(الصفحة 363)
عموم من وجه . ولا دليل على ترجيح الاُولى في مورد الاجتماع ، وهي الصلاة في جلد الخزّ .
وأمّا رواية ابن أبي يعفور(1) ، فهي وإن كان موردها الصلاة في جلد الخزّ كما عرفت; إلاّ أنّ الاعتماد على مثلها مع وضوح حال سندها لا ينبغي من الفقيه ، وما ذكرنا من اتحادها مع رواية عبد الرحمن بن الحجاج المتقدّمة(2) ، فإنّما هو مبنيّ على الحدس ولا يجوز الاستناد إليه في مقام الفتوى . هذا ، والمسألة بعد تحتاج إلى مزيد تتبّع وتأمّل والاحتياط ممّا لا يخفى .
- (1) الوسائل 4 : 359 . أبواب لباس المصلّي ب8 ح4 .
- (2) الوسائل 4: 362. أبواب لباس المصلّي ب10 ح1 .
(الصفحة 364)
حكم الصلاة في جلد السنجاب
من جملة ما قيل باستثنائه من عموم الأدلة المانعة عن الصلاة في أجزاء غير المأكول ، الصلاة في جلد السنجاب(1) ، ويدلّ عليه أخبار كثيرة :
منها : ما رواه الشيخ عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن العباس، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه؟ قال : «لا بأس بالصلاة فيه»(2) والفراء جمع فرو ، والمراد به إمّا ما يظهر من بعض اللغويين من أنّه الحمار الوحشي ، وامّا ما يقال له بالفارسية: (پوستين) .
وعلى الأوّل لا يكون من أفراد غير المأكول ، وعلى الثاني يمكن أن يكون
- (1) المقنع : 24; النهاية: 97; المبسوط 1: 83 ; المعتبر 2: 86 ; شرائع الاسلام 1: 69; ارشاد الاذهان 1: 246; المنتهى 1: 228 .
- (2) التهذيب 2 : 210 ح825 ; الإستبصار 1 : 384 ح1459; الوسائل 4 : 350 . أبواب لباس المصلّي ب4 ح 2 .
(الصفحة 365)
المراد به الفرو المتّخذ من المأكول كما هو الغالب والشائع في الفراء ، ويمكن أن يراد به مطلق الفراء ، وعليه فتكون الأدلة المانعة عن الصلاة في غير المأكول مخصّصة له والمراد بأشباهه إمّا ما يكون مشابهاً للمذكورات من حيث كونه محرّم الأكل ، وإمّا ما يكون مشابهاً لها من حيث أنّه يؤخذ الثوب من وبره .
وبالجملة: فدلالتها على الجواز في المقام ممّا لا إشكال فيها .
ومنها : ما رواه الكليني عن عليّ بن محمّد، عن عبدالله بن إسحاق، عمّن ذكره، عن مقاتل بن مقاتل قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعلب؟ فقال : «لا خير في ذا كله ما خلا السنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم»(1) .
ومنها : ما رواه أيضاً عن علي بن محمّد، عن عبدالله بن إسحاق العلوي، عن الحسن بن علي، عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن عليّ بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبدالله وأبا الحسن(عليهما السلام) عن لباس الفراء والصلاة فيها؟ فقال : «لا تصلّ فيها إلاّ في ما كان ذكيّاً. قال: قلت: أوليس الذكيّ ما ذكّي بالحديد؟ قال : «بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه» قلت : وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ فقال : «لا بأس بالسنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم، وليس هو ممّا نهى عنه رسول الله(صلى الله عليه وآله)، إذ نهى عن كل ذي ناب ومخلب»(2) .
قوله(عليه السلام) : «إذا كان ممّا يؤكل لحمه» إنّما يكون قيداً لجواز الصلاة في الذكي لا لقوله: «نعم» كما لا يخفى .
والتعليل الوارد في هذه الرواية والتي قبلها لجواز الصلاة في السنجاب بأنّه دابّة لا تأكل اللحم يشعر بثبوت الحكم في ما يكون كذلك ، أي غير سبع ، مع أنّ الأمر ليس كذلك ، اللّهم إلاّ أن يقال: إنّه ليس علّة للحكم بل حكمة له .
- (1) الكافي 3: 401 ح16; الإستبصار 1: 384 ح1456; الوسائل 4: 348. أبواب لباس المصلّي ب3 ح2.
- (2) الكافي 3 : 397 ح3; التهذيب 2 : 203 ح797 ; الوسائل 4 : 348 . أبواب لباس المصلّي ب3 ح3 .
