(الصفحة 120)
على الاستحباب والفضيلة ، ولكن يرد عليه أنّ هذا تصرّف في ظواهر تلك الأخبار ، من غير أن يدلّ عليه دليل .
والانصاف أنّه لا سبيل إلى الجمع بغير ما ذكرناه ، ومقتضاه أنّ الاعتبار بذهاب الحمرة وعلى تقدير عدم إمكان الجمع لا مجال للارتياب في ترجيح أخبار الحمرة ، ويؤيّده الشهرة المحقّقة بين الفقهاء على ذلك .
ثمّ إنّه حكي عن المحقّق الوحيد البهبهاني(قدس سره)(1) انّه استدل على عدم اشتراط ذهاب الحمرة ، وأنّ الاعتبار إنّما هو بالاستتار بأنّه لو اعتبرت الحمرة المشرقية من حيث دلالتها على تحقّق الغروب ، لاعتبرت الحمرة المغربية من حيث دلالتها على الطلوع بالنسبة إلى صلاة الصبح ، وحينئذ يلزم أن يكون الإتيان بصلاة الصبح بعد ظهور الحمرة في ناحية المغرب ، وقبل ظهور القرص من ناحية المشرق إتياناً بها في غير وقتها ، مع أنّ المعلوم خلاف ذلك ، للاتفاق على وقوعها في وقتها لو أتى بها في ذلك الوقت .
وأجاب عنه في الجواهر(2) بوجوه أربعة :
الأوّل : انّه قد التزم بذلك بالنسبة إلى الطلوع ، بعض الأصحاب كالشهيد الثاني في المقاصد العلية ، وصاحب كشف اللثام(3) ، ويدلّ عليه رواية دعائم الإسلام عن الصادق(عليه السلام) : «إنّ آخر الوقت أن يحمر اُفق المغرب»(4) ; وكذلك عبارة فقه الرضا(عليه السلام)حيث قال : «آخر وقت الفجر أن تبدو الحمرة في اُفق المغرب»(5) .
- (1) مفتاح الكرامة 2 : 25 ; جواهر الكلام 7 : 119 .
- (2) جواهر الكلام 7 : 119 و 120 .
- (3) المقاصد العلّية : 102 ; كشف اللثام 3 : 51 .
- (4) دعائم الاسلام 1 : 139 ; بحار الأنوار 80 : 74 .
- (5) فقه الرضا (عليه السلام) : 74 .
(الصفحة 121)
الثاني : إمكان الفرق بين الحمرتين خصوصاً بعد قوله(عليه السلام) ـ في بعض الروايات المتقدّمة ـ : لأنّ المشرق مطلّ على المغرب»(1) ، أي مشرف عليه . فإنّ ظاهره إشراف المشرق وارتفاعه بالنسبة إليه . وحينئذ فظهور الحمرة في جانب المغرب لا يدلّ على طلوع الشمس ، بخلاف زوالها في ناحية المشرق ، فإنّه يدلّ على الغروب .
الثالث : إنّ هذا اجتهاد في مقابل النص ، فلعلّ الشارع اعتبر ذلك في الغروب دون الطلوع ، ويؤيّده عدم تعرّض الأصحاب له ، وهو ظاهر بل صريح في عدم اعتباره فيه .
الرابع : إن هذا قياس مع الفارق ، إذ وقت المغرب مسبوق بوقت صلاة العصر ، واستصحاب بقاء اليوم ما لم يتيقّن بدخول وقت المغرب يقتضي ببقائه ما لم تزل الحمرة ، وهذا بخلاف صلاة الفجر ، فإنّ استصحاب بقاء وقته يقتضي عدم انقطاعه إلاّ بيقين على الخلاف ، وهو لا يحصل إلاّ بظهور قرص الشمس ، وبعبارة اُخرى ، ذهاب الحمرة المشرقية علامة على تيقّن الغروب الذي هو المعيار في صحّة صلاة المغرب ، وانقطاع استصحاب عدمه ، بخلاف الحمرة المغربية ، فإنّ أقصاها حصول الشك بذلك ، وهو لا ينقض اليقين بالوقت .
