(الصفحة 400)
الحسن بن محبوب، عن العلاء، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشيء ينجّسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه، ثم يذكر أنّه لم يكن غسله، أيعيد الصلاة؟ قال : «لا يعيد، قد مضت الصلاة وكُتبت له»(1) ، فإنّ الحكم المذكور في الجواب وإن كان مخالفاً لما هو المشهور من وجوب الإعادة في هذه الصورة ، إلاّ أنّه يعلم من السؤال والجواب مفروغيّة اعتبار الطهارة من كل قذر في صحة الصلاة .
ومنها : ما رواه أيضاً عن سعد بن عبدالله، عن محمد بن الحسين، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى وعن محمد بن يحيى الصيرفي، عن حمّاد بن عثمان، عمّن رواه، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يصلّي في الخفّ الذي قد أصابه القذر، فقال : «إذا كان ممّا لا تتمّ فيه الصلاة فلا بأس»(2) . فإنّ مفهومها يدلّ على مانعية القذارة وشرطيّة عدمها مطلقاً .
ومنها : ما رواه أيضاً عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عمّن حدّثهم، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لا بأس بالصلاة في الشيء الذي لاتجوز الصلاة فيه وحده يصيبه القذر مثل القلنسوة والتكّة والجورب»(3) .
ومنها : ما رواه أيضاً عن المفيد، عن محمّد بن أحمد بن داود، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين ومحمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن العبّاس بن معروف أو غيره، عن عبدالرحمن بن أبي نجران، عن عبدالله بن سنان، عمّن أخبره، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «كل ما كان على الانسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه، وإن كان فيه قذر مثل القلنسوة والتكّة والكمرة
- (1) التهذيب 1 : 423 ح1345; وج2: 360 ح1492; الاستبصار 1 : 183 ح642; الوسائل 3 : 480. أبواب النجاسات ب42 ح3.
- (2) التهذيب 2 : 357 ح1479 ; وج1 : 274 ح807 باسناد آخر عن أيّوب بن نوح; الوسائل 3 : 456. أبواب النجاسات ب31 ح2 .
- (3) التهذيب 2: 358 ح1481; الوسائل 3: 456. أبواب النجاسات ب1 ح4.
(الصفحة 401)
والنعل والخفّين وما أشبه ذلك»(1) .
وبالجملة: فالظاهر أنّ اعتبار الطهارة من كل نجاسة وقذارة في صحة الصلاة كان أمراً مفروغاً عنه ، مضافاً إلى أنّه لم يخالف فيه أحد من الأصحاب رضوان الله عليهم ، إلاّ أنّه يقع الكلام في شمول تلك الأدلة لما إذا كان محمول المصلّي نجساً وأنّه هل تعتبر طهارة المحمول أيضاً أم لا؟
لا يبعد أن يقال بدلالة الرواية الثانية المتقدّمة على ذلك لأنّه وإن كان مورد السؤال فيها هو ظن إصابة الثوب الدم أو المني ، كما هو ظاهر صدر الرواية ، إلاّ أنّ إسناد الطهارة إلى نفس السائل لا إلى ثوبه كما فعله الإمام(عليه السلام) في الجواب حيث قال : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك» ، ربّما يدلّ على أنّ المعتبر في صحة الصلاة هو كون المصلّي طاهر .
غاية الأمر أنّ صدقه يتوقف على طهارة بدنه وثوبه معاً ، ولا يتحقّق بمجرّد طهارة بدنه فقط ، وإلاّ لم يصح الاسناد مع نجاسة الثوب كما هو واضح ، وبالجملة فالظاهر من الرواية أنّ المعتبر في صحة الصلاة كون المصلّي طاهراً ، ويتوقف ذلك على طهارة ثوبه وبدنه ، وإذا كان الأمر كذلك ، أي إذا كانت نجاسة الثوب موجبة لعدم كون المصلّي طاهراً .
