(الصفحة 182)
في تحديد القبلية ، فذهب جماعة منهم المحقّق إلى أنّ أوّل وقتها طلوع الفجر الأوّل(1) ، وعن جماعة أنّ أوّل وقتها الفراغ من صلاة الليل(2) ، ومستند هذا القول الأخبار الدالة على الإحشاء بهما في صلاة الليل(3) .
أمّا القول الأوّل فذكره الأصحاب في كتبهم المعدّة لنقل الفتاوى المتلقّاة عن الأئمّة(عليهم السلام)(4) ، وقد عرفت أنّ الذكر في هذه الكتب يكشف عن وجود نصّ معتبر ، غاية الأمر إنّه لم يصل إلينا ، نعم ورد في رواية محمد بن مسلم المتقدّمة الواردة في تعيين أوّل وقت ركعتي الفجر التعيين بسدس الليل الباقي(5) ، فإن طابق السدس مع الفجر الكاذب يحصل التوافق ، وإلاّ فيحصل التعارض بينها وبين النصّ المكشوف بالفتاوى ، والترجيح معه لموافقته لفتوى المشهور ، هذا .
ويمكن أن يكون مستندهم رواية أبي بكر الحضرمي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام)فقلت : متى اُصلّي ركعتي الفجر؟ فقال : «حين يعترض الفجر ، وهو الذي يسمّيه العرب : الصديع»(6) . فإنّ الصديع بحسب اللغة وإن كان معناه الصبح(7) ، والمتبادر منه الفجر الثاني ، ولكن يمكن أن يقال : بأنّ معناه هنا هو الفجر الكاذب لأنّ أصله هو الانشقاق مع عدم الانفصال ، وحينئذ فينطبق على الفجر الكاذب ، لأنّه يكون على شكل عموديّ ، وخطّ واقع بين الظلمة يوجب انصداعها ،
- (1) المبسوط 1 : 76 ; المراسم : 63 ; المختصر النافع : 22 ; المعتبر 2 : 55 ; شرائع الاسلام 1 : 63 .
- (2) النهاية : 61 ; المهذّب 1 : 70 ; المقنعة : 91 ; الغنية : 72 ، الوسيلة : 83 ; السرائر 1 : 203 ; مختلف الشيعة 2 : 37 .
- (3) الوسائل 4 : 263 ـ 265 . أبواب المواقيت ب50 ح1 و6 و8 .
- (4) المبسوط 1 : 76 ; المراسم : 63 ; المعتبر 2 : 55 ; شرائع الاسلام 1 : 63 ; المختصر النافع : 22 .
- (5) الوسائل 4 : 265 . أبواب المواقيت ب50 ح5 .
- (6) التهذيب 2 : 133 ح517 ; الوسائل 4 : 268 . أبواب المواقيت ب51 ح10 .
- (7) لسان العرب 7 : 303 .
(الصفحة 183)
ولا ينافي ذلك التعبير بقوله «يعترض» لأنّه بمعنى يظهر .
ويؤيّد ما ذكرنا أنّ الفجر باعتبار وضوح كونه هو الفجر الثاني لا يفتقر إلى التفسير ، فتفسيره(عليه السلام) قرينة على عدم كون المراد به هو المعنى المتبادر منه ، كما لايخفى .
ويمكن أن يقال بانطباق كلمة قبيل الواردة في رواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة على الفجر الأوّل ، بل لعلّه المتبادر من كلمة القبل في بعض الروايات ، لأنّ الظاهر أنّ المراد به القبل القريب ، وحينئذ فينطبق عليه . وكيف كان فالخطب سهل بعدما عرفت من كونه مذكوراً في الكتب التي يكشف الذكر فيها عن وجود نصّ مذكور في الجوامع الأوّلية ، فلا يبعد الذهاب إلى هذا القول .
