(الصفحة 184)
مستقلاًّ وعنواناً ، في قبال عنوان صلاة الليل والوتر ، بضميمة ما يدلّ على جواز الإحشاء بهما في صلاة الليل ، جواز تقديمهما على الفجر الأوّل مطلقاً ، ومن أنّ القدر المتيقّن من ذلك هي صورة ضمهما إلى صلاة اللّيل ، وحئنذ فلا يشرع إتيانهما قبل الفجر منفرداً ، بعدما عرفت من أنّ أول وقتهما هو الفجر الأول(1) ، فتدبّر .
كما أنّه على الوجه الأول الذي قد يستفاد من عبارة المحقّق في الشرائع يشكل الأمر بمنافاته لتحديد أوّل وقتهما بالفجر كما لا يخفى .
ثمّ إنّه حكي عن جماعة منهم المحقّق في الشرائع القول باستحباب إعادتهما لو أتى بهما قبل الفجر الأوّل(2) ، واستدلّ على ذلك برواية زرارة قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول : «إنّي لاُصلّي صلاة الليل وأفرغ من صلاتي ، واُصلّي الركعتين فأنام ما شاء الله قبل أن يطلع الفجر ، فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما»(3) .
ورواية حمّاد بن عثمان قال : قال لي أبو عبدالله(عليه السلام) : «ربّما صلّيتهما وعليّ ليل ، فإن قمت ولم يطلع الفجر أعدتهما»(4) . وفي بعض النسخ بدل «قمت» ، «نمت» ، هذا .
ولا يخفى أنّه لا دليل على كون المراد بالركعتين في الرواية الاُولى وبمرجع الضمير في الثانية هي ركعتي الفجر ، مضافاً إلى أنّ المتبادر من الفجر في الروايتين هو الفجر الثاني ، والمدّعى استحباب إعادتهما بعد الفجر الأوّل ، فلا ينطبق الدليل على المدعى ومع الغضّ عن ذلك فغاية مدلول الروايتين إستحباب الإعادة فيما إذا حصل الفصل بينهما وبين فريضة الصبح بالنوم لا مطلقاً ، فلعلّه كان للنوم مدخليّة في انحطاط مقدار من تأثيرهما كما لا يخفى .
- (1) راجع ص178 .
- (2) شرائع الاسلام 1 : 63 .
- (3) التهذيب 2 : 135 ح 528 ; الاستبصار 1 : 285 ح 1045 ; الوسائل 4 : 267 . أبواب المواقيت ب51 ح9 .
- (4) التهذيب 2 : 135 ح527 ، الإستبصار 1 : 285 ح1044 ، الوسائل 4 : 267 . أبواب المواقيت ب51 ح8 .
(الصفحة 185)
وأمّا الكلام في المقام الثاني فملخّصه أنّ المشهور هو امتداد وقتهما إلى أن تطلع الحمرة المشرقية(1) ، ولا يخفى أنه لا يوجد مستند في الجوامع التي بأيدينا ، نعم روى عليّ بن يقطين قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الرجل لا يصلّي الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر ، أيركعهما أو يؤخّرهما؟ قال : «يؤخّرهما»(2)ودلالتها على الامتداد إلى ذلك الوقت محلّ نظر ، نعم يستفاد منها عدم مزاحمتهما للفريضة بعد ظهور الحمرة ، وأنّها مقدّمة عليهما . وفي مرسلة إسحاق بن عمّار المتقدّمة قد حدّد بما بينك وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك(3) ، ولكن تقدّم معناها .
ثمّ إنّه على فرض الامتداد إلى ذلك الوقت فهل يكون مقتضى ذلك صيرورتهما قضاء بعد طلوع الحمرة ، كصيرورة الفريضة كذلك بعد طلوع الشمس ، أو أنّ المراد بامتدادهما إليه هو مزاحمتهما للفريضة إلى ذلك الوقت وعدم جوازها بعده من دون أن تصير قضاء بذلك؟ وجهان .
