(الصفحة 253)
وكذا الإشكال في جواز صلاة الفريضة على الراحلة إذا صارت مستحبة كصلاة المعادة جماعة بعد الإتيان بها فرادى ، ومنشأ الإشكال في الفرض الأول اختلاف الأخبار .
ففي صحيحة عبدالله بن سنان قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : أيصلّي الرجل شيئاً من الفروض راكباً؟ فقال : «لا إلاّ من ضرورة»(1) .
وفي صحيحة عبدالرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لا يصلّي على الدابة الفريضة إلاّ مريض يستقبل به القبلة ويجزيه فاتحة الكتاب ، ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شيء ، ويؤمي في النافلة ايماءً»(2) .
وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى(عليه السلام) قال : سألته عن رجل جعل لله عليه أن يصلي كذا وكذا هل يجزيه أن يصلي ذلك على دابته وهو مسافر؟ قال(عليه السلام) : «نعم»(3) .
فمقتضى الصحيحتين الأوّليين عدم جواز الإتيان بالنافلة المنذورة على الراحلة إلاّ في حال الضرورة ، بناء على إطلاق لفظ الفريضة وشمولها لما صارت فريضة بالعرض ، ومقتضى الصحيحة الأخيرة هو الجواز مطلقاً في حال الضرورة وغيرها ، فهما مطلقتان من حيث الموضوع ، والأخيرة مطلقة من حيث الحكم ، فيرجع الأمر إلى تقديم أحد الإطلاقين على الآخر .
فقد يقال بتقديم الإطلاق الأوّل وتقييد الثاني بحال الضرورة ، كما ذهب إليه بعض ، وقد يقال بتقييد الأوّل بالفرائض الذاتية وتقديم الثاني كما هو الظاهر ، لأنّ دلالتها على إطلاق الحكم من حيث حال الضرورة وغيره أقوى من دلالتهما على
- (1) التهذيب 3 : 308 ح954 ; الوسائل 4 : 326 . أبواب القبلة ب14 ح4 .
- (2) التهذيب 3 : 308 ح952 ; الوسائل 4 : 325 . أبواب القبلة ب14 ح1 .
- (3) التهذيب 3 : 231 ح596 ; الوسائل 4 : 326 . أبواب القبلة ب14 ح6 .
(الصفحة 254)
الإطلاق من حيث شموله للنوافل الذاتية المفروضة بالعرض ، لأنّ تقييدها بحال الضرورة في غاية البعد ، لأنّ الظاهر أنّ عليّ بن جعفر(عليه السلام) كان عالماً بالفرق بين النافلة والفريضة من حيث جواز الإتيان بالاُولى على الراحلة مطلقاً ، وعدم جواز الإتيان بالثانية عليها إلاّ في حال الضرورة .
فسؤاله إنّما هو عن جواز الإتيان بالنافلة المنذورة على الراحلة في حال الإختيار ، لأنّ من المعلوم أنّ ما صار فريضة بالعرض لا يزيد حكمه على المفروض بالذات ، فإذا جاز الإتيان بالثاني في حال الضرورة على الراحلة فالإتيان بالأول عليها في حالها يكون جائزاً بطريق أولى ، فما يتعلّق به الشك والتحير الموجب للسؤال إنّما هو ما ذكرنا من الإتيان بالفريضة بالعرض على الراحلة في حال الإختيار ، فيجب تقييد الروايتين بها . هذا ، مضافاً إلى أنّ مورد الرواية هو ما كان المنذور نافلة دون الأعمّ منها ومن الفريضة كما هو واضح .
ومن المعلوم أنّ الوجوب الآتي من قبل النذر لا يغير المنذور عمّا هو عليه من الحكم ، بل المنذور بعد تعلّق النذر به إنّما يصير ديناً لله على العبد يجب الوفاء به ، ووجوب الوفاء بالشيء لا يغير حكمه ، فإذا كانت صلاة الليل مثلا قبل تعلّق النذر بها ممّا يجوز الإتيان بها على الراحلة ، فبعدما صارت ديناً على العبد ووجب عليه الإتيان بها لا يصير حكمها عدم جواز الإتيان بها على الدابة وغيرها ، كما هو المغروس في أذهان العرف .
