(الصفحة 342)
الناقض لها .
فالمعنى حينئذ إنه لا يضر الشك في وجود الحدث، لأنه يبنى على عدمه فيؤخذ بمقتضى اليقين السابق، فهو أي اليقين السابق ليس له دخل في جريانه ، بل الرجوع إليه من باب أنّه إذا وجب البناء على عدم حدوث الحادث فالواجب الرجوع إلى الحالة السابقة .
وإمّا لكون العدم أولى بالماهية من الوجود ، حيث إنّه يكفي في استمراره وعدم انقطاعه عدم حدوث علّة الوجود .
ففيه: أيضاً عدم تماميته لأنه لم يثبت ظهور أدلة الاستصحاب في ذلك المعنى لو لم نقل بظهورها في خلافه كما هو المشهور ، وبطلان الوجه الثاني واضح ، فلم يثبت دليل على اعتبار ذلك الأصل ، اللّهم إلاّ أن يتمسّك لاعتباره باستمرار سيرة العقلاء عليه ، ولكنّها مع ثبوتها تحتاج إلى دليل يدلّ على الامضاء من جانب الشرع ، ولم يثبت وجوده كما لا يخفى .
ومنها : أي من جملة الأصول الشرعية التي اعتمد عليها في إثبات الصحة في المقام ، أصالة الحلية التي يدل على اعتبارها رواية ابن سنان المتقدمة(1) ورواية مسعدة بن صدقة(2) وغيرهما من الروايات العامة والخاصة الواردة في الموارد الخاصة ، وكذا يدلّ على اعتبارها السيرة القطعية المستمرة من زمان النبي(صلى الله عليه وآله)والأئمة(عليهم السلام) إلى يومنا هذا .
ولا إشكال في شمولها بل في اختصاصها بالشبهات الموضوعية، كما لا يخفى على من راجع تلك الروايات ، وتقريب الاستدلال بها يمكن بوجهين :
الوجه الأوّل : أن يكون المراد من الحلية والحرمة ، الحلية والحرمة التكليفية كما
- (1) الوسائل 17 : 87 . أبواب ما يكتسب به ب4 ح1 ; وج24: 236. أبواب الأطعمة المحرمة ب64 ح2.
- (2) الكافي 5: 313 ح40; الوسائل 17: 89 . أبواب ما يكتسب به ب4 ح4 .
(الصفحة 343)
هو الظاهر من اطلاقهما وجريانه في المقام ، مع أنّ الشك فيه إنّما هو في الحلية ، والحرمة الوضعية، بأن يقال: إنّ الشك في صحة الصلاة فيما لم يعلم كونه من أجزاء غير المأكول مسبّب عن الشك في حلية لحم الحيوان المأخوذ منه ذلك اللباس وحرمته ، فإذا حكمنا بحليته لأصالتها تترتّب عليها صحة الصلاة في الثوب المأخوذ منه .
ويرد عليه:
أولا : إنّ ما ذكر من جريان الأصل في لحم الحيوان وترتب صحة الصلاة عليه إنّما هو فيما إذا كان الحيوان المأخوذ منه هذا اللّباس مشتبه الحكم بالشبهة الحكمية ، بأن كان الشك في صحة الصلاة مسبباً عن اشتباه حكمه الشرعي ، وهذا الفرض مع أنّه من الفروض النادرة لم يثبت اعتبار هذا الأصل فيه ، لما عرفت من أنّ جريانه في الشبهة الحكمية غير مسلّم .
وأمّا فيما إذا كان الشك في صحة الصلاة مسبباً عن أنّه هل يكون الحيوان المأخوذ منه هذا اللباس من أفراد ما يحلّ أكل لحمه شرعاً ، أو من مصاديق ما يحرم؟ فجريانه محل نظر بل منع ، لأنّه ربّما لا يكون اللحم الذي هو مورد الأصل مشكوك الحكم ، بل يعلم بكونه من الحيوان المحلل أو المحرم .