التطوّع وقت الفريضة
قد اختلف الأصحاب قديماً وحديثاً في جواز الإتيان بالنافلة المبتدأة ، أو التي تكون قضاء عن الراتبة في وقت الفريضة بعد قيام الإجماع ، وتواتر الأخبار على جواز الإتيان بالرواتب إلى الأوقات التي يجوز الإتيان إليها كالذراع والذراعين في
- (1) التهذيب 2 : 135 ; الاستبصار 1 : 285 ; ونقله عن السيّد المرتضى في مختلف الشيعة 2 : 36; كشف اللثام 3 : 62 ; جواهر الكلام 7 : 138 .
- (2) التهذيب 2: 340 ح1409; الوسائل 4: 266، أبواب المواقيت ب51 ح1.
- (3) الوسائل 4 : 267 . أبواب المواقيت ب51 ح7 .
(الصفحة 186)
الظهرين ، وسقوط الشفق في نافلة المغرب كما مرّ تفصيله(1) ; وكذلك اختلفوا في جواز الإتيان بالنافلة لمن عليه قضاء فريضة ، ويمكن إدخالهما تحت عنوان واحد وهو التطوّع لمن عليه فريضة .
فالأكثرون من القدماء منهم المفيد والشيخ على المنع(2) ، وذهب آخرون إلى الجواز(3) ، وهو الأقوى لما سيأتي . ومنشأ الخلاف في ذلك اختلاف الأخبار الواردة في هذا الباب ، فلابدّ من نقلها ليظهر الحال ، والصحيح عن سقيم المقال ، فنقول وعلى الله الاتكال .
أمّا ما يدلّ على الجواز فروايات :
منها : موثّقة سماعة قال : سألته عن الرجل يأتي المسجد وقد صلّى أهله أيبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع؟ فقال : «إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة ، وإن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة وهو حقّ الله ، ثمّ ليتطوّع ما شاء ، ألا هو موسّع أن يصلّي الإنسان في أوّل دخول وقت الفريضة النوافل إلاّ أن يخاف فوت الفريضة ، والفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أوّل الوقت للفريضة ، وليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أوّل الوقت إلى قريب من آخر الوقت» . هذا ما رواه الكليني ، ورواه الصدوق بإسناده عن سماعة نحوه إلى قوله : «ثمّّ ليتطوّع ما شاء» ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يحيى نحوه إلى قوله : «قريب من
- (1) راجع ص161 و 171 .
- (2) المقنعة : 212 ; المبسوط 1 : 126 ; النهاية : 62 ; السرائر 1 : 203 ; الوسيلة : 84 ; الجامع للشرائع كتاب الصلاة : 89 ; المهذّب 1 : 127 ; المعتبر 2 : 60 ; شرائع الاسلام 1 : 63 .
- (3) الذكرى 2 : 389 ; الدروس 1 : 142 ; جامع المقاصد 2 : 24 ; مدارك الاحكام 3 : 88 ; الذخيرة : 202 ; مفاتيح الشرائع 1 : 97 ; مجمع الفائدة والبرهان 2 : 42 .
(الصفحة 187)
آخر الوقت»(1) .
وهذه الرواية صريحة في جواز التطوّع ما دام لم يتضيّق وقت الفريضة ، واحتمال أن يكون المراد من النوافل هي الرواتب سخيف جدّاً ، لوضوح حالها عند كلّ أحد ، لأنّه يعرف كلّ عاميّ أنّه يستحب الإتيان بها قبل الفريضة إلى أوقات معّينة كما عرفت .
ومنها : رواية إسحاق بن عمار قال : قلت : اُصلّي في وقت فريضة نافلة؟ قال : «نعم في أوّل الوقت إذا كنت مع إمام تقتدي به فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة»(2) .
