(الصفحة 395)
وكذلك متعلّق للنهي لحيثيّة كونه تصرّفاً في مال الغير بغير إذنه ، لا أن يكون معروضاً لعرضين ، بل محمولا عليه الوجوب والتحريم على نحو الحمل الاشتقاقي .
وممّا ذكرنا ظهر الفرق بين ما قلناه في مقام الجواب وبين ما يظهر من القائلين بالجواز من مقاربي عصرنا(1) ، حيث إنّ ظاهرهم تسلّم كون الأحكام من قبيل الأعراض وثبوت التضادّ بينها لذلك ، غاية الأمر يتكلّفون في مقام الجواب لإثبات المغايرة والتنافي بين المتعلّقين ، ولا يخفى أنّ اثباته في غاية الاشكال .
ثمّ إنّ ما ذكرنا لا ينافي القول ببطلان العبادة ، فيما إذا اتحدت مع عنوان محرّم كالوضوء بماء الغير ، والصلاة في المكان المغصوب ، أو في الثوب كذلك ، لأنّه وإن كان الأمر متعلّقاً بالوجود الخارجي المنطبق عليه عنوان محرّم ، إلاّ أنّ صحة العبادة مشروطة بكون الفعل صالحاً لأن يتقرّب به مع قصد التقرّب به أيضاً .
ومن الواضح أنّه لا يكاد يكون ما يصدر من المكلّف على وجه العصيان والطغيان صالحاً لذلك أصلا ، مع عدم إمكان قصد التقرب به مع الالتفات إلى الحرمة الموجب لتنجّزها عليه ، ودعوى إنّه مستلزم لعدم كون ذلك الوجود مأموراً به مدفوعة بناءً على ما يظهر من جماعة من عدم كون قصد التقرّب مأخوذاً في متعلّق الأمر ، لا شطراً ولا شرطاً ، بمنع استلزامه لذلك ، إذ لا منافاة بين عدم إمكان قصد التقرّب وكونه مأموراً به ، وأمّا بناءً على ما اخترناه في الاُصول من إمكان أخذه في متعلّق الأمر(2) ، فصحّة تعلّقه به إنّما هي فيما إذا كانت الحرمة غير منجّزة للجهل بالموضوع أو الحكم أو للنسيان ، وأمّا مع تنجّزها فلا يكون مأموراً به ، ويخرج حينئذ عن مورد النزاع فتدبّر جيّداً .
- (1) فوائد الاصول 1 ، 2 : 396 .
- (2) نهاية الاُصول (تقريرات بحث السيّد البروجردي (رحمه الله)
(الصفحة 396)
حكم الصلاة في الشمشك والنعل السندي . . .
قال الشيخ(رحمه الله) في كتاب النهاية: لا يصلّي الرجل في الشمشكّ (بضمّ الشين الأوّل وكسر الميم أو ضمّها وسكون الشين الثاني) ، ولا النعل السندي ، ويستحب الصلاة في النعل العربي، ولا بأس بالصلاة في الخفّين والجرموقين إذا كان لهما ساق(1). انتهى .
ويظهر عدم جواز الصلاة في الأوّلين من المحكيّ عن المفيد في المقنعة(2) ، ويظهر من المحقق في الشرائع عدم اختصاص المنع بهما بل يعمّ كل ما يستر ظهر القدم حيث قال : لا تجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم كالشمشكّ ، ويجوز فيما له ساق كالجورب والخف ، ويستحب في النعل العربي(3) .
أقول : الظاهر عدم ورود نصّ بهذا المعنى واصل إلينا مذكور في الجوامع الأربعة المتأخّرة التي بأيدينا ، كما اعترف به المحقّق في المعتبر(4) ، بل إنّما ذكره بعض الأصحاب في الكتب الموضوعة لايراد الفتاوى المأثورة عن الأئمة(عليهم السلام)بعين الألفاظ الصادرة عنهم ، كالمقنعة ، والنهاية ، وهذا إنّما يكشف عن صدور نصّ منهم مذكور في الجوامع الأوّلية .
غاية الأمر إنّه لم يضبط في الجوامع الثانويّة ، وحينئذ فالدليل لا يدلّ على أزيد من عدم جواز الصلاة في الشمشكّ والنعل السندي ، فالحكم بعدم الجواز في كل ما يستر ظهر القدم مبنيّ على استظهار أنّ مناط النهي عنهما كونهما ساترين لظهر
- (1) النهاية: 98 .
- (2) المقنعة : 153 .
- (3) شرائع الاسلام 1 : 59 .
- (4) المعتبر 2 : 93 .
(الصفحة 397)
القدم ، مع عدم سترهما للساق ، إذ ما كان ساتراً للظهر والساق معاً كالخفّ ، يكون مقتضى الدليل جواز الصلاة فيه ، وكذلك ما لا يكون ساتراً لظهر القدم كالنعل العربيّة ، فإنّه قد ورد النصّ على جواز الصلاة فيه بل على استحبابها(1) .
فيستظهر من ذلك أنّ الوجه في بطلان الصلاة فيهما ، هو كونهما ساترين لظهر القدم دون الساق .