فالشكّ في الحلية إنّما هو لعدم الابتلاء بلحم ذلك الحيوان ، بل مورد الابتلاء هي الصلاة في الثوب المأخوذ منه ، وبعبارة اُخرى ليس في البين حيوان شكّ في حلية لحمه لتردّده بين كونه من أفراد ما يحلّ أكله أو يحرم ، فلا مجال لجريان أصالة الحلية كما هو واضح .
وثانياً : إنّ ظاهر الأدلة أنّ بطلان الصلاة وفسادها في أجزاء غير المأكول مترتب على الحيوان المحرم بعنوان الأولي كالأسد والأرنب والثعلب وغيرها ، لا على الحيوان بوصف كونه محرّم الأكل ، والتعبير عن ذلك العنوان بهذا الوصف في
(الصفحة 344)
بعض الأخبار إنّما هو للإشارة إلى ذات الموصوف مع قطع النظر عن وصفه .
ويؤيّده ما في بعض الأخبار من أنّ الصلاة في الثعالب والأرانب فاسدة(1)فعبّر عن موضوع الحكم بنفس ذلك العنوان الأوّلي من دون أخذ قيد التحريم أصلا .
وبالجملة : فبطلان الصلاة في أجزاء الحيوانات المحرمة ليس حكماً مترتباً على تحريمها بحيث لو لم يجعل التحريم لكان جعل هذا الحكم لغواً ، بل إنّما هو حكم في عرض الحكم بالتحريم من دون ترتب وطوليّة بينهما أصلا .
وحينئذ فلا مجال لإثبات أحد الآثار المشكوكة بالأصل الجاري في الأثر الآخر ، فلا تثبت صحة الصلاة في الثوب المشكوك بجريان الأصل في اللحم ، وإثبات حلّيته ظاهراً ، إلاّ على القول بالأصول المثبتة وهو خلاف التحقيق .
وثالثاً : سلمنا ذلك أي كون الحلية أو الحرمة واسطة في ثبوت البطلان أو الصحة للصلاة في أجزاء الحيوان ، فيترتّب على إثبات الحلية صحة الصلاة ، وعلى إثبات الحرمة بطلانها ، لكن نقول إنّ المراد من الحلية والحرمة المأخوذتين في موضوعهما ليس الحرمة والحلية الفعليتين ، وإلاّ لزم جواز الصلاة في أجزاء ما يحل أكله فعلا للاضطرار أو غيره ، ولو كان محرّماً ذاتاً، وهو ممّا لا يلتزم به أحد .
بل المراد منهما هي الحرمة والحلية المتعلقتان بذوات الحيوانات مع قطع النظر عن حدوث ما يوجب تغيير الحكم المتعلّق به أولاً، كالاضطرار أو غيره ، ومن المعلوم أنّ جريان الأصل في المقام لا يجدي في إثبات الحلية الواقعية كما هو الشأن في غيره من الاُصول الشرعية .
ودعوى إنّه لم يثبت ظهور الأدلة فيما ذكر ، مندفعة بأنّه يكفي عدم ثبوت
- (1) الوسائل 4: 355. أبواب لباس المصلّي ب7 .
(الصفحة 345)
الظهور في خلافه كما لا يخفى .
الوجه الثاني : ما يظهر من المحقّق القمي(قدس سره) من أنّ المراد من الحلية والحرمة في قوله(عليه السلام) في رواية ابن سنان «كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال . . .»(1) ، ليس خصوص الحلية والحرمة التكليفيتين ، أي ما يكون مبغوضاً بنفسه لأجل المفسدة الملزمة الباعثة على الزجر عنه لنفسه أو غير مبغوض كذلك ، بل يعمّ الحلية والحرمة الوضعيتين ، أي ما يكون مبغوضاً لكونه مانعاً مثلا عن حصول مطلوب المولى أو غير مبغوض كذلك .
