(الصفحة 277)
في كل من الحيثيتين مستقلا فنقول :
أمّا من الحيثية الاُولى فمقتضى بعض الأخبار أنّه يصلّي جالساً ، كرواية إسحاق بن عمّار الواردة في صلاة جماعة العراة قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : قوم قطع عليهم الطريق وأخذت ثيابهم فبقوا عراتاً وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال : «يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه فيؤمي إيماءً بالركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم»(1) .
ورواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، الواردة أيضاً في صلاتهم جماعة قال : سألته عن قوم صلّوا جماعة وهم عراة؟ قال(عليه السلام) : «يتقدّمهم الإمام بركبتيه ويصلّي بهم جلوساً وهو جالس»(2) .
وصحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : رجل خرج من سفينة عرياناً أو سلب ثيابه ولم يجد شيئاً يصلّي فيه؟ فقال : «يصلّي إيماءً وإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها وإن كان رجلا وضع يده على سوءته ثمّ يجلسان فيؤميان إيماءً ، ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما . . .»(3) .
وغير ذلك ممّا يدلّ على أنّه يصلّي جالساً مثل ما ورد فيما لو كان ثوب المصلّي منحصراً في النجس ، كرواية محمّد بن عليّ الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام)(4) وموثقة سماعة المروية في الكافي(5) ، وأمّا ما في التهذيب(6) فهو يدلّ على أنّه يصلي قائماً لا
- (1) التهذيب 2 : 365 ح1514 ; الوسائل 4 : 451 . أبواب لباس المصلّي ب51 ح 2 .
- (2) التهذيب 2 : 365 ح1513 ; وج3 : 178 ح404 ; الوسائل 4 : 450 . أبواب لباس المصلّى ب51 ح1 .
- (3) الكافي 3 : 396 ح16 ; الوسائل 4 : 449 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح6 .
- (4) التهذيب 1: 406 ح1278 وج2: 223 ح882; الإستبصار 1: 168 ح583; الوسائل 3: 486. أبواب النجاسات ب46 ح4.
- (5) الكافي 3: 396 ح15 ; التهذيب 2 : 223 ح881 عن الكليني ; الوسائل 3 : 486 . أبواب النجاسات ب46 ح1 .
- (6) التهذيب 1 : 405 ح1271 ; الإستبصار 1 : 168 ح582 عن غير طريق الكليني ; الوسائل 3 : 486 . أبواب النجاسات ب46 ح3 .
(الصفحة 278)
قاعداً ، ويدلّ على وجوب الصلاة جالساً أيضاً رواية أبي البختري الآتية في كيفية صلاتهم من حيث الركوع والسجود .
وبإزاء هذه الأخبار ، روايات تدلّ على أنّ العاري يصلّي قائماً ، كصحيحة علي ابن جعفر عن أخيه موسى(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً وحضرت الصلاة كيف يصلّي؟ قال : «إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع والسجود ، وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم»(1) .
ورواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال في حديث : «وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلّد السيف ويصلّي قائماً»(2) .
هذا ، ومقتضى قاعدة الجمع حمل الطائفة الاُولى على صورة وجود الناظر ، والثانية على ما إذا كان في محلّ يأمن من المطلع ولا يراه أحد . ويدلّ على ذلك مرسلة عبدالله بن مسكان عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة ، قال : «يصلّي عرياناً قائماً إن لم يره أحد فإن رآه أحد صلّى جالساً»(3) ورواه أيضاً الصدوق مرسلا(4) ، ورواه البرقي في المحاسن عن ابن مسكان عن أبي جعفر(عليه السلام)(5) مع اختلاف في العبارة ، والظاهر أنّه اشتباه من الراوي إلاّ أنّه يناقش فيه بأنّه لا يمكن له النقل عن أبي جعفر(عليه السلام) بدون الواسطة فتكون
- (1) التهذيب 2 : 365 ح1515 ; مسائل عليّ بن جعفر : 172 ح298 ; الوسائل 4 : 448 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح1 .
- (2) الفقيه 1 : 166 ح782 ; التهذيب 2 : 366 ح1519 ; الوسائل 4 : 449 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح4 .
- (3) التهذيب 2 : 365 ح1516 ; الفقيه 1 : 168 ح793 ; الوسائل 4 : 449 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح3 و 5 .
- (4) التهذيب 2 : 365 ح1516 ; الفقيه 1 : 168 ح793 ; الوسائل 4 : 449 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح3 و 5 .
- (5) المحاسن 2 : 122 ح1338 ; الوسائل 4 : 450 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح7 .
(الصفحة 279)
الواسطة محذوفة .
وكيف كان ، فالإشكال في الاستدلال بالرواية بالإرسال ممّا لا يتمّ ، بعد كون الراوي ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه وإن كان مرسلا ، فيجب الجمع بذلك النحو والحكم بالتفصيل كما هو المشهور .
وأمّا من الحيثية الثانية ففيه أقوال :
أحدها : القول بوجوب الركوع والسجود مطلقاً .
ثانيها : القول بوجوب الايماء مطلقاً .
ثالثها : ما عن الغنية من التفصيل بين صلاته قائماً فيجب الركوع والسجود ، وجالساً فيجب الايماء دونهما(1) .
ومنشأ هذه الأقوال اختلاف الأخبار ، وأكثرها يدلّ على الايماء ، كصحيحتي علي بن جعفر وزرارة المتقدّمتين ، ورواية أبي البختري عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه(عليهما السلام)أنّه قال : «من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتّى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثياباً ، فإن لم يجد صلّى عرياناً جالساً يؤمي إيماءً يجعل سجوده أخفض من ركوعه»(2) .
