(الصفحة 432)
الصدوق: وفي خبر آخر: «وأعاد الصلاة» . وفي رواية اُخرى له إنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر على غسله؟ قال(عليه السلام) : «يصلّي فيه»(1) .
ومنها : ما رواه عبدالرحمن بن أبي عبدالله أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يجنب في ثوب ليس معه غيره ولا يقدر على غسله؟ قال(عليه السلام) «يصلّي فيه»(2) .
ومنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن جعفر(عليه السلام) عن أخيه موسى(عليه السلام)قال : سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة، فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه دم يصلّي فيه أو يصلّي عرياناً؟ قال(عليه السلام) : «إن وجد ماءً غسله، وإن لم يجد ماءً صلّى فيه ولم يصلّ عرياناً»(3) .
ومنها : رواية محمّد بن عليّ الحلبي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس معه ثوب غيره؟ قال(عليه السلام) : «يصلّي فيه إذا اضطر إليه»(4) .
ومنها : ما رواه عمّار الساباطي عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه سئل عن رجل ليس معه إلاّ ثوب ولا تحلّ الصلاة فيه، وليس يجد ماءً يغسله كيف يصنع؟ قال : يتيمم ويصلّي، فإذا أصاب ماءً غسله وأعاد الصلاة»(5) . وهذا هو الخبر الذي قال
- (1) الفقيه 1: 40 ح155 و156 وص160 ح753; الوسائل 3: 484. أبواب النجاسات ب45 ح1 ـ 3.
- (2) الفقيه 1: 16 ح754; التهذيب 2: 224 ح885 ; الإستبصار 1: 169 ح586; الوسائل 3: 484، 485. أبواب النجاسات ب45 ح4 و 6 .
- (3) الفقيه 1 : 160 ح756; قرب الإسناد: 165 ح704; التهذيب 2 : 224 ح884; الإستبصار 1 : 169 ح585 ; الوسائل 3: 484. أبواب النجاسات ب45 ح5.
- (4) التهذيب 2: 224 ح883 ; الإستبصار 1: 169 ح584 ; الوسائل 3: 485. أبواب النجاسات ب45 ح7.
- (5) التهذيب 1: 407 ح1279 وج2: 224 ح886; الإستبصار 1: 169 ح587; الوسائل 3: 485. أبواب النجاسات ب45 ح8 .
(الصفحة 433)
الصدوق بعد نقل رواية الحلبي : وفي خبر آخر «وأعاد الصلاة» .
ثمّ إنّك قد عرفت أنّ المحقّق في المعتبر(1) جمع بين هذه الأخبار المتعارضة بالحمل على التخيير ، ومعناه تخيير المكلّف بين الصلاة عارياً وبين الصلاة في الثوب النجس ، ولا يخفى أنّ التخيير هنا ليس كالتخيير في الواجب التخييري ، بأن يكون هنا أمر واحد متعلّق بالشيئين على سبيل التخيير ، إذ الأمر فيما نحن فيه دائر بين رعاية شرطيّة الستر أو مانعية النجاسة في المأمور به بالأمر التعييني وهي الصلاة .
وبعبارة اُخرى ، الشك هنا في أنّ متعلّق الأمر التعييني هل يتحقّق في هذه الصورة بمراعاة الشرط أو يتوقف انطباق عنوان الصلاة على المأتي به؟ على أن لا تكون واقعة في النجاسة ، ولو كان ذلك مستلزماً لوقوعها في حال عدم الستر ، ومن هنا يظهر أنّ التخيير بين الصورتين بناءً عليه تخيير عقلي ، إذ لا يخلو إمّا أن يصلّي المكلّف في الثوب النجس ، فيلزم عدم مراعاة مانعية النجاسة ، أو يصلّي عارياً فيلزم عدم مراعاة شرطيّة الستر ، فليس هنا تخيير شرعيّ لكي يحتاج إلى البيان .