ومضافاً إلى أنّ أخذ الفروض في الروايتين الاُوليين متعلّقاً لعدم الجواز ليس من باب مدخلية الفرضية في ذلك الحكم ، بل التعبير بها للإشارة إلى العناوين المفروضة بالذات كما لا يخفى .
ويؤيّد ما ذكرنا ـ من عدم جواز تقييد الأخيرة بحال الضرورة ـ ما دلّ على أنّ
(الصفحة 255)
النبي(صلى الله عليه وآله) صلّى صلاة الليل في غزوة تبوك على الراحلة(1) ، مع أنّ مقتضى بعض الروايات أنّها كانت واجبة عليه(صلى الله عليه وآله)(2) .
إن قلت : إنّه لا يدلّ على ما ذكر لأنّها حكاية لفعله(صلى الله عليه وآله) ، ومن المعلوم أنّ الفعل لا إطلاق له ، فلعلّه(صلى الله عليه وآله) كان يصلّي تلك الصلاة على الراحلة للضرورة من مطر أو غيره .
قلت : الحاكي لفعله(صلى الله عليه وآله) هو الإمام(عليه السلام) وغرضه من الحكاية مجرّد بيان الحكم ، وحينئذ فلو كان قيد الضرورة دخيلا فيه ، وكان فعله(صلى الله عليه وآله) في ذلك الحال لوجب عليه البيان ، وحيث لم يبين يعلم منه إطلاق الحكم كما لا يخفى .
وممّا ذكرنا ظهر حكم الفرض الثاني ، وهو الإتيان بالفريضة التي صارت مستحبة بالعرض على الراحلة ، وذلك لأنّك عرفت أنّ ما يدلّ على عدم جواز الإتيان بالفريضة على الراحلة لا دلالة فيها على حكم النافلة المنذورة ، لأنّ أخذ الفريضة فيها للإشارة إلى الطبائع المفروضة بالأصل ، والمفروض أنّ الصلاة المعادة جماعة بعد الإتيان بها فرادى تكون منها ، فلا يجوز فعلها على الراحلة .
هذا تمام الكلام في القبلة .
- (1) قرب الإسناد : 32 ح47 وص109 ح389 ; الوسائل 4 : 333 . أبواب القبلة ب15 ح20 و 21 .
- (2) التهذيب 2 : 242 ح959 ; الوسائل 4 : 68 . أبواب أعداد الفرائض ب16 ح6 .
(الصفحة 256)
(الصفحة 257)
المقدمة الرابعة في الستر و الساتر
لا إشكال ولا خلاف في شرطية الستر في الجملة في الصلاة ، والكلام في الستر من جهتين :
الاُولى : في الوجوب النفسيّ الذي يتعلّق به مطلقاً في حال الصلاة وغيره .
الثانية : في شرطيته للصلاة ; ولا يخفى أنّ الكلام في الساتر إنّما هو من حيث الأحكام التي تتعلّق به لا بما هو ساتر ، بل من حيث لبس المصلّي له في حال الصلاة ، وغالب هذه الأحكام راجعة إلى مانعية بعض الأوصاف الموجودة فيه كما سيظهر إن شاء الله تعالى .
أمّا الكلام في الجهة الاُولى من الستر فهو وإن كان غير مرتبط بالمقام ، إلاّ أنّه لا بأس بذكر بعض ما يتعلّق به من الأحكام .
فاعلم أنّه يجب على النساء ستر ما عدا الوجه والكفّين بلا ريب ولا إشكال ، ويحرم على الرجال النظر إلى ما عداهما أيضاً ، إنّما الإشكال والخلاف في أنّه هل