(الصفحة 425)
يغسل ذكره وقد بال، فقال(عليه السلام) : «يغسل ذكره ولا يعيد الصلاة»(1) .
ومنها : ما رواه عمّار بن موسى قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : «لو أنّ رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتّى يصلّي لم يعد الصلاة»(2) .
وأمّا الرواية التي يستفاد منها التفصيل وتجعل شاهدة للجمع بين الطائفتين الاُوّليّين ، فهي رواية علي بن مهزيار قال : كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره: أنّه بال في ظلمة الليل وأنّه أصاب كفّه برد نقطة من البول لم يشكّ أنّه أصابه ولم يره، وأنّه مسحه بخرقة ثم نسي أن يغسله، وتمسّح بدهن فمسح به كفّيه ووجهه ورأسه، ثمّ توضّأ وضوء الصلاة فصلّى؟ فأجابه بجواب قرأته بخطّه : أمّا ما توهّمت ممّا أصاب يدك فليس بشيء إلاّ ما تحقّق، فإن حقّقت ذلك كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات اللّواتي كنت صلّيتهنّ بذلك الوضوء بعينه ما كان منهنّ في وقتها، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها، من قِبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجساً لم يعد الصلاة إلاّ ما كان في وقت، وإذا كان جنباً أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته، لأنّ الثوب خلاف الجسد، فاعمل على ذلك إن شاء الله»(3) .
أقول : لا يخفى أنّ الرواية في كمال الاضطراب من حيث المتن ، بحيث ربّما يحصل الوثوق والاطمئنان بعدم كونها صادرة عن المعصوم(عليه السلام) خصوصاً مع كونها مضمرة، وكون السائل مجهول الحال، وإن كان المظنون صدورها عنه(عليه السلام) باعتبار أنّ عليّ بن مهزيار لا يروي عن غير الامام(عليه السلام) ، ووجه الاضمار أنّه أشار في أوّل كتابه الذي جمع فيه أجوبة مسائل الرجال مع نفس المسائل بأنّ هذه الأجوبة من
- (1) التهذيب 1 : 48 ح140 ، الاستبصار 1 : 54 ح157 ; الوسائل 1 : 317 . أبواب أحكام الخلوة ب10 ح2 .
- (2) التهذيب 2: 201 ح789 وج1: 49 ح143; الإستبصار 1: 55 ح159; الوسائل 1: 318. أبواب أحكام الخلوة ب10 ح3.
- (3) التهذيب 1 : 426 ح1355; الاستبصار 1 : 184 ح643; الوسائل 3 : 479 . أبواب النجاسات ب42 ح1 .
(الصفحة 426)
الإمام(عليه السلام) ، لئلا يحتاج إلى ذكر اسمه(عليه السلام) عند كل رواية .
هذا ، ولكن ذلك لا يوجب أزيد من الظنّ بالصدور عنه ، ولا يقاوم الوثوق الحاصل من تشويش العبارة واضطراب المتن ، ووجهه إنّ ذيل الرواية يدلّ على أنّه لو صلّى مع نسيان إزالة النجاسة الحدثيّة بالوضوء أو الغسل ، تكون صلاته فاسدة يجب عليه إعادتها في الوقت وفي خارجه ، وعلّله بكون الثوب خلاف الجسد ، أي النجاسة الخبثيّة تغاير القذارة الحدثيّة ، فإنّه يجب في الثاني الإعادة مطلقاً، ولا يجب في الأوّل إلاّ الإعادة في الوقت خاصة .
مع أنّ مورد الرواية الذي حكم فيه بالتفصيل بين الصلوات الفائت وقتها ، وبين ما كان منها في وقتها ، كما يدلّ عليه قوله: «فإن حقّقت» إلى قوله: «وإن كان جنباً» من قبيل الثاني ، وذلك لأنّ موردها هو ما إذا توضّأ للصلاة مع نجاسة رأسه وكفّيه ووجهه ، وحينئذ فإن قلنا ببطلان ذلك الوضوء ، فيدخل المورد في قوله: «وإن كان جنباً أو صلّى على غير وضوء» فيجب عليه حينئذ الإعادة مطلقاً، وإن لم يكن باطلا ، إمّا لعدم كون المتنجس منجساً أو لحصول الطهارة المعتبرة في صحة الصلاة .
