ، ما عرفت من أنّ الظاهر من الروايات كون إدراك ركعة من الوقت كافياً في وقوع الصلاة أداء بلا فرق بين الصلوات أصلا كما يساعد على ذلك فهم العرف ، مضافاً إلى فهم علماء الفريقين وافتراق الصلوات في جهة المزاحمة وعدمها لا يوجب تخصيص الحكم ببعضها بعدما عرفت في الجواب عن الوجه الثاني من عدم المزاحمة بينهما أصلا ، فتدبّر .
(الصفحة 109)
علامات زوال الشمس
بقي الكلام في هذا المقام حول علامات زوال الشمس وميلها عن دائرة نصف النهار .
فنقول : قد ذكر في الكتب الخاصة لنقل الفتاوى المأثورة عن الأئمة(عليهم السلام) بعين ألفاظها الصادرة عنهم ، لزوال الشمس علامتان والمذكور في النصوص التي وصلت إلينا هي العلامة الاُولى فقط ، ولكن يستكشف من ذكر العلامة الثانية أيضاً في تلك الكتب وجود نصّ عليها ، غاية الأمر أنه لم يصل إلينا كما هو الشأن في جميع المسائل المذكورة في تلك الكتب ، وكيف كان فالعلامة الاُولى هي زيادة الظل بعد نقصانه أو وجوده بعد انعدامه ، والعلامة الثانية ميل الشمس إلى جانب الحاجب الأيمن لمن استقبل القبلة(1) .
ولا يخفى أنّ العلامة الاُولى إنّما هي علامة لجميع البلاد في جميع أيّام السنة ولكن الأغلب فيها هي زيادة الظلّ ، وأما انعدامه فهو يتّفق نادراً في خصوص بعض البلاد في يومين(2) من أيام السنة أو يوم واحد ، باختلاف البلاد ، ولذا لم يقع له ذكر في الأحاديث أصلا ، وأمّا العلامة الثانية فهي تعتبر بالنسبة إلى البلاد التي تكون قبلتها نقطة الجنوب كأطراف العراق الغربية من الموصل ونحوه ،
- (1) المقنعة : 92 ـ 93 ; المبسوط 1 : 73 ; النهاية : 63 ; الجامع للشرائع : 59 ـ 60 ; شرائع الاسلام 1 : 51 ; الدروس 1 : 138 .
- (2) كما في مكّة المكرّمة وما قاربها في العرض ; جواهر الكلام 7 : 99 .
(الصفحة 110)
وحينئذ فتكون الناصية مقابلة للقبلة ، فميل الشمس إلى جانب الحاجب الأيمن يكشف عن تحقّق الزوال ، وأمّا البلاد التي تكون قبلتها منحرفة عن نقطة الجنوب إلى جهة المغرب ، فميل الشمس إلى جانب الأيمن فيها يكشف عن تحقّق الزوال من قبل بمقدار معتد به . وليعلم أنّ العلامتين اللّتين ذكرناهما ليس لهما موضوعية ، بل المعتبر هو العلم بالزوال من أيّ طريق حصل ، وإن لم تصر زيادة الظلّ محسوسة ، وحينئذ فلا وجه لما حكاه في الجواهر عن بعض من احتمال وجوب التأخير حتى تصير زيادة الظلّ محسوسة كما لا يخفى .
المسألة الثالثة : ابتداء وقت المغرب
فنقول : اتّفقت الاُمّة الإسلامية على أنّ أول وقت صلاة المغرب غروب الشمس(1) ، ولا إشكال ولا خلاف بينهم في ذلك وانّما الخلاف والإشكال في أنّ الغروب هل يتحقق باستتار القرص عن النظر أو أنّه يعرف بذهاب الحمرة المشرقية؟ فيه قولان ، اتفق غير الإمامية من أهل السنة ، والزيدية ، وغيرهم على القول الأوّل(2) ووافقهم على ذلك بعض أصحابنا الإمامية(3) ، والمشهور بينهم هو
- (1) الخلاف 1 : 261 مسألة 6 ; المعتبر 2 : 40 ; تذكرة الفقهاء 2 : 310 مسألة 30 ; المجموع 3 : 34 ; بداية المجتهد 1 : 142 ـ 143; أحكام القرآن للجصاص 2 : 274 ; المغني لابن قدامة 1 : 381 .
- (2) فتح العزيز 3 : 20 و 21 ; المغني لابن قدامة 1 : 424 ; الشرح الكبير 1 : 472 ; المجموع 3 : 29 ; تذكرة الفقهاء 2 : 310 مسألة 30 .
- (3) المقنع : 106 ; علل الشرائع : 350 ; الهداية : 129 ; المبسوط 1 : 74 ; المسائل الناصريّات : 193 مسألة73 ; الغنية ; 69 ; المراسم : 62 ; المهذّب 1 : 69 ; مجمع الفائدة والبرهان 2 : 22 ; مدارك الاحكام 3 : 53 ; نهاية الاحكام 1 : 311 ; بحار الأنوار 80 ; 51 ; مفاتيح الشرائع 1 : 94 ; مستند الشيعة 4 : 25 ; المسألة الثانية ; كشف اللثام 3 : 33 .
