(الصفحة 441)
وأمّا إذا لم يتمكّن إلاّ من الصلاة في أحدهما لضيق الوقت ، فالظاهر أنّ المسألة مبتنية على المسألة السابقة ، وهي ما لو انحصر ثوبه في النجس ، فإن قلنا بأنّ الواجب في تلك المسألة هي الصلاة في الثوب النجس كما اختاره كاشف اللثام(1) ، وتبعه جمع من مقاربي عصرنا ، منهم: السيّد(قدس سره) في العروة(2) ، فيجب عليه هنا الصلاة في أحد الثوبين الذي لا يعلم بنجاسته بطريق أولى كما لا يخفى .
وإن قلنا بأنّه يجب عليه في تلك المسألة الصلاة عارياً ، كما قوّيناه تبعاً للشيخ أبي جعفر الطوسي (رحمه الله)(3)، فالظاهر أنّ الواجب عليه في مسألتنا هذه أيضاً ذلك .
وتوهّم(4) ثبوت الفرق بين المقامين بأنّ الأمر هناك دائر بين الصلاة فاقداً للستر وللمانع ، وبين الصلاة واجداً لهما معاً قطعاً ، ، للعلم بنجاسة الثوب المنحصر ، وهنا دائر بين الصلاة فاقداً للشرط قطعاً ، وبينها واجداً للمانع احتمالا .
وبعبارة اُخرى ، الأمر في المسألة السابقة كان دائراً بين المخالفة القطعية للأمر المنجز المعلوم بترك ما هو شرط للمأمور به يقيناً ، وبين المخالفة القطعية له بإتيانه واجداً للمانع كذلك ، وهنا دائر بين المخالفة القطعية له بترك ما هو شرط له ، وبين المخالفة الاحتماليّة بإيقاع الصلاة في الثوب الذي شكّ في طهارته ، ولا ريب أنّ الترجيح مع الثاني ، كما يحكم به العقل قطعاً .
مندفع بأنّ الكلام إنّما هو في مقام تعلّق الأمر ، وأنّه هل تعلّق أمر المولى فيما إذا لم يمكن مراعاة الشرط والمانع معاً بالصلاة مع رعاية الشرط ، أو بها مع خلوّها عن المانع ، وإن كانت فاقدة للشرط؟ وقد دلّت الأخبار المتقدّمة في المسألة السابقة على
- (1) كشف اللثام 1 : 455 .
- (2) العروة الوثقى 1 : 76 مسألة 4 .
- (3) المبسوط 1 : 90 ـ 91 ; الخلاف 1 : 474; النهاية: 55 .
- (4) الظاهر هو الحاج آقا رضا الهمداني(رحمه الله) في كتاب الطهارة من مصباح الفقيه ص625 .
(الصفحة 442)
ترجيح مانعية النجاسة ، لقوّتها على شرطيّة الستر .
وحينئذ فلو قلنا بوجوب الصلاة في الثوب فيما نحن فيه ، فمرجعه إلى اكتفاء المولى بمحتمل الصلاتيّة ، إذ على تقدير نجاسة الثوب واقعاً لا تتحقّق الصلاة أصلا ، فاللازم أن يقال بكفاية الشك في تحقّق الامتثال ، مع عدم وجود ما يحرزه كما هو المفروض ، وهو ممّا يحكم ببداهة خلافه العقل ، إذ مرجعه إلى عدم كون الصلاة مطلوبة للمولى، ومأموراً بها بالأمر المنجز كما هو واضح .
وبالجملة : فالصلاة في الثوب الذي شكّ في طهارته مع عدم احرازها بالأصل ، لفرض كونه من أطراف العلم الاجمالي كالصلاة ، فيما علم نجاسته من حيث عدم تحقّق الامتثال المعتبر في سقوط الأمر ، وحيث إنّه قد علم من الأخبار المتقدّمة ترجيح جانب المانع على جانب الشرط ، فالواجب عليه هنا أيضاً الصلاة عارياً فتدبّر .
(الصفحة 443)المقدّمة الخامسة في مكان المصلّي
إعلم أنّه لا يعتبر في مكان المصلّي شيء وجودي أو عدمي ، مثل ما يعتبر في لباسه من الأوصاف الوجودية والعدمية ، على ما عرفت تفصيله ، نعم يعتبر فيه أن يكون التصرف فيه مباحاً للمصلّي ، ولكنّه لم يرد فيه نصّ بخصوصه ، بل الوجه في اعتباره هو ما دل على حرمة التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، بضميمة استحالة اجتماع الأمر والنهي .
ونحن وإن حقّقنا جوازه فيما هو محلّ النزاع في المسألة الاُصولية إلاّ انّك عرفت أنّ ذلك لا ينافي القول ببطلان العبادة فيما إذا اتحدت مع عنوان محرّم في الخارج ، لعدم صلاحية ما يكون مبغوضاً للمولى بالفعل للتقرب به إليه .
نعم يختص ذلك بما إذا كانت الحرمة منجزة على المكلّف ، وأمّا في غير هذه الصورة فلا مانع من وقوع العبادة على وجهها ، لعدم كونها مبغوضة فعلا . ثم إنّ التعبير بأنّه يعتبر أن لا يكون مكان المصلّي مغصوباً كما في بعض الكلمات(1) ، لا
- (1) كتاب الصلاة للمحقق الحائري : 81 .
