(الصفحة 358)
الخزاز دفعة واحدة ، غاية الأمر حضور جماعة، منهم: ابن أبي يعفور وابن الحجّاج في ذلك المجلس، واختلاف ألفاظ الروايتين ككون السؤال في الرواية الاُولى عن الصلاة في الخزّ من دون ذكر الجلد ، وفي الثانية عن جلود الخزّ من دون ذكر الصلاة فيه ، وغيره من موارد الاختلاف لا يوجب أن تكونا روايتين .
لأنّ المعلوم أنّ الاختلاف إنّما نشأ من عدم تحفّظ الراوي أو من اختلاف أغراضهم في نقل الرواية . هذا ، ولا يخفى أنّه لو قيل بالمنع من كونهما رواية واحدة ـ والمفروض أنّ سند الاُولى مظلم لا يجوز الاعتماد عليه ، فالاعتبار إنّما هو بالثانية ، وقد عرفت أنّ السؤال فيها إنّما هو عن جلود الخزّ لا عن الصلاة فيها ، ومن المعلوم انصرافه إلى السؤال عن جواز استعمالها في اللبس، وهو لا يلازم جواز الصلاة فيها ـ لكان له وجه، لعدم دليل معتبر على الاتحاد .
ومن هنا يظهر أنّه لا دلالة للخبر الرابع عشر من الباب العاشر على جواز الصلاة في جلود الخزّ ، كما يظهر من صاحب الجواهر والمحقّق الهمداني(1) وهو ما رواه الشيخ عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن البرقي، عن سعد بن سعد، عن الرضا(عليه السلام) قال : سألته عن جلود الخزّ؟ فقال : «هو ذا نحن نلبس»، فقلت : ذاك الوبر جعلت فداك؟ قال : «إذا حلّ وبره حلّ جلده»(2) .
حيث إنّ الظاهر أنّ السؤال إنّما هو عن لبس جلود الخزّ لا عن جواز الصلاة فيها ، واعتراض الراوي عليه يشعر بأنّ الشبهة في جواز لبس جلوده إنّما يكون منشؤها احتمال كونه ميتة نجسة غير مذكّى ، فالجواب بالملازمة بين حلية الوبر وحلية الجلد إنّما ينفي هذا الاحتمال .
وبالجملة : فالملازمة بين حلية استعمال الوبر في اللبس ، والانتفاع بالجلد
- (1) جواهر الكلام 8 : 87 ; مصباح الفقيه ، كتاب الصلاة، لباس المصلى ص129 .
- (2) الكافي 6 : 452 ح7; التهذيب 2 : 372 ح1547; الوسائل 4 : 366 . أبواب لباس المصلّي ب10 ح14 .
(الصفحة 359)
كذلك ، لا تدلّ على الملازمة بين جواز الصلاة في الوبر وجوازها في الجلد كما هو واضح ، ويدلّ على أنّ السؤال إنّما هو عن جواز اللبس مضافاً إلى ما ذكرنا ، أنّ مورد الشبهة في أذهان الناس إنّما هو جواز لبسه ، خصوصاً مع علمهم بما روي عن النبي(صلى الله عليه وآله)من النهي عن ركوب الخزّ والجلوس عليه ، كما تقدّم في محكيّ كلام ابن المنظور(1) ، وخصوصاً مع كون ثوب الخزّ كثير القيمة شائع الاستعمال بين المترفين والمتنعّمين .
ويدلّ على ذلك ما روي من أنّ علي بن الحسين(عليهما السلام) كان بعدما اشترى جبّة الخزّ بخمسمائة درهم ومطرفه أيضاً بخمسين ديناراً يقول :
{قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده . . .}(2)،(3) ، فإنّ استشهاده بهذه الآية يشعر بعدم كون جواز لبس الخزّ ممّا يعرفه الناس ، بل كان مورداً لشكّهم ، وبالجملة فالرواية أجنبيّة عن المقام .
نعم قد يتوهّم دلالة الخبر الأوّل من الباب الثامن وأمثاله على جواز الصلاة في جلده أيضاً ، وهو ما رواه الصدوق عن سليمان بن جعفر الجعفري أنّه قال : «رأيت الرضا(عليه السلام) يصلّي في جبّة خز»(4) ، وأنت خبير بأنّ هذه الرواية وأمثالها إنّما تكون حاكية للفعل ، ومن الواضح أنّ الفعل لا اطلاق له ، فلعلّ ذلك الخزّ كان منسوجاً من الوبر، فلا دلالة لها على جواز الصلاة في جلده كما لا يخفى .
