(الصفحة 274)
بناءً على ما هو الحقّ كما عرفت .
ثمّ إنّه ذهب صاحب المدارك إلى أنّه لا يجب على المرأة ستر شعر رأسها بما لا يكون حاكياً لما تحته من الساتر ، ولا يكون شرطاً لصحّة صلاتها(1) ، واستدلّ عليه بما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم في حديث قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : ما ترى للرجل يصلّي في قميص واحد؟ فقال : «إذا كان كثيفاً فلا بأس به ، والمرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفاً يعني إذا كان ستيراً»(2) ، فإنّ تخصيص اعتبار الكثافة بالدرع يدلّ على عدم اعتبارها في المقنعة .
وأجاب عنه صاحب الجواهر(3)(قدس سره) بأنّ هذا مستلزم لعدم اعتبار ستر بشرة الرأس ، لأنّه إذا كانت المقنعة حاكية لما تحتها من شعر الرأس تكون بشرته أيضاً غير مستورة ، والقول بأنّها مستورة بشعره غير ثابت ، لأنّ الشعر يكون من أجزاء البدن والساتر يجب أن يكون من غيرها ، وبطلان التالي واضح لعدم التزام المستدلّ به .
هذا ، ولكن يمكن أن يجاب عنه ـ ولو مع تسليم أنّه يكفي كون الساتر هو الشعر ـ أوّلا بأنّ إطلاق الحكم يقتضي عدم اعتبار الكثافة حتّى في المرأة التي لا تكون لها شعر ، وهو مستلزم لعدم اعتبار ستر الرأس ، وقد عرفت أنّه لا يلتزم به .
وثانياً بأنّ التخصيص بالدرع لأجل مفهوم اللقب ، وقد بيّن في الاُصول أنّه غير ثابت ، مع أنّ هذه الرواية هي ما رواه الصدوق عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر(عليه السلام) إنّه قال : «المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفاً يعني ستيراً» ولا
- (1) مدارك الأحكام 3 : 188 ـ 189 .
- (2) الكافي 3 : 394 ح2 ; التهذيب 2 : 217 ح855 ; الفقيه 1 : 243 ح1081 ; الوسائل 4 : 406 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح7 .
- (3) جواهر الكلام 8 : 168 ـ 169 .
(الصفحة 275)
تكونان روايتين ، بل الظاهر أنّ الراوي وهو محمّد بن مسلم قد سمع هذه الجملة منه(عليه السلام) دفعة واحدة ، والاختلاف إنّما نشأ من اشتباه الراوي .
وعليه لا يمكن الاستدلال بالاُولى ، إذ اللفظ الصادر منه(عليه السلام) يكون مردّداً لنا ، ومن الواضح أنّ ما رواه الصدوق لا يدلّ على ما ذهب إليه المستدل ، لأنّ الضمير في قوله(عليه السلام) : «إذا كان كثيفاً» وإن كان مفرداً إلاّ أنّ الظاهر رجوعه إلى الجامع بين الدرع والمقنعة ، والتعبير بهذا النحو شائع في الأخبار بل في القرآن أيضاً ، وكونه راجعاً إلى خصوص الدرع باعتبار كونه مذكّراً خلاف الظاهر ، لتقدّمه في الذكر على المقنعة .
ثمّ لا يخفى أنّ المتبادر من قوله(عليه السلام) : «المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة» هو اعتبار كونهما كثيفين ، لأنّه يدلّ على أنّ أقل ما يكفي من الساتر للمرأة هو الدرع والمقنعة ، والثوب غير الكثيف لا يكون في الحقيقة ساتراً . هذا ، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات عليه(1) .