فمن المعلوم أنّه لا فرق في ذلك بين ما إذا كان ثوبه نجساً أو كان ما استصحبه كذلك ، إذ الوجه في صحة هذا الإطلاق هو كون المصلّي ملابساً له بلا خصوصيّة للثوب أصلاً فلو كان محموله نجساً لا تصحّ إسناد الطهارة إليه أيضاً ، مضافاً إلى أنّ العرف إذا ألقي إليه هذا المعنى ـ وهو اعتبار الطهارة في الثوب ـ لا يفهم منه الاختصاص ، وتكون خصوصيّة الثوبيّة ملغاة بنظره .
- (1) التهذيب 1: 275 ح810 الوسائل 3: 456. أبواب النجاسات ب31 ح5 .
(الصفحة 402)
وربّما يدلّ على شمول الحكم للمحمول الرواية الأخيرة الدالة بمفهومها على ثبوت البأس إذا كان الشيء المصاحب للمصلّي الذي لا تتمّ الصلاة فيه وحده نجساً ، ثمّ إنّه بناءً على ما ذكرنا من أنّ المعتبر في صحة الصلاة هو كون المصلّي طاهراً ومتّصفاً بهذه الصفة ، وإنّ طهارة الثوب من مراتب طهارة نفسه ، يمكن القول ببطلان صلاة المضطجع والمستلقى الذي يصلّي على شيء نجس أو كان عليه شيء نجس ممّا لا يعدّ ثوباً ، سيّما إذا كانا ساترين له .
بخلاف ما إذا كان ثوبه الذي يصلّي فيه متّصلا بما يكون نجساً ، سيّما إذا لم يتحرّك بحركته ، كما إذا تعمّم بطرف ثوب يكون طرفه الآخر الواقع على الأرض نجساً . وكما إذا كان لباسه طويلا في الغاية بحيث كان طوله ضعف طول بدنه ، أو أزيد ، أو أنقص مثلا ، فإنّه لا يعدّ الشيء النجس ملابساً للمصلّي في هاتين الصورتين ونظائرهما ، بخلاف القسم الأوّل . هذا ، ولو قلنا بأنّ المعتبر في الصلاة طهارة البدن والثوب بما هو ثوب ، أمكن القول بعدم البطلان فيه أيضاً كما لايخفى .
هل تعتبر الطهارة في ما لا تتمّ الصلاة فيه؟
قد عرفت أنّ اعتبار الطهارة في الصلاة ممّا قام عليه الاجماع ، ويدلّ عليه الروايات الكثيرة(1) ، ولكن ذلك إنّما هو بالنسبة إلى ما تتمّ الصلاة فيه وحده ، وأمّا في غيره ممّا لا تجوز الصلاة فيه منفرداً ، فالظاهر عدم اعتبار طهارته .
والنصوص والفتاوى(2) متطابقتان على ذلك ، وقد تقدّم بعض الروايات الدالة
- (1) الوسائل 1: 315. أبواب أحكام الخلوة ب9 .
- (2) الخلاف 1: 479 مسألة 223; الإنتصار: 136; السرائر 1: 264; تذكرة الفقهاء 2: 481 مسألة 127; مستند الشيعة 4: 281 ـ 284.
(الصفحة 403)
عليه في صدر المبحث ، ويدلّ عليه أيضاً ما رواه الشيخ عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن عقبة، عن زرارة، عن أحدهما(عليهما السلام) قال : «كل ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشيء مثل القلنسوة والتكّة والجورب»(1) .
وما رواه أيضاً عن سعد، عن الحسن بن عليّ، عن عبدالله بن المغيرة، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن عليّ بن أسباط، عن ابن أبي ليلى، عن زرارة قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : إنّ قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثمّ صلّيت فقال(عليه السلام) : «لا بأس»(2) .
