(الصفحة 492)
تتقوم به ، فالكلام لغير تعيين الإمام ، بل لتنبيه الجاهل بأحكام الجماعة مثلا ، أو لتسوية الصفوف خارج عن الحرمة ، كما احتمله العلاّمة(قدس سره)، بل جزم به في المنتهى(1) .
ثمّ لا يخفى إنّه تطلق الإقامة كثيراً ما على قول قد قامت الصلاة ، كما يظهر بمراجعة الأخبار ، وحينئذ فلا تعارض بين نفس الروايات المتقدمة الدالة على حرمة الكلام كما هو واضح . ثمّ إنّ اطلاق الأذان على الأعمّ منه ومن الإقامة شائع جدّاً ، كما يظهر لمن تتبع في الأخبار ، وممّا اطلق فيه الأذان على الأعمّ روايتا سماعة وابن أبي عمير المتقدمتان .
ثانيها : عدم مغايرة المؤذّن للمقيم ، ومقتضى الأخبار جوازها ، وقد جمعها صاحب الوسائل في الباب الواحد والثلاثين من أبواب الأذان والإقامة فراجع .
ثالثها : البلوغ ، ومقتضى الأخبار أيضاً عدم اعتباره ، كخبر ابن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال : «لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم»(2) . وغير ذلك ممّا جمعه صاحب الوسائل في الباب الثاني والثلاثين فراجع . ومقتضى صحة أذان غير البالغ كون عباداته شرعية كما هو الحقّ ، وتدلّ عليه جملة من الأخبار .
رابعها : القيام والاستقرار وكونه على الأرض ، والروايات الواردة في هذا الباب كثيرة، وقدجمعها في الوسائل في الباب الثالث عشر من أبواب الأذان والإقامة.
منها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «تؤذّن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائماً أو قاعداً وأينما توجّهت ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيّئاً للصلاة»(3) .
- (1) المنتهى 1 : 256 .
- (2) التهذيب 2 : 280 ح1112; الوسائل 5: 440. أبواب الأذان والإقامة ب32 ح1; وسائر أحاديث الباب.
- (3) التهذيب 1 : 183 ح866 ; الوسائل 5: 401. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح1.
(الصفحة 493)
ومنها : ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا(عليه السلام) أنّه قال : «يؤذّن الرجل وهو جالس ويؤذّن وهو راكب»(1) . ومقتضاها عدم اعتبار القيام ولا كونه على الأرض ، بل ولا الاستقرار ، كما أنّ مقتضى الرواية الاُولى عدم اعتبار القيام ولا الاستقرار ، بناءً على أن يكون المراد بقوله : «وأينما توجّهت» المشي إلى المحلّ الذي يريده المؤذّن ، لا نفي اعتبار الاستقبال .
هذا ، ولا يخفى بعد المعنى الأوّل .
ومنها : ما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «إذا أذّنت في الطريق أو في بيتك ثمّ أقمت في المسجد أجزأك»(2) . ومقتضاها نفي اعتبار الاستقرار ، ولكن الرواية لم تصدر لبيان ذلك ، بل المقصود منها عدم اعتبار اتصال الأذان بالإقامة كما لا يخفى .
ومنها : رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لا بأس للمسافر أن يؤذّن وهو راكب ويقيم وهو على الأرض قائم»(3) .
ومنها : رواية محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): يؤذّن الرجل وهو قاعد؟ قال : «نعم ولا يقيم إلاّ وهو قائم»(4) .
ومنها : رواية أحمد بن محمّد، عن العبد الصالح(عليه السلام) قال : «يؤذّن الرجل وهو جالس ولا يقيم إلاّ وهو قائم» . وقال : «تؤذّن وأنت راكب ولا تقيم إلاّ وأنت على الأرض»(5) .
- (1) الفقيه 1: 183 ح867; الوسائل 5: 402. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح2.
- (2) الفقيه 1: 189 ح901; الوسائل 5: 402. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح3.
- (3) التهذيب 2 : 56 ح193 ; الوسائل 5: 402. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح4.
- (4) التهذيب 2 : 56 ح194 ; الإستبصار 1: 302 ح1118; الوسائل 5: 402. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح5.
- (5) الكافي 3: 305 ح16; التهذيب 2 : 56 ح195 ; الإستبصار 1: 302 ح1119; الوسائل 5: 402. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح6.
(الصفحة 494)
ومنها : رواية محمّد عن أحدهما(عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل يؤذّن وهو يمشي أو على ظهر دابّته وعلى غير طهور؟ فقال : «نعم إذا كان التشهّد مستقبل القبلة فلا بأس»(1) .
ومنها : رواية سماعة، عن أبي بصير قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «لا بأس أن تؤذّن راكباً أو ماشياً أو على غير وضوء ولا تقيم وأنت راكب أو جالس إلاّ من علّة أو تكون في أرض ملصّة»(2) .
ومنها: رواية يونس الشيباني عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له: أُؤذّن وأنا راكب؟ قال : نعم. قلت : فأُقيم وأنا راكب؟ قال : لا. قلت : فأُقيم ورجلي في الركاب؟ قال : لا. قلت : فأُقيم وأنا قاعد؟ قال : لا. قلت : فأُقيم وأنا ماش؟ قال : نعم ماش إلى الصلاة. قال : ثمّ قال : إذا أقمت الصلاة فأقم مترسّلا فإنّك في الصلاة. قال : قلت له : قد سألتك أُقيم وأنا ماش؟ قلت لي: نعم . فيجوز أن أمشي إلى (في خ ل) الصلاة؟ فقال : «نعم، إذا دخلت من باب المسجد فكبّرت وأنت مع إمام عادل ثمّ مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك وإذا الإمام كبّر للركوع كنت معه في الركعة. لأنّه إن أدركته وهو راكع لم تدرك التكبير معه في الركوع»(3) .
