(الصفحة 186)
الظهرين ، وسقوط الشفق في نافلة المغرب كما مرّ تفصيله(1) ; وكذلك اختلفوا في جواز الإتيان بالنافلة لمن عليه قضاء فريضة ، ويمكن إدخالهما تحت عنوان واحد وهو التطوّع لمن عليه فريضة .
فالأكثرون من القدماء منهم المفيد والشيخ على المنع(2) ، وذهب آخرون إلى الجواز(3) ، وهو الأقوى لما سيأتي . ومنشأ الخلاف في ذلك اختلاف الأخبار الواردة في هذا الباب ، فلابدّ من نقلها ليظهر الحال ، والصحيح عن سقيم المقال ، فنقول وعلى الله الاتكال .
أمّا ما يدلّ على الجواز فروايات :
منها : موثّقة سماعة قال : سألته عن الرجل يأتي المسجد وقد صلّى أهله أيبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع؟ فقال : «إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة ، وإن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة وهو حقّ الله ، ثمّ ليتطوّع ما شاء ، ألا هو موسّع أن يصلّي الإنسان في أوّل دخول وقت الفريضة النوافل إلاّ أن يخاف فوت الفريضة ، والفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أوّل الوقت للفريضة ، وليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أوّل الوقت إلى قريب من آخر الوقت» . هذا ما رواه الكليني ، ورواه الصدوق بإسناده عن سماعة نحوه إلى قوله : «ثمّّ ليتطوّع ما شاء» ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يحيى نحوه إلى قوله : «قريب من
- (1) راجع ص161 و 171 .
- (2) المقنعة : 212 ; المبسوط 1 : 126 ; النهاية : 62 ; السرائر 1 : 203 ; الوسيلة : 84 ; الجامع للشرائع كتاب الصلاة : 89 ; المهذّب 1 : 127 ; المعتبر 2 : 60 ; شرائع الاسلام 1 : 63 .
- (3) الذكرى 2 : 389 ; الدروس 1 : 142 ; جامع المقاصد 2 : 24 ; مدارك الاحكام 3 : 88 ; الذخيرة : 202 ; مفاتيح الشرائع 1 : 97 ; مجمع الفائدة والبرهان 2 : 42 .
(الصفحة 187)
آخر الوقت»(1) .
وهذه الرواية صريحة في جواز التطوّع ما دام لم يتضيّق وقت الفريضة ، واحتمال أن يكون المراد من النوافل هي الرواتب سخيف جدّاً ، لوضوح حالها عند كلّ أحد ، لأنّه يعرف كلّ عاميّ أنّه يستحب الإتيان بها قبل الفريضة إلى أوقات معّينة كما عرفت .
ومنها : رواية إسحاق بن عمار قال : قلت : اُصلّي في وقت فريضة نافلة؟ قال : «نعم في أوّل الوقت إذا كنت مع إمام تقتدي به فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة»(2) .
ومنها : رواية محمد بن مسلم قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : إذا دخل وقت الفريضة أتنفّل أو أبدأ بالفريضة؟ قال : «إنّ الفضل أن تبدأ بالفريضة ، وإنّما أخّرت الظهر ذراعاً من عند الزوال من أجل صلاة الأوّابين(3) فانّ ظاهرها جواز التنفّل وقت الفريضة إلاّ أنّ الفضل في تأخيرها والابتداء بالفريضة .
ومنها : رواية عمر بن يزيد أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرواية التي يروون أنّه لا يتطوّع في وقت فريضة ما حدّ هذا الوقت؟ قال : «إذا أخذ المقيم في الإقامة» ، فقال له : إنّ الناس يختلفون في الإقامة ، فقال : «المقيم الذي يصلّي معه»(4) . وهذه الرواية تدلّ على أنّ النهي انّما هو لانعقاد الجماعة لا مطلقاً .
ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن رجل نام عن الغداة
- (1) الكافي 3 : 288 ح3 ; الفقيه 1 : 257 ح1165 ، التهذيب 2 : 264 ح1051 ; الوسائل 4 : 226 أبواب المواقيت ب35 ح1 .
- (2) الكافي 3 : 289 ح4 ; التهذيب 2 : 264 ح1052 ; الوسائل 4 : 226 . أبواب المواقيت ب35 ح2 .
- (3) الكافي 3 : 289 ح5 ; الوسائل 4 : 230 . أبواب المواقيت ب36 ح2 و3 .
- (4) الفقيه 1 : 252 ح1136 ; التهذيب 3 : 283 ح841 ; الوسائل 4 : 228 . أبواب المواقيت ب35 ح 9 .
(الصفحة 188)
حتى طلعت الشمس؟ فقال : «يصلّي ركعتين ثم يصلّي الغداة»(1) وغير ذلك من الأخبار .
وأمّا ما يدلّ على المنع :
فمنها : رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : «قال لي رجل من أهل المدينة يا أبا جعفر ما لي لا أراك تتطوّع بين الأذان والإقامة كما يصنع الناس؟ فقلت : إنّا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوّعنا في غير وقت فريضة ، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوّع»(2) .
ولا يخفى أنّ الاستدلال بهذه الرواية مشكل ، لانّها تتضمّن قضية في واقعة شخصية ، ولا يعلم المراد من الصلاة التي كان بناء الناس على الإتيان بها بين الأذان والإقامة ، وحينئذ فمن المحتمل أن يكون اعتقادهم على استحباب ركعتين خاصّتين بين الأذان والإقامة في قبال سائر النوافل غير مشروعتين عندنا ، وحيث لم يكن للإمام(عليه السلام) ردّ السائل ، لكون ذلك المعنى أمراً مركوزاً عند الناس ، فأجاب(عليه السلام) بما يوافق مذهبهم تورية ، لأنّهم رووا عن أبي هريرة أنّه «إذا دخل الوقت فلا صلاة إلاّ المكتوبة»(3) ، مضافاً إلى أنّه لو سلّم كون الركعتين من النوافل اليومية فيمكن أن يقال بعدم دلالة الرواية على المنع ، لأنّ غاية مدلولها أنّ بنائهم(عليهم السلام) على الإتيان بالنافلة قبلا ، ولا يستفاد منها المنع ، ولكن ظاهر الذيل ينافي ذلك .
ومنها : رواية زياد أبي عتاب عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سمعته يقول : إذا
- (1) التهذيب 2 : 265 ح1057 ; الاستبصار 1 : 286 ح1048 ; الوسائل 4 : 284 . أبواب المواقيت ب61 ح2 .
- (2) التهذيب 2 : 167 ح661 و ص247 ح982 ; الاستبصار 1 : 252 ح906 ; الوسائل 4 : 227 . أبواب المواقيت ب35 ح3 .
- (3) سنن ابن ماجه 1 : 364 ح1151 ; سنن الترمذي 2 : 126 ب60 ح861 و862 وفيهما : «إذا اُقيمت الصلاة . . .» .
(الصفحة 189)
حضرت المكتوبة فابدأ بها ، فلا يضرّك أن تترك ما قبلها من النافلة»(1) . هذا ، ولا يخفى أنه يحتمل أن يكون المراد بحضور المكتوبة حضور الجماعة لها لا أصل وقتها ، فالرواية على تقدير دلالتها على المنع لا تدلّ إلاّ على المنع فيما إذا انعقدت الجماعة للمكتوبة ، والتعبير بقوله : «فلا تضرّك» يشعر بعدم كون المنع على نحو الإلزام . هذا ، مضافاً إلى أنّ قوله : «تترك ما قبلها من النافلة» ظاهر في أنّ المراد بالنافلة هي ا لرواتب ، إذ النافلة المبتدأة لا تكون مرتبطة بالفريضة ، بحيث تكون قبلها أو بعدها ، وحينئذ فالمراد بحضور المكتوبة حضور وقت فضيلتها كالذراع والذراعين في الظهرين ، فلا تدلّ الرواية على حكم النافلة المبتدأة ، أو التي تكون قضاء عن الرواتب .