ثمّ إنّ ظاهر عبارة القدماء من الأصحاب استثناء الخزّ الخالص دون
- (1) تقدّم في ص352.
- (2) الأعراف : 32 .
- (3) الكافي 6: 451 ح4; قرب الإسناد: 286 ح1296; الوسائل 4: 364 و 365. أبواب لباس المصلّي ب10 ح6 و 10.
- (4) الفقيه 1 : 170 ح802 ; التهذيب 2: 212 ح832 ; الوسائل 4 : 359. أبواب لباس المصلّي ب8 ح1 .
(الصفحة 360)
المغشوش بوبر الأرانب والثعالب(1) ، ولا يخفى أنّ ما يتصوّر فيه الخالصيّة والمغشوشية إنّما هو وبر الخزّ دون جلده ، فيعلم أنّ المراد من المستثنى إنّما هو الوبر دون لجلد ، فلا يستفاد من كلماتهم جواز الصلاة في جلد الخزّ، واحتمال أن يكون المستثنى شاملا للجلد أيضاً .
غاية الأمر أنّ التقييد بالخلوص إنّما يكون في الوبر فقط خلاف الظاهر . هذا ، وعبارة المحقّق في الشرائع إنّما تكون كعبارة القدماء في عدم استفادة الجواز منها(2) ، وأمّا في المعتبر فقد استقرب الجواز بعد أن تردّد في المسألة(3) ، وأمّا العلاّمة فالمحكيّ عن كلامه في التحرير والمنتهى هو المنع والتفصيل بين الوبر والجلد(4) ، خلافاً لما يظهر من سائر كتبه من تعميم الجواز(5) كما هو المعروف بين المتأخرين(6) .
وتحقيق المسألة وتقريب القول بالجواز أو العدم فيها مبني على اُمور :
أحدها : إنّه هل يكون الخزّ من الحيوانات التي يحلّ أكل لحمها أو ممّا يحرم؟ الظاهر هو الثاني لقيام الاجماع على حرمة الحيوانات المائية عدى السمك الذي له فلس(7) ، ومخالفة صاحب الحدائق(8) وأمثاله لا يضرّ بتحققه .
- (1) المقنعة: 150; المبسوط 1: 82; النهاية: 97; الإستبصار1: 135; الكافي في الفقه: 140; المهذّب 1: 74; الغنية: 66; السرائر 1: 262; مستند الشيعة 4 : 320 ـ 322; تذكرة الفقهاء 2 : 468; كشف اللثام 3 : 190 ـ 193 .
- (2) شرائع الإسلام 1 : 59 .
- (3) المعتبر 2 : 85 .
- (4) تحرير الاحكام 1 : 30; ; المنتهى 1 : 231 .
- (5) نهاية الأحكام 1: 374 ـ 375; تذكرة الفقهاء 3: 468 ـ 469 مسألة: 122; قواعد الأحكام 1: 255.
- (6) المعتبر 2: 84 ـ 85 ; جامع المقاصد 2: 78 ; الذكرى 3: 35 ـ 36; مسالك الأفهام 1: 163; مجمع الفائدة والبرهان 2: 82 ; مدارك الأحكام 3: 168 ـ 169; رياض المسائل 3: 163 ـ 164; جواهر الكلام 8 : 86 ـ 87 .
- (7) المقنعة: 576; الخلاف 6: 29 مسألة 31; الغنية: 394; السرائر 3: 90; المعتبر 1: 102; وج2: 84 ; الذكرى 3: 36; جواهر الكلام 36: 241.
- (8) الحدائق الناضرة 5 : 71 .
(الصفحة 361)
ثانيها : إنّه هل الأدلة المانعة عن الصلاة في جلد الميتة منصرفة عن الميتة الطاهرة وهي ميتة غير ذي النفس ، أو باقية على ظاهرها من العموم والشمول؟
ثالثها : انّه على فرض الانصراف هل تكون الحيوانات المائية لها نفس سائلة أم لا؟
رابعها : إنّه هل تكون التذكية ثابتة فيما عدى السمك من الحيوانات المائيّة أو تختصّ به؟
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لو قيل بحلية أكل لحم الخزّ أو بحرمته ، ولكن ادّعي انصراف الأدلة المانعة عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه عن الحيوانات المائية ، فلازمه القول بصحّة الصلاة في وبر الخزّ ، وكذا في جلده من حيث مانعية غير المأكول .