واستشكل في الجواهر(2) على الوجه الأخير بأنّ هذا الجواب جيد لولا ظهور النصوص والفتاوى بخلافه ، فإنّ ظاهرها كون زوال الحمرة علامة للغروب نفسه لا لتيقّنه.
هذا ، ولكن ذلك مناقشة لفظية ولا يوجب قدحاً في الجواب ، لوضوح أنّ المراد ليس جعل ذلك علامة لليقين بل المراد جعله علامة لنفس الغروب ، والتعبير
- (1) الوسائل 4 : 173 . أبواب المواقيت ب16 ح3 .
- (2) جواهر الكلام 7 : 120 .
(الصفحة 122)
باليقين كما في الرياض(1) من جهة أن تحقق العلامة يوجب حصول اليقين .
ويمكن تقريب هذا الوجه وتوضيحه بأن يقال : إنّ الاعتبار في صلاة المغرب وإن كان بالغروب ، وفي آخر وقت صلاة الصبح بالطلوع ، ولكنّه لمّا كان العلم بتحقّقهما غالباً غير ميسّر ، مضافاً إلى كون عدمها مورداً للاستصحاب ، فلا محالة حكم الشارع في ناحية صلاة المغرب ، بلزوم تأخيرها إلى أن تزول الحمرة المشرقية ، تحفّظاً لها عن الوقوع في غير الوقت ، من دون دليل وحجّة على دخوله ، وحكم في ناحية صلاة الصبح بجواز الإتيان بها إلى طلوع الشمس ، من جهة دلالة الأصل العقلائي ، وهو الاستصحاب على بقائه .
وبالجملة : فقد حكم الشارع في الطرفين على طبق الأصل العقلائي بالحكم الواقعي لا أنّه أمر بالعمل بالاستصحاب ، بل لاحظ في حكمه الواقعي الاستصحاب العقلائي وحكم على طبقه ، فتدبّر .
ثم انّه يمكن أن يفرّق بين المقامين بوجه آخر ، بأن يقال : إنّه بعدما ثبت في مقام الاثبات أنّ العبرة في ناحية المغرب بزوال الحمرة ، وفي ناحية صلاة الصبح بطلوع الشمس ، يمكن أن يكون الوجه في ذلك أنّ صلاة المغرب من الصلوات الليلية بمعنى أنّ الاعتبار في طرف المغرب إنّما هو بدخول الليل ، لا بتحقّق الغروب ، والتعبير بالغروب كما في الأخبار إنّما هو لملاحظة ما عليه المسلمون غير الامامية ، ولا يكون ذلك مضرّاً بالمطلوب بعدتفسيره بماينطبق على دخول الليل، ومن المعلوم أنّ دخول الليل لا يتحقّق إلاّ بغيبوبة الشمس ، مع جميع توابعها التي آخرها الحمرة المشرقية .
وهذا بخلاف صلاة الفجر ، فإنّها من الصلوات اليومية ، ولا يقدح فيها ظهور
- (1) رياض المسائل 3 : 68 .
(الصفحة 123)
الحمرة في ناحية المغرب بعد إمكان أن يكون الاعتبار بحسب مقام الثبوت بنفس الطلوع ; ويؤيّد ما ذكرنا ـ من كون العبرة في صلاة المغرب بدخول الليل وأنّها من الصلوات الليلية ـ بعض الروايات الواردة في المسألة ، كرواية بكر بن محمّد عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : سأله سائل عن وقت المغرب؟ فقال : «إنّ الله تعالى يقول في كتابه لإبراهيم :
{فلمّا جنّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربى}(1) فهذا أوّل الوقت ، وآخر ذلك غيبوبة الشفق...»(2) الحديث . ويشهد لذلك أيضاً قوله تعالى :
{وأتمّوا الصيام إلى الليل}(3) ، فإنّ وقت الافطار وصلاة المغرب واحد كما هو ظاهر .