(الصفحة 444)
يشمل جميع صور المسألة ، لما عرفت من أنّ الغصب يعتبر فيه الاستيلاء ، ولو لم يتحقق تصرّف أصلا ، والملاك هو التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، ولو لم يكن هنا استيلاء ، إذ هو الذي يتّحد مع أكوان الصلاة كما هو واضح .
ثمّ إنّه جرت عادتهم في هذا المقام على التعرض لمسألتين ، وإن لم يكن لهما ربط به بكثير ، ونحن أيضاً نتعرّض لهما في هذا الباب تبعاً لهم فنقول :
المسألة الاُولى : حكم تقدّم المرأة على الرجل في الصلاة
المشهور بين قدماء الأصحاب إنّه لا يجوز تقدّم المرأة على الرجل في الصلاة ، ولا صلاتها بحذائه ، بأن تكون عن يمينه أو يساره ، وهم بين مصرّح بأنّه لا يجوز ذلك(1) الذي يظهر منه البطلان ، لكون النواهي الواردة في بيان كيفيات العبادات والمعاملات إرشادات إلى فساد العبادة والمعاملة ، وبين من صرّح بالبطلان(2) ، والمشهور بين المتأخرين هو القول بالكراهة(3) .
ولا يخفى أنّ الأخبار الواردة في هذه المسألة كثيرة ، والرواة من أصحاب الأئمة(عليهم السلام)الذين سألوهم عن حكمها أيضاً كثيرون ، بحيث ربما يبلغ عددهم إلى ثلاثة عشر أو أربعة عشر ، وهم بين من يروى عنه أزيد من رواية واحدة ، وبين من له رواية واحدة فقط .
أمّا الطائفة الاُولى فمنهم: جميل بن درّاج ، وقد روي عنه ثلاث روايات :
- (1) الكافي في الفقه: 120; الغنية: 82 ; المهذّب 1: 98.
- (2) المقنعة: 152; النهاية: 100 ـ 101; الوسيلة: 89 .
- (3) السرائر 1 : 267; شرائع الاسلام 1 : 71; المعتبر 2 : 110; نهاية الاحكام 1 : 349; القواعد 1 : 28; التحرير 1 : 33; الذكرى 3: 82 ; البيان : 130; جامع المقاصد 2 : 120; الدروس 1 : 153; مدارك الاحكام 3 : 221 .
(الصفحة 445)
منها : ما رواه الشيخ عن محمد بن الحسين، عن ابن فضال، عمّن أخبره، عن جميل، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يصلّي والمرأة بحذاه أو إلى جنبيه قال : «إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس»(1) .
ومنها : ما رواه أيضاً عن يعقوب بن يزيد، عن ابن فضال، عمّن أخبره، عن جميل، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يصلّي والمرأة تصلّي بحذاه قال : «لا بأس»(2) .
والظاهر أنّهما رواية واحدة ، بمعنى أنّ الراوي وهو جميل سأل الإمام(عليه السلام)عن حكم المسألة مرّة واحدة ، وأجابه(عليه السلام) بجواب واحد ، وهل الحكم بعدم البأس مطلقاً ، أو يكون مقيداً بما إذا كان سجودها مع ركوعه؟، الظاهر هو الثاني ، لأنّه إذا دار الأمر بين الزيادة السهوية ، والنقيصة السهوية ، يكون الترجيح مع الثاني ، على ما يحكم به العرف .
ويؤيّد ذلك ـ أي كون الصادر من الإمام(عليه السلام) هو الثاني ـ ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عمّن(3) رواه، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يصلّي والمرأة تصلّي بحذاه أو إلى جانبه فقال : «إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس»(4) .
ثمّ لو فرض كونهما روايتين ، فالواجب تقييد الرواية الثانية بالاُولى ، وحملها على ما إذا كان سجودها مع ركوعه ، ولا وجه لحمل الرواية الاُولى على استحباب تأخّر المرأة عن الرجل في الصلاة بذلك المقدار . وبالجملة فلا يصح جعل الرواية الثانية حجّة على جواز صلاتها بحذاه أو إلى أحد جانبيه بنحو الإطلاق .
- (1) التهذيب 2 : 379 ح1581 ; الاستبصار 1 : 399 ح1524; الوسائل 5 : 127. أبواب مكان المصلّي ب6 ح3.
- (2) التهذيب 2: 232 ح912، الوسائل 5: 125. أبواب مكان المصلّي ب5 ح6.
- (3) يحتمل قويّاً أن يكون المراد بمن روى عنه ابن بكير هو جميل ، إذ لو كان المراد به هو زرارة الذي هو عمّه لما أبهم اسمه، وعليه فيكون المرادبمن أخبرعنه ابن فضال في الروايتين المتقدّمتين هو ابن بكير، كما لا يخفى (منه).
- (4) الكافي 3 : 299 ح7; الوسائل 5 : 128 . أبواب مكان المصلّي ب6 ح5 .