ومنها : رواية محمد بن مسلم قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : إذا دخل وقت الفريضة أتنفّل أو أبدأ بالفريضة؟ قال : «إنّ الفضل أن تبدأ بالفريضة ، وإنّما أخّرت الظهر ذراعاً من عند الزوال من أجل صلاة الأوّابين(3) فانّ ظاهرها جواز التنفّل وقت الفريضة إلاّ أنّ الفضل في تأخيرها والابتداء بالفريضة .
ومنها : رواية عمر بن يزيد أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرواية التي يروون أنّه لا يتطوّع في وقت فريضة ما حدّ هذا الوقت؟ قال : «إذا أخذ المقيم في الإقامة» ، فقال له : إنّ الناس يختلفون في الإقامة ، فقال : «المقيم الذي يصلّي معه»(4) . وهذه الرواية تدلّ على أنّ النهي انّما هو لانعقاد الجماعة لا مطلقاً .
ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن رجل نام عن الغداة
- (1) الكافي 3 : 288 ح3 ; الفقيه 1 : 257 ح1165 ، التهذيب 2 : 264 ح1051 ; الوسائل 4 : 226 أبواب المواقيت ب35 ح1 .
- (2) الكافي 3 : 289 ح4 ; التهذيب 2 : 264 ح1052 ; الوسائل 4 : 226 . أبواب المواقيت ب35 ح2 .
- (3) الكافي 3 : 289 ح5 ; الوسائل 4 : 230 . أبواب المواقيت ب36 ح2 و3 .
- (4) الفقيه 1 : 252 ح1136 ; التهذيب 3 : 283 ح841 ; الوسائل 4 : 228 . أبواب المواقيت ب35 ح 9 .
(الصفحة 188)
حتى طلعت الشمس؟ فقال : «يصلّي ركعتين ثم يصلّي الغداة»(1) وغير ذلك من الأخبار .
وأمّا ما يدلّ على المنع :
فمنها : رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : «قال لي رجل من أهل المدينة يا أبا جعفر ما لي لا أراك تتطوّع بين الأذان والإقامة كما يصنع الناس؟ فقلت : إنّا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوّعنا في غير وقت فريضة ، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوّع»(2) .
ولا يخفى أنّ الاستدلال بهذه الرواية مشكل ، لانّها تتضمّن قضية في واقعة شخصية ، ولا يعلم المراد من الصلاة التي كان بناء الناس على الإتيان بها بين الأذان والإقامة ، وحينئذ فمن المحتمل أن يكون اعتقادهم على استحباب ركعتين خاصّتين بين الأذان والإقامة في قبال سائر النوافل غير مشروعتين عندنا ، وحيث لم يكن للإمام(عليه السلام) ردّ السائل ، لكون ذلك المعنى أمراً مركوزاً عند الناس ، فأجاب(عليه السلام) بما يوافق مذهبهم تورية ، لأنّهم رووا عن أبي هريرة أنّه «إذا دخل الوقت فلا صلاة إلاّ المكتوبة»(3) ، مضافاً إلى أنّه لو سلّم كون الركعتين من النوافل اليومية فيمكن أن يقال بعدم دلالة الرواية على المنع ، لأنّ غاية مدلولها أنّ بنائهم(عليهم السلام) على الإتيان بالنافلة قبلا ، ولا يستفاد منها المنع ، ولكن ظاهر الذيل ينافي ذلك .
ومنها : رواية زياد أبي عتاب عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سمعته يقول : إذا
- (1) التهذيب 2 : 265 ح1057 ; الاستبصار 1 : 286 ح1048 ; الوسائل 4 : 284 . أبواب المواقيت ب61 ح2 .
- (2) التهذيب 2 : 167 ح661 و ص247 ح982 ; الاستبصار 1 : 252 ح906 ; الوسائل 4 : 227 . أبواب المواقيت ب35 ح3 .
- (3) سنن ابن ماجه 1 : 364 ح1151 ; سنن الترمذي 2 : 126 ب60 ح861 و862 وفيهما : «إذا اُقيمت الصلاة . . .» .