هذا ، ولكن يقع الكلام في أنّ المراد بما لا تتمّ فيه الصلاة وحده ، هل هو الشيء الذي لا يكون ساتراً للعورة ولو مع تغيّر هيئته وتبديل مكانه ، أو الشيء الذي لا يكون ساتراً إذا لم تتغيّر هيئته ، ولو مع تبديل مكانه ، أو ما يكون كذلك إذا لم تتغيّر هيئته، ولم يبدّل مكانه الذي جعل ذلك الشيء لباساً له ، فعلى الأوّل لا تكون العمامة بل الخفّ والجورب ، بل التكّة في بعض الموارد ممّا لا تتمّ فيه الصلاة، مع أنّ الثلاثة الأخيرة مذكورة في الروايات المتقدّمة من جملة الأمثلة لذلك ، والاُولى وإن لم تكن مذكورة فيها إلاّ أنّها مذكورة في الرواية الواردة في الفقه الرضوي(3) ، مضافاً إلى أنّ الصدوق أفتى بعدم كون نجاستها مضرّة بصحّة الصلاة كسائر ما لا تتمّ (4)، فهذا الاحتمال في غاية البعد ، ويدور الأمر بين الاحتمالين الأخيرين .
والأظهر هو الاحتمال الثاني الذي مرجعه إلى أنّ المراد بما لا تتمّ فيه الصلاة هو
- (1) التهذيب 2 : 358 ح482 ; والوسائل 3 : 455. أبواب النجاسات ب31 ح1 .
- (2) التهذيب 2: 357 ح1480; الوسائل 3: 456. أبواب النجاسات ب31 ح3.
- (3) فقه الرضا (عليه السلام) : 95; المستدرك 3 : 208 . أبواب لباس المصلّي ب14 ح1 .
- (4) الفقيه 1 : 42 ح167 .
(الصفحة 404)
ما لا يكون ساتراً للعورة مع هيئته الفعليّة ، ولو مع تبديل موضعه الذي جعل ذلك لباساً له ، وعليه فيدخل القميص القصير الذي لا يستر العورة كما هو المتداول بين الأعاجم فيما يعتبر طهارته .
وجه الأظهريّة ـ مضافاً إلى فهم المشهور ذلك ـ ما يستفاد من المرسلة المتقدّمة(1)، حيث أنّها تدلّ بظاهرها على أنّ الخفّ على قسمين : قسم يستر العورة وتتمّ الصلاة فيه، وقسم لايكون كذلك، ولوكان المراد ممّا لا يتم هو الاحتمال الثالث ، لكان الخفّ منحصراً في القسم الثاني ، إذ الظاهر أنّ الخف لا يستر أزيد من الساق لو لم يبدّل مكانه ، وأيضاً يلزم أن يكون المحمول مما لا تتمّ دائماً ، إذ ليس شأنه أن يستر العورة مع كونه محمولا ، وإلاّ لم يكن بمحمول ، فالأظهر هو الاحتمال الثاني .
ثمّ إنّ التفصيل بين ما تتمّ وما لا تتمّ ، بعدم اعتبار طهارة الثاني في صحة الصلاة ، لا يختص بالثوب ، بل يجري في المحمول أيضاً ، بناءً على شمول الأدلة الدالة على اعتبار الطهارة له أيضاً ، كما استظهرناه آنفاً ، وجه عدم الاختصاص واضح ، لو استندنا في اعتبار طهارة المحمول إلى مرسلة عبدالله بن سنان المتقدّمة(2) ، إذ جعل المحمول فيها مرادفاً للثوب ، وفصّل في كليهما بين ما تتمّ وما لا تتمّ .
وأمّا لو استندنا في ذلك إلى ما يستفاد من صحيحة زرارة المتقدّمة(3) ، من أنّ ظاهرها باعتبار اسناد الإمام(عليه السلام) الطهارة إلى نفس المصلّي أنّ المعتبر في صحة الصلاة هو طهارة المصلّي ، غاية الأمر أنّ طهارة الثوب من مراتب طهارة الشخص ، ومن المعلوم أنّ ذلك باعتبار ملابسته للمصلّي وهو لا يختصّ بالثوب ، بل يعم المحمول ، أو استندنا إلى أنّ خصوصيّة الثوبيّة ملغاة بنظر العرف ، أو إلى أنّه
- (1) الوسائل 3 : 456 . أبواب النجاسات ب31 ح2 .
- (2) الوسائل 3 : 456 ، أبواب النجاسات ب31 ح5 .
- (3) الوسائل 3 : 477 . أبواب النجاسات ب41 ح1 .