ومن المعلوم أنّ القول بالتخيير بناءً عليه يرجع إلى عدم مانعية النجاسة وعدم شرطيّة الستر كما هو واضح ، والظاهر أنّ سؤال الرواة إنّما هو عن تعيين أحدهما ، كما أنّ الجواب في كل واحد من الروايات إنّما يدلّ على تعيين أحد الأمرين .
وبالجملة : فالجمع بين تلك الأخبار بهذا النحو ممّا لا يساعده العرف ، إذ الدليل الدالّ على وجوب الصلاة عارياً وإلقاء الثوب ، والدليل الدالّ على وجوب الصلاة في الثوب النجس ، والنهي عن الصلاة عارياً كما في بعض الروايات المتقدّمة ممّا لا يمكن القول به ، لأنّه لا معارضة بينهما ، مع أنّ مرجع الجمع بالحمل على
(الصفحة 434)
التخيير إلى كونه جمعاً عرفيّاً ، يوجب خروجهما عن التعارض .
والحقّ إنّه لا محيص عن الجمع بينهما ، لما عرفت من الشيخ من حمل الأخبار الدالة على وجوب الصلاة في الثوب النجس على ما إذا اضطر إلى لبسه لبرد أو وجود ناظر أو غيرهما ، وحمل ما يدلّ على الصلاة عارياً على صورة عدم الاضطرار(1) .
توضيح ذلك ، إنّ السند في بعض الروايات المتقدّمة الدالة على وجوب الصلاة عارياً ينتهي إلى محمّد بن عليّ الحلبي ، كما أنّ السند في بعض الروايات الدالة على وجوب الصلاة في الثوب النجس ينتهي إليه(2) أيضاً ، ومن البعيد إنّه كان قد سأل عن حكم المسألة مرّتين أو مرّات ، بل الظاهر أنّه سأل عن الإمام(عليه السلام)مرّة واحدة وأجابه(عليه السلام) بجواب واحد ، فالتعدّد إنّما نشأ من تعدّد من روى عنه من الرواة .
وحينئذ فالرواية المشتملة على حكم من أصاب ثوبه الجنابة مع عدم كونه واجداً لغيره ، ليست مغايرة للرواية المشتملة على حكم من أصاب ثوبه المنفرد البول ، بل الظاهر أنّهما رواية واحدة ، كما يدلّ على ذلك روايته الأخيرة المشتملة على حكم من أصاب ثوبه المنفرد جنابة أو بول .
ولا يخفى أنّ وجوب الصلاة في الثوب النجس قد قيّد في هذه الرواية بما إذا كان المصلّي مضطرّاً إلى لبسه لبرد أو غيره ، إذ ليس المراد من الاضطرار ، الاضطرار الحاصل من قبل الصلاة ، لكونها مشروطة بستر العورة ، إذ كان ذلك مفروض السؤال ، فلا يحتاج إلى التكرار ، فالمراد منه هو الاضطرار الطارئ مع قطع النظر عن اعتبار الستر في صحة الصلاة .
وحينئذ فهذه الرواية تكون شاهدة للجمع بين الروايات التي رواها محمّد بن
- (1) الإستبصار 1: 169; الخلاف 1: 476 ذ مسألة 218 .
- (2) راجع الوسائل 3 : 484 ـ 487 . أبواب النجاسات ب45 ح1 و 7; وب46 ح4 .
(الصفحة 435)
عليّ الحلبي ، التي قد عرفت أنّها رواية واحدة ، ولعلّ الوجه في إطلاق الحكم بوجوب الصلاة عارياً في روايته الاُولى ، هو أنّ مفروض السؤال كون الرجل في فلاة من الأرض; ومن المعلوم انّه لا يضطر الرجل حينئذ إلى لبس الثوب غالباً ، لعدم وجود ناظر فيها كذلك .
فإذا ثبت الجمع بين الروايات التي رواها محمد بن علي الحلبي بهذا النحو ، فيظهر وجه الجمع بين سائر الروايات المتعارضة ، إذ الظاهر أنّ موثّقة سماعة المتقدّمة التي حكم فيها بوجوب الصلاة عرياناً إنّما هي واردة فيما إذا كان الرجل في فلاة من الأرض كبعض روايات الحلبي ، وقد عرفت أنّه في هذه الصورة لا يتحقّق الاضطرار غالباً .