ثمّ إنّه لا يشترط في صحّة صلاة الصغيرة ستر الشعر ، حتّى بناءً على ما هو الحق من كون عبادات الصبي شرعية لا تمرينية ، والدليل عليه الشهرة العظيمة المحققة(2) ، مضافاً إلى الأخبار الواردة في هذا المقام ، مثل ما رواه الصدوق عن يونس بن يعقوب أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يصلّي في ثوب واحد؟ قال : نعم ، قال : قلت : فالمرأة؟ قال : «لا ولا يصلح للحرّة إذا حاضت إلاّ الخمار إلاّ أن لا تجده»(3) .
- (1) الوسائل 4 : 405 . أبواب لباس المصلّي ب28 .
- (2) المعتبر 2 : 103 ; المنتهى 1 : 237 ; الذكرى 3 : 9 ; جامع المقاصد 2 : 98 ; روض الجنان : 217 ; كشف اللثام 3 : 238 ; مختلف الشيعة 2 : 101 .
- (3) الفقيه 1 : 244 ح1082 ; الوسائل 4 : 405 . أبواب لباس المصلي ب28 ح4 .
(الصفحة 276)
وفي رواية رواها الصدوق قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : قال النّبي(صلى الله عليه وآله) : «ثمانية لا يقبل الله لهم صلاة : منهم المرأة المدركة تصلّي بغير خمار»(1) ، وكذا لا يجب على المملوكة ستر الشعر ، للشهرة والأخبار الكثيرة مثل ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن(عليه السلام) قال : «ليس على الإماء أن يتقنّعن في الصلاة . . .»(2) .
ثمّ لا يخفى عليك أنّه لا منافاة بين ما ذكرنا من أنّه يجب على الرجل ستر عورته فقط ، وبين ما ورد في بعض الأخبار من أنّ الرجل يصلّي في ثوب أو قميص واحد(3) ، باعتبار أنّه يدلّ على كونه أقلّ ما يكفي للرجل من الساتر ، وذلك لما عرفت من أنّ مثله يدلّ على عدم وجوب ستر ما هو خارج عنه ولا يكون مستوراً به ، ولا يدلّ على وجوب ستر كلّ ما هو داخل فيه ومستور به كما لا يخفى ، فلا منافاة بينهما أصلا .
كيفيّة صلاة العاري
إذا كان المصلّي فاقداً للساتر أو كان ثوبه منحصراً في النجس ، وقلنا بأنّه يجب عليه الصلاة عرياناً ، ففي كيفية صلاته من حيث القيام والقعود ومن حيث الركوع والسجود أو الايماء خلاف(4) ، منشؤه اختلاف الأخبار ، ولابدّ من التكلّم
- (1) الفقيه 1 : 36 ح131 ; المحاسن 1 : 76 ح36 ; الوسائل 4 : 406 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح6 .
- (2) التهذيب 2 : 217 ح854 ; الاستبصار 1 : 389 ح1479 ; الوسائل 4 : 407 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح10 .
- (3) الكافي 3 : 394 ح2 ; الفقيه 1 : 243 ح1082 ; التهذيب 2 : 217 ح855 ; الوسائل 4 : 405 ، 406 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح4 و 7 .
- (4) الخلاف 1 : 399 و 400 ; المعتبر 2 : 105 ; تذكرة الفقهاء 2 : 455 ; الذكرى 3 : 21 ; مختلف الشيعة 2 : 100 ; كشف اللثام 3 : 245 .
(الصفحة 277)
في كل من الحيثيتين مستقلا فنقول :
أمّا من الحيثية الاُولى فمقتضى بعض الأخبار أنّه يصلّي جالساً ، كرواية إسحاق بن عمّار الواردة في صلاة جماعة العراة قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : قوم قطع عليهم الطريق وأخذت ثيابهم فبقوا عراتاً وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال : «يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه فيؤمي إيماءً بالركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم»(1) .
ورواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، الواردة أيضاً في صلاتهم جماعة قال : سألته عن قوم صلّوا جماعة وهم عراة؟ قال(عليه السلام) : «يتقدّمهم الإمام بركبتيه ويصلّي بهم جلوساً وهو جالس»(2) .
وصحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : رجل خرج من سفينة عرياناً أو سلب ثيابه ولم يجد شيئاً يصلّي فيه؟ فقال : «يصلّي إيماءً وإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها وإن كان رجلا وضع يده على سوءته ثمّ يجلسان فيؤميان إيماءً ، ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما . . .»(3) .
وغير ذلك ممّا يدلّ على أنّه يصلّي جالساً مثل ما ورد فيما لو كان ثوب المصلّي منحصراً في النجس ، كرواية محمّد بن عليّ الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام)(4) وموثقة سماعة المروية في الكافي(5) ، وأمّا ما في التهذيب(6) فهو يدلّ على أنّه يصلي قائماً لا
- (1) التهذيب 2 : 365 ح1514 ; الوسائل 4 : 451 . أبواب لباس المصلّي ب51 ح 2 .
- (2) التهذيب 2 : 365 ح1513 ; وج3 : 178 ح404 ; الوسائل 4 : 450 . أبواب لباس المصلّى ب51 ح1 .
- (3) الكافي 3 : 396 ح16 ; الوسائل 4 : 449 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح6 .
- (4) التهذيب 1: 406 ح1278 وج2: 223 ح882; الإستبصار 1: 168 ح583; الوسائل 3: 486. أبواب النجاسات ب46 ح4.
- (5) الكافي 3: 396 ح15 ; التهذيب 2 : 223 ح881 عن الكليني ; الوسائل 3 : 486 . أبواب النجاسات ب46 ح1 .
- (6) التهذيب 1 : 405 ح1271 ; الإستبصار 1 : 168 ح582 عن غير طريق الكليني ; الوسائل 3 : 486 . أبواب النجاسات ب46 ح3 .
(الصفحة 278)
قاعداً ، ويدلّ على وجوب الصلاة جالساً أيضاً رواية أبي البختري الآتية في كيفية صلاتهم من حيث الركوع والسجود .
وبإزاء هذه الأخبار ، روايات تدلّ على أنّ العاري يصلّي قائماً ، كصحيحة علي ابن جعفر عن أخيه موسى(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً وحضرت الصلاة كيف يصلّي؟ قال : «إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع والسجود ، وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم»(1) .
ورواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال في حديث : «وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلّد السيف ويصلّي قائماً»(2) .
هذا ، ومقتضى قاعدة الجمع حمل الطائفة الاُولى على صورة وجود الناظر ، والثانية على ما إذا كان في محلّ يأمن من المطلع ولا يراه أحد . ويدلّ على ذلك مرسلة عبدالله بن مسكان عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة ، قال : «يصلّي عرياناً قائماً إن لم يره أحد فإن رآه أحد صلّى جالساً»(3) ورواه أيضاً الصدوق مرسلا(4) ، ورواه البرقي في المحاسن عن ابن مسكان عن أبي جعفر(عليه السلام)(5) مع اختلاف في العبارة ، والظاهر أنّه اشتباه من الراوي إلاّ أنّه يناقش فيه بأنّه لا يمكن له النقل عن أبي جعفر(عليه السلام) بدون الواسطة فتكون
- (1) التهذيب 2 : 365 ح1515 ; مسائل عليّ بن جعفر : 172 ح298 ; الوسائل 4 : 448 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح1 .
- (2) الفقيه 1 : 166 ح782 ; التهذيب 2 : 366 ح1519 ; الوسائل 4 : 449 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح4 .
- (3) التهذيب 2 : 365 ح1516 ; الفقيه 1 : 168 ح793 ; الوسائل 4 : 449 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح3 و 5 .
- (4) التهذيب 2 : 365 ح1516 ; الفقيه 1 : 168 ح793 ; الوسائل 4 : 449 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح3 و 5 .
- (5) المحاسن 2 : 122 ح1338 ; الوسائل 4 : 450 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح7 .