ومنها : رواية حمران قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن الأذان جالساً؟ قال(عليه السلام) : «لا يؤذّن جالساً إلاّ راكب أو مريض»(4) .
ومنها : رواية سليمان بن صالح عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لا يقيم أحدكم الصلاة
- (1) التهذيب 2 : 56 ح196 ; الفقيه 1: 185 ح878 ; الوسائل 5: 403. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح7.
- (2) الفقيه 1: 183 ح868 ; التهذيب 2 : 56 ح192 ; الوسائل 5: 403. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح8 . وأرض ملصّة: ذات لصوص (لسان العرب 12: 278).
- (3) التهذيب 2 : 282 ح1125 ; الوسائل 5: 403. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح9.
- (4) التهذيب 2 : 57 ح199 ; الإستبصار 1: 302 ح1120; الوسائل 5: 404. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح11.
(الصفحة 495)
وهو ماش ولا راكب ولا مضطجع إلاّ أن يكون مريضاً وليتمكّن في الإقامة كما يتمكّن في الصلاة فإنّه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة»(1) .
ومنها : رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(عليهما السلام) قال : سألته عن المسافر يؤذّن على راحلته؟ وإذا أراد أن يقيم أقام على الأرض؟ قال : «نعم لا بأس»(2) .
ومنها : رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الرضا(عليه السلام) قال : «تؤذّن وأنت جالس ولا تقيم إلاّ وأنت على الأرض وأنت قائم»(3) .
ومنها : رواية عليّ بن جعفر عن أخيه(عليه السلام) قال : سألته عن الأذان والإقامة أيصلح على الدابّة؟ قال : «أمّا الأذان فلا بأس وأمّا الإقامة فلا حتّى ينزل على الأرض»(4) .
هذه مجموع الروايات الواردة في هذا الباب ، ومفاد أكثرها التفصيل بين الأذان والإقامة بعدم اعتبار القيام والاستقرار ، والكون على الأرض فيه دونها، وبعض ما يدل على اعتبار القيام في الأذان إلاّ في بعض الموارد محمول على كراهته بدون القيام ، لا كونه شرطاً في صحته .
وحينئذ فهل اللاّزم الأخذ بمقتضى هذه الروايات في باب الإقامة والقول باعتبار هذه الاُمور كلّها في صحتها تحققها، أو أنّ ذلك من قبيل تعدّد المطلوب بالنسبة إلى الأدلة الدالة على استحبابها ، وبيان كيفيتها من دون أخذ شيء من ذلك فيها شرطاً أو شطراً ؟
- (1) الكافي 3: 306 ح21; التهذيب 2 : 56 ح197 ; الوسائل 5: 404. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح12.
- (2) قرب الاسناد : 160 ح664; الوسائل 5: 405. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح13.
- (3) قرب الاسناد: 289 ح1308; الوسائل 5: 405. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح14.
- (4) مسائل عليّ بن جعفر: 174 ح309; الوسائل 5: 405. أبواب الأذان والإقامة ب13 ح15.
(الصفحة 496)
توضيح ذلك : إنّ في باب الإقامة طائفتين من الأخبار ، طائفة تدلّ على استحباب الإقامة مطلقاً مع بيان حقيقتها من دون تعرّض لشيء من هذه الاُمور أصلا ، وطائفة اُخرى تدلّ على اعتبار هذه الاُمور فيها كهذه الروايات .
ومن المعلوم أنّ حمل المطلق على المقيد مشروط بإحراز وحدة الحكم ، وإلاّ فلا تعارض بينهما أصلا حتّى يلزم تقييد المطلق ، واحراز اتحاد الحكم قد يكون من ناحية وحدة السبب كقوله : إن ظاهرت فأعتق رقبة وإن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة ، وقد يكون من الخارج .
وبالجملة : فالمناط في الحمل إنّما هو إحراز ثبوت التعارض بين الدليلين، ولا يحرز ذلك إلاّ بعد احراز وحدة الحكم من ناحية وحدة السبب أو من غيرها ، وفي المقام بل في باب المستحبات كلّها لا دليل على وحدة الحكم ، فيحتمل أن تكون الإقامة في نفسها مستحبة، وكونها في حال القيام أو مع الاستقرار مثلا مستحباً آخر . ولكن لا يخفى أنّ ذلك إنّما هو بعد الفراغ عن كون الأمر المطلق والمقيد أمراً مولوياً لا إرشادياً .
توضيح ذلك ، إنّ الأوامر الصادرة من المولى المتعلقة بإتيان شيء في المأمور به أو بإتيان المأمور به على نحو خاص وكيفية خاصة ، يكون المتبادر منها عند العرف هو كونها إرشاداً إلى اعتبار ذلك الشيء في المأمور به ، أو اعتبار أن يكون المأمور به على ذلك النحو الخاص ، والكيفية الخاصة بمعنى دخالته في ترتب الأثر المترقب من إتيان المأمور به عليه ، وأنّ الإتيان به فاقداً لذلك الشيء أو بدون تلك الكيفيّة لا يؤثر في حصول الأثر المقصود .
فمفادها ليس إلاّ مجرّد الإرشاد إلى اعتبار ذلك الشيء في المأمور به على ما هو المتبادر منها كما لا يخفى ، وهكذا النواهي الصادرة من المولى المتعلّقة بإيجاد شيء في المأمور به ، أو بإتيان المأمور به مع ذلك الشيء ، فإنّه لا يتبادر منها إلاّ كونها إرشاداً