(الصفحة 366)
ومنها : ما رواه الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن داود الصرمي، عن بشير بن بشار قال : سألته عن الصلاة في الفنك والفراء والسنجاب والسمور والحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أن أُصلّي فيه لغير تقية؟ قال : فقال : «صلِّ في السنجاب والحواصل الخوارزمية، ولا تصلِّ في الثعالب ولا السمور»(1) .
ومنها : ما رواه أيضاً عن عليّ بن مهزيار، عن أبي عليّ بن راشد قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : ما تقول في الفراء أيّ شيء يصلّى فيه؟ قال : «أيّ الفراء؟» قلت : الفنك والسنجاب والسمور . قال : «فصلّ في الفنك والسنجاب ، فأمّا السمور فلا تصلّ فيه»(2) الحديث .
ومنها : ما رواه الصدوق عن يحيى بن أبي عمران أنّه قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام): في السنجاب والفنك والخزّ وقلت : جعلت فداك أُحبّ أن لا تجيبني بالتقية في ذلك . فكتب بخطّه إليّ : صلّ فيها»(3) . وغير ذلك ممّا يدلّ على جواز الصلاة في السنجاب .
وقد يناقش في الاستدلال بهذه الروايات بأنّ ما يدلّ منها على جواز الصلاة في السنجاب بالخصوص ، كرواية ابن أبي حمزة لا يخلو من ضعف بعض رواته وجهالة بعض الآخر ، مضافاً إلى الإرسال في بعضها .
وما يدلّ منها على جواز الصلاة في السنجاب وفي غيره من الحواصل أو الفنك والخزّ أو السمور والثعالب يجب حمله على التقية ، لتطابق الفتاوى على عدم
- (1) التهذيب 2: 210 ح823 ; الإستبصار 1: 384 ح1458; وفيه: بشير بن يسار; الوسائل 4: 348. أبواب لباس المصلّي ب3 ح4.
- (2) الكافي 3 : 400 ح14; التهذيب 2 : 210 ح822 ; الاستبصار 1 : 384 ح1457; الوسائل 4 : 349 . أبواب لباس المصلّي ب3 ح5 .
- (3) الفقيه 1: 170 ح804 ; الوسائل 4: 349. أبواب لباس المصلّي ب3 ح6.
(الصفحة 367)
جوازها في غير السنجاب(1) . هذا ، مضافاً إلى أنّ العموم الوارد في مقام المنع عن الصلاة في غير المأكول قد ورد في مورده خصوص السنجاب وغيره كما في موثقة ابن بكير المتقدّمة(2) .
فإنّ الجواب فيها بالمنع عن الصلاة في غير المأكول كما في كتاب زعم أنّه إملاء رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأراد بعد سؤال الراوي ـ وهو زرارة ـ عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر ، فتخصيص هذا العموم الوارد في مورده السنجاب بهذه الأخبار الدالة على جواز الصلاة فيه تخصيص مستهجن كما لا يخفى ، مضافاً إلى وجود المعارض لها وهي الروايات الدالة بالصراحة على المنع في السنجاب وأمثاله .
وقد يجاب عن الإشكال الثاني بأنّ التخصيص المستهجن إنّما هو فيما إذا اُريد إخراج جميع الأسباب الخاصة الواردة في موردها العموم عن تحته ، كما إذا كان السبب واحداً واُريد إخراجه عن تحت العام ، أو أزيد من واحد وأريد إخراج الجميع ، وأمّا إذا أريد إخراج بعضه كما في مثل المقام ، فلا نسلّم استهجان التخصيص . هذا، وفيه تأمّل .
والإنصاف أن يقال: إنّه لو قلنا بكون ورود بعض الأفراد في مورد العموم يوجب أن يكون العام شاملا له ودالاًّ عليه بالنصوصية ، سواء كان الفرد واحداً أو أزيد ، أريد إخراج البعض أو الجميع كما يظهر من صاحب الجواهر(رحمه الله)(3) ، فاللاّزم
- (1) المقنعة: 150; المعتبر 2: 85 ـ 86 ; تذكرة الفقهاء 2: 467 مسألة 120; وص470 مسألة 123; الدروس 1: 150; البيان: 120; مدارك الأحكام 3: 173; مستند الشيعة 4: 331 ـ 333; كشف اللثام 3: 199; جواهر الكلام 8 : 103 ـ 107.
- (2) الوسائل 4 : 345 . أبواب لباس المصلّي ب2 ح1 .
- (3) جواهر الكلام 8 : 100 .