(الصفحة 230)
على أنّ الأجزاء المنسية التي يجب قضاؤها بعد الفراغ من الصلاة هل تكون جزء للصلاة ومتمّمة لها؟
غاية الأمر أنّه قد تغيّرت مواضعها واكتفى الشارع بإتيانها بعدها وأوجب سجدتي السهو لأجل تغيير موضعها ، أو أنّها تكون مأموراً بها مستقلة ، والمصلحة الفائتة لأجل نسيانها في الصلاة تتدارك بها ، فعلى الأوّل يشترط فيها عدم الإنفصال عنها ، وكذا كلّ ما يعتبر فيها من الاستقبال وغيره ، بخلاف الثاني فإنّه بناءً عليه لا يضرّ بها الانفصال وفعل المنافي عمداً أو سهواً ، فإن قلنا بالثاني فيجب عليه فيما نحن فيه قضاؤها إلى الجهات الأربع وتتدارك بها ما فاتته من المصلحة ، ويعلم حينئذ بالإتيان بالمأمور به الواقعي مع جميع أجزائه وشرائطه ، وأمّا بناءً على القول الأوّل الذي هو الظاهر من الأدلة ، فلا يحصل العلم بإتيان الصلاة التامة إلى القبلة الواقعية بقضاء الجزء المنسيّ إلى أربع جهات ، لأنّه يحتمل حصول الانفصال بينه وبين الصلاة التي نسي جزءها ، لأنّه يحتمل نسيان الجزء في غير المحتمل الأخير ، مضافاً إلى احتمال الإستدبار عن القبلة كما هو واضح .
والمفروض أنّه يجب عليه إحراز الاتّصال ، وواجديته لشرائط الصلاة ، بل يحصل الاحتياط بقضاء الجزء المنسيّ كالتشهد مثلا بعد الإتيان بالمحتمل الأخير إلى الجهة التي صلّى الأخير إليها ، ثمّ الإتيان بثلاث صلوات تامة إلى الجهات الثلاث الاُخر ، أو الإتيان ثانياً بالصلاة إلى أربعة جوانب .
ومن هنا ظهر حكم الفرض السابق ، فإنّه إذا علم بترك التشهد في المحتمل الثالث مثلا ، فطريق الإحتياط هو أن يأتي بصلاة تامة إلى الجهة التي صلّى المحتمل الثالث إلى تلك الجهة ثانياً ; وهكذا حكم سائر فروضه .
(الصفحة 231)
المسألة السابعة : مراتب الامتثال ثلاثة
قد ظهر من مطاوي ما ذكرنا أنّ مراتب إمتثال الأمر المتعلّق بالمأمور به الواقعي ـ وهي الصلاة إلى القبلة الواقعية ـ ثلاثة :
الأوّل : العلم التفصيلي بإتيانه مع تمكّنه من تحصيله .
الثاني : التحرّي والاجتهاد والعمل على طبق المظنة من أيّ شيء حصلت ، مع عدم التمكّن من تحصيل العلم التفصيلي .
الثالث : العلم الإجمالي بإتيانه في صورة التحيّر وعدم التمكّن من تحصيل العلم والظنّ .
وفي الاكتفاء به في صورة التمكّن من تحصيل واحد منهما وجه ، وهل ثبت في الشرع مرتبة اُخرى وهي العمل على طبق الأمارات التي عيّنت شرعاً لتعيين القبلة ، كوضع الجدي على القفا ، وقبلة بلد المسلمين ، وقول صاحب الدار لمن دخل فيها ، فيكتفي في مقام الإمتثال بالعمل على طبقها وإن لم تفد الظنّ ، أو لا؟ ولا يخفى أنّه مع ثبوت كونها مرتبة اُخرى غير المراتب المتقدّمة لا إشكال في تقدّمها على التحرّي والاجتهاد ، وفي تساويها مع المرتبة الاُولى في مقام الإمتثال تأمّل وإشكال .
وكيف كان ، فالظاهر انه لا يظهر من الأخبار أنّ ما ذكر يكون أمارة بالخصوص ، بحيث كان في العمل بالجدي مصلحة تتدارك بها المفسدة المترتّبة على ترك الصلاة إلى القبلة الواقعية على فرض الخطأ ، فالأمر بوضع الجدي على القفا في حال الصلاة مع عدم التمكّن من العلم ـ كما هو مورد الرواية ـ إنّما هو لأجل أنّه يفيد الظنّ ، إن لم نقل بإفادته العلم بالقبلة التي هي جهة الكعبة دون عينها كما عرفت ;
(الصفحة 232)
فاعتباره إنّما هو لذلك لا لأجل كونه أمارة بالخصوص .
وأمّا قبلة بلد المسلمين ، ففيه : انه لم يدلّ على اعتبارها دليل سوى السيرة المستمرّة بين الناس ، فإنّهم إذا دخلوا بلد المسلمين وتحيّروا في القبلة لا يتفحصون عنها ، بل يصلّون إلى الجهة التي تطابق محاريب مساجدهم ، ولعلّها ليس لكون ذلك عندهم من الأمارات المخصوصة ، بل لأجل أنّهم لمّا لم يكونوا عالمين بالقبلة ، يكون أقصى مراتب الإمتثال لهم هو العمل بالظنّ ، فاعتمادهم على المحاريب وقبور المسلمين إنّما هو لأجل إفادتهما ظناً قوياً ، وكذا قول صاحب الدار لمن دخل فيها . فظهر ممّا ذكرنا أنّ مراتب الامتثال هي الثلاثة المذكورة ولا يزيد عليها قسم رابع .