فانقدح أنّ طريق الجمع بين الروايات المتقدّمة المتعارضة بعد التأمّل فيها هو ما اختاره الشيخ في مقام رفع المعارضة بينها ، من وجوب الصلاة عارياً فيما إذا لم يتحقّق الاضطرار إلى لبسه لبرد أو ناظر أو غيرهما ، كما أنّه ممّا ذكرنا من أنّ كثيراً من الروايات الواردة في هذا المقام ينتهي سندها إلى محمّد بن علي الحلبي ، وذلك يدلّ على كونها رواية واحدة ، ظهر أنّه لا مجال لدعوى التواتر أو الاستفاضة ، والتقديم بسببه في إحدى الطائفتين .
ثمّ إنّه قد يستدلّ على وجوب الصلاة في الثوب النجس مطلقاً بوجه عقليّ ، وهو إنّ الطهارة معتبرة فيما يكون ساتراً ، وبعبارة اُخرى يعتبر في صحة الصلاة أمران : ستر العورة ، وكون الساتر فاقداً للنجاسة ، فشرطيّة الستر كالأصل بالنسبة إلى اعتبار الطهارة ، فإذا تعذّر مراعاة وصف الساتر ، فلا يترك لأجله أصل الستر على ما هو مقتضى حكم العقل في كل موصوف وصفة كانا مطلوبين ، وتعذّر مراعاة الوصف وجوابه يظهر ممّا قدّمنا ذكره ، من أنّ الطهارة معتبرة في الساتر لا بما هو ساتر ، بل بما هو لباس للمصلّي .
(الصفحة 436)
وبعبارة اُخرى هي معتبرة فيما يلبسه المصلّي سواء كان ساتراً أم لا ، وقد عرفت أيضاً أنّ الطهارة أمر عدمي ، لا معنى لأن تكون شرطاً للصلاة ، بل النجاسة التي هي أمر وجوديّ تكون مانعة عن صحّتها ، فالأمر دائر بين رعاية شرطيّة الستر وبين رعاية مانعية النجاسة ، بترك الصلاة في الثوب النجس .
ومن المعلوم إنّه ليس للعقل سبيل إلى ترجيح أحد الطرفين والحكم بتعيّنه ، فلابدّ من التوقف حتى يعلم ما هو المقدّم في نظر الشارع ، وقد عرفت أنّ مقتضى الجمع بين الأخبار الواردة عن الأئمة(عليهم السلام) هو الحكم بوجوب الصلاة عارياً ، إلاّ فيما إذا اضطر إلى لبس الثوب .
ثمّ إنّه قد يقال بعدم إمكان حمل رواية عليّ بن جعفر(عليه السلام) المتقدّمة ـ الدالة على وجوب الصلاة في الثوب الذي نصفه أو كلّه دم والنهي عن الصلاة عرياناً ـ على صورة الاضطرار إلى لبس ذلك الثوب ، لبرد أو وجود ناظر ، كما حملها الشيخ على ذلك ، ووجهه أنّ موردها ما كان الرجل عرياناً فوجد ثوباً بذلك الوصف ، وظاهرها عدم كونه مضطرّاً إلى لبسه ، والمفروض إنّه قد حكم فيه بوجوب الصلاة في الثوب النجس ، فلا مجال للحمل على صورة الاضطرار .
ولكن فيه مضافاً إلى أنّ هذا الاشكال كما ينافي الحمل على صورة الاضطرار ، والتفصيل بينها وبين غيرها كما اختاره الشيخ(1) ، كذلك ينافي ما استحسنه المحقّق في المعتبر من الحمل على التخيير(2) ، لما عرفت من اشتمالها على النهي عن الصلاة عرياناً .
نعم يناسب القول المستحدث في القرون الأخيرة الذي اختاره كاشف اللّثام ،
- (1) المبسوط 1: 90 و 91; الخلاف 1: 474; النهاية: 55 .
- (2) المعتبر 1 : 445 .