(الصفحة 141)
المغرب في السفر حتّى يغيب الشفق ، ولا بأس بأن تعجّل العتمة في السفر قبل أن يغيب الشفق»(1) .
ومنها : رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) في قوله تعالى :
{أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل}(2) قال : «إنّ الله افترض أربع صلوات ، أوّل وقتها زوال الشمس إلى انتصاف الليل ، منها : صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلاّ أنّ هذه قبل هذه ، ومنها : صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلاّ أنّ هذه قبل هذه»(3) .
ومنها : رواية جميل بن دراج قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : ما تقول في الرجل يصلّي المغرب بعدما يسقط الشفق؟ فقال : «لعلّة ، لا بأس» . قلت : فالرجل يصلّي العشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق؟ فقال : «لعلّة ، لا بأس»(4) . وحينئذ فتصير الرواية من الأخبار المقيدة ، إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على جواز الجمع ، والإتيان بالعشاء قبل سقوط الشفق ، إمّا مطلقاً ، أو في خصوص السفر ونحوه .
وبازاءهذه الأخبارروايات اُخرى ظاهرة في عدم دخولوقتهاقبل ذهاب الشفق:
فمنها : رواية عمران بن علي الحلبي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) متى تجب العتمة؟ قال : «إذا غاب الشفق ، والشفق الحمرة ، فقال عبيدالله : أصلحك الله إنّه يبقى بعد ذهاب الحمرة ضوء شديد معترض ، فقال أبو عبدالله(عليه السلام) : إنّ الشفق إنّما هو الحمرة وليس الضوء من الشفق»(5) .
- (1) التهذيب 2 : 35 ح180 ; الاستبصار 1 : 272 ح984 ; الوسائل 4 : 202 . أبواب المواقيت ب22 ح1 .
- (2) الاسراء : 78 .
- (3) التهذيب 2 : 25 ح72 ; الاستبصار 1 : 261 ح938 ; الوسائل 4 : 157 . أبواب المواقيت ب10 ح4 .
- (4) التهذيب 2 : 33 ح101 ; الاستبصار 1 : 268 ح969 ; الوسائل 4 : 196 . أبواب المواقيت ب19 ح13 .
- (5) الكافي 3 : 280 ح11 ; التهذيب 2 : 34 ح103 ، الإستبصار 1 : 270 ح977 ; الوسائل 4 : 204 . أبواب المواقيت ب23 ح1 .
(الصفحة 142)
ومنها : ما رواه عبدالله بن جعفر في قرب الاسناد عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن وقت صلاة المغرب؟ فقال : «إذا غاب القرص . ثم سألته عن وقت العشاء الآخرة؟ فقال : إذا غاب الشفق ، قال : وآية الشفق الحمرة . ثمّ قال بيده هكذا»(1) .
ومنها : ما ورد في حديث بكر بن محمد عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «وأوّل وقت العشاء ذهاب الحمرة ، وآخر وقتها إلى غسق الليل يعني نصف الليل»(2) .
واللاّزم الجمع بين هاتين الطائفتين ، وهو يحصل بأحد الوجوه الثلاثة :
أحدها : أن تحمل هذه الطائفة على بيان وقت الفضيلة ، والطائفة الاُولى على بيان وقت الإجزاء ، وقد عرفت أنّ لكلّ صلاة وقتين ، وقت فضيلة ووقت إجزاء .
ثانيها : أن تحمل الطائفة الاُولى على بيان الوقت للمضطرّ ، والثانية على بيانه للمختار .
ثالثها : أن تحمل هذه الطائفة على التقية ، لاتفاق العامة على عدم جواز الإتيان بالعشاء قبل زوال الشفق(3) .
هذا ، ويبعد الوجهين الأوّلين الروايات الدالة على أنّ لكل صلاة وقتين(4)سواء كان المراد بهما الاختياري والاضطراري ، أو الفضيلة والإجزاء لأن مقتضاها أنّ هذا شأن جميع الصلوات ، بلا فرق بينها ، مع أنّ لازم هذين الوجهين كون العشاء له أوقات ثلاثة كما لا يخفى .
وحينئذ فيقوى في النظر الوجه الثالث ، ويؤيده ما رواه الفريقان عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)
- (1) قرب الإسناد : 47 ح111 ; الوسائل 4 : 205 . أبواب المواقيت ب23 ح3 .