المسألة الثامنة : إذا صلّى إلى جهة ثمّ تبيّن خطأه
إذا صلّى إلى الجهة التي كان مأموراً بالتوجّه إليها ، ثمّ تبيّن خطأُه بعد الفراغ من الصلاة ، فإن كان منحرفاً عن القبلة إنحرافاً يسيراً بحيث لم يبلغ حد المشرق والمغرب ، ففي وجوب الإعادة عليه في الوقت فقط وعدمه مطلقاً ، قولان(1) :
والأقوى هو الثاني ، للأخبار المعروفة الدالة عليه كصحيحة معاوية بن عمّار أنّه سأل الصادق(عليه السلام) عن الرجل يقوم في الصلاة ثمّ ينظر بعدما فرغ ، فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يميناً أو شمالا؟ فقال له : «قد مضت صلاته ، وما بين المشرق والمغرب قبلة»(2) .
- (1) فعن المحقق الاجزاء كما في شرائع الاسلام 1 : 67 ـ 68 ; المختصر النافع : 24 ; المعتبر 2 : 74 ; وعن عدّة الاعادة مطلقاً ; المبسوط 1 : 280 ، المقنعة : 97 ; المراسم : 61 ; الكافي في الفقه : 138 .
- (2) الفقيه 1 : 179 ح846 ; التهذيب 2 : 48 ح157 ; الإستبصار 1 : 297 ح1095 ; الوسائل 4 : 314 ، أبواب القبلة ب10 ح1 .
(الصفحة 233)
وصحيحة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال : «لا صلاة إلاّ إلى القبلة» . قال : قلت : أين حدّ القبلة؟ قال : «ما بين المشرق والمغرب قبلة كلّه» قال : قلت : فمن صلّى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت؟ قال : «يعيد»(1) . والظاهر عدم اختصاصهما بالمجتهد المخطئ بل يعمّ الناسي والغافل .
ورواية عمّار الساباطي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال في رجل صلّى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته ، قال : إن كان متوجهاً فيما بين المشرق والمغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم ، وإن كان متوجّهاً إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يفتتح الصلاة»(2) .
ورواية حسن بن ظريف المروية في قرب الإسناد عن الحسين بن علوان عن جعفر بن محمّد عن أبيه ، عن عليّ(عليهم السلام) إنّه كان يقول : «من صلّى على غير القبلة وهو يرى أنّه على القبلة ، ثمّ عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق والمغرب»(3) .
ولا يعارض هذه الأخبار ، الأخبار الدالة على وجوب الإعادة في الوقت وعدمه في خارجه التي سيأتي ذكرها في الفرض الثاني .
أمّا الصحيحتان فإن كان المراد منهما أنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة حقيقة وبحسب الواقع ، بأن يكون مراد الإمام(عليه السلام) في الصحيحة الاُولى ردع السائل عمّا توهّمه ، من كون صلاته وقعت على غير القبلة ، فهما واردتان على تلك الأخبار ، لأنّهما تدلاّن بالمطابقة على تعيين حدّ القبلة ، فلا تعرّض فيهم لفرض الصلاة إلى
- (1) الفقيه 1 : 180 ح55 ; الوسائل 4 : 312 . أبواب القبلة ب9 ح2 .
- (2) الكافي 3 : 285 ح8 ; التهذيب 2 : 48 ح159 ; الإستبصار 1 : 298 ح1100 ; الوسائل 4 : 315 . أبواب القبلة ب10 ح4 .
- (3) قرب الاسناد : 107 ح381 ; الوسائل 4 : 315 . أبواب القبلة ب10 ح5 .
(الصفحة 234)
غير القبلة بخلاف تلك الأخبار ، فإنّها تدلّ بظاهرها على حكم من صلّى إلى غير القبلة ، فالموضوع فيها أمر وفيهما أمر آخر . وإن كان المراد منهما أنّ الإنحراف عن القبلة إلى ما بين المشرق والمغرب لا يضرّ بصحّة الصلاة ، بل الصلاة مع هذا الإنحراف اليسير تكون كالصلاة إلى القبلة الواقعية .
وبعبارة اُخرى ، إنّ ما بين المشرق والمغرب يكون قبلة لا مطلقاً ، بل في الجملة ، وفي بعض الأحوال تنزيلا ، فمراد الإمام(عليه السلام) في الصحيحة الاُولى هو تقرير السائل على ما ذكره مع حكمه بأوسعية دائرة القبلة في صورة الغفلة والنسيان وخطإ الاجتهاد ، على ما يقتضيه إطلاقها ، فهما حاكمتان على تلك الأخبار كما لايخفى .
وأمّا الروايتان الأخيرتان فهما مخصّصتان لتلك الأخبار ، فيختصّ موردها بما إذا كان الإنحراف أزيد ممّا بين المشرق والمغرب ، ولا يمكن العكس ، لأنّه لو كانت تلك الأخبار مخصّصة لهما ، واختصّ موردهما بما إذا علم بالانحراف في خارج الوقت ، يلزم أن تكون الخصوصية المذكورة فيهما ، وهو كونه بين المشرق والمغرب لغواً ، مع أنّهما صريحتان في مدخليتها في الحكم بعدم وجوب الإعادة .
وممّا ذكرنا ظهر ضعف ما اختاره صاحب الحدائق(1) ، تبعاً للقدماء من الأصحاب ، من وجوب الإعادة عليه في الوقت مطلقاً ، مستدلاًّ بأنّه كما يمكن تقييد النصوص الدالة على وجوب الإعادة في الوقت دون خارجه بما إذا لم يكن الإنحراف إلى ما بين المشرق والمغرب ، كذلك يمكن تقييد هذه الأدلة بإرادة عدم الإعادة في خارج الوقت فقط ، فإنّ بينهما تعارض العموم من وجه ، ولا ترجيح للأول على الثاني ، بل الأمر بالعكس ، لأنّ القدماء من الأصحاب حكموا بوجوب