(الصفحة 269)
والمعنى : إنّ أقل ما يكفي من الثياب هو الدرع والخمار ، والمراد بالأوّل هو قميص المرأة الذي يستر من الكتف إلى القدمين ، وبالثاني هو ما يستر رأس المرأة .
وحينئذ فلابد من الفحص والتتبع ليعرف المقدار الخارج عن الدرع والخمار حتّى يستدل بتلك الأخبار على عدم وجوب ستره ، وإن لم تدلّ على وجوب ستر كلّ ما هو داخل فيهما ومستور بهما ، لإمكان عدم وجوب ستر بعض ما يكون داخلا فيهما كما لا يخفى .
وانقدح ممّا ذكرنا أنّ ستر المرأة وجهها لا يكون شرطاً لصحّة صلاتها ، كما هو المشهور بين العامّة(1) والخاصّة(2) ، للأخبار الدالّة على أنّ المرأة تصلّي في درع وخمار ، ومن المعلوم أنّ الخمار لا يكون ساتراً للوجه . وحكي عن بعض العامّة(3)والخاصّة أنّ ستره يكون واجباً وشرطاً لها ، كالمحكي عن ابن حمزة من أنّه يجب عليها ستر جميع بدنها إلاّ موضع السجود(4) .
وما حكي عن الغنية والجمل والعقود ، من شرطية ستر جميع البدن من غير استثناء(5) ممّا لا وجه له ، وكذا ما حكي عن البعض الآخر من جواز كشف بعض الوجه(6) ويمكن أن يكون مراده وجوب ستر البعض من باب المقدّمة ، فلا ينافي ما ذكرنا ، وقد عرفت أنّ المراد بالوجه فيما نحن فيه هو الوجه العرفي الشامل للصدغين وما يحاذيهما من الوجه ، لا الوجه في باب الوضوء ، ويدلّ عليه ما رواه الصدوق
- (1) بداية المجتهد 1 : 167 المسألة الثالثة ; المغني لابن قدامة 1 : 672 ; المجموع 3 : 169 .
- (2) المبسوط 1 : 87 ; الإقتصاد : 258 ; الكافي في الفقه : 139 ; السرائر 1 : 260 ; مختلف الشيعة 2 : 98 .
- (3) وهو أبو بكر بن عبدالرحمن بن هشام كما في تذكرة الفقهاء 2: 446 مسألة 108; والخلاف 1: 394 مسألة 144 .
- (4) الوسيلة : 89 .
- (5) الغنية : 65 ; الجمل والعقود : 63 .
- (6) إشارة السبق : 83 .
(الصفحة 270)
عن الفضيل ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «صلّت فاطمة(عليها السلام) في درع وخمارها على رأسها ، ليس عليها أكثر ممّا دارت به شعرها وأذنيها»(1) .
والمراد أنّ خمارها كان على نحو لا تستر أزيد من الشعر والأذنين من الوجه ، وليس المراد أنّه لا يستر العنق والصدر كما لا يخفى .
إن قلت : إنّه لا يدلّ على ما ذكر ، لأنّ مضمونه إنّما هو حكاية فعلها(عليها السلام)والفعل لا إطلاق له ، فلعلّها كانت تصلّي فيهما لضرورة .
قلت : نعم ، يصحّ ذلك لو كان الحاكي غير الإمام(عليه السلام) ، وأمّا لو كان هو الحاكي مع كون المقصود من الحكاية بيان الحكم ، يعلم عدم كونه مقيّداً بحال الضرورة وغيره ، وإلاّ كان عليه البيان كما لا يخفى . هذا ، ولكن الفضيل مشترك وطريق الصدوق إليه ضعيف ، فالأحوط الاقتصار على القدر المتيقن ، وهو الوجه في باب الوضوء .
ثمّ إنّه هل يكون المراد بالوجه ظاهره فقط حتّى يكون ستر باطنه شرطاً لصحّة صلاتها ، أو أنّ المراد به أعمّ من باطنه؟ قولان ، حكى صاحب الجواهر عن كاشف الغطاء القول بوجوب ستر الباطن(2) ، لأنّ المتبادر من الوجه ظاهره ، فلا تشمل الأدلة غيره .