- (2) الفقيه 1 : 141 ح657 ; الوسائل 4 : 174 . أبواب المواقيت ب16 ح6 .
- (3) المجموع 3 : 42 ; مغني المحتاج 1 : 122 ; سنن البيهقي 1 : 373 ; الخلاف 1 : 262 مسألة 7 .
- (4) الكافي 3: 274 ح3 و 4; التهذيب 2: 39 ـ 40 ح124، 125; الإستبصار 1: 244 ح870 ، 871 ; الوسائل 4: 121، 122. أبواب المواقيت ب3 ح11 و13.
(الصفحة 143)
أنّه قال : «لولا أن أشقّ على اُمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل أو نصفه»(1) . على الاختلاف ، فإنّ المستفاد من ذلك أنّ الإتيان بالعشاء في آخر وقته أفضل ، فلا يجوز جعل زوال الحمرة وقت الفضيلة ، فتدبّر .
وكيف كان فلا يجوز رفع اليد عن مقتضى الطائفة الاُولى ، خصوصاً مع كثرتها ، بحيث لا ينبغي الارتياب فيها مضافاً إلى الشهرة المحقّقة من زمان العلاّمة ، بل كان القائل به قبله أيضاً كثيراً ، ومن هنا ينقدح الخلل فيما استدلّ به الشيخ في الخلاف(2) في عبارته المتقدّمة ، ما ملخّصه : إنّ ما بعد الشفق متيقن ، وقبله مشكوك ، وجه الخلل أنه لا مجال للشكّ بعدما عرفت من كثرة الأخبار الدالة على دخول وقتها بمجرّد الفراغ من المغرب(3) ، وعدم إمكان رفع اليد عنها كما لا يخفى .
المسألة السادسة : آخر وقت صلاة العشاء
فنقول : اختلف المسلمون في ذلك ، فحكي عن العامة أقوال أربعة :
أحدها : ما اختاره إبراهيم النخعي من القول بامتداده إلى ربع الليل ، بلا فرق بين صورتي الاختيار والاضطرار(4) .
ثانيها : ما ذهب إليه أبو حنيفة ، والثوري ، والشافعي في القديم ، وجماعة من
- (1) الكافي 3 : 281 ح13 ; الوسائل 4 : 186 . أبواب المواقيت ب17 ح12 و13 ; سنن ابن ماجة 1 : 226 ح691 ; سنن الترمذي 1 : 214 ح167 ; سنن النسائي 1 : 301 ح530 ; صحيح البخاري 1 : 161 ح571 ; صحيح مسلم 5 : 116 ، ب39 ، ح225 .
- (2) الخلاف 1 : 262 مسألة 7 .
- (3) الكافي 3 : 281 ح16 ; الفقيه 1 : 142 ح662 ; التهذيب 2 : 260 ح1037 ; الوسائل 4 : 184 و186 . أبواب المواقيت ب17 ح2 و 14 .
- (4) عمدة القاري 5 : 62 و 69 ; المجموع 3 : 39 ـ 40 ; مغني المحتاج 1 : 124 ; الخلاف 1 : 265 مسألة 8 .
(الصفحة 144)
القول بامتداده للمختار إلى النصف ، وللمضطر إلى الطلوع(1) .
ثالثها : الامتداد إلى الفجر مطلقاً ، حكي ذلك عن ابن عباس ، وعطا ، وطاووس ، وعكرمة ، ومالك(2) .
رابعها : الامتداد إلى الثلث للمختار ، وإلى الفجر للمضطر ; ذكره الشافعي في الجديد(3) .
وقد ظهر من ذلك أنّ القول بالإمتداد إلى الفجر في الجملة قول معروف بينهم ، لأنّه لم يخالف فيه أحد منهم إلاّ النخعي .
وأمّا الإمامية فهم أيضاً مختلفون في ذلك ، لاختلاف الأخبار الواردة في هذا الباب ، والقول الذي كان معروفاً بينهم في جميع الأعصار هو القول بالامتداد إلى نصف الليل، أوثلثها، وأمّاالقائل بالامتداد إلى الفجر فقليل جدّاً . وقد أفتى به المحقّق في المعتبر بالنسبة إلى المضطرّين(4) ، وعبارة الصدوق(رحمه الله) في الفقيه(5) ظاهرة في اختياره ذلك. وحكاه الشيخ أيضاًفي المسبوط عن بعض أصحابناالإمامية(6)، ولكنّه يبعدأن يكون مراده بذلك البعض هوالصدوق; وبالجملة فهذاالقول في غاية الشذوذ.