وأمّا من حيث مانعية الميتة فجواز الصلاة فيه مبنيّ على القول بخروج الخزّ عن تحت الأدلة المانعة عن الصلاة في الميتة، إمّا موضوعاً بدعوى وقوع التذكية عليه ، وإمّا حكماً بدعوى انصرافها عن الميتة الطاهرة واختصاص المانعية بالميتة النجسة مع ادّعاء كون الحيوانات المائيّة أو خصوص الخزّ منها ليس لها نفس سائلة حتّى تكون ميتتها طاهرة ، فلا تدخل في تلك الأدلة ، وحينئذ ينتهي القول بجواز الصلاة في جلد الخزّ على وفق القاعدة ، ولا حاجة في إثباته إلى دليل كما هو واضح .
وأمّا لو قلنا بحرمة أكل لحم الخزّ ، كما عرفت أنّه معقد اجماع الأصحاب ، ولم نقل بانصراف الأدلة المانعة عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه عن الحيوانات المائية ، فلازمه القول ببطلان الصلاة في جلد الخزّ وكذا في وبره ، إلاّ أن يدلّ دليل على خلاف ذلك ، وقد عرفت في صدر المسألة إنّه قام الدليل على الجواز في الوبر والاشكال إنّما هو في الجلد خاصّة .
والذي ينبغي أن يقال في المقام: إنّه لو كان وجه المانعية وبطلان الصلاة في جلد
(الصفحة 362)
الخزّ منحصراً في كونه من أجزاء غير المأكول ، فلا يبعد أن يقال باستثناء جلد الخزّ وصحة الصلاة فيه كالوبر ، لأنّه بعد نهوض الدليل من النصّ والاجماع على استثناء الوبر ، تكون خصوصية الوبرية ملغاة بنظر العرف ، لأنّ الظاهر أنّ أهل العرف لا يفهمون من استثناء الوبر إلاّ استثناء الحيوان المسمّى بالخزّ ، وصحة الصلاة في أجزائه وبراً كان أو غيره كما لا يخفى .
وأمّا مع احتمال كون الخزّ ميتة لاحتمال عدم كونه كالسمك ، في أنّ خروجه من الماء كان علّة لموته ، كما يظهر من بعض الروايات ، حيث إنّ الإمام(عليه السلام)أجاب فيه عن السؤال عن الخزّ بأنّه سبع يرعى في البرّ ويأوي الماء(1) ، فالحكم بجواز الصلاة في جلده محلّ إشكال ، إذ لو كان إخراجه من الماء مستلزماً لقتله لعدم تعيّشه في خارج الماء لأمكن أن يقال بحصول التذكية له بذلك كالسمك .
وأمّا مع تعيّشه في خارج الماء أيضاً بمعنى عدم كون إخراجه من الماء إماتة له لبقاء حياته بعد الخروج ولو ساعة ، فلا يمكن القول بثبوت التذكية له ، كما يظهر ذلك من فتاوى الأصحاب في نظائر المسألة ، حيث إنّهم يقولون: بأنّ حصول التذكية للحيوان الذي أصابه سهم ، أوجرحه كلب معلّم ، ومات بسببه قبل بلوغ الصيّاد إليه ، إنّما هو بذلك ـ أي بإصابة السهم أو جرح كلب معلّم ـ وأمّا إذا كانت حياته باقية بعد بلوغه إليه ، فتحقّق التذكية إنّما هو بفري الأوداج ، ولا تكفي الإصابة أو الجرح .
هذا ، ولا يجوز أن يتمسّك للجواز باطلاق رواية معمر بن خلاّد عن الرضا(عليه السلام)المتقدّمة(2) ، لأنّ النسبة بينها وبين ما يدلّ على المنع عن الصلاة في الميتة
- (1) التهذيب 9: 49 ذ ح205 ; الوسائل 24: 191. أبواب الأطعمة المحرمة ب39 ح2.
- (2) الوسائل 4 : 360 . أبواب لباس المصلّي ب8 ح5 .