فكما أنّه إذا تردّد مايع بين كونه خمراً أو ماءً يكون مقتضى الرواية جواز شربه وعدم وجوب الاجتناب عنه ، فكذا إذا تردّد أمر الثوب بين صحة الصلاة الواقعة فيه ، لعدم كونه من أجزاء غير المأكول ، وبين بطلانها فيه لكونه من أجزائه ، يكون مدلول الرواية حلية الصلاة فيه، لكون الثوب أيضاً شيئاً فيه حلال باعتبار عدم كونه مانعاً عنها ، وحرام باعتبار كونه مانعاً ، فالصلاة فيه حلال إلى أن تعرف الحرام منه بعينه(2) .
هذا ، ولا يخفى أنّه لا يبعد الاعتماد على هذا الوجه في الاستدلال بأصالة الحلية مع تتميمه ، بأن يقال : إنّ التتبّع والاستقراء في كلمات العرب واستعمالاتهم لفظ الحلال والحرام في النثر والنظم ، يقضي بأنّ هذه المادّة ـ أي مادّة حرم ـ في ضمن أية صيغة كانت يراد منها الممنوعية والمحدودية الثابتة للشيء بتمام الجهات أو بعضها ، كما يظهر بالتدبّر في قولهم «حرم الرجل» ، أو «حريم البيت» ، أو القرية ، أو البلد ، أو المسجد الحرام ، أو الشهر الحرام ، أو محرومية الرجل في مقابل مرزوقيته مثلا ، أو كونه محترماً وصالحاً للاحترام ، أو الرجل المحرم .
- (1) الوسائل 17: 87 . أبواب ما يكتسب به ب4 ح1; وج24 / 236. أبواب الأطعمة المحرمة ب64 ح2.
- (2) قوانين الأصول 2: 18 ـ 19; جامع الشتات 2: 776 ـ 777 .
(الصفحة 346)
وكما في قوله(صلى الله عليه وآله) : «المسلم محرّم على المسلم»(1) وكما في قوله تعالى :
{أحلّ الله البيع وحرّم الربا . . .(2)} ، فإنّ المراد في جميع هذه الموارد هو نحو من الممنوعية والمحدودية الثابتة له ببعض الجهات كصحته وإمضائه في الأخير أو غير ذلك من الأقوال والأفعال كما في غيره من الأمثلة .
وفي مقابله الحلال ، والحلّ ، والمحلّ ، وأشباهها ممّا قد أخذت فيه مادّة هذه الصيغ ، فإنّ معناها هو عدم المحدودية والاطلاق الثابت له كما لا يخفى .
ويؤيّد ما ذكرنا الأخبار الواردة في الموارد الكثيرة الدالة على حرمة الصلاة في الحرير أو فيما لا يؤكل لحمه(3) أو في غيرهما من الموانع، كما سيأتي ذكر بعضها .
وحينئذ فلا يبعد التمسّك بقوله(عليه السلام) : «كل شيء فيه الحلال والحرام فهو لك حلال . . .»(4) ، إذ اللباس أيضاً شيء فيه حلال باعتبار عدم محدوديته واطلاقه بالنسبة إلى الصلاة فيه ، وحرام باعتبار خلافه ، فهو أي المشكوك منه يكون كالمائع المردّد بين الخمر والخلّ، كما عرفت في كلام المحقّق القمّي(رحمه الله) ، فلا يبعد القول بالصحة لهذا الوجه .
هذا ، ولكن يمكن أن يورد عليه بأنّ اطلاق الحرام والحلال على الثوب باعتبار صحة الصلاة فيه وبطلانها خلاف المتعارف ، إذ إطلاقهما على اللباس ينصرف إلى جواز لبسه وعدمه ، ولا يفهم منه جواز الصلاة فيه وعدمه ، وليس ذلك كإطلاق الحرام على الخمر باعتبار حرمة شربه وإطلاق الحلال على لحم الشاة باعتبار جواز أكله .
- (1) سنن النسائي 5 : 84 ب73 وفيه: «كلّ مسلم على مسلم محرّم . . .» .
- (2) البقرة : 275 .
- (3) الوسائل 4 : 345 . أبواب لباس المصلّي ب2 وص367 ب11 .
- (4) الوسائل 17: 87 . أبواب ما يكتسب به ب4 ح1 .