وأمّا القول بالامتداد إلى نصف الليل ، فذهب إليه السيّد ، وابن إدريس ، والحلبي ، وجماعة(7) ; وصرّح بعضهم بكونه آخر وقت المضطرّ ، وأنّ آخر الوقت
- (1) عمدة القاري 5 : 62 و 69 ; المجموع 3 : 39 ـ 40 ; مغني المحتاج 1 : 124 ; الخلاف 1 : 265 مسألة 8 .
- (2) عمدة القاري 5 : 62 ; المجموع 3 : 40 ; الخلاف 1 : 264 مسألة 8 ; ونقل فيه عنهم القول بالامتداد إلى طلوع الفجر الثاني لا مطلقاً كما في المتن .
- (3) المجموع 3 : 39 ; عمدة القاري 5 : 29 و 62 ; مغني المحتاج 1 : 124 ; الخلاف 1 : 264 مسألة 8 .
- (4) المعتبر 2 : 43 .
- (5) الفقيه 1 : 232 ـ 233 ذح1030 .
- (6) المبسوط 1 : 75 .
- (7) رسائل الشريف المرتضى 1 : 274 ; المراسم : 62 ; الغنية : 70 ; الكافي في الفقه : 137 ; الوسيلة : 83 ; السرائر 1 : 195 ; شرائع الإسلام 1 : 50 ; مختلف الشيعة 2 : 27 ; الدروس 1 : 139 ; الذكرى 2 : 344 ; مسالك الافهام 1 : 139 ; مفتاح الكرامة 2 : 29 .
(الصفحة 145)
للمختار هو الثلث(1) ، وأمّا ثلث الليل فاختاره المفيد ، والشيخ في النهاية والجمل والخلاف ، وبعض كتبه الاُخر(2) ; وقال ابن أبي عقيل : أوّل وقت العشاء الآخرة مغيب الشفق ، وهو الحمرة لا البياض ، فإن جاوز ذلك حتّى دخل ربع الليل فقد دخل في الوقت الأخير(3) .
وبالجملة : فأقوال الإمامية في المسألة أيضاً أربعة : الفجر ، ونصف الليل ، وثلثها ، وربعها ، وحكى في مفتاح الكرامة أنّ القول الأخير مرويّ عن الرضا(عليه السلام)(4) ، والظاهر أنّه أراد فقه الرضا ، وأمّا ما يدلّ على القول الأوّل فهي الأخبار المتقدّمة في آخر وقت المغرب(5) ، ولا يمكن الاعتماد عليها لموافقتها للعامّة ، لتسالمهم على الامتداد إلى الفجر في الجملة كما عرفت . نعم حكي عن النخعي القول بامتداده إلى ربع الليل ، ولكنّه شاذّ عندهم(6) .
وحينئذ فيحتمل قويّاً صدور الروايات الدالّة على ذلك تقية ; وما ذكرناه سابقاً(7) في مقام تصحيح هذه الأخبار من أن القول بجواز الإتيان بالمغرب إلى الطلوع خلاف ما هو المشهور بينهم ، فهو إنّما كان بالنسبة إلى المغرب ، وأمّا بالنسبة إلى صلاة العشاء فلا ، وإن كان ربّما يستظهر منها عدم التقية ، باعتبار اشتمالها على
- (1) الجامع للشرائع : 60 .
- (2) المقنعة : 93 ; النهاية : 59 ; الجمل والعقود : 59 ; الخلاف 1 : 265 مسألة 8 ; الاقتصاد : 256 .
- (3) مختلف الشيعة 2 : 28 .
- (4) مفتاح الكرامة 2 : 29 .
- (5) راجع الوسائل 4 : 159 . أبواب المواقيت ب10 ح9 وص 288 ب62 ح3 و 4 .
- (6) عمدة القاري 5 : 62 ; الخلاف 1 : 265 مسألة 8 .
- (7) راجع ص127 .