(الصفحة 111)
القول الثاني(1) ويظهر من المحقق شهرة القولين ، غاية الأمر أنّ الثاني أشهر(2) ، ومنشأ الخلاف بينهم إختلاف الأخبار الواردة في هذا الباب .
أمّا الطائفة الاُولى من الأخبار التي ظاهرة في الاعتبار بالاستتار ، فكثيرة :
منها : رواية زرارة قال : قال أبو جعفر(عليه السلام) : «وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة . . .»(3) الحديث .
ومنها : رواية جابر عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «إذا غاب القرص أفطر الصائم ودخل وقت الصلاة»(4) .
ومنها : مرسلة عليّ بن الحكم عمّن حدّثه ، عن أحدهما(عليهما السلام) إنّه سئل عن وقت المغرب؟ فقال : «إذا غاب كرسيّها ، قلت : وما كرسيّها؟ قال : قرصها ، فقلت : متى يغيب قرصها؟ قال : إذا نظرت إليه فلم تره»(5) .
ومنها : رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «وقت المغرب حين تغيب الشمس إلى أن تشتبك النجوم»(6) .
ومنها : رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يصلّي المغرب حين تغيب الشمس حيث تغيب حاجبها»(7) .
ومنها : رواية عمرو بن أبي نصر قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول في المغرب :
- (1) المنتهى 1 : 203 ; تذكرة الفقهاء 2 : 310 ; جامع المقاصد 2 : 17 ; المعتبر 2 : 51 ; النهاية : 59 ; الدروس 1 : 139 ; مسالك الأفهام 1 : 139 ; مفتاح الكرامة 2 : 35 ; جواهر الكلام 7 : 109 .
- (2) المعتبر 2 : 51 .
- (3) الكافي 3 : 279 ح5 ; التهذيب 4 : 271 ح818 و ج2 : 261 ح1039 ; الاستبصار 2 : 115 ح376 ; الوسائل 4 : 178 . أبواب المواقيت ب16 ح17 .
- (4) الفقيه 2 : 81 ح358 ; الوسائل 4 : 179 . أبواب المواقيت ب16 ح20 .
- (5) التهذيب 2 : 27 ح79 ; الإستبصار 1 : 262 ح942 ; الوسائل 4 : 181 . أبواب المواقيت ب16 ح25 .
- (6) التهذيب 2 : 257 ح1023 ; الإستبصار 1 : 263 ح948 ; الوسائل 4 : 182 . أبواب المواقيت ب16 ح26 .
- (7) التهذيب 2 : 258 ح1025 ; الإستبصار 1 : 263 ح946 ; الوسائل 4 : 182 . أبواب المواقيت ب16 ح27 .
(الصفحة 112)
«إذا توارى القرص كان وقت الصلاة ، وافطر»(1) .
ومنها : مرسلة الصدوق قال : قال الصادق(عليه السلام) : «إذا غابت الشمس فقد حلّ الافطار ووجبت الصلاة ، وإذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل»(2) .
ومنها : رواية داود بن أبي يزيد قال : قال الصادق جعفر بن محمّد(عليهما السلام) : «إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب»(3) .
ومنها : رواية عبيدالله بن زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سمعته يقول : «صحبني رجل كان يمسي بالمغرب ويغلس بالفجر ، وكنت أنا أُصلّي المغرب إذا غربت الشمس وأُصلّي الفجر إذا استبان الفجر . فقال لي الرجل : ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع؟ فإنّ الشمس تطلع على قوم قبلنا وتغرب عنّا وهي طالعة على مرقد آخرين بعد. قال: فقلت: انّما علينا أن نصلّي إذا وجبت الشمس عنّا، وإذا طلع الفجر عندنا ليس علينا إلاّ ذلك وعلى اُولئك أن يصلّوا إذا غربت الشمس عنهم»(4) .
ومنها : رواية عبيد بن زرارة أيضاً عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف اللّيل ، إلاّ أنّ هذه قبل هذه»(5) .
ومنها : رواية اُخرى لعبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سمعته يقول : «وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها»(6) .
- (1) التهذيب 2 : 27 ح77 ; الإستبصار 1 : 262 ح940 ; الوسائل 4 : 183 . أبواب المواقيت ب16 ح30 .
- (2) الفقيه 1 : 142 ح662 ; الوسائل 4 : 179 . أبواب المواقيت ب16 ح19 .
- (3) أمالي الصدوق : 74 ح11 ; الوسائل 4 : 179 . أبواب المواقيت ب16 ح21 .
- (4) امالي الصدوق : 75 ح15 ; الوسائل 4 : 179 . أبواب المواقيت ب16 ح22 .
- (5) التهذيب 2 : 27 ح78 ; الاستبصار 1 : 262 ح941 ; الوسائل 4 : 181 . أبواب المواقيت ب16 ح24 .
- (6) الكافي 3 : 279 ح7 ; التهذيب 2 : 28 ح81 ; الإستبصار 1 : 263 ح944 ; الوسائل 4 : 178 . أبواب المواقيت ب16 ح16 .