(الصفحة 291)
الالتفات تستلزم الدلالة على صحة باقي الأجزاء ، للزوم اللغوية على تقدير عدمها .
قلت : نعم ، لو كان مورد الدليل الدال على الصحة منحصراً بهذا الفرض ، والمفروض عدمه كما عرفت ، وحينئذ فيمنع من شموله له، فيجب الرجوع في حكمه إلى القواعد ، فنقول :
لا إشكال في بطلان الصلاة ووجوب الإعادة فيما إذا كان الانكشاف فيما بين الاشتغال بالأجزاء ، وأمّا إذا كان في حال عدم الاشتغال كما إذا التفت بعد إتمام الفاتحة وقبل الشروع في السورة مثلا ففي الحكم بالصحة أو البطلان وجهان مبنيّان على أنّ الصلاة هل هي المجموع المركّب من الأفعال والأقوال المخصوصة التي تحدث وتنعدم آناً فآناً ، ولا يكاد يكون للمجموع وجود وتحصّل إلاّ بعد تحقّق جميع الأجزاء التي وجد كل منها في زمان وانعدم ، أو أنّها عبارة عن حضور العبد في مقابل مولاه والتوجّه إليه .
غاية الأمر إنّه يجب عليه أن يشتغل معه ببعض الأفعال المخصوصة والأذكار المنصوصة ، بحيث تتحقّق الصلاة بمجرّد قيامه في حضور المولى وتكون باقية إلى آخرها ، فعلى الأوّل لا تكون السكوتات المتخلّلة بين الأقوال والسكونات المتخللة بين الأفعال جزءً من الصلاة ، واطلاق أنّه مشتغل بها في حالها مع العناية ورعاية العلاقة ، كإطلاق الخطيب والمتكلّم على من تنفّس بين الخطبة والتكلّم ، أو اشتغل بغيرهما كشرب الماء مثلا .
بخلاف الثاني ، فإنّه يصدق عليه حقيقة في كل آن أنّه مشتغل بالصلاة ، وعليه فيقع الالتفات بأنّه مكشوف العورة في حال الاشتغال دائماً، فيجب الحكم بوجوب الإعادة ، بخلاف الأوّل فإنّه يصدق عليه حقيقة أنّه لم يكن عالماً بكشف عورته في حال الصلاة ، لجواز أن يسترها مع عدم تخلّل المنافي قبل الشروع في السورة في
(الصفحة 292)
المثال المذكور ، ثمّ شرع فيها فيشمله ما يدلّ على الصحة في حال عدم الالتفات بذلك في حال الصلاة .
هذا ، ولا يخفى أنّ الأظهر هو الوجه الثاني ، لكونه مغروساً في أذهان المتشرّعة ، فيجب عليه الإعادة لما عرفت .
ونظير هذا الفرض ما إذا اعتقت الأمة أو بلغت الصغيرة في أثناء الصلاة بعد أن كانتا مكشوفتي الرأس ، وكذا ما إذا صار العاري واجداً للساتر في الأثناء .
ثمّ إنّ الحكم بالبطلان في جميع هذه الصور مختص بما إذا كان الوقت متّسعاً ، وأمّا إذا كان مضيقاً بحيث لا يتمكن من قطعها من الاتيان بصلاة اُخرى . فالظاهر الصحة كما لا يخفى .
(الصفحة 293)
شرائط لباس المصلّي
إن شرائط لباس المصلّي من الاُمور المعتبرة من حيث كون المصلّي متلبّساً به ، لا من حيث كونه ساتراً له ، والتعبير بالشرائط مسامحة ، لأنّ مرجعها إلى مانعية بعض الأوصاف الموجودة فيه كما عرفت فيما تقدّم ، وهي على ما يظهر من كلماتهم ستّة : أربعة منها يشترك فيها الرجل والمرأة ، والاثنان يختصّ بهما الرجل ، فالكلام يقع في اُمور :
الأمر الأوّل : أن لا يكون من جلد الميتة
يشترط في لباس المصلّي أن لا يكون من جلد الميتة وإن دبغ ، كما هو المتّفق عليه بين الإمامية(1) ، خلافاً للعامّة القائلين بجواز استعمالها والانتفاع بها في غير
- (1) المعتبر 2 : 77; المنتهى 1 : 225; تذكرة الفقهاء 2 : 464 جامع المقاصد 2 : 80; الذكرى : 142; روض الجنان : 212; كشف اللثام 3 : 200; الحدائق 7 : 50 .