وفيه قد عرفت أنّه لا دليل على استثناء الوجه بعنوانه حتّى يقال إنّ المتبادر منه خصوص الظاهر ، بل الدليل هو مثل قوله(عليه السلام) : «المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة»(3) وهو كما يدلّ على عدم وجوب ستر الظاهر لخروجه عنهما ، كذلك يدلّ على عدم وجوب ستر الباطن لعدم الفرق ، هذا كلّه في الوجه .
- (1) الفقيه 1 : 167 ح785 ; الوسائل 4 : 405 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح1 .
- (2) كشف الغطاء : 197 ; جواهر الكلام 8 : 174 .
- (3) الوسائل 4 : 405 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح3 و ص406 ذ ح7 .
(الصفحة 271)
وأمّا الكفّان ففي وجوب سترهما وعدمه خلاف ، والمشهور بين الخاصّة والعامّة استثنائهما كالوجه ، بل ادّعى كثير من العلماء الاجماع عليه(1) ، ولكن حكي عن صاحب الحدائق إنّه ذهب إلى ما ذهب إليه أحمد بن حنبل وداود من العامّة ، من أنّ ستر الكفّين شرط لصحّة صلاة المرأة ، واستدلّ عليه برواية جميل قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن المرأة تصلّي في درع وخمار؟ فقال : «يكون عليها ملحفة تضمّها عليها»(2) وغيرها ، لأنّها تدلّ على أنّهما أقل ما يكفي للمرأة من الثياب .
ومن المعلوم أنّ الدروع في هذه الأزمنة تستر الكفّين أيضاً ، ومع الشك في أنّه هل كانت الدروع في زمان النبي والأئمة(عليهم السلام) ساترة لهما أم لا؟ يرجع إلى أصالة عدم التغيير(3) .
وفيه : أنّه مع فرض كون الدروع في زمانهم ساترة للكفّين أيضاً نقول : لا دليل على اعتبار سترهما ، لأنّك عرفت أنّ الرواية إنّما تدلّ على عدم وجوب ستر ما هو خارج عن الدرع والخمار ، ولا يكون مستوراً بهما ، ولا تدلّ على وجوب ستر كلّ ما هو داخل فيهما ومستور بهما .
هذا ، مضافاً إلى أنّ الأصحاب من عصر الإمام(عليه السلام) إلى عصر العلاّمة والشهيدين وغيرهم ، قد أفتوا بعدم شرطية سترهما(4) ، واستدلّوا على ذلك بتلك
- (1) المغني لابن قدامة 1 : 601 ; بداية المجتهد 1 : 167 ; الخلاف 1 : 394 مسألة 144 ; تذكرة الفقهاء 2 : 446 مسألة 108 ; مختلف الشيعة 2 : 98 ; كشف اللثام 3 : 234 .
- (2) التهذيب 2 : 218 ح860 ; الإستبصار 1 : 39 ح1484 ; الوسائل 4 : 407 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح11 .
- (3) الحدائق 7 : 9 .
- (4) المبسوط 1 : 87 ; السرائر 1 : 260 ; وحكاه عن ابن الجنيد في مختلف الشيعة 2 : 98 ; المعتبر 2 : 101 ; الجامع للشرائع : 65 ; تذكرة الفقهاء 2 : 446 مسألة 108 ; قواعد الأحكام 1 : 257 ; الدروس 1 : 147 ; الذكرى 3 : 7 ; مسالك الأفهام 1 : 166 ; الروضة البهيّة : 203 ; جامع المقاصد 2 : 97 ; مجمع الفائدة والبرهان 2 : 104 ; مدارك الأحكام 3 : 188 ; كشف اللثام 3 : 228 .
(الصفحة 272)
الرواية ، فيعلم منه أنّ الدروع في زمانهم لم تكن تستر الكفّين ، وإلاّ فلا يكون وجه للاستدلال بها كما لا يخفى ، ولا أقلّ من كون الدروع في زمانهم على قسمين : قسم كان ساتراً لهما ، وقسم آخر لم يكن كذلك ، فاستدلّوا باطلاق الحكم على عدم الوجوب ، حيث انّ مدلول الرواية كفاية الدرع مطلقاً ، إذ لا يكون فيها تقييد بما كان منها ساتراً كما هو واضح .