ثمّ إنّه قد ورد في كثير من الروايات المتقدّمة الإحشاء بهما في صلاة الليل ، ومقتضى إطلاقه جواز الإتيان بهما بعدها ولو اشتغل بها في أول النصف ، ولم يدخل الفجر الأوّل بعد الفارغ عنها ، بل يشمل إطلاقه ما إذا قدّم صلاة الليل لمرض أو سفر أو نحوهما ، فيجوز عليه الإتيان بركعتي الفجر بعدها بلا فصل ، كما يدلّ عليه أيضاً رواية أبي جرير بن إدريس عن أبي الحسن موسى بن جعفر(عليهما السلام)قال : «صلّ صلاة الليل في السفر من أوّل الليل في المحمل والوتر وركعتي الفجر»(1) .
وبالجملة : فلا إشكال في جواز تقديم ركعتي الفجر على الفجر الأوّل والإحشاء بهما في صلاة الليل وإن وقعت قبله ، وأفتى بهذا حتى من ذهب إلى أنّ أوّل وقتهما هو الفجر الأوّل كالمحقّق(2) ، إنّما الإشكال في تقديمهما عليه في صورة الإنفراد ، وعدم ضمّهما إليها ، وأنّه هل تكون مثل صورة الإنضمام ، أو أنّ التقديم على الفجر يختصّ بهذه الصورة وجهان ، من أنّ مقتضى كون ركعتي الفجر مستحبّاً
- (1) الفقيه 1 : 302 ح1384 ; الوسائل 4 : 251 . أبواب المواقيت ب44 ح6 .
- (2) المعتبر 2 : 56 ; شرائع الاسلام 1 : 63 .
(الصفحة 184)
مستقلاًّ وعنواناً ، في قبال عنوان صلاة الليل والوتر ، بضميمة ما يدلّ على جواز الإحشاء بهما في صلاة الليل ، جواز تقديمهما على الفجر الأوّل مطلقاً ، ومن أنّ القدر المتيقّن من ذلك هي صورة ضمهما إلى صلاة اللّيل ، وحئنذ فلا يشرع إتيانهما قبل الفجر منفرداً ، بعدما عرفت من أنّ أول وقتهما هو الفجر الأول(1) ، فتدبّر .
كما أنّه على الوجه الأول الذي قد يستفاد من عبارة المحقّق في الشرائع يشكل الأمر بمنافاته لتحديد أوّل وقتهما بالفجر كما لا يخفى .
ثمّ إنّه حكي عن جماعة منهم المحقّق في الشرائع القول باستحباب إعادتهما لو أتى بهما قبل الفجر الأوّل(2) ، واستدلّ على ذلك برواية زرارة قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول : «إنّي لاُصلّي صلاة الليل وأفرغ من صلاتي ، واُصلّي الركعتين فأنام ما شاء الله قبل أن يطلع الفجر ، فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما»(3) .
ورواية حمّاد بن عثمان قال : قال لي أبو عبدالله(عليه السلام) : «ربّما صلّيتهما وعليّ ليل ، فإن قمت ولم يطلع الفجر أعدتهما»(4) . وفي بعض النسخ بدل «قمت» ، «نمت» ، هذا .
ولا يخفى أنّه لا دليل على كون المراد بالركعتين في الرواية الاُولى وبمرجع الضمير في الثانية هي ركعتي الفجر ، مضافاً إلى أنّ المتبادر من الفجر في الروايتين هو الفجر الثاني ، والمدّعى استحباب إعادتهما بعد الفجر الأوّل ، فلا ينطبق الدليل على المدعى ومع الغضّ عن ذلك فغاية مدلول الروايتين إستحباب الإعادة فيما إذا حصل الفصل بينهما وبين فريضة الصبح بالنوم لا مطلقاً ، فلعلّه كان للنوم مدخليّة في انحطاط مقدار من تأثيرهما كما لا يخفى .
- (1) راجع ص178 .
- (2) شرائع الاسلام 1 : 63 .
- (3) التهذيب 2 : 135 ح 528 ; الاستبصار 1 : 285 ح 1045 ; الوسائل 4 : 267 . أبواب المواقيت ب51 ح9 .
- (4) التهذيب 2 : 135 ح527 ، الإستبصار 1 : 285 ح1044 ، الوسائل 4 : 267 . أبواب المواقيت ب51 ح8 .
