(الصفحة 272)
الرواية ، فيعلم منه أنّ الدروع في زمانهم لم تكن تستر الكفّين ، وإلاّ فلا يكون وجه للاستدلال بها كما لا يخفى ، ولا أقلّ من كون الدروع في زمانهم على قسمين : قسم كان ساتراً لهما ، وقسم آخر لم يكن كذلك ، فاستدلّوا باطلاق الحكم على عدم الوجوب ، حيث انّ مدلول الرواية كفاية الدرع مطلقاً ، إذ لا يكون فيها تقييد بما كان منها ساتراً كما هو واضح .
ويؤيّد عدم كون الدروع ساترة للكفّين في الأزمنة السابقة ما حكي عن ابن عبّاس في تفسير قوله تعالى :
{إلاّ ما ظهر منها}(1) من أنّ الزينة الظاهرة هو الوجه والكفّان(2) ، حيث أنّه يدلّ على عدم كونهما مستورين في زمانه ، ولم يعترض عليه أحد من تلامذته ، فلا يبعد الحكم بعدم اعتبار سترهما للروايات ، مع انضمام الفتاوى إليها .
هذا ، مع أنّه لو شك في خروجهما عن الدرع فالواجب هو الرجوع إلى أصالة البراءة العقلية والنقلية ، بناءً على ما هو الحقّ من جريان أصل البراءة مطلقاً في الشك في الجزئية والشرطية ، هذا في الكفين .
وأمّا القدمان فالمشهور بين الخاصّة أيضاً أنّه لا يجب سترهما في الصلاة(3)خلافاً لصاحب الحدائق ، حيث ذهب إلى اعتبار سترهما كالكفّين(4) ، ودليله ما عرفت ، وقد ذكرنا ما فيه ، إلاّ أنّ في المقام قد عبّر بعضهم بل كثيرهم بظاهر
- (1) النور : 31 .
- (2) جامع البيان 10 : 157 ـ 158 ; الدر المنثور 5 : 41 ; المحلّى 3 : 221 ; تذكرة الفقهاء 2 : 447 .
- (3) المبسوط 1: 87 ; المعتبر 2: 101; الجامع للشرائع: 65; المنتهى 1: 237; تذكرة الفقهاء 2: 446 مسألة 108; مختلف الشيعة 2: 98 .
- (4) الحدائق 7 : 9 .
(الصفحة 273)
القدمين(1) ، وهو محتمل لأن يكون الحكم أي عدم شرطية الستر مختصّاً بظاهرهما دون الأعم منه ومن باطنهما ، كما هو مقتضى ظاهر التعبير ، ولأن يكون التعبير بالظاهر لأجل كونه محلاًّ للابتلاء بالستر .
وأمّا الباطن فهو مستور بالأرض أو بغيرها على أيّ حال ، والظاهر هو الثاني وفاقاً لصاحب الجواهر(2) ، ويؤيّده أنّه لو كان الحكم مختصّاً بظاهرهما يلزم عدم الفايدة فيه ، لأنّ ما هو الساتر للباطن من الألبسة المتعارفة يكون ساتراً للظاهر أيضاً ولا عكس ، وكونه مستوراً بالأرض إنّما هو في غير حال السجود كما لا يخفى .
وبالجملة : فالمسألة غير صافية عن الإشكال ، ولذا تردد المحقق في الشرائع في استثناء ظاهرهما ، وإن ذهب في النافع ـ الذي هو آخر ما صنّفه ـ إلى أظهرية الاشتراط(3) هذا ، وقد استدل العلامة في التذكرة لعدم اعتبار سترهما بأنّ الحكم بكونهما ليسا بعورة أولى من الحكم بأنّ الكفّين لا يكونان منها ، فلا يشملهما قوله(صلى الله عليه وآله) : «المرأة عورة»(4) وفيه : ما لا يخفى من عدم الدليل على هذه الأولوية .