(الصفحة 294)
حال الصلاة ، وبصحة الصلاة معها فيما إذا كانت مدبوغة(1) ، والأخبار المروية عن النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام)(2) الدالة على أنّ الميتة لا يجوز الانتفاع بها ، وعلى بطلان الصلاة فيها مطلقاً شاهدة على خلافه .
وحيث أنّ أصل الحكم ممّا قام عليه اتفاق الإمامية ولم يعلم من أحد منهم الخلاف فيه ، بل صرّح كلّهم ببطلان الصلاة فيها ، فالتكلّم فيه بذكر الأخبار الواردة ممّا لا يحتاج إليه ، ولكن يقع الكلام في أنّ مانعية جلد الميتة هل هي لنجاسته كما يظهر من بعض ، أو لكونه مانعاً بعنوانه حتّى فيما إذا لم يكن نجساً كما في ميتة غير ذي النفس؟
فعلى الأوّل لا يكون مانعاً مستقلا ، بل داخل تحت عنوان النجس ، بخلاف الثاني، ولا يبعد أن يقال بانصراف الأخبار المانعة عن الصلاة في جلد الميتة عن ميتة غير ذي النفس ، لعدم تعارف استعمالها في الصلاة ، وكذا ما يدلّ على عدم جواز الانتفاع بالميتة واستعمالها مطلقاً ولو في غير حال الصلاة .
فإنّ شمولها لاستعمال ميتة غير ذي النفس والانتفاع بها أيضاً مشكل ، مضافاً إلى أنّ الظاهر هو كونها مسوقة في مقام الردّ على العامة القائلين بطهارة جلد الميتة بالدباغ ، وجواز الانتفاع به مطلقاً معه ، كما يدلّ عليه التعبير بحرمة استعمالها ولو دبغ سبعين مرّة .
ومن المعلوم أنّ ما هو المتعارف فيه الدباغ من الجلود ، غير جلد الميتة التي لا نفس لها ، فالحكم بشمولها له مشكل ، وإن كان الأحوط عدم جواز الانتفاع به مطلقاً وبطلان الصلاة معه .
- (1) الامّ 1 : 91; المجموع 1 : 215; المغني لابن قدامة 1 : 84 ; تذكرة الفقهاء 2 : 463 مسألة 117 .
- (2) الوسائل 3 : 489 ـ 494. أبواب النجاسات ب49 و50 وج4: 343 ـ 347. أبواب لباس المصلّي ب1 و 2 .
(الصفحة 295)
مسألة : إذا شك في نجاسة جلد حيوان أو حرمة لحمه . . . واعتبار السوق وقول البايع في ذلك
إذا شكّ في نجاسة جلد حيوان أو حرمة لحمه وسائر أجزائه مع العلم بطهارته في حال حياته ، وبحليته مع وقوع التذكية عليه لأجل الشك في أنّه هل كان مذكّى أو ميتة؟ فالأصل الأوّلي مع قطع النظر عمّا هو حاكم عليه يقتضي النجاسة والحرمة ، لأنّ الظاهر أنّ الميتة هي ما زهق روحه مع عدم وقوع التذكية عليه ، فلاتكون الخصوصية المأخوذة فيها المائزة بينها وبين المذكّى أمراً وجودياً ، حتّى لاتثبت الحرمة والنجاسة إلاّ بعد إحرازه ، كما أنّ إثبات الطهارة والحلية موقوف على إحراز وقوع التذكية عليه .
فالميتة في نظر العرف هي الحيوان الذي زهق روحه مع عدم وقوع التذكية عليه ، أي ما كان موته لا بسبب شرعيّ ، فمع الشك في كونه مذكّى أو ميتة ، يكون مقتضى الاستصحاب هو كونه ميتة ، كما أنّ مقتضى أصالة العدم أيضاً ذلك ، بناءً على أنّ اعتبارها إنّما هو لبناء العقلاء عليها في جميع الموارد التي شكّ فيها في وجود حادث ، كما لا يبعد القول به ، فمع الشك لا يجوز الانتفاع بها والصلاة في جلدها بمقتضى الأصل الأوّلي .
ولكنّ المقطوع به والضروريّ من الدين خلافه ، للسيرة المستمرة من زمان النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) من غير ردع منهم على الانتفاع بالجلود وأكل اللحوم من غير تفحّص وتتبّع عن أصل وقوع التذكية أو عن صحة التذكية الواقعة ، فيستكشف من ذلك ثبوت دليل على الجواز ، وحاكم على دليل المنع .
ثمّ لا يخفى أنّ التذكية عبارة عن مجرّد فري الأوداج الأربعة مع سائر الشرائط من الاستقبال والتسمية وغيرهما ، ولا تكون أمراً اعتبارياً واقعياً حاصلا بفري