ويؤيّد عدم كون الدروع ساترة للكفّين في الأزمنة السابقة ما حكي عن ابن عبّاس في تفسير قوله تعالى :
{إلاّ ما ظهر منها}(1) من أنّ الزينة الظاهرة هو الوجه والكفّان(2) ، حيث أنّه يدلّ على عدم كونهما مستورين في زمانه ، ولم يعترض عليه أحد من تلامذته ، فلا يبعد الحكم بعدم اعتبار سترهما للروايات ، مع انضمام الفتاوى إليها .
هذا ، مع أنّه لو شك في خروجهما عن الدرع فالواجب هو الرجوع إلى أصالة البراءة العقلية والنقلية ، بناءً على ما هو الحقّ من جريان أصل البراءة مطلقاً في الشك في الجزئية والشرطية ، هذا في الكفين .
وأمّا القدمان فالمشهور بين الخاصّة أيضاً أنّه لا يجب سترهما في الصلاة(3)خلافاً لصاحب الحدائق ، حيث ذهب إلى اعتبار سترهما كالكفّين(4) ، ودليله ما عرفت ، وقد ذكرنا ما فيه ، إلاّ أنّ في المقام قد عبّر بعضهم بل كثيرهم بظاهر
- (1) النور : 31 .
- (2) جامع البيان 10 : 157 ـ 158 ; الدر المنثور 5 : 41 ; المحلّى 3 : 221 ; تذكرة الفقهاء 2 : 447 .
- (3) المبسوط 1: 87 ; المعتبر 2: 101; الجامع للشرائع: 65; المنتهى 1: 237; تذكرة الفقهاء 2: 446 مسألة 108; مختلف الشيعة 2: 98 .
- (4) الحدائق 7 : 9 .
(الصفحة 273)
القدمين(1) ، وهو محتمل لأن يكون الحكم أي عدم شرطية الستر مختصّاً بظاهرهما دون الأعم منه ومن باطنهما ، كما هو مقتضى ظاهر التعبير ، ولأن يكون التعبير بالظاهر لأجل كونه محلاًّ للابتلاء بالستر .
وأمّا الباطن فهو مستور بالأرض أو بغيرها على أيّ حال ، والظاهر هو الثاني وفاقاً لصاحب الجواهر(2) ، ويؤيّده أنّه لو كان الحكم مختصّاً بظاهرهما يلزم عدم الفايدة فيه ، لأنّ ما هو الساتر للباطن من الألبسة المتعارفة يكون ساتراً للظاهر أيضاً ولا عكس ، وكونه مستوراً بالأرض إنّما هو في غير حال السجود كما لا يخفى .
وبالجملة : فالمسألة غير صافية عن الإشكال ، ولذا تردد المحقق في الشرائع في استثناء ظاهرهما ، وإن ذهب في النافع ـ الذي هو آخر ما صنّفه ـ إلى أظهرية الاشتراط(3) هذا ، وقد استدل العلامة في التذكرة لعدم اعتبار سترهما بأنّ الحكم بكونهما ليسا بعورة أولى من الحكم بأنّ الكفّين لا يكونان منها ، فلا يشملهما قوله(صلى الله عليه وآله) : «المرأة عورة»(4) وفيه : ما لا يخفى من عدم الدليل على هذه الأولوية .
وكيف كان فمستند المسألة هو قوله(عليه السلام) : «لا ينبغي للمرأة أن تصلّي إلاّ في ثوبين» كما رواه الخاصّة عن الأئمة(عليهم السلام)(5) ، أو «تصلّي المرأة في درع وخمار» كما رواه العامّة عن النبي(صلى الله عليه وآله)(6) . وقد عرفت أنّها تدل على عدم وجوب ستر كل ما هو خارج منهما لا وجوب ستر كلّ ما هو داخل فيهما ، فلابدّ من التتبع ليعرف أنّه هل يكون القدمان داخلين في الدرع أو لا؟ ومع الشك يرجع إلى أصالة البراءة مطلقاً
- (1) المبسوط 1 : 87 ; المعتبر 2 : 101 ; قواعد الأحكام 1 : 257 ; كشف اللثام 3 : 234 .
- (2) جواهر الكلام 8 : 172 .
- (3) شرائع الاسلام 1 : 70 ; المختصر النافع : 25 .
- (4) تذكرة الفقهاء 2 : 447 .
- (5) الوسائل 4 : 407 . أبواب لباس المصلّي ب28 ذ ح10 .
- (6) السنن الكبرى 2 : 232 و233 .