وكيف كان فمستند المسألة هو قوله(عليه السلام) : «لا ينبغي للمرأة أن تصلّي إلاّ في ثوبين» كما رواه الخاصّة عن الأئمة(عليهم السلام)(5) ، أو «تصلّي المرأة في درع وخمار» كما رواه العامّة عن النبي(صلى الله عليه وآله)(6) . وقد عرفت أنّها تدل على عدم وجوب ستر كل ما هو خارج منهما لا وجوب ستر كلّ ما هو داخل فيهما ، فلابدّ من التتبع ليعرف أنّه هل يكون القدمان داخلين في الدرع أو لا؟ ومع الشك يرجع إلى أصالة البراءة مطلقاً
- (1) المبسوط 1 : 87 ; المعتبر 2 : 101 ; قواعد الأحكام 1 : 257 ; كشف اللثام 3 : 234 .
- (2) جواهر الكلام 8 : 172 .
- (3) شرائع الاسلام 1 : 70 ; المختصر النافع : 25 .
- (4) تذكرة الفقهاء 2 : 447 .
- (5) الوسائل 4 : 407 . أبواب لباس المصلّي ب28 ذ ح10 .
- (6) السنن الكبرى 2 : 232 و233 .
(الصفحة 274)
بناءً على ما هو الحقّ كما عرفت .
ثمّ إنّه ذهب صاحب المدارك إلى أنّه لا يجب على المرأة ستر شعر رأسها بما لا يكون حاكياً لما تحته من الساتر ، ولا يكون شرطاً لصحّة صلاتها(1) ، واستدلّ عليه بما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم في حديث قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : ما ترى للرجل يصلّي في قميص واحد؟ فقال : «إذا كان كثيفاً فلا بأس به ، والمرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفاً يعني إذا كان ستيراً»(2) ، فإنّ تخصيص اعتبار الكثافة بالدرع يدلّ على عدم اعتبارها في المقنعة .
وأجاب عنه صاحب الجواهر(3)(قدس سره) بأنّ هذا مستلزم لعدم اعتبار ستر بشرة الرأس ، لأنّه إذا كانت المقنعة حاكية لما تحتها من شعر الرأس تكون بشرته أيضاً غير مستورة ، والقول بأنّها مستورة بشعره غير ثابت ، لأنّ الشعر يكون من أجزاء البدن والساتر يجب أن يكون من غيرها ، وبطلان التالي واضح لعدم التزام المستدلّ به .
هذا ، ولكن يمكن أن يجاب عنه ـ ولو مع تسليم أنّه يكفي كون الساتر هو الشعر ـ أوّلا بأنّ إطلاق الحكم يقتضي عدم اعتبار الكثافة حتّى في المرأة التي لا تكون لها شعر ، وهو مستلزم لعدم اعتبار ستر الرأس ، وقد عرفت أنّه لا يلتزم به .
وثانياً بأنّ التخصيص بالدرع لأجل مفهوم اللقب ، وقد بيّن في الاُصول أنّه غير ثابت ، مع أنّ هذه الرواية هي ما رواه الصدوق عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر(عليه السلام) إنّه قال : «المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفاً يعني ستيراً» ولا
- (1) مدارك الأحكام 3 : 188 ـ 189 .
- (2) الكافي 3 : 394 ح2 ; التهذيب 2 : 217 ح855 ; الفقيه 1 : 243 ح1081 ; الوسائل 4 : 406 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح7 .
- (3) جواهر الكلام 8 : 168 ـ 169 .
(الصفحة 275)
تكونان روايتين ، بل الظاهر أنّ الراوي وهو محمّد بن مسلم قد سمع هذه الجملة منه(عليه السلام) دفعة واحدة ، والاختلاف إنّما نشأ من اشتباه الراوي .
وعليه لا يمكن الاستدلال بالاُولى ، إذ اللفظ الصادر منه(عليه السلام) يكون مردّداً لنا ، ومن الواضح أنّ ما رواه الصدوق لا يدلّ على ما ذهب إليه المستدل ، لأنّ الضمير في قوله(عليه السلام) : «إذا كان كثيفاً» وإن كان مفرداً إلاّ أنّ الظاهر رجوعه إلى الجامع بين الدرع والمقنعة ، والتعبير بهذا النحو شائع في الأخبار بل في القرآن أيضاً ، وكونه راجعاً إلى خصوص الدرع باعتبار كونه مذكّراً خلاف الظاهر ، لتقدّمه في الذكر على المقنعة .