ولا يخفى ما فيه ، لعدم الدليل على ذلك ، إذ كما يحتمل أن يكون المنع عن الصلاة فيهما لأجل ما ذكر ، يحتمل أيضاً أن يكون لأجل أنّهما مانعان عن وصول الابهام ، أو سائر الأصابع إلى الأرض في حال السجود ، مع أنّه معتبر فيه بلا ريب ، ويحتمل غير ذلك من الوجوه ، وحينئذ فالتعدّي عنهما إلى كل ما يستر ظهر القدم فقط يحتاج إلى دليل معيّن للاحتمال الأوّل، ومن المعلوم عدمه .
ثمّ إنّ الظاهر باعتبار عدم ورود لفظ الشمشكّ في كتب لغة العرب على ما تتبّعنا أنّه معرّب چمشكّ ، أو چمش ، وهما على ما حكاه بعض نوع من الأحذية له رأس مانع عن وصول الأصابع إلى الأرض ، بل إلى رأسه ، ويستر أكثر ظهر القدم ، ثمّ إنّه بناءً على التعميم هل يكون المنع مختصّاً بما يستر جميع ظهر القدم أو يعمّ ما يستر أكثره أو ولو بعضه؟
الظاهر هو الثاني كما لا يخفى ، وأيضاً الظاهر اختصاص الحكم بما يكون معدّاً لأن يمشى به، فلا يعمّ مثل الجورب المنسوج من القطن أو الصوف إذا لم يكن ساتراً للساق . نعم الأقوى الحكم بمنع الصلاة فيهما فيما إذا لزم من الصلاة فيها الاخلال ببعض ما يعتبر فيها ، كوصول الأصابع إلى الأرض أو إلى ما يتّصل بها ، وفي غير هذه الصورة الأحوط ذلك .
- (1) الغيبة للطوسي: 381 ـ 382; الإحتجاج ج2: 305; الوسائل 3: 490. أبواب النجاسات ب50 وج4 : 427. أبواب لباس المصلّي ب38 ح4 .
(الصفحة 398)
الأمر السادس : طهارة لباس المصلّي
من الاُمور المعتبرة في لباس المصلّي أن يكون طاهراً من الخبائث كالبول ، والدم ، وغيرهما ، فالصلاة في اللباس النجس في الجملة فاسدة(1) ، ولا يخفى أنّ أكثر النصوص الواردة في هذا الباب إنّما تدلّ على بطلان الصلاة في بعض أفراد النجاسات ، وأمّا الروايات الدالة على حكم الصلاة في الثوب النجس وأمثاله من العناوين العامة الشاملة لجميع النجاسات فقليلة بالاضافة إلى الاُولى .
ولا بأس بالتيمّن بإيراد بعضها مثل ما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «لا صلاة إلاّ بطهور، ويجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنّة من رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأمّا البول فإنّه لابدَّ من غسله»(2) فإنّ الظاهر بقرينة الذيل أنّه لا تختص الطهارة المعتبرة في
- (1) الخلاف 1 : 472 مسألة 217; السرائر 1: 183; المعتبر 1: 441; المنتهى 1: 182; تذكرة الفقهاء 2: 477 مسألة 126; الذكرى 3: 49; روض الجنان: 168; مستند الشيعة 4: 252 .
- (2) التهذيب 1 : 49 ح144 وص209 ح605; الاستبصار 1 : 55 ح160; الوسائل 1 : 315. أبواب أحكام الخلوة ب9 ح1 .
(الصفحة 399)
الصلاة بالطهارة من الأحداث ، بل تعمّ الطهارة من مطلق الخبائث كما لا يخفى .
وما رواه الشيخ بالسند المذكور عن زرارة قال : قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من منيّ ـ إلى أن قال : ـ قلت : فإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنّه أصابه فطلبته فلم أقدر عليه، فلمّا أن صلّيت وجدته. قال : «تغسله وتعيد». قلت : فإن ظننت أنّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أرَ فيه شيئاً، ثم صلّيت فرأيت فيه . قال : «تغسله ولا تعيد الصلاة» . قلت : لِمَ ذاك؟ قال : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً . . .»(1) .
فإنّ السؤال وإن كان عن الصلاة في الثوب الذي شكّ في إصابة الدم والمني إيّاه ، إلاّ أنّ الجواب باعتبار اشتماله على ذكر الطهارة من دون التقييد بشيء يدلّ على اعتبار الطهارة مطلقاً في صحة الصلاة .
وممّا يدلّ على ذلك أيضاً ما رواه الشيخ عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن عبدالله بن سنان قال : «سأل أبي أبا عبدالله(عليه السلام) وأنا حاضر : إنّي اُعير الذميّ ثوبي وأنا أعلم أنّه يشرب الخمر، ويأكل لحم الخنزير، فيردّه عليّ، فأغسله قبل أن اُصلّي فيه؟ فقال أبو عبدالله(عليه السلام) : «صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك، فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر، ولم تستيقن أنّه نجّسه، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه»(2) ودلالتها على اعتبار طهارة الثوب وعدم كونه نجساً ظاهرة .
ومثلها ما رواه أيضاً عن محمد بن عليّ بن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن
- (1) التهذيب 1 : 421 ح1335; الاستبصار 1 : 183 ح641; علل الشرائع: 361; الوسائل 3 : 477 . أبواب النجاسات ب41 ح1 .
- (2) التهذيب 2 : 361 ح1459; الاستبصار 1 : 392 ح1497; الوسائل 3 : 521. أبواب النجاسات ب74 ح1 .