وممّا ذكرنا يعلم أنّه لو ثبت وجوب تأخير المغرب إلى زوال الحمرة ، يترتّب على ذلك امتداد وقت العصر إليه ، لعدم الفصل بين وقتيهما وأخبار الغروب مفسّرة للغروب الواقع في كلام الشارع مطلقاً ، ولا دلالة لها على خصوص الغروب الذي تصح معه صلاة المغرب ، فيستفاد منها أنّ الغروب الذي جعل غاية لصلاة العصر لا يتحقق إلاّ بزوال الحمرة .
ثمّ إنّه بعدما كان أوّل وقت المغرب هو زوال الحمرة ، يعلم من ذلك أوّل وقت صلاة العشاء أيضاً ، فإنّه يدخل بعد مضيّ مقدار أداء المغرب ، لدلالة كثير من الأخبار على دخول وقتهما بمجرّد غروب الشمس ، غاية الأمر أنّ هذه قبل هذه . ومن تلك الروايات رواية عبيد بن زرارة المتقدمة(4) المذكورة في ضمن أخبار الاستتار ، وسيجيء الكلام فيه إن شاء الله تعالى .
- (1) الانعام : 76 .
- (2) الفقيه 1 : 141 ح657 ; التهذيب 2 : 30 ح88 ; الإستبصار 1 : 264 ح953 ; الوسائل 4 : 174 . أبواب المواقيت ب16 ح6 .
- (3) البقرة : 178 .
- (4) التهذيب 2 : 27 ح78 ; الاستبصار 1 : 262 ح941 ; الوسائل 4 : 181 . أبواب المواقيت ب16 ح24 .
(الصفحة 124)
المسألة الرابعة : آخر وقت صلاة المغرب
فاعلم أنّه قد وقع الخلاف فيه بين العامّة والخاصّة . قال الشيخ في كتاب الخلاف ما حاصله : إنّ أوّل وقت المغرب إذا غابت الشمس وآخره إذا غاب الشفق وهو الحمرة ، وبه قال أبو حنيفة ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبوبكر بن المنذر في اختياره وحكى أبو ثور هذا المذهب من الشافعي(1) ولم يصحّحه أصحابه وقال الشافعي: إنّ وقت المغرب وقتواحد، وهوإذاغابت الشمس وتطهر وسترالعورة وأذّن وأقام فإنّه يبتدي بالصلاة في هذاالوقت،فإن أخّر عنه فاته ، وقال أصحابه : لا يجيء على مذهبه غير هذا ، وبه قال الأوزاعي(2) ، وذهب مالك إلى أنّ وقت المغرب يمتدّ إلى طلوع الفجر الثاني ، كما أنّ وقت الظهر ممتدّ إلى الغروب(3) ، وفي أصحابنا من قال بذلك ، ومنهم من قال : إنّه ممتدّ إلى ربع الليل(4) ، انتهى .
والعجب أنّه(قدس سره) لم ينقل القول بالامتداد إلى النصف مع كثرة أخباره ، ولعلّه لم يجد به قائلا وهو بعيد .
ومحصّل أقوالهم باعتبار الاختلاف في معنى الشفق أيضاً يرجع إلى أربعة :
أحدها : القول بامتداده إلى زمان غيبوبة الشفق وهو الحمرة ، وهو مذهب من عدى أبي حنيفة من القائلين بالامتداد إلى الشفق .
ثانيها : القول الأوّل ولكن المراد بالشفق هو البياض الغربي .
- (1) المجموع 3 : 290 ; المغني لابن قدامة 1 : 424 ; الشرح الكبير 1 : 472 ; بداية المجتهد 1 : 142 ـ 143 .
- (2) المجموع 3 : 28 ـ 34 ; الامّ 1 : 73 .
- (3) أحكام القرآن للجصّاص 2 : 274 ; المجموع 3 : 34 .
- (4) المقنعة : 95 ; الفقيه 1 : 141 ; المسائل الناصريات : 193 ; الخلاف 1 : 261 مسألة 6 .