والغسل المعتبر في الوضوء معاً هو صبّ الماء بقصد الوضوء ، فلا تجب عليه الإعادة مطلقاً ، لعدم وقوع صلاته لا في النجاسة الخبثيّة ولا في القذارة الحدثيّة ، إلاّ أن يقال: إنّ ظاهرها نجاسة الوجه والكفّين والرأس ، والأوّلان منها وإن كان يمكن القول بارتفاع نجاستهما بصبّ ماء الوضوء عليهما ، إلاّ أنّ الأخير لا مساس له بأجزاء الوضوء ومحلّه أصلا كما لا يخفى .
فوجوب الإعادة في الوقت دون خارجه إنّما هو لأجل نجاسة البدن المعبّر عنها بنجاسة الثوب في ذيل الرواية . هذا ولكن ظاهر قوله : صلّيتهنّ بذلك الوضوء بعينه أنّ المقتضي لوجوب الاعادة هو الخلل الحاصل في الوضوء
(الصفحة 427)
ومن ناحيته .
وكيف كان فالتفصيل بين الوقت وخارجه في مورد الرواية ينافي القاعدة المستفادة من ذيلها ، وهي بطلان الصلاة ووجوب الإعادة إذا صلّى جنباً أو على غير وضوء ، هذا ، مضافاً إلى أنّ التعبير عن النجاسة الخبثيّة بالثوب وعن القذارة الحدثيّة بالجسد كما في قوله : «لأنّ الثوب خلاف الجسد» لا يناسب مقام من كان له أدنى بصيرة بكيفيّة الاستعمالات ، فضلا عن الإمام(عليه السلام) .
فظهر أنّ الرواية وإن كانت ظاهرة في التفصيل إلاّ أنّها ساقطة عن درجة الاعتبار ، ولا يوثق بصدورها عن المعصوم(عليه السلام) ، لما عرفت من اضطراب متنها بحيث لا يمكن الجمع بين ما تدلّ عليه من الأحكام ولو بنحو من التأويل ، فلا تصلح لأن تكون شاهدة للجمع بين الطائفتين المتقدّمتين المتعارضتين ، فالواجب إمّا الجمع بينهما بوجه آخر وإمّا الرجوع إلى المرجّحات .
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه قد يقال بإمكان الجمع بينها بحمل ما ظاهره الوجوب على الاستحباب ، لمكان وجود النص على الصحة وعدم وجوب الإعادة ، فما نحن فيه من قبيل تعارض النصّ والظاهر ، فيجب إرجاع الثاني إلى الأوّل ، وفي الحقيقة لا تعارض بينهما بنظر العرف أصلا .
هذا ، ولكن لا يخفى أنّ عدم التعارض ووجوب الحمل فيما اذا ورد الأمر من المولى ثم ورد الإذن في الترك وإن كان مسلّماً كما يشهد به حكم العرف بذلك ، بل قد حقّقنا في الاُصول أنّ ظهور الأمر في الوجوب معلّق على عدم ورود الإذن في الترك ، إلاّ أنّ ذلك فيما إذا كان الأمر مولويّاً مقتضياً لاستحقاق المكلّف العقوبة على تقدير المخالفة ، وصحة عقوبة الأمر على ذلك التقدير ، لا فيما إذا كان إرشادياً كالأوامرالواردة عن النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) في مقام بيان الأحكام وتبليغها إلى الناس.
توضيح ذلك : انّ الأوامر الصادرة عن النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) على قسمين :
(الصفحة 428)
قسم يصدر منهم في مقام إعمال المولويّة والسلطنة على الناس ، كالأوامر الصادرة من الموالي العرفيّة بالنسبة إلى عبيدهم ، ولا إشكال في كون هذا القسم مولويّاً تجب إطاعته ، لكون النبي(صلى الله عليه وآله) أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، كما ورد في الآية الشريفة(1) ، وقسم يصدر منهم في مقام بيان الأحكام وتبيين الحكم الواقعي عند الله ، كالأمر الصادر من المفتي في مقام الإفتاء بل هو عينه ، وكالأمر الصادر من الطبيب المعالج بالنسبة إلى المريض .