ومنها : رواية نجيّة قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : تدركني الصلاة ويدخل وقتها فأبدأ بالنافلة؟ قال : فقال أبو جعفر(عليه السلام) : «لا ، ولكن إبدأ بالمكتوبة واقض النافلة»(2) . وظاهر الرواية باعتبار قوله : «اقض النافلة» أنّ المراد من النافلة الرواتب اليومية التي خرج وقتها ، فلا دلالة لها على حكم النافلة المبتدأة ونحوها .
ومنها : رواية أديم بن الحرّ قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : «لا يتنفّل الرجل إذا دخل وقت فريضة ، قال : وقال : «إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها»(3) .
ومنها : رواية أبي بكر عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام) قال : «إذا دخل وقت صلاة فريضة فلا تطوّع»(4) .
- (1) التهذيب 2 : 247 ح984 ; وفيه : «زياد بن أبي غياث» ; الاستبصار 1 : 253 ح907 ; الوسائل 4 : 227 . أبواب المواقيت ب35 ح4 .
- (2) التهذيب 2 : 167 ح662 ، الوسائل 4 : 227 ; أبواب المواقيت ب35 ح5 ، وفيه : «نجبة» .
- (3) التهذيب 2 : 167 ح663 ; الوسائل 4 : 228 . أبواب المواقيت ب35 ح6 .
- (4) التهذيب 2 : 167 ح660 وص 340 ح1405 ، الاستبصار 1 : 292 ح1071 ، الوسائل 4 : 228 . أبواب المواقيت ب35 ح7 .
(الصفحة 190)
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «لا تصلّ من النافلة شيئاً في وقت الفريضة ، فإنّه لا تقضى نافلة في وقت فريضة ، فإذا دخل وقت الفريضة فابدأ بالفريضة»(1) .
ومنها : ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن عليّ(عليه السلام) في حديث الأربعمائة قال : «من أتى الصلاة عارفاً بحقّها غفر له ، لا يصلّي الرجل نافلة في وقت فريضة إلاّ من عذر ، ولكن يقضي بعد ذلك إذا أمكنه القضاء ، قال الله تعالى :
{الذين هم على صلاتهم دائمون}(2) يعني الذين يقضون ما فاتهم عن الليل بالنهار وما فاتهم من النهار بالليل لا يقضى النافلة في وقت فريضة ، إبدأ بالفريضة ثم صلّ ما بدا لك»(3) .
ومنها : رواية إسماعيل عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟» قلت : لا ، قال : «حتّى لا يكون تطوّع في وقت مكتوبة»(4) .
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) المتقدّمة في المسألة السابقة المشتملة على قوله : «أكنت تطوّع إذا دخل عليك وقت الفريضة؟ فابدأ بالفريضة»(5) .
ومنها : ما رواه الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «إذا حضر وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة . . .»(6) .
ومنها : رواية يعقوب بن شعيب عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل
- (1) السرائر 3 : 586 ; الوسائل 4 : 228 . أبواب المواقيت ب35 ح8 .
- (2) المعارج 70 : 23 .
- (3) الخصال : 638 ; الوسائل 4 : 228 . أبواب المواقيت ب35 ح 10 .
- (4) علل الشرائع : 349 ; الوسائل 4 : 229 . أبواب المواقيت ب35 ح11 .
- (5) التهذيب 2 : 133 ح513 ، الاستبصار 1 : 283 ح1031 ، الوسائل 4 : 264 . أبواب المواقيت ب50 ح3 .
- (6) الذكرى 2 : 422 ; الوسائل 4 : 283 . أبواب المواقيت ب61 ح6 .