(الصفحة 185)
وأمّا الكلام في المقام الثاني فملخّصه أنّ المشهور هو امتداد وقتهما إلى أن تطلع الحمرة المشرقية(1) ، ولا يخفى أنه لا يوجد مستند في الجوامع التي بأيدينا ، نعم روى عليّ بن يقطين قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الرجل لا يصلّي الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر ، أيركعهما أو يؤخّرهما؟ قال : «يؤخّرهما»(2)ودلالتها على الامتداد إلى ذلك الوقت محلّ نظر ، نعم يستفاد منها عدم مزاحمتهما للفريضة بعد ظهور الحمرة ، وأنّها مقدّمة عليهما . وفي مرسلة إسحاق بن عمّار المتقدّمة قد حدّد بما بينك وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك(3) ، ولكن تقدّم معناها .
ثمّ إنّه على فرض الامتداد إلى ذلك الوقت فهل يكون مقتضى ذلك صيرورتهما قضاء بعد طلوع الحمرة ، كصيرورة الفريضة كذلك بعد طلوع الشمس ، أو أنّ المراد بامتدادهما إليه هو مزاحمتهما للفريضة إلى ذلك الوقت وعدم جوازها بعده من دون أن تصير قضاء بذلك؟ وجهان .
التطوّع وقت الفريضة
قد اختلف الأصحاب قديماً وحديثاً في جواز الإتيان بالنافلة المبتدأة ، أو التي تكون قضاء عن الراتبة في وقت الفريضة بعد قيام الإجماع ، وتواتر الأخبار على جواز الإتيان بالرواتب إلى الأوقات التي يجوز الإتيان إليها كالذراع والذراعين في
- (1) التهذيب 2 : 135 ; الاستبصار 1 : 285 ; ونقله عن السيّد المرتضى في مختلف الشيعة 2 : 36; كشف اللثام 3 : 62 ; جواهر الكلام 7 : 138 .
- (2) التهذيب 2: 340 ح1409; الوسائل 4: 266، أبواب المواقيت ب51 ح1.
- (3) الوسائل 4 : 267 . أبواب المواقيت ب51 ح7 .
(الصفحة 186)
الظهرين ، وسقوط الشفق في نافلة المغرب كما مرّ تفصيله(1) ; وكذلك اختلفوا في جواز الإتيان بالنافلة لمن عليه قضاء فريضة ، ويمكن إدخالهما تحت عنوان واحد وهو التطوّع لمن عليه فريضة .
فالأكثرون من القدماء منهم المفيد والشيخ على المنع(2) ، وذهب آخرون إلى الجواز(3) ، وهو الأقوى لما سيأتي . ومنشأ الخلاف في ذلك اختلاف الأخبار الواردة في هذا الباب ، فلابدّ من نقلها ليظهر الحال ، والصحيح عن سقيم المقال ، فنقول وعلى الله الاتكال .
أمّا ما يدلّ على الجواز فروايات :
منها : موثّقة سماعة قال : سألته عن الرجل يأتي المسجد وقد صلّى أهله أيبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع؟ فقال : «إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة ، وإن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة وهو حقّ الله ، ثمّ ليتطوّع ما شاء ، ألا هو موسّع أن يصلّي الإنسان في أوّل دخول وقت الفريضة النوافل إلاّ أن يخاف فوت الفريضة ، والفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أوّل الوقت للفريضة ، وليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أوّل الوقت إلى قريب من آخر الوقت» . هذا ما رواه الكليني ، ورواه الصدوق بإسناده عن سماعة نحوه إلى قوله : «ثمّّ ليتطوّع ما شاء» ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يحيى نحوه إلى قوله : «قريب من
- (1) راجع ص161 و 171 .
- (2) المقنعة : 212 ; المبسوط 1 : 126 ; النهاية : 62 ; السرائر 1 : 203 ; الوسيلة : 84 ; الجامع للشرائع كتاب الصلاة : 89 ; المهذّب 1 : 127 ; المعتبر 2 : 60 ; شرائع الاسلام 1 : 63 .
- (3) الذكرى 2 : 389 ; الدروس 1 : 142 ; جامع المقاصد 2 : 24 ; مدارك الاحكام 3 : 88 ; الذخيرة : 202 ; مفاتيح الشرائع 1 : 97 ; مجمع الفائدة والبرهان 2 : 42 .