ويدلّ عليه أيضاً ما ورد في المصلّي المنحصر ثوبه في النجس ، وبعضها دالّ على وجوب الركوع والسجود ، كمرسلة أيّوب بن نوح عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها ويسجد فيها ويركع»(3) ، ورواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة الواردة في صلاة العراة جماعة .
- (1) الغنية : 92 .
- (2) قرب الاسناد : 127 ح498 ، الوسائل 4 : 451 . أبواب لباس المصلّي ب52 ح1 .
- (3) التهذيب 3: 179 ح405 و ج2 : 365 ح1517 بسند آخر ; الوسائل 4 : 448 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح2.
(الصفحة 280)
ويدلّ عليه أيضاً ما لم يكن فيه تعرّض لحكم صلاة العاري من حيث الركوع والسجود ، فإنّه يدلّ على وجوب ما هو الأصل في الصلاة ، وهو الركوع والسجود دون الإيماء كما هو واضح .
والحقّ في المقام أن يقال : بعدما عرفت أنّ مرسلة ابن مسكان المفصلة بين صورتي الأمن من المطّلع وعدمه(1) ، تكون حاكمة على الروايات الدالّة على أنّه يصلّي جالساً مطلقاً أو قائماً كذلك ، ويجب حمل الاُولى على ما إذا لم يكن المصلّي آمناً والثانية على خلافه .
فالمستفاد من المرسلة الحاكمة أنّه مع وجود الناظر المحترم يكون ما هو الأصل في الصلاة ـ وهو القيام ـ مزاحماً بالستر الذي يكون واجباً نفسيّاً ، والشارع حكم بتقدّمه على القيام ، وأوجب الجلوس عليه ، لأنّه مع القيام يكون قبله مكشوفاً غير مستور ، وإن كان دبره مستوراً بأجزاء البدن ، فستر القبل لا يزاحمه وجوب القيام .
وأمّا ستر الدبر فالمستفاد من صحيحة عليّ بن جعفر(عليه السلام) الدالّة على وجوب الايماء والقيام ، أنّه لا يزاحمه وجوب الركوع والسجود الذين هما الأصل في الصلاة ، وأنه يجب عليه الايماء لئلاّ يبدو ما خلفه ، ويكفي كونه مستوراً بأجزاء البدن لعدم تمكّنه من شيء آخر يستره به ، ويدلّ عليه أيضاً رواية زرارة الدالة على النهي عن السجود والركوع ، المعلّلة بقوله : «فيبدو ما خلفهما» ، وكذا كل ما يدل على وجوب الايماء جالساً أو قائماً .
فإنّ مفاد جميعها أنّ وجوب الركوع والسجود الذي هو الأصل في الصلاة لا يزاحم ستر الدبر ، فيجب عليه الايماء ، صلّى قائماً أو جالساً ، ولكن تعارضه
- (1) الوسائل 4 : 449 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح3 .
(الصفحة 281)
مرسلة أيّوب بن نوح الدالّة على وجوب الركوع والسجود ورواية إسحاق بن عمار المتقدّمة الواردة في صلاة العراة جماعة ، الدالّة على التفصيل بين الإمام والمأمومين ، بأنه يجب عليه الايماء وعليهم الركوع والسجود .
فإنّ الظاهر من هذه التفرقة أنّ الركوع والسجود لا يزاحم ستر الدبر المتعلّق للوجوب النفسي ، ولذا يجب الايماء على الإمام ، لأنّ مع تقدّمه يكون خلفه ظاهراً إذا ركع أو سجد ، والحكم بأنّ المأمومين يجب عليهم الركوع والسجود يدلّ على أنّ ستر الدبر الذي يكون شرطاً لصحّة الصلاة يزاحمه وجوب الركوع والسجود ويتقدّمان عليه .
إن قلت : قد مرّ آنفاً أنّ وجوب القيام يزاحمه الستر المتعلّق للوجوب النفسي ، ولذا يجب على المصلّي مع عدم الأمن من المطّلع أن يصلّي جالساً ، وأمّا الستر الشرطي فلا يزاحم وجوب القيام ، ولذا يجب على المصلّي مع الأمن أن يصلّي قائماً .
وعليه يشكل ما في هذه الرواية من الجمع بين صلاتهم جالساً ، وبين كونها مع الركوع والسجود ، لأنّه إن كان موردها صورة الأمن من المطّلع ، فقد عرفت أنّ حكمها وجوب القيام ، وأنّ الستر الشرطي لا يزاحمه كما هو مقتضى رواية ابن مسكان المتقدمة ، وإن كان موردها صورة عدم الأمن فحكمها هو الايماء ، بمقتضى هذه الرواية الدالة على أنّ الإمام يجب عليه أن يؤمي لئلاّ يبدو ما خلفه للمأمومين .
وقد عرفت أنّ ستر الدبر المتعلّق للوجوب النفسي يزاحم وجوب الركوع والسجود ويتقدّم عليه ، فالجمع بين صلاتهم جالساً وكونها مع الركوع والسجود لا وجه له كما عرفت .
قلت : الظاهر أنّ موردها صورة الأمن من المطّلع ، ولكنّ الحكم بوجوب الجلوس إنّما هو لأجل أنّه مع القيام تكون إقبالهم ظاهرة لأنفسهم ، وقد عرفت أنّ