(الصفحة 405)
تصدق الصلاة في النجس إذا كان المحمول نجساً ، كما يظهر من الشيخ(1) ، فوجه عدم الاختصاص اتحاد مناط شمول الحكم ، وخروج بعض الأفراد عن تحته كما لا يخفى .
ثمّ إنّ الحليّ في السرائر بعد أن اعتبر في صحة الصلاة أن يكون ثوب المصلّي وبدنه طاهراً خالياً من النجاسات ، وبعد ذهابه إلى أنّ ما لاتتمّ الصلاة فيه من جميع الملابس، ومايطلق عليه اسم الملبوس تجوز فيه الصلاة ، وإن كان عليه نجاسة ، قال:
وأمّا ما لا يكون ملبوساً ولا يطلق اسم الملبوس عليه لا تجوز الصلاة فيه إذا كان فيه نجاسة ، لأنّه يكون حاملا للنجاسة ، والأوّل خرج بالاجماع من الفرقة على ذلك(2) . انتهى .
ومراده بالأوّل هو ما لا تتمّ الصلاة فيه من الملابس الذي حكم بجواز الصلاة فيه ، وإن كانت عليه نجاسة ، وظاهره اختصاص التفصيل بين ما لا تتمّ وغيره بخصوص الملابس ، وكون اعتبار الطهارة في المحمول عامّاً غير مقيد بما إذا كان ممّا لا تتمّ الصلاة فيه وحده .
وقد عرفت أنّه لا فرق بين الثوب والمحمول في اعتبار طهارتهما إذا كانا ممّا تتمّ ، وعدم اعتبار طهارتهما إذا كانا ممّا لا تتمّ ، لأنّ ما يدلّ على إخراج بعض أفراد الثوب يدلّ على تقييد الحكم في المحمول أيضاً . هذا لو قلنا بأنّ المحمول على قسمين : قسم تتمّ الصلاة فيه وحده ، وقسم لا يكون كذلك ، بناءً على أنّ المراد بما لا تتم هو الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة المتقدّمة ، كما استظهرناه .
وأمّا بناءً على أن يكون المراد هو الوجه الثالث ، وهو أن يكون المراد الشيء الذي لا يستر العورة مع كونه باقياً على هيأته الفعليّة ، ولم يبدّل موضعه الذي جعل لباساً ، فلا يكون المحمول على قسمين ، بل يكون دائماً ممّا لا تتمّ مع بقائه على صفة
- (1) الخلاف 1 : 503 مسألة 244 .
- (2) السرائر 1 : 264 .
(الصفحة 406)
المحمولية ، وحينئذ فيمكن القول بما ذهب إليه الحلّي كما لا يخفى .
ثمّ إنّ الحكم ببطلان الصلاة فيما لم يكن ملبوساً للمصلّي ، بل كان محمولا له مع كون المأخوذ أولا في مقام بيان ما هو المعتبر في صحة الصلاة هي طهارة الثوب والبدن ، ممّا يدلّ على أنّ المراد بالثوب ليس ما يكون مقابلا للمحمول ، بل المراد به كل ما يكون ملابساً للمصلّي ، أعمّ ممّا يكون محيطاً به أو مستصحباً له ، وهذا أيضاً ممّا يؤيّد ما استظهرناه سابقاً من اعتبار طهارة ا لمحمول ، حيث يشعر بكون مراد الفقهاء من الثوب هو الأعمّ من المحمول كما هو غير خفيّ .
لو شك في طهارة ثوب وصلّى فيه ، فانكشف أنّه كان نجساً لا يجب عليه الإعادة
لو شكّ في طهارة بدنه أو ثوبه أو غيرهما ممّا تعتبر طهارته في الصلاة ، فإن كان منشأ الشك هو عدم النصّ أو إجماله أو تعارضه ، وبالجملة كانت الشبهة حكمية ، فسيجيء الكلام فيه إن شاء الله تعالى ، وإن كان منشؤه اشتباه الاُمور الخارجية ، فإن كان مسبوقاً بالطهارة أو النجاسة فالمرجع هو استصحابهما .