ولا إشكال في كون هذا القسم إرشاديّاً ومبيّناً لما هو حكم القضية عند الله لا مولويّاً ، ولذا لا تصحّ منهم المؤاخذة على تقدير المخالفة ، كما لا تصحّ من الطبيب ، فإذا فرض صدور الأمر بإعادة الصلاة في صورة النسيان مثلا منهم كما في المقام فهو إرشاد إلى أنّ الحكم في هذه الصورة عند الله هو بطلان الصلاة ووجوب الإعادة .
كما أنّه لو فرض صدور الحكم بعدم وجوب الإعادة في الصورة المذكورة ، وبالمضيّ وعدم البأس فهو إرشاد إلى صحة الصلاة عند الله، ولا ريب في كونهما على فرض الصدور متعارضين ، فالواجب حينئذ المعاملة مع الأخبار المتقدّمة المتعارضة معاملة الدليلين المتعارضين ، من الرجوع إلى المرجّحات المذكورة في أخبار الترجيح .
فاللازم الأخذ بالروايات الدالة على وجوب الإعادة لتحقّق الشهرة الفتوائيّة على وفاقها ، وقد ذكرنا في محلّه أنّها أوّل المرجّحات ، على ما يستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة(2) ، لا الشهرة في الرواية ، مضافاً إلى تحقّقها هنا أيضاً كما لايخفى .
- (1) الاحزاب : 6 .
- (2) الكافي 1 : 54 ح10 وج7: 412 ح5; التهذيب 6 : 218 ح514 وص301 ح845 ; الوسائل 27 : 13 . أبواب صفات القاضي ، ب1 ح4.
(الصفحة 429)
وقد تلخّص ممّا ذكرنا أنّه لو صلّى في النجاسة عالماً بالموضوع والحكم وعامداً ، فصلاته فاسدة ، ولو صلّى في النجاسة عالماً بالموضوع دون الحكم فكذلك أيضاً ، لعدم معذوريّة الجاهل بالحكم إلاّ في موارد مخصوصة .
وتوهّم دلالة حديث الرفع(1) على ارتفاع شرطيّة الطهارة عن الجاهل مطلقاً ، مدفوع بما تقدّم في مسألة الصلاة في اللباس المشكوك من الإشكال في شموله للجاهل بالحكم فراجع .
ولو صلّى في النجاسة عالماً بالحكم دون الموضوع ، فقد تقدّم أنّ الأقوى التفصيل بين ما إذا تبيّن الخلاف في الأثناء ، وبين ما إذا تبيّن بعد الفراغ ، فتجب الإعادة في الأوّل دون الثاني ، لصحيحة زرارة المتقدّمة(2) ، ولو صلّى في النجاسة عالماً بالحكم والموضوع معاً ناسياً غير ذاكر ، فالأقوى وجوب الإعادة عليه مطلقاً ، لما عرفت من دلالة الأخبار عليه وترجيحها على غيرها .
فرع
لو علم بنجاسة شيء فنسي ولاقاه هو أو ثوبه بالرطوبة ، ثم صلّى ثم تذكّر أنّه كان نجساً ، فالظاهر أنّه من باب الجهل بالموضوع ، فلا تجب عليه الإعادة إلاّ فيما إذا تذكّر في الأثناء ، لا من باب النسيان حتّى تجب عليه الإعادة مطلقاً ، وذلك لأنّ ظاهر الأدلة الواردة في حكم الجاهل اطلاق الحكم وشموله لما إذا كان منشأ الجهل هو تعلّق النسيان بنجاسة شيء آخر غير ما صلّى فيه .
كما أنّ ظاهر الأدلة الواردة في حكم الناسي اختصاص الحكم بما إذا علم قبل الصلاة بنجاسة ما صلّى فيه لا بنجاسة شيء آخر ، وبالجملة فمتعلّق النسيان إنّما هو
- (1) الخصال: 417 ح9 .
- (2) تقدّم : ص416 .