ثمّ لا يخفى أنّ المتبادر من قوله(عليه السلام) : «المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة» هو اعتبار كونهما كثيفين ، لأنّه يدلّ على أنّ أقل ما يكفي من الساتر للمرأة هو الدرع والمقنعة ، والثوب غير الكثيف لا يكون في الحقيقة ساتراً . هذا ، مضافاً إلى دلالة بعض الروايات عليه(1) .
ثمّ إنّه لا يشترط في صحّة صلاة الصغيرة ستر الشعر ، حتّى بناءً على ما هو الحق من كون عبادات الصبي شرعية لا تمرينية ، والدليل عليه الشهرة العظيمة المحققة(2) ، مضافاً إلى الأخبار الواردة في هذا المقام ، مثل ما رواه الصدوق عن يونس بن يعقوب أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يصلّي في ثوب واحد؟ قال : نعم ، قال : قلت : فالمرأة؟ قال : «لا ولا يصلح للحرّة إذا حاضت إلاّ الخمار إلاّ أن لا تجده»(3) .
- (1) الوسائل 4 : 405 . أبواب لباس المصلّي ب28 .
- (2) المعتبر 2 : 103 ; المنتهى 1 : 237 ; الذكرى 3 : 9 ; جامع المقاصد 2 : 98 ; روض الجنان : 217 ; كشف اللثام 3 : 238 ; مختلف الشيعة 2 : 101 .
- (3) الفقيه 1 : 244 ح1082 ; الوسائل 4 : 405 . أبواب لباس المصلي ب28 ح4 .
(الصفحة 276)
وفي رواية رواها الصدوق قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : قال النّبي(صلى الله عليه وآله) : «ثمانية لا يقبل الله لهم صلاة : منهم المرأة المدركة تصلّي بغير خمار»(1) ، وكذا لا يجب على المملوكة ستر الشعر ، للشهرة والأخبار الكثيرة مثل ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن(عليه السلام) قال : «ليس على الإماء أن يتقنّعن في الصلاة . . .»(2) .
ثمّ لا يخفى عليك أنّه لا منافاة بين ما ذكرنا من أنّه يجب على الرجل ستر عورته فقط ، وبين ما ورد في بعض الأخبار من أنّ الرجل يصلّي في ثوب أو قميص واحد(3) ، باعتبار أنّه يدلّ على كونه أقلّ ما يكفي للرجل من الساتر ، وذلك لما عرفت من أنّ مثله يدلّ على عدم وجوب ستر ما هو خارج عنه ولا يكون مستوراً به ، ولا يدلّ على وجوب ستر كلّ ما هو داخل فيه ومستور به كما لا يخفى ، فلا منافاة بينهما أصلا .
كيفيّة صلاة العاري
إذا كان المصلّي فاقداً للساتر أو كان ثوبه منحصراً في النجس ، وقلنا بأنّه يجب عليه الصلاة عرياناً ، ففي كيفية صلاته من حيث القيام والقعود ومن حيث الركوع والسجود أو الايماء خلاف(4) ، منشؤه اختلاف الأخبار ، ولابدّ من التكلّم
- (1) الفقيه 1 : 36 ح131 ; المحاسن 1 : 76 ح36 ; الوسائل 4 : 406 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح6 .
- (2) التهذيب 2 : 217 ح854 ; الاستبصار 1 : 389 ح1479 ; الوسائل 4 : 407 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح10 .
- (3) الكافي 3 : 394 ح2 ; الفقيه 1 : 243 ح1082 ; التهذيب 2 : 217 ح855 ; الوسائل 4 : 405 ، 406 . أبواب لباس المصلّي ب28 ح4 و 7 .
- (4) الخلاف 1 : 399 و 400 ; المعتبر 2 : 105 ; تذكرة الفقهاء 2 : 455 ; الذكرى 3 : 21 ; مختلف الشيعة 2 : 100 ; كشف اللثام 3 : 245 .