وإن لم يكن كذلك فالمرجع هي قاعدة الطهارة ، فإن صلّى مع استصحاب الطهارة أو قاعدتها ، ولم ينكشف الخلاف إلى الأبد ، فلا إشكال في صحة صلاته وكونها هي المأمور به لا أنّه يكون معذوراً ، في ترك الصلاة إذا كانت مع النجاسة واقعاً ، وإن انكشف الخلاف ، فتارة يكون انكشاف الخلاف . بعد الفراغ من الصلاة ، واُخرى في أثنائها .
أمّا الأوّل: فالظاهر عدموجوب الإعادة عليه لقاعدة الإجزاءالمحقّقة في الاُصول، وحاصلها أنّ المأمور به بالأمر الواقعي الثانوي ، أو بالأمر الظاهري يقتضي الإجزاء
(الصفحة 407)
بالنسبة إلى الأمر الواقعي الأوّلي ، لأنّ الظاهر أنّ الاُصول العمليّة مثلا ناظرة إلى أنّ الصلاة فيما يشكّ طهارته من الثوب والبدن مثلا هي الصلاة المأمور بها .
وبالجملة: تدلّ على توسعة المأمور به المقيد بإحراز الطهارة ، وإنّ مجرّد الشك في حصول القيد يكفي في تحقّق الامتثال المسقط للأمر ، فيرجع إلى عدم كون الطهارة الواقعيّة معتبرة في حقّ الشاكّ فيها ، وأنّ صلاته هي الصلاة الفاقدة للطهارة ، وبها يكون مطيعاً للمولى ممتثلا لأمره ، ومن المعلوم أنّ الشك المأخوذ في مجراها ليس الشك الباقي إلى الأبد ، حتى لو انكشف أحد الطرفين كشف ذلك عن عدم تحقّق موضوعها .
إذ بناءً عليه لا يكون الشاك الفعلي عالماً بتحقّق موضوعها حتى تجري في حقّه قاعدة الطهارة أو أصالتها ، والضرورة قاضية بخلاف ذلك ، فإذا كان موضوعها مطلق الشك ولو تبدّل إلى اليقين بأحد الطرفين ، وقد عرفت أنّ ظاهرها هو كون دائرة المأمور به غير مضيقة بالعلم بوجود القيد مثلا ، يظهر وجه اقتضائها للإجزاء وعدم وجوب الإعادة أو القضاء .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ الأمر الظاهري لا يكون أمراً في قبال الأمر الواقعي ، بل مدلوله هو توسعة المأمور به ، ولذا اعترضنا في الأصول عليهم ، حيث إنّهم بعد تقسيم الأمر إلى الواقعي الأوّلي ، والواقعي الثانوي والظاهري ، يقولون إنّ اقتضاء المأمور به بكلّ أمر بالنسبة إلى أمره ممّا لا مجال للإشكال فيه .
ومحصّل الاعتراض أنّ الأمر الواقعي الثانوي ، وكذا الأمر الظاهري لا يكون أمراً في قبال الأمر الواقعي الأوّلي ، لأنّ من المعلوم أنّه إذا دخل وقت الظهر مثلا لا يتوجّه إلى المكلّف إلاّ الأمر المتعلّق بصلاة الظهر ، غاية الأمر أنّه قد علم من الدليل أنّه لو كان المصلّي واجداً للماء ، يتوقف انطباق عنوان الصلاة على المأتيّ به من الأفعال والأقوال على الطهارة المائيّة ، ولو لم يكن واجداً له يتوقف ذلك على
(الصفحة 408)
الطهارة الترابيّة .
وكذلك يتوقف صدق عنوانها بالنسبة إلى غير الشاكّ في طهارة ثوبه أو بدنه على إحراز الطهارة ، وبالنسبة إلى الشاك يكفي الاعتماد على استصحاب الطهارة أو قاعدتها ، فالأدلّة الدالة على الأوامر الإضطراريّة ، أو الأمارات الظنّية ، أو الأصول العمليّة إنّما هي ناظرة إلى توسعة المأمور به ، وإنّ تحققه لا يتوقف على إحراز ما جعل شرطاً أو جزءً في غير حال الاضطرار أو الشك ، لا أن يكون مدلولها معذوريّة المكلّف في ترك أصل الصلاة ، إذ الظاهر أنّ ادعاء احتمال كون المكلّف الذي اعتمد على الاُصول ممّن لم يصلّ أصلا فيما إذا لم ينكشف الخلاف ممّا لا يصدر من أحد ، وقد عرفت أنّ الشك المعتبر في جريان الأصول والأمارات ليس الشك الباقي للتالي ، بل مطلق الشك ولو انكشف الخلاف .
ومن الواضح عدم الفرق بينهما أصلا ، فإذا كان فعل من لم ينكشف له الخلاف منطبقاً لعنوان الصلاة ، فغيره أيضاً لا يكون تاركاً لها معذوراً في تركها ، بل الصلاة في حقّه هي ما أتى به من الأفعال مطابقاً لما تقتضيه الأمارة أو الأصل الجاري في حقّه ، فظهر من جميع ذلك أنّه لا يجب الإعادة على من صلّى في النجاسة شاكّاً فيها اعتماداً على الأصل ، ولو انكشف الأمر بعد الفراغ عنها .
ويدلّ على ذلك أيضاً ما وردت من الروايات الواردة في هذا الباب :
منها : ما رواه الكليني عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به، قال : «عليه أن يبتدئ الصلاة». قال : وسألته عن رجل صلّى وفي ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من صلاته ثم علم؟ قال : «مضت صلاته ولا شيء عليه»(1) .
- (1) الكافي 3 : 405 ح6 ; التهذيب 2 : 360 ح1489 ; الإستبصار 1 : 181 ح634; الوسائل 3 : 474. أبواب النجاسات ب40 ح2 .
(الصفحة 409)
ومنها : ما رواه أيضاً عن عبدالله بن سنان قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم؟ قال : «إن كان قد علم أنّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّي ثمّ صلّى فيه ولم يغسله فعليه أن يعيد ما صلّى، وإن كان لم يعلم به فليس عليه إعادة، وإن كان يرى أنّه أصابه شيء فنظر فلم يرَ شيئاً أجزأه أن ينضحه بالماء»(1) .
ومنها : رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنّور أو كلب أيعيد صلاته؟ قال(عليه السلام) : «إن كان لم يعلم فلا يعيد»(2) . وفيه دلالة على عدم البأس ولو كانت النجاسة عذرة ما لا يؤكل لحمه، بل وإن كان نجس العين .
ومنها : رواية عيص بن القاسم قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل صلّى في ثوب رجل أيّاماً، ثم إنّ صاحب الثوب أخبره أنّه لا يصلّى فيه؟ قال : «لا يعيد شيئاً من صلاته»(3) .
ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه، وإن هو علم قبل أن يصلّي فنسي وصلّى فيه فعليه الإعادة»(4) .
ومنها : ما رواه في قرب الاسناد عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن
- (1) الكافي 3: 406 ح9، التهذيب 2: 359 ح1488; الإستبصار 1: 182 ح636; الوسائل 3: 475. أبواب النجاسات ب40 ح3.
- (2) الكافي 3: 404 ح2 وص406 ح11، التهذيب 2: 359 ح1487; الإستبصار 1: 180 ح630; الوسائل 3: 475. أبواب النجاسات ب40 ح5.
- (3) الكافي 3: 404 ح1، التهذيب 2: 360 ح1490; الإستبصار 1: 180 ح631; الوسائل 3: 475. أبواب النجاسات ب40 ح6.
- (4) التهذيب 1 : 254 ح737; الإستبصار 1 : 182 ح637; الوسائل 3 : 476 . أبواب النجاسات ب40 ح7.